ما هو الحد الفاصل بين القليل والكثير في عيوب الأضحية؟ فقد اشتريت خروفين لأضحي بهما، لكني اكتشفت بعد الذهاب إلى المنزل أن أحدهما به عرج يسير، لكن هذا العرج لا يعيق حركة مشيه، فأخبرني أحد إخوتي أن هذا الخروف الأعرج لا يجزئ في الأضحية، فلما رجعت به إلى التاجر لأستبدله أو أسترجع ثمنه وجدته قد غادر مكانه، وأخبرني جيرانه أنه باع المواشي التي عنده كلها وسافر إلى بلده، فهل يجوز لي أن أضحي بهذا الخروف الذي به عرج يسير؟ وما الحكم الشرعي تجاه عيوب الأضحية؟ وكيف نفرق بين اليسير والكثير؟
يجوز شرعًا أن تضحي بالخروف الذي فيه عرج يسير لم يظهر لك وقت الشراء، وتكون الأضحية حينئذ صحيحة ومجزئة؛ لأن التفرقة بين العرج اليسير والكثير، يكون بمدى ظهور هذا العرج وتمكنه من الحيوان المُعدِّ للأضحية، فإذا كان هذا العرج ظاهرًا وفاحشًا ويؤثر على حركة الحيوان مثلًا؛ بحيث لا يستطيع أن يسير مع باقي حيوانات جنسه ويتأخر عنهم ولا يشارك في طيب العلف فلا يجوز حينئذ أن يضحى به، أما إذا كان عيبًا خفيفًا وغير ظاهر إلَّا بالنظر الدقيق، ولا يؤثر في حركة الحيوان فقد نص جمهور الفقهاء على أنه يجوز الأضحية به.
المحتويات
المقرر شرعًا أن الأضحية شعيرة من الشعائر التي يُتقرَّب بها إلى الله تعالى، حيث يقول سبحانه: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الحج: 36-37].
قال الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (5/ 431، ط. دار طيبة): [يقول تعالى: إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا، لتذكروه عند ذبحها، فإنه الخالق الرازق، لا أنه يناله شيء من لحومها ولا دمائها، فإنه تعالى هو الغني عما سواه.. ﴿وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾؛ أي: يتقبل ذلك ويجزي عليه] اهـ.
وقد بينت نصوص السُّنَّة النبوية أنَّ مِن أحبِّ الأعمال إلى الله تعالى ذبح الأضاحي أيام عيد الأضحى؛ لما يترتب على ذلك من مغفرة الذنوب والحصول على الثواب للمضحي؛ فقد أخرج الإمام الترمذي في "جامعه"، عن أمِّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا».
قال العلامة الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن" (4/ 1306، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز): [«إِنَّهُ» الضمير راجع إلى ما دل عليه إهراق الدم. والتأنيث في «بِقُرُونِهَا» باعتبار الجنس. يعني أفضل عبادات يوم العيد إراقة دم القربان، وإنه يأتي يوم القيامة كما كان في الدنيا من غير أن ينقص منه شيء، ويعطى الرجل بكلِّ عضو منه ثوابًا.. ألَا ترى كيف تمم المعنى، وبالغ فيه بما لا يؤبه له من القرن والظلف والشعر، بل يكره التلفظ بها من حقارتها وبشاعتها، فجعلها في ميزان الحسنات] اهـ.
يشترط في الأضحية بعض الشروط من أهمها: أن تكون سليمة من العيوب الفاحشة كالعور أو العرج أو المرض الظاهر، ونحو ذلك من العيوب التي تقلل من قيمتها؛ فقد أخرج الإمام أبو داود في "سننه"، عن عبيد بن فيروز، قال: سألت البراء بن عازب رضي الله عنه ما لا يجوز في الأضاحي. فقال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله فقال: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي». قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي السِّنِّ نَقْصٌ. قَالَ: «مَا كَرِهْتَ فَدَعْهُ وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ».
قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (3/ 1085، ط. دار الفكر): [«العرجاء البين»؛ أي: الظاهر. «ظلعها»؛ أي: عرجها، وهو أن يمنعها المشي.. «والمريضة البين مرضها»: وهي التي لا تعتلف. قال ابن الملك: والحديث يدل على أن العيب الخفي في الضحايا معفو عنه] اهـ.
