سائل يقول: هل المقصود من الإسراع بالجنازة الوارد في الحديث الشريف الإسراع في تجهيز الميت والصلاة عليه ودفنه أو المقصود الإسراع بالميت بعد الصلاة عليه إلى الدفن؟
استحبَّ الشرعُ الشريف الإسراعَ بالجنازة والمبادرةَ في حملها إلى قبرها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ؛ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» متفق عليه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ، وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ» أخرجه الطبراني في "الكبير"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وإسناده حسن؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/ 184، ط. دار المعرفة): [قال القرطبي: "مقصود الحديث: أن لا يُتَبَاطَأَ بالميتِ عن الدفن"] اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة فقال: «لَتُسْرِعُنَّ بِهَا، أَوْ لَأَرْجِعَنَّ» رواه الطبراني في "مسند الشاميين".
وعن أبي الصدِّيق الناجي أنَّه قال: "إن كان الرجل لينقطع شِسْعُهُ في الجنازة، فما يدركها أو ما كاد أن يدركها" رواه ابن أبي شيبةَ في "المُصنف".
قال العلَّامة ابن قُدامة الحنبلي في "المُغني" (2/ 337، ط. مكتبة القاهرة): [قال أحمد: كَرامَةُ الميتِ: تَعجِيلُهُ] اهـ، وقال في (2/ 352): [لا خلاف بين الأئمة رحمهم الله في استحباب الإسراع بالجنازة، وبه وردَ النَّص] اهـ.
بل إنَّ الفقه الظاهري يرى أنَّ الأمر الوارد في الإسراع بالجنازة يقتضي الوجوب:
قال الإمام ابن حزم الظاهري في "المحلى بالآثار" (3/ 382، ط. دار الفكر): [ويجب الإسراع بالجنازة، ونستحب أن لا يزول عنها من صلى عليها حتى تدفن، فإن انصرف قبل الدفن: فلا حرج، ولا معنى لانتظار إذن ولي الجنازة.
أما وجوب الإسراع: فلِمَا رُوِّينَاهُ من طريق مسلم.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «أسرعوا بالجنازة، فإن كانت صالحة: قربتموها إلى الخير، وإن كانت غير ذلك: كان شرًا تضعونه عن رقابكم».
وهو عمل الصحابة، كما رُوِّينَا من طريق أحمد بن شعيب.. عن أبي بكرةَ قال: "لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنا لنكاد نَرمُلُ بالجنازة رَملًا"] اهـ.
وهذا الإسراع يقتضي المبادرة إلى تجهيز الميِّتِ بعد التيقن من موته، والصلاة عليه، والمشي به من غير شدَّة إسراعٍ أو تراخٍ يُخَافُ معهما حدوث مفسدةٍ بالميت، أو مشقَّةٍ على من يتبعها؛ ففي "الصحيحين" عن عطاء قال: حضرنا مع ابن عباس رضي الله عنهما جنازة ميمونة رضي الله عنها بسرف، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: "هذه ميمونة، إذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوه، ولا تزلزلوه، وارفقوا".
وفي "المُصنِّف" لابن أبي شيبةَ: أنَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أخبر أنَّ أباه أوصاه فقال: "إذا أنت حملتني على السرير، فامش بي مشيًا بين الْمَشْيَيْنِ، وكُن خلف الجنازة، فإنَّ مُقدِّمها للملائكة وخلفها لبني آدم".
قال العلَّامة بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (8/ 113، ط. دار إحياء التراث العربي): [قيل: المراد الإسراع بتجهيزها وتعجيل الدفن بعد تيقن موته؛ لحديث حُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحٍ رضي الله عنه: أن طلحةَ بن البراء رضي الله عنه مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده، فقال: «إِنِّي لَا أُرَى طَلْحَةَ إِلَّا وَقَدْ حَدَثَ بِهِ المَوْتُ؛ فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ» رواه أبو داود] اهـ.
وقال العلَّامة مُلَّا علي القاري في "مُرقاة المفاتيح" (3/ 1228، ط. دار الفكر): [«إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ» أي: لا تؤخروا دفنه من غير عُذْرٍ، قال ابن الهُمام: يُستَحسن الإسراع بتجهيزه كله من حين يموت، (وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ): وهو تأكيدٌ وإشارةٌ إلى سُنَّة الإسراع في الجنازة] اهـ. وممَّا سبق يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
يقول السائل: بعض الناس يقول بأنَّ كثرة المصلين على الجنازة تعود بنفع على الميت، فهل ذلك صحيح؟ نرجو من فضيلتكم التوضيح.
ما حكم الشرع الشريف فيما يقوم به بعض الناس أثناء دفن الميت من قراءة سورة يس، وبعد الانتهاء من الدفن يتم الذكر بقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، والدعاء للميت، ويتم بعد ذلك قراءة سورة الواقعة بصوتٍ واحدٍ، ثم الدعاء وقراءة سورة الفاتحة.
يقول السائل: ما حكم الوقوف على القبر حتى الانتهاء من الدفن؟ وما ثواب ذلك شرعًا؟
ما حكم تكفين الجزء المأخوذ من الميت لدفنه؟ فإنَّ ابني كان طالبًا في كلية الطب، وأحضرنا له بعض العظام البشرية للتعليم عليها، وقد أنهى دراسته الجامعية، فماذا أفعل في هذه العظام؟ هل أعطيها لغيره من الطلبة ليتعلم عليها، أو يجب عليَّ دفنُها صيانةً لحرمة هذا الميت؟
أرجو الإفادة من سيادتكم بفتوى شرعية ومعتمدة حول موضوع قراءة القرآن عند الدفن على الميت؛ حيث يوجد إمام مسجد بالقرية يُنبِّه بعدم القراءة على المقابر على الميت، ويقول بأنَّ هذا لم يرد به حديث ولم يقم به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
لذا أرجو من سيادتكم الإفادة بفتوى قطعية شرعية بالقراءة أو عدم القراءة حتى ننهي هذا الخلاف وهذا الموضوع.
ما حكم الدعاء للميت عند القبر جماعة بصوتٍ عالٍ؛ بأن يقول رجلٌ: إني داعٍ فأمِّنوا، فيدعو ويؤمِّن الناس على دعائه، هل هذا الفعل من السنة؟ فهناك مَن يقول إنها بدعة، ويزعم أنها لم تحدث في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا الخلفاء الراشدين ولم يجزه أحدٌ من الأئمة.