ما مدى وقوع طلاق مريض الوسواس القهري؟ وهل يشترط لوقوعه التوثيق؟
حكم وقوع طلاق مريض الوسواس القهري
لا يقع طلاق الموسوس، ولا يُكَلَّف بتوثيق الطلاق بدعوى الاطمئنان وتبرئة نفسه من احتمالية وقوع الطلاق، وذلك حفاظًا على حياته الزوجية والأسرية التي يتشوف الشرع الشريف إلى استقرارها والحفاظ عليها وحمايتها، وهو في حاجة إلى صبرٍ وتحملٍ في مقاومة هذا المرض وآثاره، وعليه أن يذهب إلى الطبيب المختص بحثًا عن العلاج وتخلصًا من هذا المرض.
التفاصيل ....المحتويات
- بيان المراد بالوسواس القهري وعلاماته
- حكم وقوع طلاق مريض الوسواس القهري
- صور أنواع الطلاق التي تصدر من مريض الوسواس القهري وحكم كل نوع
- الواجب فعله على المريض بالوسواس القهري في هذه الحالة
- الخلاصة
بيان المراد بالوسواس القهري وعلاماته
الوَسْواس -بفتح الواو وكسرها- صوتٌ خفيٌّ يحدث داخل الإنسان، نتيجة الأفكار وحديث النفس، يقال: رجل موسوِس؛ لتحديثه نفسه بالوسوسة، كما في "لسان العرب" للعلامة ابن منظور، مادة "و س و س" (6/ 254-255، ط. دار صادر).
وهو أحد المعاني المذكورة أيضًا لدى الفقهاء؛ سواء عبَّروا عنه بما يقع في النَّفس من التردد وكثرة الشَّك أو عبَّروا عنه بما يجعل الإنسان يتكلم بغير نظامٍ؛ كما في "الأشباه والنظائر" للعلامة ابن نُجَيْم الحنفي (ص: 42، ط. دار الكتب العلمية)، و"منح الجليل" للعلامة عِلِيش المالكي (4/ 144، ط. دار الفكر).
فالموسوس: هو مَن تُحَدِّثه نفسه بأنه فَعَل شيئًا، أو تُشَكِّكُهُ في حدوث هذا الشيء، نتيجة أفكار أو اندفاعات أو صور متكررة تختبر في وقت ما أثناء الاضطراب باعتبارها مُقتحمة مُتطفلة وغير مرغوبة، وتثبت عند معظم الأفراد قلقًا أو إحباطًا مَلحوظًا، وقد يحاول المصاب تجاهل أو قمع هذه الأفكار أو الاندفاعات، أو تحييدها بأفكار أو أفعال أخرى لكنها قد تكون قهرية، بمعنى أنها سلوكيات وأفعال عقلية متكررة، كغسل الأعضاء، وكثرة الترتيب، وشدة التحقق في الصلاة، وتكرار الكلمات بصمت.. ونحو ذلك مما يُشْعِر الموسوس أنه مساق لأدائها. ينظر: "الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية" (المرجع السريع، معايير DSM-5) للجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين، ترجمة الدكتور أنور الحمادي (ص: 102، ط. الدار العربية للعلوم).
وسَمَّى علماء النفس هذا المرض بـ"الوسواس القهري" -وفق دليل التشخيص للاضطرابات النفسية (DSM)- وعرفوه بأنه: عبارة عن مجموعة من الأفكار أو الصور المتواصلة والمتسلطة والمستمرة التي تقتحم عقل المريض وتراوده وتلازمه مع عجزه عن دفعها أو التخلص منها، ويعاني المريض كثيرًا منها لغرابتها وعدم فائدتها وتسببها في كثير من القلق والإزعاج وتُلِّحُ على خاطره عبارات معينة أو اسم مُعيَّن يتكررُ باستمرار، وقد تبقى حبيسة عقله فتسمى أفكارًا وسواسية، أو تخرج عن مستوى الحبس في العقل إلى القول أو الفعل فتسمى أفعالًا وأقوالًا قهرية. ينظر: "معجم علم النفس والتحليل النفسي" لمجموعة من المؤلفين (ص: 50، ط. مكتبة الأنجلو المصرية).