فإذا كان في الحيوان الذي يُعدّ للأضحية عيبٌ فاحشٌ فإنه حينئذ لا يجزئ في الأضحية؛ فقد أجمع الفقهاء على أنه لا يجوز في الأضحية وجود أحد هذه العيوب المذكورة في الحديث وكذا ما كان في معناها.
قال الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (13/ 120، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأجمعوا على أن العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهو: المرض، والعجف، والعور، والعرج البيِّن لا تُجْزِئُ التضحية بها، وكذا ما كان في معناها أو أقبح؛ كالعمى، وقطع الرِّجْل وشبهه] اهـ.
أما إذا كان العيب يسيرًا وغير ظاهر فقد نص العلماء على جواز أن يضحى به، وتكون الأضحية صحيحة ومقبولة.
قال الإمام الخطابي -عند شرح الحديث المذكور- في "معالم السنن" (2/ 230، ط. المطبعة العلمية): [وفيه دليل على أن العيب الخفيف في الضحايا معفو عنه ألَا تراه يقول بيِّن عورها وبيِّن مرضها وبيِّن ظلعها فالقليل منه غير بيِّن فكان معفوًّا عنه] اهـ.
وقد قرر جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة أن الأضحية إذا أصابها العرج وكانت بينة العرج فإنها لا تجزئ عن الأضحية، أما إن كانت غير بينة العرج بأن كانت تسير به مع الغنم الصحيحة وتشارك معها في طيب العلف فإنها تجزئ.
قال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (6/ 5، ط. الأميرية): [قال رحمه الله (ويضحي بالجماء)، وهي التي لا قرن لها.. (لا بالعمياء، والعوراء، والعجفاء، والعرجاء) أي التي لا تمشي إلى المنسك أي المذبح] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الاستذكار" (5/ 215، ط. دار الكتب العلمية): [وفي هذا الحديث: دليل على أن المرض الخفيف يجوز في الضحايا، والعرج الخفيف الذي تلحق به الشاة في الغنم؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «البيِّن مرضها والبيِّن ظلعها»، وكذلك النقطة في العين إذا كانت يسيرة؛ لقوله «العوراء البيِّن عورها»، وكذلك المهزولة التي ليست بغاية في الهزال؛ لقوله «والْعَجْفَاءُ التي لا تُنْقِي» يريد بذلك التي لا شيء فيها من الشحم، والنِّقِيُّ: الشحم] اهـ.
وقال الإمام الباجي المالكي في "المنتقى شرح الموطأ" (3/ 84، ط. مطبعة السعادة): [وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «العرجاء البين ظلعها» دليل على أن العرج على ضربين: ضرب يمنع الإجزاء، وضرب لا يمنعه، فأما ما يمنع الإجزاء فقد قال الشيخ أبو القاسم في تعريفه "العرجاء البين ظلعها": هي الشديدة العرج التي لا تلحق الغنم، فهذه التي لا تجزئ... وأما العرج الذي لا يمنع الإجزاء فهو العرج الخفيف، روى ابن حبيب عن مالك أنه استخفها إذا لم يمنعها أن تسير سير الغنم، وذلك صحيح لأن عرج هذه ليس يبين، وإنما يكون حينئذ عرجًا خفيفًا] اهـ.
وقال الإمام العمراني الشافعي في "البيان" (4/ 444، ط. دار المنهاج): [ونص على العرجاء، وهي: التي إحدى رجليها ناقصة عن الأخرى، فإن كان عرجًا بينًا، وهو الذي يمنعها السير مع الغنم والمشاركة في طيب العلف، فتهزل لذلك فلا تجزئ للخبر، وإن كان عرجًا يسيرًا لا يمنعها ذلك أجزأت] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 475، ط. مكتبة القاهرة): [ويمنع من العيوب في الهدي ما يمنع في الأضحية... و"العرجاء البين عرجها": التي عرجها متفاحش يمنعها السير مع الغنم، ومشاركتهنَّ في العلف، ويهزلها] اهـ.
بناءً على ذلك: فالتفرقة بين العرج اليسير والكثير، يكون بمدى ظهور هذا العرج وتمكنه من الحيوان المُعدِّ للأضحية، فإذا كان هذا العرج ظاهرًا وفاحشًا ويؤثر على حركة الحيوان مثلًا؛ بحيث لا يستطيع أن يسير مع باقي حيوانات جنسه ويتأخر عنهم ولا يشارك في طيب العلف فلا يجوز حينئذ أن يضحى به، أما إذا كان عيبًا خفيفًا وغير ظاهر إلَّا بالنظر الدقيق، ولا يؤثر في حركة الحيوان فقد نص جمهور الفقهاء على أنه يجوز الأضحية به.
