ما هي شروط وضوابط المزاح الذي يقبله الشرع ولا يمنعه؟
المحتويات
المزاح من وسائل الترويح عن النفس التي يتناولها النَّاس في حياتهم من أجل تناسي الهموم، وتخفيف الضغوطات اليومية، والتسلية، والـتخلص من الملل، وإدخال السعادة والسرور على الآخرين؛ ولأن المزاح ممَّا ينشر السرور واللطف ويشيع البهجة في حياة الناس كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمزح مع أهله وأصحابه والأطفال الصغار؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحسن النَّاسِ خُلُقًا، وكان لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ، قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيمًا؛ فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فَرَآهُ، قَالَ: «أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» قَالَ: فَكَانَ يَلْعَبُ بِهِ. متفق عليه، النُّغَيْرُ بالتصغير: طائر صغير يُشبه العصفور؛ قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/ 584، ط. المكتبة السلفية): [وفيه جوازُ الممازحة، وتكرير المزحِ، وأنَّها إباحة سُنَّةٍ لا رخصةٌ، وأنَّ ممازحة الصّبيّ الذي لم يُميِّز جائزةٌ، وتكرير زيارة الممزوح معه، وفيه ترك التكبر والترفع، والفرق بين كون الكبير في الطريق فيتواقر أو في البيت فيمزح] اهـ.
الشريعة الإسلامية وإن كانت تبيح الضحك والمزاح؛ إلا أن ذلك مُقيَّد بضوابط وشروط يجب مراعاتها:
أوًلًا: ألَّا يشتمل المزاح على الكذب من أجل إضحاك الناس؛ فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنهم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ فَيَكْذِبُ، وَيْلٌ لَهُ! وَيْلٌ لَهُ!»؛ قال الإمام الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (11/ 48، ط. مكتبة دار السلام): [(ويلٌ للذي يحدث) بالحديث (فيكذب ليضحك به القوم)؛ وذلك لأنَّ الكذب محرم، والإضحاك به يزيده تحريمًا؛ لأنَّ الضحك مذموم، ولذا كرر الويل بقوله: (ويل له! ويل له!)] اهـ.
ثانيًا: ألَّا يشتمل المزاح على الترويع والإخافة؛ فعن عبد الله بن السائب بن يزيد، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم، أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا، وَلَا جَادًّا»؛ قال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (5/ 379، ط. دار الحديث): [قوله: (لَاعِبًا) فيه دليلٌ على عدم جواز أخذ متاع الإنسان على جهة المزح والهزل.. وقوله: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) فيه دليلٌ على أنه لا يجوز ترويع المسلم ولو بما صورته صورة المزح] اهـ.
ثالثًا: ألَّا يُكْثِر من المزاح ولا يداوم عليه؛ لأنَّ كثرة المزاح تُميت القلب، وتُسقط الوقار، وتُشغل عن ذكر الله؛ جاء في "سنن الترمذي" و"ابن ماجه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «لَا تُكْثِرُوا الضَّحِكَ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ»؛ قال الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين" (3/ 128، ط. دار المعرفة): [اعلم أن المنهي عنه؛ الإفراط فيه أو المداومة عليه، أما المداومة؛ فلأنَّه اشتغال باللعب والهزل فيه، واللعب مباح ولكن المواظبة عليه مذمومة، وَأَمَّا الْإِفْرَاطُ فِيه؛ فإنَّه يُورِثُ كَثْرَةَ الضَّحك، وكثرة الضحك تميت القلب، وتورث الضغينة في بعض الأحوال، وتسقط المهابة والوقار، فما يَخْلُو عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَا يُذَمُّ] اهـ.
رابعًا: البُعْد في المزاح عن الكلام الفاحش البذيء، والقول القبيح، وتَجنُّب سيء الحديث؛ فقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد" والترمذي في "سننه" عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ».
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ».
فظاهر الحديثين النهي عن الكلام الفاحش والقبيح في جميع الأحوال من جد ومزاح.
خامسًا: ألَّا يشتمل المُزَاح على قولٍ أو فعلٍ مُحَرَّم كالسخرية والغيبة؛ قال تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [الحجرات: 12]، أو النميمة؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» رواه الشيخان.
وكذا الانتقاص من قدر الآخرين بالسخرية أو الاستهزاء أو الغمز أو اللمز؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: 11]؛ قال الإمام ابن كثير في "تفسيره" (11/ 516، ط. دار طيبة): [ينهى تعالى عن السخرية بالناس؛ وهو احتقارهم، والاستهزاء بهم؛ كما ثبت في "الصحيح" عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: «الكِبْر بَطَرُ الْحَقِّ وغَمْص النَّاسِ»، وَيُرْوَى: «وَغَمْطُ النَّاسِ»، والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام؛ فإنَّه قد يكون المحتقر أعظم قدرًا عند الله، وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له] اهـ.
وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يقول: أعطى صديق لصديقه مبلغًا من المال على سبيل الدين دون أن يُحدِّد ميعاد سداد هذا الدين، وهو في حاجة إلى هذا المال ويريد استرداده؛ فما حكم مطالبة الإنسان بحقه؟
ما حكم الشرع في مَن يقومُ بنشر الأخبار الكاذبة ويتعمّد التشهير بغيره من الناس؟
ما حكم الاستيلاء على أموال غير المسلمين؟ حيث إنني أعيش في بلاد يكثر فيها غير المسلمين، وأسمع كثيرًا من المسلمين المقيمين في هذه البلاد يقولون: إن الاستيلاء على الأموال التي يتملكها غير المسلمين بالطرق المختلفة مباح أخذها؛ بحجة أنهم ليسوا على ديننا ومن كان كذلك فيجوز استحلال أموالهم، فما مدى صحة ذلك، وهل يجوز لي أخذها؟
ما حكم اختراق الهواتف وأجهزة الحاسوب الخاصة؟ فقد ورد سؤال نصه كالتالي: كَثُر في الفترة السابقة ظهور ما يسمى بقراصنة الهواتف وأجهزة الحاسوب (هاكر)، وهم: الذين يقومون باستغلال معرفتهم لتكنولوجيا المعلومات في اختراق الهواتف الشخصية، وأجهزة الحاسوب الخاصة، وقد ترتب على ذلك ظهور الكثير من المشكلات الاجتماعية، والنفسية، التي ترتبت على إفشاء الأسرار الخاصة الموجودة على تلك الأجهزة الخاصة، فما حكم هذا الفعل؟
ما حكم إخفاء أغراض الآخرين بقصد المزاح؟ حيث يقوم بعض الأصدقاء أحيانًا بإخفاء أغراض زملائهم بغرض المزاح وعمل ما يُسمَّى بـ (المقالب). فما حكم ذلك شرعًا؟
سمعت بعض الناس يقول: إنَّ هناك قاعدة تقول: "من المستحب ترك المستحب"، فما مدى صحة هذه العبارة؟ وهل يجوز العمل بها؟