كيفية الوضوء بعد عمليات الليزر وجراحات العيون

كيفية الوضوء بعد عمليات الليزر وجراحات العيون

ما كيفية الوضوء بعد عمليات الليزر وجراحات العيون؟ حيث إني قد قمتُ بإجراء عملية في العين بالليزر لتصحيح الإبصار، وقد منعني الطبيب المختص من وصول الماء إلى داخل العين وظاهرها لعدة أيام، فأرجو الإفادة بالرأي الشرعي عن كيفية الطهارة في هذه الحالة.

طهارة مَن أجرى عملية الليزك أو إحدى الجراحات في عينه تكون على ثلاثة أحوال بحسب الإرشادات والنصائح الطبية المقررة وبحسب نوع العملية:

الحالة الأولى: ألَّا يتضرر مِن إسالةِ الماء على عينِه وهي مغمضة، فيكفيه حينئذٍ إسالة الماء على هذه الهيئة دون إلزام بفتح الجفن.

والحالة الثانية: أن يتضرر من إسالةِ الماء على عينِه ولو في حالة إغماضها دون المسح عليها؛ فيلزمه حينئذٍ المسح عليها مباشرة إن أمكنه ذلك، أو على ما يوضع عليها من حائلٍ كلاصقة طبية أو نحوها.

والحالة الثالثة: أن يُمنع من وصول الماء مطلقًا سواء بالغَسْل أو بالمسح؛ فيسقط عنه حينئذٍ المسح كما سقط عنه الغَسْل للضرورة، على ما ذهب إليه فقهاء الحنفية والمالكية، وهذا كله مع مراعاة أن يغسل أو يمسح ما حول عينه من بقية الوجه على قدر تمكنه واستطاعته من ذلك، والتنويه على بقاء حكم سائر الأعضاء على ما هي عليه من أحكام الطهارة بحسب نوعها وشروطها وضوابطها.

التفاصيل ....

المحتويات

 

بيان أن غسل الوجه من فرائض الوضوء والأدلة على ذلك

مِن المقرر شرعًا أن الوضوءَ شرطٌ مِن شروط صحة الصلاة، وأن غسل الوجه ركن مِن أركانه لا يصح إلا به؛ وقد ثبت ذلك بالكتاب والسُّنَّة والإجماع.

فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6].

ومن السُّنَّة ما أخرجه الشيخان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، أنَّه دعا بوَضُوء، فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاثَ مراتٍ، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثُمَّ غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل كلَّ رِجلٍ ثلاثًا، ثم قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ نحو وُضُوئي هذا، وقال: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

وقد نُقل الإجماع على أن غسل الوجه فرضٌ من فرائض الوضوء؛ قال الإمام ابن عبد البر المالكي في "التمهيد" (4/ 31، ط. أوقاف المغرب): [العلماء أجمعوا على أن غسل الوجه واليدين إلى المِرْفقين والرِّجْلين إلى الكعبين ومسح الرأس فرض ذلك كله.. لا خلاف علمته في شيء من ذلك] اهـ.

حد الوجه الواجب غسله في الوضوء، وحكم غسل ظاهر العين وباطنها

حَدُّ الوجه الواجب استيعابه بإسالة الماء عليه في الطهارة: إنما يكون من منبت الشَّعَر إلى الذقن طولًا، وما بين شَحْمَتي الأذنين عرضًا.

قال العلامة شيخي زاده الحنفي في "مجمع الأنهر" (1/ 10، ط. دار إحياء التراث العربي): [(والوجه ما بين قُصَاص الشعر) هذا باعتبار الغالب؛ لأن حَدَّ الوجه في الطول من مبدأ سطح الجبهة إلى الذَّقن سواء كان عليه شَعْر أو لا.. (وأسفل الذَّقَن) هذا حده طولًا، والذَّقن -بالتحريك- مجتمع اللَّحْيَيْن جمعه أذقان. (وشَحْمَتي الأذنين) هذا حَدُّه عرضًا، الشَّحْمة مُعلَّق القُرط، وإنما زاد لفظ الشَّحْمة إدخالًا لما بين العِذار وشَحْمة الأذن في حَدِّ الوجه مطلقًا] اهـ.