حكم وقوع طلاق مريض الوسواس القهري
مريض الوسواس مغلوب على عقله، ولا يقع له طلاق إذا طلَّق والحالة هذه على ما ذكره جمهور الفقهاء.
قال الإمام أبو الليث السَّمَرْقَنْدِي الحنفي: [ لا يجوز طلاق الموسوس، يعني: المغلوب في عقله] اهـ، نقلا عن "البحر الرائق" للعلامة ابن نُجَيْم (5/ 51، ط. دار الكتاب الإسلامي).
وجاء في "الأم" للإمام الشافعي (5/ 270، ط. دار الفكر): [ومن غُلِب على عقله بفطرةِ خِلْقَةٍ أو حادثِ علةٍ لم يكن سببًا لاجتلابها على نفسه بمعصية: لم يلزمه الطلاق.. وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمُبَرْسَم وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبًا على عقله. فإذا ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك.. وكذلك المجنون يجن ويفيق. فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه، وإذا طلق في حال إفاقته لزمه] اهـ.
وقال العلامة ابن مُفْلِح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" (6/ 295، ط. دار الكتب العلمية): [والموسوس إن عَقَلَ الطلاق لزمه] اهـ، ومفهومه أنه إن غُلب على عَقْله ولم يعقل الطلاق لم يلزمه.
وظاهر ما سبق من عبارات الفقهاء من إطلاق كلمة "الموسوس" أنها تشمل جميع أحواله التي تُغلب فيها على عقله بإطلاق، بينما عَنَى المالكية بـ"الموسوس" المُسْتَنْكَح، وهو الذي لازمه الشَّك أغلب أحواله وأيامه بحيث لا ينقطع عنه، أو ينقطع لكن زمن إتيانه يزيد على عدم إتيانه، كما في "مواهب الجليل" للعلامة الحطَّاب (1/ 301، ط. دار الفكر).
قال الإمام أبو الوليد ابن رشد في "البيان والتحصيل" (6/ 161، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال -أي ابن القاسم-: في رجل توسوسه نفسه فيقول: قد طلقت امرأتي، أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده، أو يشككه؛ فقال: يضرب عن ذلك، ويقول للخبيث -أي الشيطان-: صدقت. ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في "المدونة": أنَّ الموسوس لا يلزمه طلاق، وهو ممَّا لا اختلاف فيه؛ لأن ذلك إنما هو من الشيطان، فينبغي أن يلهى عنه ولا يلتفت إليه؛ كالمستنكح في الوضوء والصلاة، فإنه إذا فعل ذلك أيأس الشيطان منه، فكان ذلك سببًا لانقطاعه عنه إن شاء الله] اهـ.
وحالة الوسواس القهرية ينعدم معها إملاك الزوج لأنه يغلب عليه الاضطراب والخلل في أقواله وأفعاله، فيسبق اللـفظُ منه بلا قصد لـه إليه، أو من غير تفكيرٍ في معناه، أو استيعابٍ لمآل ما يقول، أو يسيطر عليه الحال فلا يستطيع منع نفسه من التلفظ بالطلاق، فيخرج منه رغمًا عنه، ومن ثَمَّ فهذه الأوصاف المذكورة تجعل المصاب بهذا المرض فيما قرره العلَّامة ابنُ عابدين بقوله في "رد المحتار" (3/ 244، ط. دار الفكر) بحثًا واستخلاصًا: [الذي ينبغي التعويل عليه في المدهوش ونحوه: إناطة الحكم بغلبة الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته، وكذا يقال فيمن اختل عقله لكبر أو لمرض أو لمصيبة فاجأته، فما دام في حال غلبة الخلل في الأقوال والأفعال لا تعتبر أقواله، وإن كان يعلمها ويريدها؛ لأن هذه المعرفة والإرادة غير معتبرة لعدم حصولها عن الإدراك صحيح، كما لا تعتبر من الصبي العاقل] اهـ.
