ما حكم صلاة الجنازة والقيام بالدفن في أوقات الكراهة؟
صلاة الجنازة والقيام بدفن الميت في أوقات الكراهة صحيح شرعًا، بَعْدَ صلاة الصبح حتى تَطْلُع الشمس، وبَعْدَ صلاة العصر حتى تغْرُب الشمس بإجماع الفقهاء.
أما أداؤها عند طلوع الشمس أو إذا استوت حتى تزول أو عند الغروب؛ فقد اختلف الفقهاء في جواز ذلك، والمختار للفتوى: جواز صلاة الجنازة في كلِّ وقت، بما في ذلك أوقات الكراهة ما دام قد وقع ذلك في حال الضيق والاضطرار لا في حال السعة والاختيار؛ فقد تقرر شرعًا أنه: "يُفْعَلُ فِي الاضطِرَارِ مَا لَا يُفْعَلُ فِي الاخْتِيَارِ".
المحتويات
المقصودُ بأوقاتِ الكراهة هي الأوقاتُ التي تُكرَه فيها الصلاة، وهي خمسة أوقات -على خلافٍ بين الفقهاء في عَدِّها-: ما بَعْدَ صلاة الصبح حتى تَطْلُع الشمس، وعند طُلُوعِها حتى تَتَكامل وترتفع قَدْر رُمْحٍ، وإذا استوت الشمس حتى تَزول، وبعد صلاة العصر حتى تغْرُب الشمس، وعند الغروب حتى يتكامل غروبها. يُنظر: "الاختيار" لابن مودود الموصلي الحنفي (1/ 40، ط. الحلبي)، و"شرح مختصر خليل" للعلَّامة الخرشي المالكي (1/ 224، ط. دار الفكر)، و"روضة الطالبين" لمحيي الدين النووي الشافعي (1/ 192، ط. المكتب الإسلامي)، و"المغني" لموفق الدين ابن قدامة الحنبلي (2/ 80، ط. مكتبة القاهرة).
أجمع الفقهاء على صحة ومشروعية أداء صلاة الجنازة في وقت ما بعد صلاة الصبح وحتى تطلع الشمس، أو بعد صلاة العصر وحتى تغرُب الشمس.
قال الإمام ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 397، ط. دار طيبة): [وإجماع المسلمين في الصلاة على الجنائز بعد العصر وبعد الصبح] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (4/ 172، ط. دار الفكر): [وأجمع المسلمون على إباحة صلاة الجنائز بعد الصبح والعصر، ونقل العبدري في كتاب (الجنائز) عن الثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق: أن صلاة الجنازة منهي عنها عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند استوائها، ولا تكره في الوقتين الآخرين] اهـ.
وقال موفق الدين ابن قدامة في "المغني" (2/ 82): [(ويصلي على الجنازة) أما الصلاة على الجنازة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تميل للغروب: فلا خلاف فيه] اهـ.
أما أداؤها عند طلوع الشمس أو إذا استوت حتى تزول أو عند الغروب؛ فقد اختلف الفقهاء في جواز ذلك:
فذهب الشافعية والحنابلة في روايةٍ إلى جوازها في أيٍّ من هذه الأوقات ما دام حصل ذلك اتفاقًا ولم يُتحرى صلاتها في أوقات الكراهة؛ لأنها فرضٌ في الجملة فيصح أداؤها في سائر الأوقات كالفرائض، وقياسًا على قضاء الفوائت، كما أنها من الصلوات ذوات الأسباب التي وردت النصوص بجوازها من غير تحديد وقتٍ، ووافقهم المالكية عند خشية تغيرها.
قال أبو سعيد ابن البراذعي المالكي في "التهذيب في اختصار المدونة" (1/ 346، ط. دار البحوث وإحياء التراث-دبي): [ويصلى عليها بعد العصر ما لم تصفر الشمس، وبعد الصبح ما لم يسفر، فإذا أسفر أو اصفرت -الشمس- فلا يصلوا حينئذٍ إلا أن يخافوا عليها] اهـ.
