ما حكم ادِّخار جميع لحم الأضحية، وعدم توزيع جزء منها على الفقراء؟
الأضحية سنةٌ مؤكدة، والمشروعُ فيها أن يجمَع الشَّخصُ بين الأكل والتصدُّق والادِّخار، ويكره أكل الأضحية كلِّها، دون التصدُّق بشيءٍ منها، ولا ضمان على المضحِّي إن فعل.
المحتويات
مِن المقرَّر أنَّ الأضحية مطلوبة شرعًا من المكلف القادِر عليها؛ قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]؛ قال الإمامُ البيضاوي في "تفسيره" (5/ 342، ط. دار إحياء التراث): [قد فُسرت الصلاة بصلاة العيد، والنحر بالتَّضحية] اهـ.
وقد روى الترمذي في "سننه" عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما عمِلَ آدميٌّ مِن عمل يوم النَّحر أحبّ إلى الله مِن إهراق الدَّم، إنه ليأتي يومَ القيامة بقرُونها وأشعارِها وأظلافِها، وأن الدَّم ليقع مِن الله بمكان قبل أن يقَعَ مِن الأرض، فطِيبُوا بها نفسًا».
قال الإمام ابنُ العربي في "عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" (6/ 289، ط. دار الكتب العلمية-بيروت): [وإنما كان العملُ في يوم النحر أفضلَ الأعمال؛ لأجل قُربة كلّ وقتٍ أضمَنُ بها مِن غيرها وأولى فعلها فيهِ من سواها، ولأجْل ذلك أُضِيفَت إليه] اهـ.
والمختار من أقوال العلماء أنها سنة مؤكدة؛ وذلك لما رواه أحمد في "مسنده" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ثلاث هنَّ عليَّ فرائض، وهنَّ لكم تطوع: الوتر، والنحر، وصلاة الضحى».
السُّنة في الأضحية أن يجمعَ المضحّي بين الأكل مِن أضحيته، والتصدُّق على الفقراء، وادِّخار جزء منها؛ والأصلُ في ذلك: ما رواه الشيخان عن سلمةَ بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن ضحَّى منكم فلا يُصبِحنَّ بعد ثالثة وبقي في بيتِهِ منه شيءٌ» فلمَّا كان العامُ المقبل، قالوا: يا رسولَ الله، نفعَلُ كما فعَلْنا عام الماضي؟ قال: «كُلُوا وأطعِمُوا وادَّخِروا؛ فإنَّ ذلك العام كان بالنَّاس جهد، فأردت أن تُعِينوا فيها».
قال الشمسُ البِرماوي في "اللامع الصبيح" (14/ 170، ط. دار النوادر، سوريا): [قولُه: (كُلُوا) وإن كان للوجوب، لكن حيث لا قرينة، وتقدُّمُ الحظرِ قرينةٌ صارفة على خلاف ذلك في أصول الفقه، ولئِن قلنا: تبقى على الوجوب، فالإجماعُ هنا مانعٌ من الحملِ عليها] اهـ.
وقد حُكِي الإجماع على أنَّ الجمع بين الأكل والصدقة سُنةٌ حسنةٌ؛ قال الإمام ابنُ حزم الأندلسي في "مراتب الإجماع" (ص: 153، ط. دار الكتب العلمية): [واتفقوا أنَّ مَن أكل أضحيته وتصدَّق بثلثها وأكَلَ قبل انقضاءِ اليوم الثالث مِن يوم النَّحر أنه قد أحسَنَ، واختلفوا فيمَن لم يأكُل منها أو لم يتصدّق أو ادَّخر بعد ثلاث؛ عصى أم لا] اهـ.
قد تتابعت نصُوصُ فقهاءِ المذاهب الأربَعة على هذا المعنى؛ فقال الإمام فخر الدين الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (6/ 8، ط. الأميرية، بولاق): [قال رحمه الله: (ويَأكُلُ مِن لحْمِ الأُضْحِيَة، ويُؤكِلُ غنيًّا، ويدَّخِر)... والنصوص فيه كثيرةٌ، وعليه إجماعُ الأمة، ولأنَّه لما جاز له أن يأكل منه هو، وهو غني فأولى أن يجوز له إطعام غيره، وإن كان غنيًّا] اهـ.