وقال العلامة الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 185، ط. دار الفكر): [قال الفاكهاني: والجبهة ما أصاب الأرض في حال السجود، والجَبِينَان ما أحاط بها من يمين وشمال، والعارضان والعَنْفَقَة وأهداب العين والشارب، كلُّ ذلك من الوجه] اهـ.

ويفهم من ذلك أن ظاهر العين من أهداب وجفون داخل قطعًا في حدود الوجه التي يجب أن يستوعبها الماء في الطهارة من الحدث، وعلى هذا اتفق الفقهاء، وأهداب العين جمع هُدْب وهو: الشعر النابت على حرف الجفن. كما في "طِلبة الطلبة" للعلامة النسفي (ص: 165، ط. المطبعة العامرة).

والأجفان: غِطَاء العين وما يظهر عند إغماضها، كما في "لسان العرب" (13/ 89، ط. دار صادر).

ومع اتفاق الفقهاء على أن ظاهر العين ممَّا يجب أن يستوعبه الماء بالغسل وإن كان غائرًا، فقد نصوا على أن باطنها -وهو ما سترته الجفون حال إغماضها- ممَّا لا يجب على المتطهر إيصال الماء إليه؛ ذلك لأن بناء الطهارات على إيصال الماء إلى ظواهر البدن، وباطن العين ليس من الظاهر، والمقصود من الوجه ما يُواجَه به، وباطن العين مما لا يُواجَه به، مع ما في إيصال الماء إلى باطنها مِن تكلفِ الحرج والمشقة.

فأما اتفاقهم على أن ظاهر العين مما يجب إيصال الماء إليه:

قال العلامة ابن نُجَيم الحنفي في "البحر الرائق" (1/ 12، ط. دار الكتاب الإسلامي): [قال الفقيه أحمد بن إبراهيم: إن غَمَّض عينيه شديدًا لا يجوز، ولو رَمِدت عينه فرَمِصَت يجب إيصال الماء تحت الرَّمَص إن بقي خارجًا بتغميض العين، وإلَّا فلا، وفي "المغرب": الرَّمَص ما جَمَد من الوسخ في المُوق، والمُوق: مؤخر العين، والماق مقدمها] اهـ.

وقال العلامة الطحطاوي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص: 63، ط. دار الكتب العلمية): [وفي ابن أمير حاج: يجب إيصال الماء إلى أهداب العينين ومُوقيهما] اهـ.

وقال العلَّامة النَّفَراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 138، ط. دار الفكر) -في بيان وجوب تتبع أماكن يبعد عنها الماء غالبًا؛ تبعًا للماتن-: [قوله: (و) يجب عليه أن (يُمَرَّ يديه على ما غَارَ) أي: غاب (من ظاهر أجفانه) حتى يعمه الماء لا داخل العين؛ لأنه من الباطن] اهـ.

وقال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 39، ط. الفكر): [لم أعلم مخالفًا في أنَّ الوجه المفروض غسله في الوضوء ما ظهر دون ما بطن، وأن ليس على الرجل أن يغسل عينيه ولا أن ينضح فيهما] اهـ.

وقال شمس الدين الرملي في "نهاية المحتاج" (1/ 169، ط. دار الفكر): [(ويجب غسل كل هُدْب) -وهو بضم الهاء مع سكون الدال المهملة وضمها وبفتحهما معًا- الشعر النابت على العين] اهـ.

وقال القاضي الشريف أبو علي البغدادي الحنبلي في "الإرشاد إلى سبيل الرشاد" (ص: 29، ط. مؤسسة الرسالة) في صفة الوضوء: [ويمر يديه على ما غاب من ظاهر أجفانه وغضون جبهته وما تحت حاجبيه] اهـ.

وأما ما تواردت عليه نصوصهم من أن باطن العين مما لا يجب إيصالُ الماء إليه:

قال العلَّامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 4، ط. دار الكتب العلمية): [إدخال الماء في داخل العينين ليس بواجب؛ لأن داخل العين ليس بوجه؛ لأنه لا يواجه إليه؛ ولأن فيه حرجًا] اهـ.