وقال العلَّامة الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (1/ 224): [(ص) وجنازة وسجود تلاوة قبل إسفار واصفرار. (ش) هذا مستثنى من وقتي الكراهة؛ أي: أن الجنازة التي لم يخش تغيرها، وسجود التلاوة يفعل كلٌّ منهما قبل الإسفار بعد الفجر، وقبل الاصفرار بعد العصر، ومفهوم قوله: "قبل" أنَّ فعلها في الإسفار والاصفرار غير جائز؛ أي: جوازًا مستوي الطرفين؛ إذ فعلهما حينئذٍ مكروه لا ممنوع، خلافًا لما في "الشامل"، وإنما يمنع فعلهما عند الطلوع والغروب؛ لأن حكمهما فيما ذكر حكم النفل، فلو صُلِّيت في وقت المنع أُعِيدت ما لم تدفن، قاله ابن القاسم. وقال أشهب: لا تعاد ولو لم تدفن، وهذا مع عدم الخوف عليها، وأما لو صليت في وقت الكراهة، فالظاهر أنها لا تعاد بحالٍ] اهـ.
وقال الإمام الشيرازي الشافعي في "المهذَّب" (1/ 175، ط. دار الكتب العلمية): [ولا يكره في هذه الأوقات ما لها سبب كقضاء الفائتة، والصلاة المنذورة، وسجود التلاوة، وصلاة الجنازة وما أشبهها] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 213): [تجوز صلاة الجنازة في كلِّ الأوقات، ولا تكره في أوقات النهي؛ لأنها ذات سبب. قال أصحابنا: لكن يكره أن يُتحرى صلاتها في هذه الأوقات، بخلاف ما إذا حصل ذلك اتفاقًا] اهـ.
وقال موفق الدين ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 82): [وقال أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى: إن الصلاة على الجنازة تجوز في جميع أوقات النهي. وهذا مذهب الشافعي؛ لأنها صلاة تباح بعد الصبح والعصر، فأبيحت في سائر الأوقات؛ كالفرائض] اهـ.
بينما ذهب الحنفية والمالكية إن لم يخف الفساد -وباستثناء وقت الزوال؛ لعدمه محلًّا عندهم-، والحنابلة في معتمد مذهبهم إلى عدم جواز صلاة الجنازة في هذه الأوقات.
فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: "ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَن نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَن نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: «حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ»" أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال فخر الدين الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 85، ط. الأميرية): [قال رحمه الله: (ومنع عن الصلاة، وسجدة التلاوة، وصلاة الجنازة عند الطلوع والاستواء والغروب إلا عصر يومه)] اهـ.
وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (1/ 243، ط. دار المعارف، ومعه "حاشية الصاوي"): [(وإلا جنازة وسجود تلاوة قبل إسفار) في الصبح (و) قبل (اصفرار) في العصر ولو بعد صلاتهما، فلا يكره، بل يندب لا بعدهما فيكره] اهـ.
قال الشيخ الصاوي مُحَشِّيًا عليه: [قوله: (لا بعدهما) أي: لا بعد دخولهما، فيكره على المعتمد] اهـ.
وقال العلَّامة البُهوتي الحنبلي في "كشَّاف القناع" (1/ 549، ط. دار الكتب العلمية): [و(لا) يجوز الصلاة على جنازة (في الأوقات الثلاثة) الباقية؛ لحديث عقبة بن عامررَضِيَ اللهُ عَنْهُ.. وذكره للصلاة مقرونًا بالدفن يدل على إرادة صلاة الجنازة، ولأنها صلاة من غير الخمس أشبهت النوافل (إلا أن يخاف عليها) فتجوز مطلقًا للضرورة] اهـ.
المختار للفتوى: جواز صلاة الجنازة في كلِّ وقت، بما في ذلك أوقات الكراهة ما دام قد وقع ذلك عَرَضًا واتفاقًا لا عن قصدٍ وتحرٍّ، وهو محمول حديث عقبة رضي الله عنه، لا الكراهة المطلقة.
فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال: «لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا» أخرجه الشيخان.
قال الإمام النووي في "المجموع" (5/ 302-303): [الدفن في الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها إذا لم يتحرَّه: ليس بمكروه عندنا، نص عليه الشافعي في "الأم" في باب: "القيام للجنازة"، واتفق عليه الأصحاب، ونقل الشيخ أبو حامد في أول باب: "الصلاة على الميت" من تعليقه، والماوردي، والشيخ نصر المقدسي، وغيرهم: إجماع العلماء عليه، وثبت في "صحيح مسلم" رحمه الله عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة فيها، وأن نقبر فيها موتانا، وذكر وقت طلوع الشمس واستوائها وغروبها" وأجاب الشيخ أبو حامد، والماوردي، ونصر المقدسي، وغيرهم بأن الإجماع دلَّ على ترك ظاهره في الدفن. وأجاب القاضي أبو الطيب، والمتولي، وغيرهما بأن النهي عن تحرِّي هذه الأوقات للدفن وقصد ذلك. قالوا: وهذا مكروه، فأما إذا لم يتحره: فلا كراهة، ولا هو مراد الحديث] اهـ.
