ما حكم مسح الوجه باليدين عقب الدعاء؟
مسح الوجه باليدين عقب الدعاء مستحَبٌّ باتفاق الفقهاء إذا كان خارج الصلاة، وأما في داخل الصلاة عقب الفراغ من القنوت؛ فقد أجازه الشافعية في وجهٍ، والحنابلة في المعتمد من مذهبهم.
المحتويات
الدعاء عبادة جليلة حثَّ عليها الشرع الشريف ورغَّب فيها؛ قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]؛ قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (21/ 408، ط. مؤسسة الرسالة): [قيل: إنَّ معنى قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾: إنَّ الذين يستكبرون عن دعائي] اهـ.
وقال سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186]؛ قال مقاتل في "تفسيره" (ص: 163-164، ط. دار إحياء التراث): [أَي فأعلمهم أنِّي قريب منهم في الاستجابة أُجِيبُ دعوة الدَّاعِ إِذا دَعانِ] اهـ.
وروى الإمام أحمد في "مسنده" عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]».
قال الإمام فضل الله التُّورِبِشْتِي في "الميسر في شرح مصابيح السنة" (2/ 514، ط. مكتبة نزار): [والعبد إذا سأل ربَّه وشكا إليه ضُرَّه، ورفع إليه حاجته فقد علم أنَّ ربَّه مرغوبٌ إليه في الحوائج، ذو قدرة على ما يشاء، وعلم أنَّه عبدٌ ضعيفٌ لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، واعترف بالفقر والفاقة والذلة لمَن يدعوه، فلذلك قال: «هُو العِبَادَة» ليدل على معنى الاختصاص] اهـ.
ومن آداب الدعاء رفع اليدين إلى السماء أثناءه، وهو ثابت مشروع؛ لما فيه من التَّضرُّع والابتهال إلى الله تعالى؛ روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟».
قال الإمام القرطبي في "المفهم" (3/ 59، ط. دار ابن كثير): [وقوله: «يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ»؛ أي: عند الدعاء، وهذا يدلُّ على مشروعية مدِّ اليدين عنده إلى السماء] اهـ.
وقال الإمام نجم الدين الطوفي في "التعيين في شرح الأربعين" (1/ 114، ط. مؤسسة الريان): [قوله: «يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ» يدلُّ على أنَّ من أدب الدعاء رفع اليدين إلى السماء، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه في الاستسقاء حتى يُرَى بياض إبطيه] اهـ.
وقد جمع الإمام السيوطي الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب في رسالته "فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء".
أمَّا مسح الوجه باليدين عقب الدعاء: فقد اتَّفق جمهور الفقهاء من الحنفية في الأصح، والمالكية، والشافعية، والحنابلة: على جواز مسح الداعي وجهه بيديه بعد الفراغ من الدعاء خارج الصلاة.
قال الإمام الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (ص: 70، ط. دار الكتب العلمية): [والمسح بعده على وجهه سنة في الأصح] اهـ.
وجاء في "الفتاوى الهندية" (5/ 318، ط. دار الفكر): [مسح الوجه باليدين إذا فرغ الداع من الدعاء قيل: ليس بشيء، وكثير من مشايخنا رحمهم الله تعالى اعتبروا ذلك، وهو الصحيح، وبه ورد الخبر، كذا في "الغياثية"] اهـ.
وقال الإمام شهاب الدين النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (2/ 335، ط. دار الفكر): [ويُستحبّ أن يمسح وجهه بيديه عقبه -أي: عقب الدعاء- كما كان يفعله عليه الصلاة والسلام] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (4/ 655، ط. دار الفكر): [ومن آداب الدعاء كونه في الأوقات والأماكن والأحوال الشريفة، واستقبال القبلة، ورفع يديه ومسح وجهه بعد فراغه] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 173، ط. دار إحياء التراث العربي): [فوائد: الأولى: يمسح وجهه بيديه خارج الصلاة إذا دعا عند الإمام أحمد، ذكره الآجري وغيره] اهـ.
والدليل على ذلك: ما روي عن عمر رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا مَدَّ يديه في الدعاء لم يَردَّهُما حتى يَمْسَح بهما وجهه" أخرجه الترمذي في "الدعوات"، والحاكم في "لمستدرك".
