حكم قص أظافر الميت وحلاقة شعره

حكم قص أظافر الميت وحلاقة شعره

اتفق جمهور الفقهاء على كراهة قصِّ أظافر الميت أو حلق شعر عانته ما لم توجد حاجة داعية إلى فِعْلِ ذلك، فإذا وجدت الحاجة فلا حرج في فِعْلِه، ويُضَمُّ معه، ويُجعَل في أكفانه، مع مراعاة احترام الميت، وعدم انتهاك حرمته، بحيث تُستخدَم كل الوسائل الممكنة في تحقيق ذلك.

التفاصيل ....

المحتويات

 

حق الميت في التجهيز والدفن

كرَّم اللهُ الإنسانَ وجعل له حُرمةً مصانةً في حياته وبعد مماتِه، ومِن أهم مظاهر تكريمِ الإنسان المسلم بعد وفاته: تغسيلهُ، وتكفينُه، والصلاةُ عليه، ودفنُه، وكلُّها مِن فروض الكفاية الثابتة بالسُّنَّةِ وإجماع الأُمَّة.

فقد ورد في الحديث الشريف عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الرجل المحرِم الذي وقَصَتهُ ناقتُه: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْر، وَكَفِّنُوهُ» متفقٌ عليه.

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 98، ط. المكتب الإسلامي): [غسل الميت فرض كفايةٍ، وكذا التكفين، والصلاة عليه، والدفن بالإجماع] اهـ.

حكم قص أظافر الميت وحلق شعره

ذهب جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية، والشافعية في قولٍ إلى كراهة قصِّ أظافر الميت أو حلق عانته؛ لما في فِعْلِ ذلك مِن الزينة التي تختص بالأحياء، ولا تناسب حال الميت، ولا تُطلب منه إذا حضره الموتُ ولا ممن يُغسله بَعده؛ لانقطاع سبب ذلك عنه بالموت، فالسُّنَّة أن يُدفن الميت بجميع أجزائه على ما مات عليه، ولهذا لا يُسَرَّحُ شَعْرُه، إذ لو فُعِلَ ربما يتناثر بعضُه، ولا تُقَصُّ أظفاره وشاربه ولحيته، ولا يُختن، ولا يُنتف إبطه، حيث لا توجد حاجةٌ لفِعل ذلك كلِّه، وإنما الذي يُستحب في حقه مِن الزينة هو تنظيف جسده وإزالة الأوساخ والدَّرن عنه وتطييبه ونحو ذلك، مِن غير إزالة شيءٍ مِن أجزائه.

واستدلوا على قولهم بالكراهة بما ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها رَأَتِ امْرَأَةً يَكُدُّونَ رَأْسَهَا، فَقَالَتْ: "عَلَامَ تَنْصُونَ مَيِّتَكُمْ؟" أخرجه الإمامان: عبد الرزاق في "مصنفه"، والبيهقي في "السنن الكبرى".

ومعنى "تَنْصُونَ مَيِّتَكُمْ": أي تُسرِّحون شَعْره، وتَنْصُون: على وَزْن تَبْكُون، وهو مأخوذ مِن نَصَوْتُ الرجلَ إذا مَدَدْتَ ناصِيَتَه، فكأَنَّها كرهت فِعل ذلك للميِّت، وعبَّرت بالأخذ بالناصية تنفيرًا عنه، وبَنَت عليه الاستعارة التبعية في الفعل والأثر لكون الميت لا يحتاج إلى تسريح الشعر ونحوه؛ لأنَّهُ للبِلى والتُّراب، كما في "شرح الإلمام" للإمام ابن دَقِيق العيد (4/ 362، ط. دار النوادر)، و"عمدة القاري" للإمام بدر الدين العَيْنِي (8/ 43، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"فتح القدير" للإمام كمال الدين ابن الهُمَام (2/ 111، ط. دار الفكر).

