الأربعاء 29 أكتوبر 2025م – 7 جُمادى الأولى 1447 هـ

حكم الاستفادة بالرخص الشرعية في السفر لمَن سلك الطريق الأطول بقصد ذلك

تاريخ الفتوى: 05 سبتمبر 2023 م
رقم الفتوى: 7950
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصلاة
حكم الاستفادة بالرخص الشرعية في السفر لمَن سلك الطريق الأطول بقصد ذلك

ما حكم مَن سلك الطريق الأطول ليترخص برخص السفر؛ فهناك رجلٌ سافر لزيارة أقاربه، وبلدتهم لها طريقان، أحدهما طويلٌ يبلغ مسافة القصر، والآخر قصيرٌ لا يَبلُغها، فسَلَك الطريق الأطول مِن أَجْل أنْ يترخص برُخَصِ السَّفر ويَعمل بأحكامه مِن نحو قصر الصلاة والفطر في رمضان، لا مِن أَجْل غرضٍ آخَر، فهل له الترخُّصُ برُخَص السفر والعملُ بأحكامه في هذه الحالة؟

المسافر الذي يَسْلُكُ الطريقَ الأطول في سفرٍ له طريقان: أحدهما يبلغ مسافة القصر، والآخَر لا يبلغها، وذلك مِن أَجْل أن يترخَّص برُخَص السفر ويَعمَلَ بأحكامه، -لا لأيِّ غرضٍ آخَر- يجوز له شرعًا الترخُّصُ بهذه الرُّخَص والعملُ بتلك الأحكام مِن نحو قَصرِ الصلاة والفِطر في شهر رمضان، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.

المحتويات

 

رفع الحرج والتيسير في الشريعة الإسلامية

اختَصَّ اللهُ سبحانه وتعالى أمَّةَ الإسلام برفع الحَرَج، والتيسيرِ في أمور الدِّين على المكلَّفين؛ فقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (12/ 100، ط. دار الكتب المصرية): [قوله تعالى: ﴿مِنْ حَرَجٍ﴾ أي: مِن ضيقٍ.. وهي مما خص الله بها هذه الأمَّة] اهـ.

وقال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (1/ 541، ط. دار ابن عفان): [رَفْعُ الحَرَج عن المكلَّفين إنما هو مِن خصائص الشريعة الإسلامية الغَرَّاء، وهو مقصود الشارع في الكُلِّيَّات، فلا تَجِدُ كُلِّيَّةً شرعيةً مكلَّفًا بها وفيها حَرَجٌ كُلِّيٌّ أو أَكْثَرِيٌّ البَتَّة] اهـ.

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".

المسافة التي يترخص فيها المسافر برخص السفر

السفر الذي يُتَرخَّص فيه برُخَص السفر ويُعمَل فيه بأحكامه مِن نحو قصر الصلاة والفطر في رمضان، هو ذلك السَّفر الذي يكون لمسافةٍ يُقصَر فيها الصلاة -على تفصيلٍ بين الفقهاء في تقديرها، والمفتى به أنها لا تَقِلُّ عن مرحلتَيْن، وتُقَدَّران بنحو ثلاثةٍ وثمانين كيلومترًا ونصف الكيلومتر-، قال تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ [النساء: 101].

من سلك الطريق الأطول ليترخص برخص السفر

إذا كان للمكان الذي يقصده المسافرُ لغرضٍ مباحٍ طريقان: أحدُهما لا يَبلُغ المسافةَ المذكورة، والآخَرُ يَبلُغُها أو يَزيدُ عليها، فسَلَك المسافرُ الطريقَ الأطول منهما، وذلك بِقَصْدِ التَّرَخُّصِ برُخَصِ السفر والعَمَلِ بأحكامه -على تفصيلٍ بين الفقهاء في رُخَص السفر وأحكامه- لا لأيِّ غرضٍ آخَر، فإنه يجوز له الترخُّصُ بهذه الرُّخَصِ والعَمَلُ بتلك الأحكام؛ لأنه في هذه الحالة يوصَف بكونه مُسافِرًا، ولا حرج عليه في ذلك شرعًا، ذلك "أن صحةَ الأغراض وحدوثَ الأعذار لا تُعتَبَر في الأسفار إذا كانت مباحة"؛ كما قال الإمام المَاوَرْدِي في "الحاوي الكبير" (2/ 387، ط. دار الكتب العلمية)، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، وقول الإمام أشهب مِن المالكية في تخريجٍ له على مَن لبِس الخُفَّيْن لا يقصد مِن ذلك إلا الترخُّص بالمسح عليهما، والإمام الشافعي في قولٍ رجَّحه الإمام المُزَنِي وصحَّحَه الإمام المَاوَرْدِي، إذ نصُّوا جميعُهُم على أنَّ المسافرَ يَقصرُ الصلاة في هذه الحالة، ومَن ثَبَت في حَقِّه قَصرُ الصلاة للسفر، جاز له الفطر في رمضان.

وقد أجمع الفقهاء على أنَّ المسافر إنما يُفطِر في السَّفر الطويل الذي يُبِيحُ قَصرَ الصَّلاة -على تفصيلٍ بينهم في مقدار السفر الطويل-، كما في "مراتب الإجماع" للإمام ابن حزم (ص: 40، ط. دار الكتب العلمية)، و"الإقناع في مسائل الإجماع" للإمام ابن القَطَّان (1/ 229، ط. الفاروق الحديثة).

قال الإمام علاء الدين الحَصْكَفِي الحنفي في "الدر المختار" (ص: 105، ط. دار الكتب العلمية): [ولو لموضِعٍ طريقان: أحدهما مدَّةَ السَّفر، والآخَر أقل، قَصَرَ في الأول لا الثاني] اهـ.

وقال الإمام أبو عبد الله المَوَّاق المالكي في "التاج والإكليل" (2/ 498-499، ط. دار الكتب العلمية): في حكم مَن سَلَكَ الطريق الأطول في السَّفر بقصد قَصْرِ الصلاة: [قال أشهب: إن لَم يقصد إلا التَّرخُّصَ، تَخَرَّجَ قَصرُهُ على قول مالكٍ في مَسْحِ لَابِسِ الخُفِّ للتَّرَخُّصِ] اهـ.

وقال الإمام المَاوَرْدِي الشافعي في "الحاوي الكبير" (2/ 386-387): [قال الشافعي رضي الله عنه: "وإذا كان له طريقان: يَقصُرُ في أحدهما، ولا يَقصُرُ في الآخر، فإن سَلَك الأبعَدَ لخوفٍ أو حزونةٍ في الأقرب قَصَرَ، وإلَّا لم يَقصُر"، وفي "الإملاء": "إن سَلَكَ الأبعَدَ قَصَرَ"، قال المُزَنِيُّ: "وهذا عندي أَقيَسُ؛ لأنَّه سَفَرٌ مُبَاحٌ". قال الماوردي: وصورتها في رجلٍ أراد قَصدَ بلدٍ له إليه طريقان: أحدهما قريبُ المسافة لا يقصر في مثله الصلاة، والآخَر بعيدُ المسافة يقصر في مثله الصلاة، فإن سَلَك الأَقْصَرَ لَم يَجُز له أن يقصر؛ لقُرب مسافته، وإن سَلَك الأبعَدَ فله حالان.. الثانية: ألَّا يكون له في الأقرب عذرٌ ولا في الأبعَدِ غرضٌ، ففي جواز قصره قولان.. أحدهما -وهو قوله في "الإملاء" واختاره المُزَنِي-: يجوز له القصر؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ [النساء: 101]، ولأنها مسافةٌ يقصر مثلها الصلاة، فجاز أن يقصر.. والقول الأول أصح] اهـ.

وقال العلامة أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 626، ط. عالم الكتب): [(ومَن له طريقان)؛ طريقٌ (بعيدٌ، و) طريقٌ (قريبٌ، فسَلَك البعيدَ ليقصر الصلاة فيه) قصر؛ لأنه مَظِنَّةُ قَصْدٍ صحيحٍ، وكما لو كان الآخَر مخوفًا، أو مشقًّا، فعَدَمُ الحكمة في بعض الصُّوَر لا يَضُرُّهُ] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإنَّ المسافر الذي يَسْلُكُ الطريقَ الأطول في سفرٍ له طريقان: أحدهما يبلغ مسافة القصر، والآخَر دونها، وذلك مِن أَجْل أن يترخَّص برُخَص السفر ويَعمَلَ بأحكامه، -لا لأيِّ غرضٍ آخَر- يجوز له شرعًا الترخُّصُ بهذه الرُّخَص والعملُ بتلك الأحكام مِن نحو قَصرِ الصلاة والفِطر في شهر رمضان، كما سبق بيانه.

وفي واقعة السؤال: للرجل المذكور أنْ يترخَّصَ برُخَص السفر ويَعمَلَ بأحكامه شرعًا، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم استعمال السواك أو المعجون وفرشاة الأسنان أثناء الصيام؟


هل إطالة الركوع في الصلاة أفضل أم إطالة السجود؟


خطبة العيد؛ هل تكون خطبتين بينهما استراحة كخطبة الجمعة، أم تكون خطبة واحدة؟ ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي.


ما حكم الجمع بين نية سنة الفجر وتحية المسجد؟


سائل يسأل فيقول: سمعت أنَّ مكة المكرمة أفضل من المدينة المنورة؛ فما مدى صحة هذا الكلام؟


ما حكم الجمع في البلاد التي تنعدم فيها العلامات؟ فقد جاء في خطاب الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي، بشأن المقصود بجواز الجمع في البلدان الواقعة بين خطَّي عرض 48 و66 درجة شمالًا وجنوبًا، في القرار الثاني الخاص بمواقيت الصلاة في هذه البلدان:
أما البلدان الواقعة ما بين خطَّيْ عرض 48، 66 درجة شمالًا وجنوبًا -وهي التي ورد السؤال عنها- فإن المجلس يؤكد على ما أقره بشأنها، حيث جاء في قرار المجمع في دورته التاسعة ما نصه: "وأما البلاد الواقعة ما بين خطَّي عرض 48، 66 درجة شمالًا وجنوبًا، فيعين وقت صلاة العشاء والفجر بالقياس النسبي على نظيريهما في ليلِ أقربِ مكانٍ تتميز فيه علامات وقتَي العشاء والفجر، ويقترح مجلس المجمع خط عرض 45 درجة باعتباره أقربَ الأماكن التي تتيسر فيها العبادة أو التمييز، فإذا كان العشاء يبدأ مثلًا بعد ثلث الليل في خط عرض 45 درجة يبدأ كذلك بالنسبة إلى ليل خط عرض المكان المراد تعيين الوقت فيه، ومثل هذا يقال في الفجر".
وإيضاحًا لهذا القرار -لإزالة الإشكال الوارد في السؤال الموجه للمجمع- فإن مجلس المجمع يرى أن ما ذُكر في القرار السابق من العمل بالقياس النسبي في البلاد الواقعة ما بين خطَّي عرض 48، 66 درجة شمالًا وجنوبًا إنما هو في الحال التي تنعدم فيها العلامة الفلكية للوقت، أمَّا إذا كانت تظهر علامات أوقات الصلاة، لكن يتأخر غياب الشفق الذي يدخل به وقت صلاة العشاء كثيرًا، فيرى المجمع وجوب أداء صلاة العشاء في وقتها المحدد شرعًا، لكن من كان يشق عليه الانتظار وأداؤها في وقتها -كالطلاب والموظفين والعمال أيام أعمالهم- فله الجمع عملًا بالنصوص الواردة في رفع الحرج عن هذه الأمة، ومن ذلك ما جاء في "صحيح مسلم" وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ"، فَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "أَرَادَ أَلَّا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ". على ألا يكون الجمع أصلًا لجميع الناس في تلك البلاد، طيلةَ هذه الفترة؛ لأن ذلك من شأنه تحويلُ رخصة الجمع إلى عزيمة، ويرى المجمع أنه يجوز الأخذ بالتقدير النسبي في هذه الحال من باب أولى.
وأما الضابط لهذه المشقة فمرده إلى العرف، وهو مما يختلف باختلاف الأشخاص والأماكن والأحوال". انتهى ما جاء في القرار.
والسؤال: هل يقتصر الجمع بين الصلاتين في هذا القرار على أفراد الناس ممن وجدت في حقهم المشقة؟ وهل يسري ذلك على المراكز والمساجد؟ أم أنها تقيم صلاة العشاء في وقتها ولو تأخر؛ كي لا يكون الجمع أصلًا؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 29 أكتوبر 2025 م
الفجر
5 :39
الشروق
7 :7
الظهر
12 : 39
العصر
3:47
المغرب
6 : 10
العشاء
7 :29