وقال الشيخ أبو محمد الجُوَيْنِي في "الجمع والفرق" المسمَّى "الفروق" (1/ 154، ط. دار الجيل): [فأما بناء الطهارات فهو على إيصال الماء إلى ظواهر البدن، وليس باطن العين والفم والأنف من جملة الظواهر] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (1/ 369، ط. دار الفكر) أثناء بيان أحكام غسل العينين: [أما حكم المسألة فلا يجب غسل داخل العين بالاتفاق] اهـ.

وقال العلامة الحَجَّاوِي الحنبلي في "الإقناع" (1/ 27، ط. دار المعرفة): [ولا يجب -بل ولا يسن- غسل داخل عين لحدث ولو أَمِن الضرر؛ بل يكره، ولا يجب من نجاسة فيها] اهـ.

وقال الإمام الطبري في "جامع البيان" (8/ 180، ط. هجر): [وإن كان ما تحت شعر اللحية والشاربين قد كان وجهًا يجب غسله قبل نبات الشعر الساتر عن أعين الناظرين على القائم إلى صلاته، لإجماع جميعهم على أن العينين من الوجه، ثم هم مع إجماعهم على ذلك مجمعون على أن غَسْل ما علاهما من أجفانهما دون إيصال الماء إلى ما تحت الأجفان منهما مُجزئ؛ فإذا كان ذلك منهم إجماعًا بتوقيف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمته على ذلك، فنظير ذلك كل ما علاه شيء من مواضع الوضوء من جسد ابن آدم من نَفْسِ خَلْقه ساتره لا يصل الماء إليه إلا بكُلفةٍ ومؤنةٍ وعلاجٍ] اهـ.

كيفية الوضوء بعد عمليات الليزر وجراحات العيون والأدلة على ذلك

إذا عُلِم ذلك يظهر أنه إذا وَجَب على مَن أجرى عملية الليزك أو جراحة بالعين التطهر من حدث أصغر أو أكبر، وتَعَذَّر عليه إيصال الماء أو إسالته على ظاهر عينه لمدة معينة؛ عملًا بما ينصحه به الطبيب المعالج من أجل تجنب المخاطر المحتملة والوقاية من حدوث آثار جانبية، فإنه مما استقرت عليه عامةُ أحكام التشريع الإسلامي أن الحرجَ مرفوعٌ وأنه لا تُكلف نفس إلا وُسعها، فمن كُلِّف بشيءٍ من الفرائض فشَق عليه القيام به لضرورة من عذر كمرض أو غيره، جلبت هذه المشقة عليه تيسيرًا إما بالتخفيف فيه لقدر استطاعته، وإما بالترخص بتركه؛ إذ قد تقرر أن "المشقة تجلب التيسير"، وأن "الميسور لا يسقط بالمعسور"، وأن "الأعذار مؤثرة بالتخفيف في العبادات"؛ قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه الشيخان.

وعن أبي أُمامة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»، أخرجه الإمام أحمد في "المسند".

قال العلامة المرغيناني في "الهداية" (2/ 279، ط. دار إحياء التراث العربي): [العبادات تؤثر فيها الأعذار] اهـ.

وقال الحافظ السيوطي في "الأشباه والنظائر" (1/ 49، ط. دار الكتب العلمية): [المشقة تجلب التيسير، وإن شئتَ قلتَ: إذا ضاق الأمر اتسع] اهـ.

وقال العلامة ابن عطية في "المحرر الوجيز" (4/ 195، ط. دار الكتب العلمية): [ظاهر الآية وأمر الشريعة: أن الحرج عنهم مرفوع في كلِّ ما يضطرهم إليه العذر، وتقتضي نيتهم الإتيان فيه بالأكمل، ويقتضي العذر: أن يقع منهم الأنقص؛ فالحرج مرفوعٌ عنهم في هذا] اهـ.

وقال الإمام العز ابن عبد السلام في "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" (2/ 10، ط. مكتبة الكليات الأزهرية) في بيان المشاق الموجبة للتخفيفات الشرعية: [مشقة تنفك عنها العبادات غالبًا، وهي أنواع: النوع الأول: مشقة عظيمة فادحة كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأطراف، فهذه مشقة موجبة للتخفيف والترخيص؛ لأن حفظ المهج والأطراف لإقامة مصالح الدارين أولى من تعريضها للفوات في عبادة أو عبادات ثم تفوت أمثالها] اهـ.