وقال الشيخ أبو عبد الله الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (3/ 39، ط. دار الفكر): [(ص) وجَمْعُ أكْلٍ وصَدَقةٍ وإعطاءٍ بلا حَدّ (ش) يعني: أنه يُستحَبُّ لصاحِبِ الأضحية أن يأكُلَ منها، وأن يتصدَّق على الفقراء منها، وأن يعطي أصحابه منها، ولا تحديد في ذلك لا بربع ولا بغيره] اهـ.
وقال الإمام جلال الدين المحلِّي الشافعي في "كنز الراغبين على منهاج الطالبين" (4/ 255، ط. دار الفكر): [(وله) أي: للمضحي (الأكْلُ مِن أضْحِية تطوُّعٍ وإطعامُ الأغنياءِ) منها (لا تملِيكُهُم)، ويجوز تمليك الفقراء منها ليتصرفوا فيه بالبيع وغيره، (ويأكل ثلثًا وفي قول نصفًا) ويتصدَّق بالباقي عليهما، وفي قول يتصدَّق بثلث، ويأكل ثلثًا، ويهدي إلى الأغنياء ثلثًا، ودليلُها القياس على هدي التطوع] اهـ.
وقال الشيخُ منصور البُهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 612، ط. عالم الكتب): [(وسُنَّ أن يأكُلَ مِنها) أي: الأضحية (ويُهدِي ويتصدَّق أثلاثًا) أي: يأكل هو وأهلُ بيتِهِ الثلثَ، ويهدي الثلث، ويتصدَّق بالثلث (حتى مِن) أضحية (واجبةٍ)] اهـ.
أمَّا ادِّخار جميع الأضحية من أجْل أكلها -وهو المسؤول عنه- فقد اتَّفق الفقهاءُ على أنَّ الأكْل مِن الأضحية مطلوبٌ؛ قال ابنُ رشد في "بداية المجتهد" (2/ 201، ط. دار الحديث): [واتفقوا على أنَّ المضحّي مأمورٌ أن يأكلَ مِن لحم أضحيتِهِ ويتصدَّق] اهـ.
واختلفوا في درجةِ هذا الطلب؛ قال ابنُ هبيرة في "اختلاف الأئمة العلماء" (1/ 339، ط. دار الكتب العلميَّة): [واختلفوا في قدر ما يأكلُ منها ويتصدَّق ويُهدى] اهـ.
ولمَّا كان المقصودُ مِن وراء هذه الشَّعيرة هو تقوى لله سبحانه وطاعتَه، فإنَّ العلماء قد نصَّوا على صورة خارجة عن محِل النزاع، وهي: ما لو كان المضحِّي فقيرًا وذا عِيال، فيجوز له أكلُ أضحيته كلها عندئذٍ بلا خلافٍ، والأصلُ في ذلك: ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ابدأ بنفسِك فتصدَّق عليها، فإنْ فضَل شيء فلأهْلِك، فإن فضَل عن أهْلِك شيءٌ، فلذِي قرابتِك، فإن فضَل عن ذي قرابتِك شيء فهكذا وهكذا».
قال أبو العباس القرطبيُّ في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (3/ 51، ط. دار ابن كثير): [هذا الحديث دليلٌ على مراعاةِ الأوكَدِ فالأوكَدِ] اهـ.
وقد ذهب الحنفية إلى أنه يجوز للشَّخص المضحِّي أكلُ أضحيته كلِّها، ولا شيء عليه في ذلك.
قال الشيخ محمد الحصكفي في "الدر المختار" (6/ 328، ط. دار الفكر): [(ونُدِب أن لا يُنقص التصدُّق عن الثُّلثِ) وندب تركُه لذي عيال توسعة عليهم] اهـ.
قال العلامة ابنُ عابدين محشِّيًا عليه: [(قوله: ونُدِبَ... إلخ) قال في "البدائع": والأفضلُ أن يتصدَّق بالثلث ويتَّخذ الثلثَ ضيافة لأقربائِهِ وأصدقائه ويدَّخر الثلث؛ ويُستحب أن يأكلَ منها، ولو حَبَس الكُلَّ لنفسِه جاز؛ لأنَّ القربة في الإراقة، والتصدق باللحم تطوعٌ] اهـ.
ومذهبُ المالكيَّة هو كراهة أكل الأضحية كلِّها، دون التصدُّق بشيء منها.
قال الشيخ أبو الحسن في "كفاية الطالب الرباني" (1/ 575-576، ط. دار الفكر): [(ويأكُلُ الرجُلُ) يريد: أو غيرُه (مِن أُضحيتِه، ويتصدَّق منْها أفضلُ له)... ويكره التصدُّق بالجميع وليس لما يُؤكل أو يطعم حدٌّ] اهـ.
قال العلامة العدوِيُّ محشِّيًا عليه: ["قوله: ويكرهُ التصدُّقُ بالجَمِيع" أي: أو أكل الجميع أو إهداء الجميع] اهـ.
وذهب الشافعيةُ والحنابلة إلى إيجاب التصدُّق بأقلّ شيء يتناوله هذا اسمُ اللحم، فلا يجُوز له أكلُ الجميع، ويضْمنُ هذا القدْر الذي تناوَلَه الاسمُ إن أكله.
قال الشيخُ زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" (1/ 545، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويجِبُ التصدُّق بشيءٍ مِنْها) يعني: مِن لحوم ما ذكُر، ولو جزءًا يسيرًا ينطلِق عليه الاسمُ، فيحرم عليه أكلُ جميعها؛ للآية السابقة، ولأن المقصود إرفاق المساكين، ولا يحصل ذلك بمجرد إراقة الدم، بل (يُمَلِّكه الفُقراءَ) المسلمين (نِيئًا) ليتصرفوا فيه بما شاؤوا من بيع وغيره؛ كما في الكفارات فلا يكفي جعله طعامًا ودعاء الفقراء إليه؛ لأن حقهم في تملكه، لا في أكله] اهـ.
وقال الشيخُ منصور البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (3/ 23، ط. دار الكتب العلمية): [(فإنْ أكَلَ أكْثَرَ) الأضحية أو أهدى أكثرها (أوْ أكَلَهَا كلَّها) إلا أوقيَّة تصدق بها جاز، (أو أهْدَاها كلَّها إلا أوقية تصدَّق بها جاز؛ لأنَّه يجِبُ الصدقةُ ببعضِها) نِيئًا على فقير مسلم؛ لعموم: ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: 36]، (فإن لم يتصَدَّق بشَيءٍ) نِيء منها (ضَمِنَ أقلَّ ما يقَعُ عليه الاسْمُ)؛ كالأوقية (بمثْلِهِ لحمًا)؛ لأنَّ ما أبيح له أكله لا تلزمُهُ غرامتُه، ويلزمُه غرم ما وجَبَت الصدقةُ به؛ لأنه حقٌّ يجب عليه أداؤه، مع بقائه، فلزمته غرامتُه إذا أتلفه؛ كالوديعة] اهـ.
المختار للفتوى هو رأي المالكية في جواز ذلك مع الكراهة؛ إذ في الوجوب إثم، فضلًا عن الضمان، وهو أمر شاق على المكلف، وفي الأمر سعة.
بناء على ذلك فنقول: الأضحية سنةٌ مؤكدة، والمشروعُ فيها أن يجمَع الشَّخصُ بين الأكل والتصدُّق والادِّخار، ويكره أكل الأضحية كلِّها، دون التصدُّق بشيءٍ منها، ولا ضمان على المضحِّي إن فعل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم تعدد الأضحية؟
ما حكم الاشراك في النية في ذبيحة واحدة بين الأضحية وعمل الوليمة ودعوة الناس إليها بمناسبة بناء منزلٍ جديدٍ وهي التي تُسمَّى بالوكيرة، أو أن الأولى عمل هذه الوكيرة من الثلث الخاص بي وبأهل بيتي في الأضحية؟
ما حكم ذبح الأضحية في غير بلد المضحي؟ فرجلٌ اعتاد أن يضحي بشاة، لكنه عجز هذا العام عن شرائها بسبب غلوِّ الأسعار، وقد أشار عليه أحد الأشخاص أن يوكل من يذبح له في بعض الدول الإفريقية التي ترخص فيها أسعار الماشية؛ لكون المبلغ الذي معه يكفيه للأضحية في إحدى هذه الدول، فهل يلزمه ذلك، وهل يختلف الحكم لو نذرها؟ وهل يوجد فرق بين الأضحية والعقيقة في ذلك، أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرًا.
ما هو وقت نحر أضحية العيد في دول جنوب شرق آسيا؟ فمن المعروف أن الشمس تشرق في الدول التي تقع في جنوب شرق آسيا قبل الدول الإسلامية التي تقع في الشرق الأوسط وأفريقيا، وبالنسبة لرؤية الهلال، إذا ثبت رؤية هلال ذي الحجة في حقِّ بلدٍ من البلاد الإسلامية التي تشترك معنا -كالمواطنين في جنوب شرق آسيا- في جزء من الليل مثل مصر والسعودية فإننا نأخذ هذه الرؤية ونحدد أيام عيد الأضحى بها، فتبدأ أيام عيد الأضحى عندنا قبل بدايتكم، ونصلي صلاة العيد، ونكبِّر ونضحِّي قبلكم بأربع ساعاتٍ تقريبًا، وإذا كان الأمر كذلك ونحرنا القربان في بلدنا يوم النحر بعد مضي صلاة العيد وخطبتها، فهل تعتبر هذه التضحية قبل وقتها أم لا؟ وهل يجوز لنا أن ننحر بعد صلاة العيد وخطبتها في بلدنا مباشرةً أو ننتظر وننحر بعد صلاتكم وخطبتكم؟
ما حكم الذبح صدقةً على روح المتوفى؟ مع العلم بأن الذبح قد تم أثناء العزاء.
ما حكم الذبح بطريقة تقي من الإصابة بأنفلونزا الطيور؟ فأنا أعمل في المعمل القومي للرقابة البيطرية على الإنتاج الداجني بوزارة الزراعة، وهو المعمل المسؤول عن تشخيص وبحوث مرض إنفلونزا الطيور، وهو مرض خطير يسبب خسائر اقتصادية فادحة ووفيات في البشر، ونسأل الله أن لا يتحول إلى جائحة عالمية.
ولقد أثبتت الأبحاث العلمية أن الإنسان يمكن أن يصاب بالمرض عند التعرض لجرعة كبيرة كثيفة من الفيروس خاصة عند ذبح الطيور المصابة، وهو ما حدث في الحالات التي سُجِّلَت في مصر وتوفيت إلى رحمة الله من جراء ذبح الطيور.
ولقد كان لنا بالمشاركة مع الباحثين الأجانب بعض المحاولات العلمية الرامية إلى تقليل كمية الفيروس خلال عملية الذبح، مع الأخذ في الاعتبار أن تكون تلك الطرق يسيرة وسهلة، حيث تستطيع المرأة الريفية أن تقوم بها دون تكلفة أو إجراءات معقدة، وهدانا التفكير إلى أنه يمكن وضع الطائر في كيس بلاستيكي عادي -المتوافر بكثرة في البيوت- وإبراز رأس ورقبة الطائر دون خنقه أو تقييد حركته ثم ذبحه بالسكين، وأوضحت المشاهدة أن كمية الغبار المحمل بالدم وإفرازات الطائر قد انخفضت بشكل ملحوظ، مما شجع فريق العمل إلى الاتصال بمعمل مرجعي دولي في أنفلونزا الطيور في أمريكا لإجراء مزيد من الاختبارات المعملية التي تستطيع أن تقيس تركيز الفيروس في الهواء بصورة دقيقة، ودراسة مدى فاعلية استخدام طرق تقلل من تعرض المرأة الريفية للفيروس خلال عملية الذبح.
ولقد طلب الباحثون الأجانب فتوى عن طريقة الذبح الحلال طبقًا للشريعة الإسلامية حتى يتم تطبيقها خلال إجراء التجارب في أمريكا، ونهدف من الدراسة إلى أنه في حالة الوصول إلى نتائج إيجابية فإنه سوف يتم نشر نتائج هذه الأبحاث في المراجع العلمية والمؤتمرات الدولية المختصة والدوريات الإرشادية للتربية الريفية.