سائل يسأل عن: حال النبي عليه الصلاة والسلام في التعامل مع غير المسلمين؛ وكيف يكون التوجيه الشرعي في ذلك؟
أمر الشرع الحنيف بإظهار البِرِّ والرحمة والقسط في التعامل مع غير المسلمين؛ كما في قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8].
ولذلك كان نهجه صلى الله عليه وآله وسلم في التعامل مع غير المسلمين أن الأصل في ذلك التعايش واحترام الحقوق والتسامح في شتى المناحي والمجالات، وكذلك أصحابه رضوان الله تعالى عليهم من بعده، والأدلة والشواهد على ذلك كثيرة.
ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل أوصى بهؤلاء المسالمين خيرًا، وأوضح أن لهم ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما على المسلمين من واجبات، ويسري على الجميع القوانين المطبقة والمعمول بها في البلاد؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَذَفَ ذِمِّيًّا حُدَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسِياطٍ مِنْ نَارٍ» أخرجه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير".
وقال أيضًا: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه أبو داود، والبيهقي في "السنن".
قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (6/ 2625، ط. دار الفكر): [(أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ): تعميمٌ بعد تخصيصٍ، أو تقييدٌ وتأكيدٌ (فَأَنَا حَجِيجُهُ) أَيْ: خَصْمُهُ ومُحَاجُّهُ ومُغَالِبُهُ بإظهارِ الحجج عليهِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، والحجَّةُ: الدليل والبرهان] اهـ.
وقد بيَّن الفقهاء الأحكام الواجبة على المسلم عند دخول بلاد غير المسلمين والعيش فيها؛ فنصوا على حرمة أخذ مال غير المسلم بغير طيبِ نفسٍ والاستيلاء عليه بأيِّ وجهٍ غير مشروع، فإن فعل ذلك عُدَّ خائنًا وسارقًا يجب عليه ردُّ ما أخذ، كما لو أخذه من مال مسلم تمامًا بتمامٍ؛ فـ "(لا يتعرض لشيء من دمائهم وأموالهم)؛ لأن فيه غدرًا بهم، وأنه منهي عنه" كما قال الإمام ابن مودود الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (4/ 135، ط. مطبعة الحلبي)، ولأنه "إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله، ولأنه لا يحل له في أمانهم إلا ما يحل له" كما قال الإمام الشافعي في "الأم" (4/ 284، ط. دار المعرفة).
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (9/ 295-296، ط. مكتبة القاهرة): [أما خيانتهم؛ فمحرمة؛ لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطًا بتركه خيانتهم، وأمنه إياهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك مذكورًا في اللفظ، فهو معلوم في المعنى، ولذلك من جاءنا منهم بأمان؛ فخانَنَا؛ كان ناقضًا لعهده.
فإذا ثبت هذا؛ لم تحل له خيانتهم؛ لأنه غدر، ولا يصلح في ديننا الغدر، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ»، فإن خانهم، أو سرق منهم، أو اقترض شيئًا، وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه، فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان أو إيمان، رده عليهم، وإلا بعث به إليهم؛ لأنه أخذه على وجه حرم عليه أخذه، فلزمه ردُّ ما أخذ، كما لو أخذه من مال مسلم] اهـ.
وممَّا يشهد لذلك: ما ورد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه كان قد صحبَ قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَّا الإِسْلاَمَ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا المَالَ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه"، وفي رواية أخرى: «أَمَّا الْإِسْلَامُ فَقَدْ قَبِلْنَا، وَأَمَّا الْمَالُ فَإِنَّهُ مَالُ غَدْرٍ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ» أخرجها الإمام أبو داود في "السنن".
والواجب على المسلمين إذن في كلِّ مجتمعٍ أو دولةٍ يقيمون فيها: التمسك بالتعايش السلمي ونبذ الكراهية واحترام الأعراف المعتبرة والنظم القانونية؛ اقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التعايش في المجتمعات المختلفة، وإرسائه المنطلقات الأساسية للمواطنة في "صحيفة المدينة"، من خلال المساواة بين جميع رعايا الدولة الإسلامية في التكاليف الدنيوية، والتي جاء فيها: «هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَهْلِ يَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ، فَحَلَّ مَعَهُمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ، أَنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النَّاسِ» كما في "الأموال" للعلامة ابن زنجويه (2/ 466، ط. مركز الملك فيصل). وممَّا سبق يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم نشر ومشاركة البلوجر للمقاطع غير الأخلاقية؟ فقد انتشر مؤخَّرًا بعض الأشخاص يُطْلَق عليهم "بلوجر"، ويقومون بنشر مقاطع فيديو على منصَّات التواصل الاجتماعي تحتوي على ألفاظٍ وحركات خادشة للحياء، بهدف زيادة عدد ونسبة المشاهدات وتحقيق أرباح مالية، فأرجو بيان موقف الشرع الشريف مِن هذه الأفعال التي يقومون بها؟
مؤسسة مقيدة بالإدارة العامة المركزية للجمعيات والاتحادات، وتخضع لأحكام قانون ممارسة العمل الأهلي رقم (149) لسنة 2019م ولائحته التنفيذية. وحيث إن المؤسسة تمارس العديد من الأنشطة، فهل يجوز لها استقبال أموال الزكاة والصدقات والصرف منها على مرضى الجذام؟
ما ضابط الغيبة في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ [الحجرات: 12]؟ وهل ما يقوم به بعض الناس من الحديث مع غيرهم بما تضيق به نفوسهم وهو ما يُسمى بالتنفيس عن النفس (الفضفضة) يُعدُّ من الغيبة الممنوعة شرعًا؟
ما هو واجب كل من الزوجين تجاه الآخر عند التقصير في حقوق الله تعالى؟
ما حكم تأخير الإنجاب بسبب عدم القدرة على القيام بمسؤولية رعاية الأولاد؟ حيث اتَّفقت مع زوجتي على تأخير الإنجاب مؤقتًا إلى أن تتحسن ظروفنا ونستطيع القيام بمسئوليتنا تجاه الأبناء على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، فما حكم ذلك شرعًا؟
ما حكم تصدُّر المرأة للإفتاء عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ كالقنوات التلفزيونية؟ وما الشروط الواجب توفُّرها لذلك؟