هل يجوز لأهل امرأةٍ كبيرة في السن توزيعُ مالِها بينهم حال حياتها بغير الرجوع إليها، وذلك باعتبار أنه سيؤول إليهم بعد ذلك عن طريق الميراث؟
حكم توزيع مال امرأة لكبر سنها بين ورثتها
لا يجوز لأهل المرأة المذكورة توزيعُ مالها فيما بينهم حال حياتها بغير الرجوع إليها بِحُجَّةِ أنه سيؤول إليهم عن طريق الميراث؛ لأنه لا يكون مالُ الإنسان ميراثًا عنه إلا بعد تحقُّق وفاته، وما دام صاحب المال على قيد الحياة فلا ميراث ولا توريث ابتداءً، فإن فعلوا بغير إذنها ورضاها فهو تَعَدٍّ على مالها يأثمون به شرعًا، ويعاقبون عليه في الدنيا والآخرة.
التفاصيل ....الميراث -أو التركة- يطلق على ما يُخَلِّفُهُ الميت، أو الحق الْمُخَلَّف عن الميت، أو ما تركه الميت من الأموال، كما في "رد المحتار" للإمام ابن عَابِدِين الحنفي (6/ 759، ط. دار الفكر) نقلًا عن "شروح السراجية"، و"مواهب الجليل" للإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي (6/ 406، ط. دار الفكر)، و"النجم الوهاج" للإمام أبي البَقَاء الدَّمِيرِي الشافعي (6/ 111، ط. دار المنهاج)، و"شرح منتهى الإرادات" للإمام أبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (2/ 499، ط. عالم الكتب).
وعلى هذا الأساس فلا يكون مالُ الإنسان ميراثًا عنه إلا بعد تحقُّق وفاته، وما دام صاحب المال على قيد الحياة فلا ميراث ولا توريث ابتداءً، فإن المالَ لا يُسمَّى ميراثًا أصلًا إلا بوفاة صاحبه كما سبق، ولأن صاحب المال قد لا يموت قَبل مَن يظن أنه يَرِثُهُ ولو كان مريضًا -كما في "الذخيرة" للإمام شهاب الدين القَرَافِي (7/ 41، ط. دار الغرب الإسلامي)-، وهذا شرطٌ اتفق أهلُ العلم عليه، حيث نصوا على أن التوارث لا يتحقق إلا بشروط، ومِن جملتها موتُ المورِّث حقيقةً أو حكمًا. ينظر في ذلك: "البناية" لبدر الدين العيني الحنفي (11/ 153، ط. دار الكتب العلمية)، و"الذخيرة" لشهاب الدين القرافي المالكي (13/ 16)، و"الفواكه الدواني" للإمام النفراوي المالكي (2/ 249، ط. دار الفكر)، و"حاشية على تحفة المحتاج" للشَّرْوَانِي الشافعي (6/ 378، ط. المكتبة التجارية الكبرى)، و"كشاف القناع" لأبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (4/ 491، ط. دار الكتب العلمية).
وعلى هذا نص قانون الميراث المصري رقم 77 لسنة 1943م، في مادتيه رقم (1) و(2)، إذ جاء فيهما الآتي: [مادة (1): يُسْتَحَقُ الإرث بموت المورِّث أو باعتباره ميتًا بحكم القاضي.
مادة (2): يجب لاستحقاق الإرث تحقُّقُ حياة الوارث وقتَ موت المورث أو وقتَ الحكم باعتباره ميتًا] اهـ.
وإذا تقرر أنه لا توارث إلا بموت المورث، فمَن تَعَدَّى على مال غيره بدون وجه حقٍّ أو بغير طِيبِ نَفْسٍ منه، كان فِعلُه هذا مِن جملة أكل أموال الناس بالباطل الذي نهى عنه الشرع الشريف، وعاقب فاعلَه في الدنيا والآخرة، حيث قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: 29-30].
وعن أبي بَكرةَ نُفيع بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» أخرجه الشيخان.
قال الإمام أبو عبد الله شمسُ الدين القُرْطُبِي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/ 340، ط. دار الكتب المصرية): [اتفق أهل السُّنَّة على أنَّ مَن أخذ ما وَقَعَ عليه اسمُ مالٍ -قَلَّ أو كَثُر- أنه يفسق بذلك، وأنه مُحَرَّمٌ عليه أخذُه] اهـ.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا يجوز لأهل المرأة المذكورة توزيعُ مالها فيما بينهم حال حياتها بغير الرجوع إليها بِحُجَّةِ أنه سيؤول إليهم عن طريق الميراث، فإن فعلوا بغير إذنها ورضاها فهو تَعَدٍّ على مالها يأثمون به شرعًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.