فأمَّا الترخص بالتخفيف على مَن يتعذر عليه إسالة الماء على عضوٍ من أعضاء الطهارة:

فقد تواردتِ النصوص والآثار على أن ما أصابه الحدث وتَعذَّر عليه إسالة الماء على عضوٍ من أعضاء الطهارة أو على جزءٍ منه، لجرحٍ أو مرضٍ أصابه، فإنه يكفيه في هذه الحالة أن يمسح عليه مباشرة أو على ما وُضِع عليه من حائلٍ أو لاصقٍ، مع غسل ما عداه من أعضاء الطهارة.

فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: "خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ هَلْ تَجِدُونَ فِيَّ رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟"، قَالُوا: "مَا نَجْدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ"، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جَرْحِهِ ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهِ وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» أخرجه الدارقطني في "السنن".

وعن نافع أن إبهام رِجْلِ ابن عمر رضي الله عنهما جُرِحَت فأَلبَسَها مَرارَةً وكانَ يَتَوَضأُ عَلَيها، وأنه كان يقول: "مَن كان له جُرحٌ مَعصوبٌ عليه تَوَضَّأَ ومَسَحَ على العِصابِ، ويَغسِلُ ما حَولَ العِصابِ" أخرجهما البيهقي في "السنن الكبرى"، والموقوف في هذا كالمرفوع، لأن الأبدال لا تنصب بالرأي، كما في "البحر الرائق" للعلامة ابن نجيم (1/ 194)، "ومرقاة المفاتيح" للملا علي القاري (2/ 485، ط. دار الفكر).

وقد نص جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة في الصحيح على أنَّ من خاف على نفسه الضرر إن سَال الماء على جرحه أو موضع مرضه حال التطهر؛ فإنه يكفيه حينئذ المسح على هذا الموضع أو على ما باشره من لاصقة أو نحوها، ويغسل الصحيح من العضو مع سائر الأعضاء مما يجب عليه غسلها، واشترط الحنفية لذلك في معتمد المذهب والمالكية أن يكون القَدْرُ الذي سوف يمسح عليه أقلَّ مما سيغسله من باقي الأعضاء الواجب غسلها -كما في مسألتنا-؛ حيث يتعذر عليه غسل عينيه فقط، ولا يجمع حينئذٍ بين التيمم واستعمال الماء؛ لأنهما بَدَلَان فلا يجتمعان.

قال العلامة ابن مازه الحنفي في "المحيط البرهاني" (1/ 148، ط. دار الكتب العلمية): [والمسح على الجراحة إن أمكنه أو فوق الخرقة إن كان المسح يضره، ولا يتيمم، وهو قول علمائنا] اهـ.

وقال كمال الدين ابن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (1/ 142، ط. دار الفكر): [لا تلفيق عندنا في إقامة طهارة بين الآلتين الماء والتراب خلافًا للشافعي؛ لأنَّ شرط عمل التراب شرعًا: عدمُ الأصل] اهـ.

ثم قال (1/ 142): [ولو كان الأكثر صحيحًا: يغسل الصحيح ويمسح على الجراحة إن لم يضره] اهـ.

وقال الإمام القُرافي المالكي في "الذخيرة" (1/ 343، ط. دار الغرب الإسلامي): [ولا معنى للتيمم مع الغسل؛ لأن البدل والمبدل منه لا يجتمعان] اهـ.

وقال الشيخ عِلِيش المالكي في "منح الجليل" (1/ 162، ط. دار الفكر): [إن خيف من مسح الجرح ونحوه مباشرة مُسحت (جبيرته) أي: ما يداوى الجرح به ذرورًا كان أو لزقة أو أعوادا أو غيرها ويعممها بالمسح وإلا فلا يجزيه، ويجوز لمن يقدر على ترك الدواء والخرقة، وخاف من المسح على الجرح مباشرة وضع دواء أو خرقة للمسح عليه بشرط أن لا يرفعه إلى فراغ الصلاة وإلا بطل مسحه] اهـ.

قال العلامة إبراهيم بن خليل التَّتَائِي المالكي في "جواهر الدرر" (1/ 406، ط. دار ابن حزم): [وأشار لشرط المسح المذكور بقوله: إن صح جُلُّ جسده، فيمسح لغير شرط؛ لأن الممسوح يسير تابع للمغسول، فلا يضر اجتماعه معه] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (1/ 205، ط. مكتبة القاهرة): [ولا فرق بين كون الشد على كسر أو جرح، قال أحمد: إذا توضأ، وخاف على جرحه الماء، مسح على الخرقة. وحديث جابر في صاحب الشَّجَّة إنما هو في المسح على عصابة جرح؛ لأنَّ الشَّجَّة اسم لجرح الرأس خاصة، ولأنه حائلٌ موضعٍ يخاف الضرر بغسله، فأشبه الشد على الكسر. وكذلك إن وضع على جرحه دواء، وخاف من نزعه، مسح عليه. نص عليه أحمد. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن الجرح يكون بالرجل، يضع عليه الدواء، فيخاف إن نزع الدواء إذا أراد الوضوء أن يؤذيه؟ قال: ما أدرى ما يؤذيه! ولكن إذا خاف على نفسه، أو خُوِّف من ذلك، مسح عليه] اهـ.

وقال العلامة المَرْدَاوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 189، ط. هجر): [لو كان على الجرح عصابة، أو لصوق، أو جبيرة كجبيرة الكسر، أجزأ المسح عليها، على الصحيح من المذهب] اهـ.

وقد قرر هذا الحكم في خصوص الأرمد الإمام الدردير المالكي، فقال في "الشرح الصغير" (1/ 203، ط. دار المعارف): [والأرمد الذي لا يستطيع المسح على عينه أو جبهته -بأن خاف ما مر- يضع خرقة على العين أو الجبهة ويمسح عليها] اهـ، والمقصود من إشارته "خاف ما مر": خوف حدوث مرض أو زيادته أو تأخر شفائه أو التسبب في زيادة الألم.

وكذلك العلَّامة الشرنبلالي الحنفي، حيث قال في "نور الإيضاح" (ص: 37، ط. المكتبة العصرية): [وإذا رمد وأُمِر أن لا يغسل عينه.. جاز له المسح] اهـ.

ثم قال في "مراقي الفلاح" (ص: 59، ط. المكتبة العصرية) شارحًا عليه: [(وإذا رَمَد وأمر) أي أمره طبيب مسلم حاذق (أن لا يغسل عينه) أو غلب على ظنه ضرر الغسل تركه.. (جاز له المسح) للضرورة] اهـ.

وأما الترخص بالترك: فإنه إن تَعَذَّر على صاحب الجرح أن يضع على جرحه حائلًا ليمسح عليه، جاز له ترك غسل ذلك الموضع من العضو وتصح بذلك طهارته على ما توارد عليه ظاهر النصوص والآثار، وهو مذهب الحنفية.

ففي رواية ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رجلًا أصابه جرح في رأسه على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أصابه احتلام فأُمِرَ بالاغتسال، فاغتسلَ، فَكُزَّ فمات، فبلَغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللهُ،أَوَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ»! قَالَ عَطَاءٌ: وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ غَسَلَ جَسَدَهُ، وَتَرَكَ رَأْسَهُ حَيْثُ أَصَابَهُ الْجِرَاحُ» أخرجه الأئمة: أبو داود وابن ماجه في "السنن" واللفظ له، وأحمد وأبو يعلى الموصلي في "المسند"، والبيهقي في "السنن الكبرى" وفي "السنن الصغرى"، والحاكم في "المستدرك"، وأخرجه أيضًا أبو داود في "السنن"، والبيهقي في "الكبرى" مِن رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يقول: "إِذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الْجُرْحِ عَصَائِبُ غَسَلَ مَا حَوْلَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ" أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"، وذكره الكرماني في "مسائله"، وابن المنذر في "الوسط".

قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 13): [ولا خلاف في أنه إذا كان المسح على الجبائر يضره أنه يسقط عنه المسح؛ لأن الغسل يسقط بالعذر، فالمسح أولى] اهـ.

وقد قرر ذلك الحكم في هذه الحالة العلَّامة الشرنبلالي الحنفي، حيث قال في "نور الإيضاح" (ص: 37، ط. المكتبة العصرية): [وإذا رمد وأُمِر أن لا يغسل عينه.. جاز له المسح، وإن ضره المسح تركه] اهـ.

ثم قال في "مراقي الفلاح" (ص: 60، ط. المكتبة العصرية) شارحًا عليه: ["وإن ضره المسح تركه"؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها] اهـ.

ووافق الحنفيةَ فقهاءُ المالكيةِ في خصوص ما إذا تَعَذَّر المسح على العضو المصاب وكان ذلك العضو من أعضاء التيمم، كأشفار العين، لأن تَعَذُر المسح عليه حاصلٌ في التيمم كما هو في الوضوء فلا ينتقل إليه، لوقوعهما في هذه الحالة ناقصين، والوضوء الناقص خيرٌ من التيمم الناقص.

قال العلامة الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 363): [وقال ابن فرحون عند قول ابن الحاجب: وإن كان يتضرر بمسحها، أو لا تثبت، أو لا يمكن وهي في أعضاء التيمم تركها وغسل ما سواها، قال ابن راشد: يعني أنه يتضرر إذا وضع يده على الجبيرة للمسح بأن تزول مثلًا كما لو كانت في أشفار العين، وفي "التوضيح": الضمير في مسها عائد إلى الجراح، أي: يتضرر بمسها بالماء، وأخذه من قول ابن شاس: لو كان الموضع لا يمكن وضع شيء عليه ولا ملاقاته بالماء، وقوله: "أو لا يثبت" إذا كانت الجبيرة إذا ربطت لا تثبت كما لو كانت تحت المارن، أو لا يمكن ربط الجرح كما لو كانت في أشفار العين، وهي يعني القرحة في أعضاء التيمم كما مثلنا به في الوجه -تركها وغَسَل ما سواها وكانت كعضو قُطِعَ، وفائدة قوله: "وهي بأعضاء التيمم" ولم يقل "وهي في أعضاء الوضوء" أنه لو أمكنه مسحها بالتراب انتقل عن الوضوء إلى التيمم، قاله ابن شاس؛ لأنه انتقل إلى طهارةٍ كاملةٍ، فإن لم يمكنه المسح بالتراب تركها بلا مسحٍ ولا غسلٍ؛ لأنه إذا لم يمكن إلا وضوء ناقص أو تيمم ناقص؛ فالوضوء الناقص أولى من التيمم الناقص] اهـ.

الخلاصة

مما سبق يتقرر أن: طهارة مَن أجرى عملية الليزك أو إحدى الجراحات في عينه تكون على ثلاثة أحوال بحسب الإرشادات والنصائح الطبية المقررة وبحسب نوع العملية:

الحالة الأولى: ألَّا يتضرر مِن إسالةِ الماء على عينِه وهي مغمضة، فيكفيه حينئذٍ إسالة الماء على هذه الهيئة دون إلزام بفتح الجفن.

والحالة الثانية: أن يتضرر من إسالةِ الماء على عينِه ولو في حالة إغماضها دون المسح عليها؛ فيلزمه حينئذٍ المسح عليها مباشرة إن أمكنه ذلك، أو على ما يوضع عليها من حائلٍ كلاصقة طبية أو نحوها.

والحالة الثالثة: أن يُمنع من وصول الماء مطلقًا سواء بالغَسْل أو بالمسح؛ فيسقط عنه حينئذٍ المسح كما سقط عنه الغَسْل للضرورة، على ما ذهب إليه فقهاء الحنفية والمالكية كما سبق بيانه، وهذا كله مع مراعاة أن يغسل أو يمسح ما حول عينه من بقية الوجه على قدر تمكنه واستطاعته من ذلك، والتنويه على بقاء حكم سائر الأعضاء على ما هي عليه من أحكام الطهارة بحسب نوعها وشروطها وضوابطها.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا