حكم جمع الجنازات للصلاة عليها جملة واحدة

تاريخ الفتوى: 01 مايو 2020 م
رقم الفتوى: 5229
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: مستجدات ونوازل
حكم جمع الجنازات للصلاة عليها جملة واحدة

ما حكم جمع الجنازات للصلاة عليها جملة واحدة؟ حيث إنه نظرًا لتزايد عدد الوفيات في مستشفيات العزل ونحوها؛ بما قد تزيدُ في بعض الأيام عن العشرة في مكانٍ واحد، ووضع كل جنازة على حدتها وتقديمها للصلاة عليها يسبِّب الكثير من التعب والمشقَّة للقائمين على ذلك، فهل يمكن الصلاة عليها مجتمعة؟ وهل هذا هو الأفضل من الناحية الشرعية، أم الأفضل الصلاة على كل جنازة على حدتها؟ ولفضيلتكم جزيل الشكر والتقدير.

يجوز شرعًا الصلاة على الجنازات مجتمعةً دفعة واحدة باتفاق الفقهاء، بل عدَّ بعضُ العلماء ذلك هو السُّنَّةَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويجوز إفرادُ كلِّ جنازة بالصلاة عليها على حِدَتِها، فإذا كثرت الجنازات -كما هو الحال الآن في مستشفيات العزل- فإنه يُصَلَّى عليها مجتمِعةً صلاةً واحدةً.

المحتويات

حكم جمع الجنازات للصلاة عليها جملة واحدة

الأصل أن تُصَلَّى صلاة الجنازة على كل متوفًّى مسلم أو متوفاة، فإذا تعدَّدت الجنازات فقد اتفق العلماء على جواز إفراد كل جنازة بالصلاة عليها، كما اتفقوا أيضًا على جواز الصلاة عليها مجتمعةً صلاةً واحدةً.
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 419، ط. مكتبة القاهرة): [فصل: ولا خلافَ بين أهل العلم في جواز الصلاة على الجنائزِ دفعة واحدة، وإن أفرد كل جنازة بصلاة جاز] اهـ.
غير أنهم اختلفوا في الأفضل منهما: هل هو إفراد الصلاة على كل جنازة منها، أم الصلاة عليها مجتمعة؟
فذهب متأخرو الحنفية -وهو المذهب عند الشافعية خلافًا للمتولي صاحب "التتمة"- إلى أفضلية إفراد كل جنازة بالصلاة عليها؛ لِما فيه من كثرة العمل ورجاء القبول، ما لم يُخشَ على الجنازة التغيُّرُ أو الانفجارُ، فحينئذ يكون الجمع أفضل.
قال العلامة الشرنبلالي الحنفي في "نور الإيضاح" (ص: 118، ط. المكتبة المصرية): [وإذا اجتمعت الجنائز فالإفراد بالصلاة لكل منها أولى] اهـ.
وقال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 120، ط. دار الكتب العلمية): [(وإذا اجتمعت الجنائز فإفراد الصلاة) على كل واحدة (أولى) من الجمع] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 219، ط. دار الفكر، بيروت): [(قوله أولى من الجمع)؛ لأن الجمع مختلف فيه] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 31-32، ط. دار الكتب العلمية): [وقوله: (وتجوز) يفهم أن الأفضل إفراد كل جنازة بصلاة، وهو كذلك؛ لأنه أكثرُ عملًا وأرجى قبولًا، وليس تأخيرًا كثيرًا، وإن قال المتولي: إن الأفضل الجمع تعجيلًا للدفن المأمور به، نعم إن خشي تغيرًا أو انفجارًا بالتأخير فالأفضل الجمع] اهـ.
بل نصَّ بعضُ أئمَّة الشافعية إلى أنه لا يُعدل إلى جمع الجنازات إلَّا إذا تعذَّر الإفراد.
قال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (3/ 49، ط. دار الكتب العلمية): [ثم إذا اجتمعت عدَّة جنائز، فينبغي أن يخص كل جنازة بصلاة منفردة، وتقدم الصلاة على السابق، فإذا جاءوا على سواء ولم يتشاحنوا فالصلاةُ على أفضلهم نَسَبًا ودِينًا، إلا أن يخاف من غيره الفساد، فيبدأ بالصلاة عليه، فإن تشاحنوا في التقديم أُقرع بينهم، وبدأ بمن خرجت له القرعة وإن كان أنقصهم، فإن لم يتمكَّن من الصلاة عليهم منفردين جاز أن يصلي عليهم مجتمعين] اهـ.
وذهب جمهور الحنفية والمالكية إلى أن الإمام مخيَّرٌ: إن شاء أفرد كل جنازة بالصلاة، وإن شاء جمع بينها في صلاة واحدة.
قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 315، ط. دار الكتب العلمية): [فإذا اجتمعت الجنائز فالإمام بالخيار إن شاء صلَّى عليهم دفعةً واحدة، وإن شاء صلى على كل جنازة على حدة؛ لما رُوي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "صلى يوم أُحد على كل عشرة من الشهداء صلاة واحدة"، ولأنَّ ما هو المقصود وهو الدعاء والشفاعة للموتى يحصلُ بصلاة واحدة، فإن أراد أن يصليَ على كل واحدة على حدة، فالأولى أن يقدم الأفضل فالأفضل، فإن لم يفعل فلا بأسَ به] اهـ.
وقال العلامة الكمال بن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (2/ 130، ط. دار الفكر): [واعلم أن الصلاة الواحدة كما تكون على ميتٍ واحدٍ تكون على أكثر، فإذا اجتمعت الجنائز إن شاء استأنف لكل ميت صلاة، وإن شاء وضع الكل وصلَّى عليهم صلاة واحدة، وهو في كيفية وضعهم بالخيار إن شاء وضعهم بالطول سطرًا واحدًا ويقوم عند أفضلهم، وإن شاء وضعهم واحدًا وراء واحدٍ إلى جهة القبلة] اهـ.
وقال العلامة ابن شاس المالكي في "عقد الجواهر الثمينة" (1/ 191-192، ط. دار الغرب الإسلامي):
[وإذا اجتمعت الجنائز فيجوز أن تفرد كل واحدة بالصلاة، وأن يُصلَّى على جميعها صلاة واحدة، ثم يتخير إن كانوا جنسًا واحدًا بين جَعْلِهم صفًّا أفضلهم بين يديه، ويليه من الجانبين من يليه في الفضل، وبين أن يرتبهم كما يرتب مختلفي الأجناس، وهو أن يجعل أفضلهم بين يديه، ثم من يليه في الفضل يليه إلى القبلة.
وفي الأجناس يقرب الرجل من الإمام، ثم يليه الصبي، ثم العبد، ثم الخنثى، ثم المرأة، ثم الصغيرة، ثم الأمة، ويجعل أفضل الرجال مما يلي الإمام، ويقدم الخصال الدينية التي ترغب في الصلاة عليه، إن استووا قدم بالسن، فإن استووا قدم بالقرعة أو التراضي] اهـ.
بينما يرى الحنابلة في المذهب والمتولي من الشافعية أن الأفضلَ الصلاةُ على الجنائزِ مجتمعةً دفعةً واحدة؛ لأن فيه تعجيلَ الدفن، وهو مأمورٌ به شرعًا، والتخفيف على أقرباء الموتى وغيرهم، ولأن مقصود صلاة الجنازة الدعاء والاستشفاع للموتى، وهو يحصل بصلاة واحدة.
قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (5/ 226، ط. دار الفكر): [واتفقوا على أن الأفضل أن يفرد كل واحد بصلاة، إلَّا صاحب "التتمة" فجزم بأن الأفضل أن يصلى عليهم دفعة واحدة؛ لأن فيه تعجيلَ الدفن وهو مأمورٌ به، والمذهب الأول؛ لأنه أكثرُ عملًا وأرجى للقبول، وليس هو تأخيرًا كثيرًا] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 112، ط. دار الفكر): [(وجمع الموتى في الصلاة عليهم أفضل من الصلاة عليهم منفردين) أي: على كل واحدٍ وحدَه؛ محافظةً على الإسراع والتخفيف] اهـ.