هذا، ومحل الكراهة عندهم ما لم تكن هناك حاجةٌ داعيةٌ إلى تلك الأفعال، فإن احتاج الميتُ لإزالة شيءٍ مِن ذلك مثل قص أظفاره وحلق شعره، كأن دهن رأسه بصبغ أو نحوه، أو كان به قروح وجمد دمها بحيث لا يصل الماء إلى أصوله إلا بإزالته -وجبت إزالته حينئذ على مَن يُغسله ويُجهزه.

قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (2/ 59، ط. دار المعرفة) فيما يُفْعَلُ بالميت عند تجهيزه: [ولا يُسَرَّح؛ لأنَّ ذلك يفعله الحي للزينة، وقد انقطع عنه ذلك بالموت، ولو فُعِلَ ربما يتناثر شعره، والسُّنَّة دفنه على ما مات عليه، ولهذا لا تُقص أظفاره ولا شاربه، ولا ينتف إبطه، ولا تُحلق عانته] اهـ.

وجاء في "المدونة" للإمام مالك (1/ 256، ط. دار الكتب العلمية): [قال ابن القاسم: قال مالك: أكره أن يتبع الميت بمجمرة، أو تُقلم أظفاره، أو تُحلق عانته، ولكن يُترك على حاله] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 304، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(فصل: ويكره التقليم) لأظفار الميت غير المحرم (وإزالة شعر الميت) المذكور كشعر إبطه وعانته ورأسه، وإن اعتاد إزالته حيًّا؛ لأنَّ أجزاء الميت محترمة، فلا تنتهك بذلك، ولم يثبت فيه شيء، بل ثبت الأمر بالإسراع المنافي لذلك، ولأن مصيره إلى البِلَى، فصار (كما) لو كان أقلف (لا يختن) وإن كان بالغًا؛ لأنَّه جزء فلا يقطع، كَيَدِهِ المُسْتَحَقَّةِ في قطع سرقة أو قَوَد، ومحل كراهة إزالة الشعر إذا لم تدع إليها حاجة، وإلا كأن لبد شعر رأسه حيًّا بصمغ أو نحوه، بحيث لا يصل الماء إلى أصله إلا بإزالته، وجبت] اهـ.

حكم قص أظافر الميت وحلق عانته في المذهب الشافعي

ذهب الشافعية في قولٍ إلى جواز تقليم أظافر الميت وحلق عانته مطلقًا مِن غير كراهة ولا اشتراطِ حاجةٍ؛ لأن ذلك تنظيفٌ يشبه إزالة الأدران والأوساخ الواجب إزالتها في حق الميت، فكذلك شُرع تقليم الأظافر وحلق العانة في حقه.

قال الإمام أبو إسحاق الشِّيرَازِي في "المهذب" (1/ 241، ط. دار الكتب العلمية): [وفي تقليم أظافره وَحَفِّ شاربه وحلق عانته قولان: أحدهما: يفعل ذلك؛ لأنَّهُ تنظيف، فشُرع في حَقِّهِ كإزالة الوسخ] اهـ.

ووافقهم في هذا القول فقهاءُ الحنابلة في روايةٍ بخصوص قص الأظفار للميت لكن بقيد أن تكون طويلة تحتاج إلى إزالتها، وفيه معنى الحاجة التي نصَّ عليها جمهور الفقهاء؛ لأنَّ في قصِّ الأظفار تنظيفًا لا يتعلق بقطع عضو، وإنما هو أشبه بإزالة الأوساخ والأدران، ويعضد ذلك ما جاء في السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ المُطَهَّرة من العمومات الواردة في سنن الفطرة.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْفِطْرَةُ خَمْس -أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ-: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ» متفق عليه.

وفي رواية مِن حديث أمِّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

والرواية الأخرى عند الحنابلة: أنَّ الأظفار لا تُقَلَّم إذا كانت طويلة، وإنما تُسْتَعمل الخِلَالُ لتنظيفها وإزَالة ما علق تحتها من أوساخٍ؛ لأَنَّ الظُّفر لا يظهَرُ كظهُورِ الشَّارب، فلا حاجة إلى قَصِّهِ.

وأما العانة: فالمذهب على حرمة حلق شعر عانته الميت؛ لأنَّ في إزالة شعر العانة كشفًا لعورة الميت وما يلزم مِن ذلك مِن النظر إليها ولَمْسِهَا مِن غير ضرورة، وهو مُحرَّمٌ، وفي روايةٍ عن الإمام أحمد أنه يُسَنُّ حَلْقُها للميت.

قال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي في "كشاف القناع" (2/ 113-114، ط. دار الكتب العلمية): [(ويَقص شارب غير مُحْرِمٍ، ويُقلم أظفاره إن طالت، ويَأخذ شَعْر إبطه) لأن ذلك تنظيف لا يتعلق بقطع عضو، أشبه إزالة الأوساخ والأدران، ويعضد ذلك العمومات في سنن الفطرة.. (ويَحرُم حلق شعر عانته) لما فيه من لمس عورته، وربما احتاج إلى نظرها وهو محرم، فلا يُرْتكب من أجل مندوب] اهـ.

فإذا دعت الحاجة لقصِّ أظافر الميت كأن تكون طويلة وتحتاج إلى إزالتها، أو دعت الحاجة إلى حلق عانته إذا كانت طويلة كثيفة تحتاج إلى تنظيفٍ، حتى يَضمن الغاسلُ وصولَ الماء إلى جميع بدن الميت -فلا مانع مِن الإزالة حينئذٍ.

حكم دفن الأظافر بعد تلقيمها وما يزال من شعر الميت وكل ما ينفصل عن بدن الإنسان

فإذا أزيل شيء مِن ذلك، أو سقط شَعْر الميت بنَفْسه، أو خرج في مشط بتسريح لحيته أو رأسه، أو غير ذلك مما يحتاج المُغَسِّل إلى فِعله -فلا حرج في ذلك كلِّه، ويُضَمُّ معه ما تم إزالته ويُجعَل في أكفانه؛ لأنَّه جزءٌ منه، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية، والشافعية في وجه، والحنابلة.

قال الإمام الطَّحْطَاوِي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص: 571، ط. دار الكتب العلمية): [وفي "القهستاني" عن "العتابية": فلو قطع شعره أو ظفره أدرج معه في الكفن] اهـ.

وقال الإمام أبو الحسن العدوي المالكي في "حاشيته على كفاية الطالب الرباني" (1/ 413، ط. دار الفكر): [تَتِمَّةٌ: لو قُصَّتْ أَظْفَاره، أو حُلِقَ شعره، أو سقط شيء من جسدِه -جُعل معه في أكفانه] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 183- 184، ط. دار الفكر): [في الشعور المأخوذة من شاربه وإبطه وعانته، وأظفاره، وما انتتف من تسريح رأسه ولحيته، وجلدة الختان إذا قلنا: يختن، وجهان: (أحدهما): يُستحب أن يُصَرَّ كلُّ ذلك معه في كفنه ويدفن، وبهذا قَطَع القاضي حسين، وصاحبه البغوي، والغزالي في "الوسيط" و"الخلاصة"، وصاحب "العدة"، والرافعي، وغيرهم، وأشار إليه المصنف في كتابه في الخلاف] اهـ.

وقال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 113-114): [(ويجعل ذلك) أي: ما أُخِذَ من الشارب والأظفار وشعر الإبطين (معه) أي: الميت (كعضوٍ ساقط).. لأن دفن الشعر والظفر مستحب في حق الحي، ففي حق الميت أَوْلَى] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فقد اتفق جمهور الفقهاء على كراهة قصِّ أظافر الميت أو حلق عانته ما لم توجد حاجة داعية إلى فِعْلِ ذلك، فإذا وجدت الحاجة فلا حرج في فِعْلِه، ويُضَمُّ معه، ويُجعَل في أكفانه، مع مراعاة احترام الميت، وعدم انتهاك حرمته، بحيث تُستخدَم كل الوسائل الممكنة في تحقيق ذلك.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا