سائل يقول: سمعت أن من أقسام المياه التي يجوز التطهر بها ما يُسمى بـ"الماء الْمُطْلَق". فنرجو منكم بيان المقصود بالماء المطلق وحكم الطهارة به.
أمر الشرعُ الشريف المسلمَ بتطهير قلبِه وجوارحِه وبدنِه؛ فأمره بتطهير القلبِ من الآثارِ المذمومةِ والرذائلِ الممقوتةِ، وتطهيرِ الجوارح من الذنوبِ والآثامِ، وتطهيرِ البدنِ من النجاساتِ والأحداث.
وتطهير البدن يكون برفع الحدث (طهارة حكمية)، وإزالة الخبث (طهارة حقيقية)؛ فإزالة الخبث أي إزالة النجاسة، ورفع الحدث يكون في الحدث الأكبر بالغسل، وفي الحدث الأصغر بالوضوءِ، وذلك عند إرادة الصلاة ونحوها؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6]، وروى الشيخان في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وهذا لفظ رواية الإمام البخاري.
ولا تكون الطهارة إلا بالماء المطلق؛ أي: الباقي على أصْلِ خلقته؛ أي: الماء المطلق الذي هو طاهرٌ في نفسه مُطهِّرٌ لغيره، وهو الذي يطلق عليه اسم الماء بلا قيد أو إضافة؛ مثل مياه البحار والأنهار والأمطار ونحوها؛ قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» رواه أصحاب السنن، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ؛ إِلَّا أَنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهَا» رواه البيهقي في "السنن الكبرى".
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 83، ط. دار الكتب العلمية): [فما يحصلُ به التطهير أنواعٌ: منها الماء المطلق، ولا خلافَ في أنه يحصلُ به الطهارة الحقيقية والحكمية جميعًا] اهـ.
وقال الإمام المَرْغِيناني الحنفي في "الهداية في شرح بداية المبتدي" (1/ 20، ط. دار إحياء التراث العربي): [باب الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز: (الطهارة من الأحداث جائزة بماء السماء والأودية والعيون والآبار والبحار)؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48]، وقوله عليه الصلاة والسلام: «الماء طهور؛ لا ينجسه شيءٌ إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه»، وقوله عليه الصلاة والسلام في البحر: «هو الطهور ماؤه الحِلُّ ميتته» ومطلق الاسم ينطلق على هذه المياه. قال: (ولا يجوز بما اعتصر من الشجر والثمر)؛ لأنه ليس بماء مطلق] اهـ.
وقال شهاب الدين بن عسكر المالكي في "إرْشَاد السَّالِك إلى أَشرَفِ المَسَالِك فِي فقهِ الإمَامِ مَالِك" (1/ 3، ط. مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده): [لا يرفع الحدثَ والخبثَ إلا الماءُ المطلق، وهو: ما كان على خلقته، أو تغير بما لا ينفكُّ غالبًا؛ كقراره، والمتولد منه] اهـ.
وقال الإمام الشيرازي الشافعي في "المهذب" (1/ 17، ط. دار الكتب العلمية): [فصل: وما سوى الماء المطلق من المائعات كالخل وماء الورد والنبيذ وما اعتصر من الثمر أو الشجر لا يجوز رفع الحدث ولا إزالة النجس به؛ لقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [النساء: 43]، فأوجب التيمم على من لم يجد الماء، فدلَّ على أنه لا يجوزُ الوضوءُ بغيره، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم لأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما في دم الحيض يصيب الثوب: «حُتِّيهِ، ثُمَّ اقْرُصِيهِ، ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاء» فأوجب الغسل بالماء؛ فدلَّ على أنه لا يجوزُ بغيره] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 8، ط. مكتبة القاهرة): [قال أبو القاسم رحمه الله: (والطهارة بالماء الطاهر المطلق الذي لا يضاف إلى اسم شيء غيره مثل: ماء الباقلا، وماء الورد، وماء الحمص، وماء الزعفران، وما أشبهه، مما لا يزايل اسمه اسم الماء في وقت)] اهـ. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما الحكم إذا أحدث الخطيب أثناء خطبة الجمعة؟ فهناك رجلٌ يسأل: في صلاة الجمعة، إذا أحدث الخطيب أثناء الخطبة، هل يتمها ويستخلف غيره للصلاة، أو ينتظرونه حتى يتوضأ ويرجع سريعًا إن قَدَر على ذلك؟
كيف تكون الطهارة لمن بُترَت بَعْضُ أطرافه وركّب أطرافا صناعية؟ فهناك شخصٌ ابتُلِي بِفَقْدِ أحدِ أطرافه، ورَكَّب أطرافًا تعويضيةً متصلةً بالجسم، ويسأل عن كيفية الطهارة، وضوءًا واغتسالًا.
ما حكم إعادة تدوير النفايات والمخلفات المشتملة على بعض النجاسات؛ بغرض إعادة استخدامها والانتفاع بها مرة أخرى؟
هل لمس الفرج بدون حائل ينقض الوضوء؛ سواء بقصد أو بدون قصد؟
سائل يقول: ينتشر بين الناس حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفيد "أن تحت كل شعرة من الجنب شيطانًا". فما مدى صحة ذلك؟
هل يجوز استعمال الماء المتغير بصدأ الحديد في الطهارة من الحدث والخبث؟ حيث كنت في مسجد والماء الذي أتوضأ به يخرج مختلطًا بصدأ الحديد، فقال لي البعض: إن هذا الماء المتغير بالصدأ الموجود في الأنابيب الموصلة للمياه لا يجوز الوضوء به وذلك لتغير لونه بهذا الصدأ. فما حكم الطهارة بالماء المتغير بالصدأ الموجود في الأنابيب الموصلة للمياه؟