وقد جاء في قضاء النقض المصري الطعن رقم (28) لسنة 48 قضائية (جلسة: 13 فبراير 1980م) أن: [طلاق الغضبان لا يقع إذا بلغ به الغضبُ مبلغًا لا يدري منه ما يقول، أو يفعل، أو وصل به إلى حالة من الهذيان يغلب عليه فيها الاضطراب في أقواله أو أفعاله، وذلك لافتقاده الإرادة والإدراك الصحيحين] اهـ.
صور أنواع الطلاق التي تصدر من مريض الوسواس وحكم كل نوع
بتتبع ألفاظ الطلاق التي تصدر من زوجٍ مصابٍ بمرض الوسواس، تبين أنها تتنوع على ثلاث صور:
- الأولى: تلفظ مريض الوسواس بألفاظ لا علاقة لها بالطلاق، ولكن تحدثه نفسه بأنَّ هذه الألفاظ قد تكون سببًا في وقوع الطلاق.
- والثانية: وسوسة الزوج في وقوع طلاقه بسبب جريان لفظ الطلاق على فكره من غير تلفظ به.
- والثالثة: شكُّ الزوج وتردده في صدور ألفاظ الطلاق منه من عدمه.
وهذه الصور الثلاث لا يقع معها طلاقٌ؛ لانعدام التلفظ في الصورتين الأوليين، وهو ركنٌ من أركان الطلاق التي ينعدم الطلاق بانعدامه، سواء نوى بها الزوج الطلاق أو لم ينوه، حاله في ذلك كالصحيح، كما هو مذهب جماهير الفقهاء، ومن ثمَّ: فلا أثر لجريان أفكار الطلاق على خاطر الزوج في حصول الطلاق ما دام أنه لم يصدر منه لفظ الطلاق، أو ما يقوم مقام اللفظ كالكتابة، وذلك بناءً على أنَّ الله تعالى وضعَ الألفاظ بين عباده دلالةً للتعبير عن مُرادِهم ومكنوناتِ نفوسِهِم.
ولذلك رتَّب الشرعُ الشريفُ الأحكام على تلك الإرادة بواسطة الألفاظ المُعبِّرة عنها، لا على مُجَرَّدِ ورود معانيها في النفوس دون الدلالة عليه بقولٍ أو فعلٍ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» متفقٌ عليه، زاد الإمام البخاري: قال قتادة: "إذا طلَّقَ في نفسهِ فليسَ بشيءٍ".
قال الصحابي الجليل عُقْبَة بن عامر الجُهَني رضي الله عنه: "لا يجوز طلاق الموسوس" رواه الإمام البخاري في "الصحيح".
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (9/ 392، ط. دار المعرفة) مُعَلِّقًا عليه: [أي: لا يقع؛ لأن الوسوسة حديث النفس، ولا مؤاخذة بما يقع في النفس] اهـ.
وعَنْ قتادة والحسن البصري قالَا: "مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي نَفْسِهِ، فَلَيْسَ طَلَاقُهُ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"، وعن عبد الملك بن أبي سليمان، أنه سمع رجلًا يذكر لسعيد بن جبير ابنة عمٍّ له، وأن الشيطان يوسوس إليه بطلاقها، فقال له سعيد بن جبير: "لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ بَأْسٌ حَتَّى تَكَلَّمَ بِهِ، أَوْ تُشْهِدَ عَلَيْهِ" أخرجهما عبد الرزاق في "مصنَّفه" تحت باب: "الرَّجُلِ يُطَلِّقُ فِي نَفْسِهِ".
قال الإمام ابن بَطَّال في "شرح صحيح البخاري" (7/ 418، ط. مكتبة الرشد): [جعل ما لم ينطق به اللسان لغوًا لا حكم له، حتى إذا تكلم به يقع الجزاء عليه ويلزم المتكلم.. ولو كان حُكم مَن أضمر في نفسه شيئًا حُكم المتكلم: كان حُكم من حدث نفسه في الصلاة بشيء متكلمًا، وفي إجماعهم على أن ذلك ليس بكلام مع قوله عليه السلام: «مَنْ صَلَّى صَلاةً لَا يُحَدِّثُ فيهَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ» دليلٌ على أنَّ حديثَ النَّفْسِ لا يقومُ مقامَ الكلام] اهـ.
وعلى ذلك جرى قول عامة الفقهاء:
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (3/ 230، ط. دار الفكر): [مَن تشاجر مع زوجته فأعطاها ثلاثة أحجار ينوي الطلاق ولم يذكر لفظًا لا صريحًا ولا كناية: لا يقع عليه؛ كما أفتى به الخيرُ الرملي وغيره] اهـ.
وقال الإمام الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (2/ 365، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية الدسوقي"): [(وركنه) أي: الطلاق من حيث هو، وهو مفرد مضاف فيعم، فصح الإخبار عنه بالمتعدد، فكأنه قال: وأركانه أربعة.. (ولفظٌ) صريحٌ أو كنايةٌ عن تفصيلهما الآتي، لا بمجرد نية ولا بفعل] اهـ.
وقال العلامة الدسوقي المالكي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: لا بمجرد نية) أي: عزم ليس معه لفظ، ولا كلام نفساني على المعتمد] اهـ.
وقال العلامة عِلِيش المالكي في "منح الجليل" (4/ 92، ط. دار الفكر): [(وفي لزومه) أي: الطلاقِ الزوجَ (بكلامه) أي: الزوج (النفسي)؛ بأن أجرى لفظة الطلاق على نفسه واستحضرها بقلبه من غير تلفظ بها كما يجريها على لسانه، وليس المراد به مجرد النية والقصد للتطليق؛ -إذ لا يلزم بها طلاق اتفاقًا.. وكذا لا أثر للوسوسة، ولا لقوله في خاطره: "أطلق هذه وأستريح من سوء عشرتها" مثلًا؛ قاله القرافي] اهـ.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (10/ 150، ط. دار الكتب العلمية): [أما الطلاق: فلا يقع إلا بالكلام وما قام مقامه عند العجز عن الكلام، ولا يقع بمجرد النية من غير كلام، فلو نوى طلاق امرأته: لم تطلق] اهـ.
وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (5/ 281، ط. دار الكتب العلمية): [لا يقع الطلاق بغير لفظ، فلو نواه بقلبه من غير لفظٍ: لم يقع، خلافا لابن سيرين والزهري، ورُدَّ بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به» متفقٌ عليه، ولأنه إزالة ملك فلم يحصل بمجرد النية كالعتق] اهـ.
وقد سبق وأن أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بعنوان: "خواطر طلاق" (رقم 27 لسنة 1986م، سجل 121)؛ حيث جاء فيها: [ولمَّا كان الظاهر من السؤال أنَّ السائل لم ينطق بلفظ الطلاق، بل لا وطر له فيه أصلًا وإنما يأتيه هاتف من داخله يأمره بعدم فعل شيء معين وإن خالف تكون امرأته طالقًا، وهذا ممَّا يندرج تحت الحديث النفسي الذي لا يقع به طلاق، لما كان الأمر كذلك: فإنه لا يقع طلاق بذلك، سواء فعل السائل ما أُمر بعدم فعله ناسيًا أو عامدًا] اهـ.