وفي واقعة السؤال: يجوز شرعًا أن تضحي بالخروف الذي فيه عرج يسير لم يظهر لك وقت الشراء، وتكون الأضحية حينئذ صحيحة ومجزئة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما الذي يترتب على من أراد الأضحيةِ وفاته وقتها ولم يضحّ؟ فهناك رجلٌ يتطوع بالأضحية كلَّ عام، وفي هذا العام اشترى شاةً للأضحية، إلا أنه قد طرأت له بعض الظروف في يوم عيد الأضحى واليوم الذي يليه حالت بينه وبين ذبحها حتى أصبح في اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة، فهل يجزئه التطوع بالأضحية بعد ذلك؟ وما الحكم لو خرج الوقت دون أن يذبح؟ هل يشرع له الذبح بعده وتكون أضحية؟
ما حكم ذبيحة أهل الكتاب وعدم تسميتهم عليها؟ فالسائل قرأ تفسيرًا لقول الله سبحانه في القرآن الكريم في سورة المائدة: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ﴾ إلى آخر الآية الكريمة، وهذا التفسير باللغة الإنجليزية لمؤلفه المفسر محمد أحمد، والمنشور في 1979م بلندن بإنجلترا، وقد قال في (صحيفة 110) تفسيرًا لهذه الآية ما ترجمته: "اليوم أحل لكم الطيبات من الرزق كما يحل لكم أن تأكلوا من طعام أهل الكتاب. كما أن ذبيحة اليهود والمسيحيين مسموح لكم بها، وطعامكم مسموح حلٌّ لهم، ويجوز لكم الزواج بالحرائر المؤمنات، وكذا من حرائر اليهود والمسيحيات على أن تعطوهن المهور".
والسؤال هو: هل يجوز للمسلم أن يأكل من ذبيحة اليهود والنصارى كما فسرها الأخ محمد أحمد في تفسيره هذا باللغة الإنجليزية مع العلم بأن ذبيحتهم لم يذكر اسم الله عليها، كما أن المسيحيين لا يذبحون البهيمة إلا بعد خنقها أو كتم أنفاسها نتيجة ضربة بما يشبه المسدس؟
ما هي ضوابط أكل الذبائح في بلاد غير المسلمين؟ فالسائل مقيم في إحدى الدول الأجنبية، ويطلب الإفادة عن حكم أكل اللحوم المذبوحة هناك، وبيان شروط الذبح في الإسلام، وفي حالة وجود مكان إسلامي لبيع اللحوم، هل يجوز أكل اللحوم من غيرها؟ وما حكم أكل اللحوم من الأماكن اليهودية؟
ما هي الأضحية؟ ولماذا شُرعت؟ وهل هي واجبة؟ وما هي شروط الأضحية؟ وما موعد ذبحها؟ وكيف تقسَّم وتوزع؟ وما هو آخر ميعاد للذبح المشروع؟
ما حكم جمع جلود الأضحية وبيعها والتبرع بثمنها؟ فجمعيتنا تقوم على الدفاع عن حقوق مسلمي تركستان الشرقية التي ما زالت تحت احتلال الصين الشيوعية، سواء أكانت هذه الحقوق متعلقة بالتركستانيين في البلاد أم في الخارج، إضافة إلى أن عندنا جامعًا كبيرًا في تركيا باسم "جامع التركستان"، ونعطي منحًا دراسية لعدد من الطلاب، علمًا بأن الجمعية ليس لها أي مصدر مالي وأنها تعتمد على مساعدات الآخرين؛ لهذا السبب ولغيره كنا نجمع منذ سنوات جلود الأضحية ونصرفها على الأمور المذكورة سابقًا، إلا هذه السَّنة، حيث قال البعض: إن جمع جلود الأضحية للجمعية لا يجوز ولو كان لمسجدٍ أو لغيره. نريد منكم التوضيح في أقرب وقت ممكن حتى لا نسير على طريق غير مستقيم.
هل يجوز ذبح الغزال واستخدام لحمه للاستهلاك الآدمي؟