الدليل على جواز جمع الجنازات للصلاة عليها جملة واحدة

من العلماء من استدلَّ على أن السُّنة جمْعُ الجنائزِ على صلاة واحدة بصلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على شهداء أُحُد عَشرةً عَشرةً؛ كما أخرجه ابن ماجه في "السنن" عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "أُتِيَ بهم رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أُحد، فجعل يصلي على عشرة عشرة، وحمزة رضي الله عنه هو كما هو، يُرْفَعُونَ وهو كما هو موضوعٌ".
قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/ 83، ط. دار الحديث): [والحديثُ يدلُّ على أن السُّنَّة إذا اجتمعت جنائزُ أن يُصلَّى عليها صلاةً واحدة] اهـ.
وعلى كلٍّ فالاختلافُ بين القولين في الأفضلية يرجعُ إلى ما يترتب على كلٍّ منهما.
أما الجمع بين الجنازات في صلاة واحدة فيترتَّب عليه الإسراعُ بالجنازة وهو مأمورٌ به، وكذلك التخفيفُ على المصلين من أصحاب الجنازات وغيرهم، وهو أيضًا يُحصِّل المقصود من الصلاة وهو الدعاء والشفاعة للموتى.
وأما الإفراد: فيترتَّب عليه تكثيرُ العمل وتضعيف الأجر، ولا يُعَدُّ تأخيرًا إلَّا في حالة الخوف عليها من التغير.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فيجوز الصلاة على الجنازات مجتمعةً دفعة واحدة باتفاق الفقهاء، بل عدَّ بعضُ العلماء ذلك هو السُّنَّةَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويجوز إفرادُ كلِّ جنازة بالصلاة عليها على حِدَتِها، فإذا كثرت الجنازات -كما هو الحال الآن في مستشفيات العزل- فإنه يُصَلَّى عليها مجتمِعةً صلاةً واحدةً.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم وضع بلاط (سراميك) على المقابر من الخارج؛ لأن الرطوبة تأكل الجدران من الخارج؟