قال الحافظ ابن حجر: أخرجه الترمذي، له شواهد منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند أبي داود وغيره، ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن. ينظر: "سبل السلام شرح بلوغ المرام" (2/ 708، ط. دار الحديث).
وأمَّا في أثناء الصلاة: فقد أجازه بعض الشافعية في وجه، فقال به: القاضي أبو الطيب، والشيخ أبو محمد الجويني، وابن الصباغ، والمتولي، والشيخ نصر في كتبه، والغزالي، والعمراني، والحنابلة في الرواية المعتمدة من المذهب.
قال الإمام النووي في "المجموع" (3/ 500): [وأما مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء، فإن قلنا لا يرفع اليدين لم يشرع المسح بلا خلاف، وإن قلنا يرفع فوجهان: (أشهرهما): أنه يستحب، وممَّن قطع به القاضي أبو الطيب والشيخ أبو محمد الجويني وابن الصباغ والمتولي والشيخ نصر في كتبه والغزالي وصاحب البيان] اهـ.
وقال العلامة المرداوي في "الإنصاف" (2/ 172): [قوله: (وهل يمسح وجهه بيديه؟ على روايتين).. إحداهما: يمسح، وهو المذهب فعله الإمام أحمد، قال المجد في "شرحه"، وصاحب "مجمع البحرين": هذا أقوى الروايتين، قال في "الكافي": هذا أولى وجزم به في "الوجيز"] اهـ.
بناءً على ذلك: فإنَّ مسح الوجه باليدين عقب الدعاء مستحَبٌّ باتفاق الفقهاء متى كان خارج الصلاة، وأجازه الشافعية في وجهٍ، والحنابلة في المعتمد من مذهبهم داخل الصلاة عقب الفراغ من القنوت.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الصلاة في المساجد التي بها أضرحة؟
ما حكم صلاة الجنازة على الجثث المفقود بعض أجزائها في الكوارث والنوازل؟ فقد حدث إعصارٌ في إحدى البلاد الإسلامية، وعلى إثره مات الكثير، وقد أسرعَت الجهاتُ المعنية في انتشال جثث الضحايا من تحت الأنقاض، فبعض الجثث انتُشِلَت كاملةً، وبعض الجثث عُثِر على أجزاء منها ولم يُعثَر على باقيها، فهل يُغَسَّل ما عُثر عليه من أجزاء الجثث التي لم يُعثَر على باقيها، ويُصلَّى عليه؟
ما حكم تخصيص كل يوم من أيام رمضان بدعاء معين؟ فأنا أشترك مع زملائي في العمل داخل مجموعة على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي، وأحيانًا ينشر أحدنا حكمة أو حديثًا أو دعاء ونحو ذلك، وقبل دخول شهر رمضان بأيام نشر أحد المشاركين في المجموعة مقالة طويلة بعنوان: "ثلاثون دعاء لأيام رمضان"، وعندما قرأناها وجدنا دعاء اليوم الأول، ثم دعاء اليوم الثاني.. وهكذا حتى اليوم الثلاثين، فأنكر عليه أحد الزملاء ذلك الأمر بحجة أن تخصيص كل يوم بدعاء معين يُعَدُّ بدعة لم ترد في السُّنَّة، فما حكم الشرع في ذلك؟
ما حكم التغيب عن الجمعة خوفا من الإصابة بكورونا؟ ففي ظل انتشار "فيروس كورونا المستجد" واتجاه دول العالم إلى ضرورة التعايش مع ظروف هذا الوباء، ودراسة الأجهزة المعنية في الدولة آلية وضوابط العودة التدريجية لصلاة الجمعة؛ فهل يجوز لـمَنْ غَلَب على ظنه الإصابة بهذا الفيروس أن لا يحضر لصلاة الجمعة؟ وهل عليه إثم في ذلك؟
ما حكم تزيين جدران المساجد بآيات من القرآن الكريم؟ حيت يقوم البعض بكتابة الآيات القرآنية على جدران المسجد، وبارتفاع حوالي ثلاثة أمتار، مثل قوله تعالى: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ [البقرة: 144]، وقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، وقوله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [البقرة: 83]؟
ما حكم تعويد الصبي الصغير على الطاعة وحمله عليها؟