وَمَحَلُّ اختلاف الفقهاء إنما هو حال السعة والاختيار لا الضيق والاضطرار كخوف التغير والفساد؛ لأنه إذا مسَّت الحاجة إلى فعل مكروه: انتفت كراهته، فقد تقرر شرعًا أن: "الكَرَاهَةَ تَزُولُ بِأَدْنَى حَاجَةٍ"؛ كما في "غذاء الألباب" للعلَّامة شمس الدين السفاريني (2/ 22، ط. مؤسسة قرطبة)، وأنه: "يُفْعَلُ فِي الاضطِرَارِ مَا لَا يُفْعَلُ فِي الاخْتِيَارِ"؛ كما في "الحاوي الكبير" للإمام الماوردي (14/ 359، ط. دار الكتب العلمية).
بناء على ذلك: فصلاة الجنازة والقيام بدفن الميت في أوقات الكراهة صحيح شرعًا، بَعْدَ صلاة الصبح حتى تَطْلُع الشمس، وبَعْدَ صلاة العصر حتى تغْرُب الشمس بإجماع الفقهاء، وكذا عند طُلُوعِ الشمس حتى تَتَكامل وترتفع قَدْر رُمْحٍ، وإذا استوت الشمس حتى تَزول، وعند الغروب حتى يتكامل غروب الشمس، والحال حال اختيارٍ لا اضطرارٍ، كما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
أُصِبتُ منذ صغري بمرض في أذني أفقدني السمع، وأنا الآن في السبعين من عمري، وأواظب على الصلاة، ولكن لا أسمع ما يقوله الإمام في الجماعات، وأفعل كما يفعل المصلون من قيام وسجود وتسليم، وأشعر بعدم الرضا. فهل صلاتي مقبولة على هذا الوضع؟
ما حكم إخراج جثة الميت بعد دفنه؟ فقد سأل رجلٌ في أُنَاسٍ بنوا حوشًا لدفن موتاهم في قرافة الإمام الليث على أرض موقوفة لدفن الموتى، وقد أذن بعضهم لآخر بأن يدفن في تربة عملت له في ذلك الحوش من مال ذلك الآخر، وفعلًا دفن فيها منذ ثلاث سنوات، فهل للبعض الذي لم يأذن بذلك إخراج الجثة بعد دفنها متعللًا بعدم الإذن منه أم كيف الحال؟ أفيدونا الجواب، ولكم الثواب.
ما حكم صلاة الجمعة لموظفي الأمن والحراسة؛ فمنشأتنا يعمل بها موظفون وعمال وعاملات مسلمون ومسيحيون، وأثناء صلاة الجمعة:
1- يتم منح الموظفين والعمال والعاملات المسلمين ساعة أو أكثر مدفوعة الأجر من الإدارة للذهاب إلى المسجد لتأدية صلاة الجمعة: المسافة للمسجد 5 دقائق سيرًا على الأقدام.
2- يبقى العمل بالمصنع والمخازن مستمرًّا للعمال والعاملات والموظفين؛ سواء المسيحيون أو المسلمون الذين عندهم أعذار لا يذهبون من أجلها للصلاة.
رجاءً تقديم الإفتاء لنا بالنسبة لموظفي الأمن والبوابة والحراسة؛ هل يصح أن يتركوا مواقعهم للذهاب للصلاة؟
ما حكم قطع صلاة الفريضة لأمر مهم؟ فإذا رن التليفون أثناء تأدية المرء إحدى الصلوات الخمس وكان منتظرًا مكالمة مهمة جدًّا، فهل يُسمح له بقطع الصلاة ويرد على الهاتف ثم يبدأ بعد ذلك صلاته من جديد؟ وهل يوجد رأي لهذا السؤال في المذاهب الفقهية الإسلامية؟
ما حكم ركوع الإمام بعد سجدة التلاوة من دون أن يقرأ شيئًا من القرآن؟
هل يحصل ثواب الجماعة بصلاة الرجل في البيت بزوجته جماعة؟ فرجلٌ اعتاد أن يصلي الصلوات المفروضة في المسجد مع الجماعة، لكنه في بعض الأوقات يكون مرهقًا فيصلي في البيت هو وزوجته جماعةً، فهل يعد بذلك محققًا صلاةَ الجماعة هو وزوجته، مُحصِّلَين فضلَها؟