ما الحكمة من استحباب زيارة القبور؟ ولماذا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بزيارتها بعد أن كان قد  نهى عنها؟


حكم قراءة صحيح البخاري وكتب السنة لرفع الوباء حيث ورد سؤال يقول صاحبه: في ظِلِّ ما يمرُّ به العالمُ من تفشِّي وباء كورونا يقومُ بعضُ العلماء وطلبة العلم بتنظيم قراءة "صحيح البخاري" بتقسيمه على من يحِبُّ المشاركةَ في ختمه، عن طريق وسائلِ التواصل الاجتماعي؛ تبرُّكًا وتوسُّلًا إلى الله تعالى لكشْف وباء كورونا، جريًا على ما اعتاده علماءُ الأزهر من قراءته في الملمَّات والنوازل: كدفع الوباء، وكشف البلاء، ومواجهة الغلاء.
لكن خرج بعضُ مدَّعي العلمِ على بعض المواقع زاعمًا أن التَّعبُّدَ بتلاوة صحيح البخاري لمجرد التِّلاوة بدعة، وأن التبرُّك والتوسُّل به حرام، وأنه لا فرقَ في ذلك بين "صحيح البخاري" و"مسلم" مثلًا، وأنها مجرَّد طقوس ابتدعها بعض الجهلة لمواجهة الأوبئة، وأنَّ توظيف "صحيح البخاري" للاستشفاء والتحصين لرفع البلاء أمرٌ متكلَّف، وأنَّ من ضرورياتِ الدين أنَّ المقصودَ مِن كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هو العمل بِمَا فيهما مِن الأوامرِ والنَّواهي، والإيمان بِمَا فيهما مِن الأخبار، وليس المقصود مجرَّد تلاوتهما ألفاظًا وتعبُّدًا.. فبَيِّنوا لنا الصوابَ في ذلك مشكورين.
1- عادة إقراء "صحيح البخاري" عند النوازلِ من الكوارثِ والأوباء قديمة، جرت على لسان السراج البلقيني في اليقظة والمنام.
2- لعل أمر هذه الظاهرة يعودُ إلى أقدم من وباء الطاعون الذي عمَّ الدنيا سنة 749هـ، واشتهرت هذه الظاهرة عند قدوم تيمورلنك إلى بلاد المسلمين.
3- أشهر الإمام سراج الدين البلقيني العمل بها، ودوَّنتها كتب التراجم والتأريخ، ونقلنا ذلك عنه فيما مضى.
4- التحقيق أن هذا العمل ليس موصولًا بعصور السلف، وأنَّ شيوعَه وذيوعَه بحكم وقوعه ووجوده لا يعطيه الحجِّية، وأنه ما زال يحتاجُ للدليل، وأن مجرَّد رؤيةِ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يأمرُ به لا يكفي مُستَدلًّا؛ فالمنامات يُسْتَأنس بها وليست -عند أهل السنة والجماعة- حجةً وبرهانًا، وأن الاتِّكاء عليها مع ترْك الأخْذ بالأسباب بدعةٌ في الدين، ومضادَّة لمقاصدِ الشريعة الكلية، والله المستعان وهو الواقي والعاصم.


ما حكم إلقاء موعظة أثناء انتظار المشيعين لحضور الجنازة للصلاة عليها، وعند القبر بعد دفن الميت؟ وما حكم رَمْيُ مَن يفعل ذلك بالابتداع؟


ما حكم صنع المأتم للميت ليأخذ الناس العزاء، وهل هذا الفعل سنة أم بدعة؟ وإن كان بدعة فما السنة؟ وإن كان سنة فما الدليل، وإن كان بدعة فما الدليل؟ فهناك فريق يقول إن الميت إذا مات جاء أناس كثيرة يعزون وبيت الميت لا يسع فنأتي لهم بالكراسي ونظلل عليهم بسرادق ونعطيهم شيئًا يشربونه وهذا ليس فيه شيء، وهناك فريق يقول إنه بدعة فلم يصنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصحابة سرادقًا ولا مأتمًا ولا صنع الصحابة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم سرادقًا ولا مأتمًا ولم يصنع للخلفاء الراشدين الأربع، فهل هذا القول صحيح، وأين الحق هل هو مع الفريق الذي يقول بالإباحة أم مع الفريق الذى يقول بأنها بدعة، وما الدليل؟


ما حكم القيام بتغسيل الميت بماء زمزم؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 نوفمبر 2025 م
الفجر
4 :41
الشروق
6 :9
الظهر
11 : 38
العصر
2:45
المغرب
5 : 8
العشاء
6 :26