وأما عدم وقوع الطلاق في الصورة الثالثة -وهي شك الزوج في أنه تلفَّظ بالطلاق أو لا-: فلأن الشرع الشريف لا يُرتِّب أثرًا على الشَّك ولا يرفع به يقينًا، فالحياة الزوجية القائمة بين الزوجين ثابتةٌ بيقين، وما ثبت بيقين لا يُرفع إلا بيقين مثله. ينظر: "المنثور في القواعد الفقهية" للإمام الزركشي (3/ 135، ط. أوقاف الكويت)، و"الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 55، ط. دار الكتب العلمية).
وهو ما نص عليه الفقهاء في أحكام الشك في أصل وقوع الطلاق:
قال العلامة الحَصْكَفِي الحنفي في "الدر المختار" (ص: 212، ط. دار الكتب العلمية): [عَلِمَ أنه حلف ولم يدرِ بطلاقٍ أو غيره: لَغَا؛ كما لو شكَّ أطلَّق أم لا] اهـ.
وقال العلامة ابن جُزَيٍّ المالكي في "القوانين الفقهية" (ص: 153، ط. دار القلم): [إن شك هل طَلَّق أم لا؟ لم يلزمه شيء] اهـ.
وقال العلامة الخَرَشِي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (4/ 65، ط. دار الفكر): [والفرق بين الشَّك في الحدث والشَّك في الطلاق حيث ألغي في الثاني دون الأول: هو أن الشَّك في الحدث راجع إلى استيفاء حكم الأصل؛ فإن الأصل شغل الذمة بالصلاة فلا يبرأ منها إلا بيقينٍ، وفي الطلاق راجع إلى رفع حكم الأصل، فإن الأصل في الزوجة النكاح المبيح للوطء وهو لا يرتفع بالشَّك] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (4/ 491، ط. دار الكتب العلمية): [(فصلٌ) في الشك في الطلاق.. إذا (شكَّ) أي: تردَّد برجحانٍ أو غيره (في) وقوع (طلاق) منه.. (فلا) نحكم بوقوعه، قال المحاملي: بالإجماع؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ الطلاق وبقاءُ النكاح] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (7/ 492، ط. مكتبة القاهرة): [وإذا لم يَدْرِ أَطَلَّقَ أَمْ لا: فَلا يَزُولُ يَقِينُ النِّكَاحِ بِشَكِّ الطَّلاقِ] اهـ.
الواجب فعله على المريض بالوسواس القهري في هذه الحالة
هذا، ولا يُكلَّف المبتلى بالوسواس القهري الذهاب إلى المأذون لتوثيق الطلاق، بدعوى الاطمئنان وتبرئة نفسه من احتمالية وقوع الطلاق، وذلك حفاظًا على حياته الزوجية والأسرية التي يتشوف الشرع الشريف إلى استقرارها والحفاظ عليها وحمايتها، حيث وضع لها سياجًا لحمايتها وصيانتها، ومنه عدم المسارعة بالقول بوقوع الطلاق إلا بتوفر أركان الطلاق وشروطه، والأصل عدمُ الطلاق وبقاءُ الزواج.
وعلى المريض أن يذهب إلى الطبيب بحثًا عن العلاج والخلاص ممَّا أصابه، فمن رحمة الله بعباده أن شَرَع لهم العلاج والتداوي من الأمراض واعتبره نوعًا من أنواع الأخذ بالأسباب؛ فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قال: قَالَتِ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: «نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ قَالَ: دَوَاءً إِلَّا دَاءً وَاحِدًا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «الهَرَمُ». أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، والترمذي في "سننه" وقال: وهذا حديث حسن صحيح.
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ» أخرجه أبو داود في "سننه".
الخلاصة
بناءً على ذلك: فلا يقع طلاق الموسوس، ولا يُكَلَّف بتوثيق الطلاق والحالة هذه، وهو في حاجة إلى صبرٍ وتحملٍ في مقاومة هذا المرض وآثاره، وعليه أن يذهب إلى الطبيب المختص بحثًا عن العلاج وتخلصًا من هذا المرض.
والله سبحانه وتعالى أعلم.