ما حكم تأخير الحمل مدة بسبب عدم القدرة على رعاية الأولاد؟ فقد اتفقت مع زوجي على أن نؤجل الإنجاب لمدة معينة؛ وذلك حتى نكون قادرين على رعاية الأولاد والقيام بواجباتهم. فما حكم ذلك شرعًا؟
المحتويات
من عناية الشريعة الإسلامية بالأمور الأساسية التي لا تستقيم حياة الناس إلا بها، ولا تتحقق مصالحهم إلا بالحفاظ عليها ورعايتها، كالنفس والعقل والدِّين والنسل والمال، جعلت المحافظة عليها هي المقصود الأعلى لها، والذي عليه مدار أحكامها وتشريعاتها، حتى أطلق العلماء على ضرورة الحفاظ على هذه الأمور "مقاصد الشريعة الكلية" بحيث لا يخرج عن رعايتها حكمٌ من الأحكام المنصوص عليها، وإليهم أيضًا المرجع والمآل فيما يستجد من النوازل والوقائع والأحوال.
ولَمَّا كان حفظُ النَّسلِ مِنَ المقاصدِ الكليَّة التي حثت الشريعةُ على رعايتها، فقد فطرَ الله تعالى الإنسانَ على شدةِ التعلقِ والمحبة لذريتِه ونَسْلِه، حتى جعلهم من زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: 46].
فتحتم على الآباء بداعي الطبع وضرورة الفطرة بذل قصارى الجهد من أجل تنشئتهم تنشئة حسنة، إلا أنه لخطورة أثر التَّهاون أو الإهمال في حقِّ الأولاد، مع تأكُّد تفاوُت الناس في سلامة الطباع ونقاء الفطرة، واختلاف تقديرهم للمصالح والمفاسد، لم يترك الشرع الشريف أمرَ رعاية الأولاد موكولًا لعاطفة الآباء حيالهم أو مدى شفقتهم عليهم ورحمتهم بهم، بل ألزمهم بذلك إلزامًا حتميًّا بوازع الأمر والتكليف الشرعي، حتى أخبر أنه لو لم يكن للإنسان إثم في حياته إلا أنه أضاع حقَّ أولاده عليه، لكان عِظَمُ ذلك الإثم كافيًا حتى يحبط سائر عمله.
فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قال: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» أخرجه أبو داود في "السنن".
قال العلامة محمد بن إسماعيل الصَّنْعَاني في "سبل السلام" (2/ 323، ط. دار الحديث): [فإنه لا يكون آثمًا إلا على تركه لما يجب عليه، وقد بولغ هنا في إثمه بأنْ جعل ذلك الإثم كافيًا في هلاكه عن كلِّ إثم سواه] اهـ.
فإذا كان إثم إضاعة الأولاد كافيًا في هلاك الإنسان وموجبًا لعقوبته، فقد وجب حينئذٍ على الأزواج التحقق من مدى قدرتهم على رعاية أولادهم والقيام بحقِّهم، قبل الشروع في إنجابهم، ذلك لأن شؤون التربية والعطف والرعاية الصحية والنفسية والتعليمية تفوق في أهميتها أمرَ الإنفاق المادي، خاصة في مرحلة الطفولة؛ إذ إنَّ سد حاجة الأولاد المادية قد ينوب فيها عن الآباء غيرهم من الأهل أو الأقارب، ولا يوجد مَن يستطيع أن يحلّ محلهم أو ينوب عنهم في سد حاجة الأولاد مِن الرعاية والتربية.
إذا غَلَب على الإنسان الظن أنه لن يُحسن تربية أولاده أو أنه لا يستطيع أن يوفر لهم عوامل الطمأنينة والاستقرار والأمان والرعاية لسفر أو لمرض أو توقع خطر عليهم، شُرِعَ له حينئذٍ الامتناع عن الإنجاب، حتى يغلب على ظنه تحقق القدرة على القيام بذلك الحق، فيكون بذلك مراعيًا لظروفه وإمكاناته رافعًا عن نفسه إثم تكليف نفسه بما فوق وسعه وطاقته.
وذلك مقتضى ما تواردت عليه النصوص الشرعية، حيث أفادت أنه إذا خاف الزوجان أو أحدهما على ذريته من المشاق أو الضرر أو عدم القدرة على القيام بواجبه الشرعي نحوهم جاز أن يمتنع من الإنجاب حتى يزول ما يتخوف منه، وتتحقق لديه القدرة من القيام بحقِّ رعايتهم؛ قال تعالى: ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ [البقرة: 233].
فالآية تفيد أن الإضرار بالأولاد منهي عنه مِن كلِّ وجهٍ، فكانت الوسيلة الموصلة لذلك منهيًّا عنها لما قد تقرر أنَّ "ما أدى إلى الحرامِ فهو حرامٌ"، كما نص على ذلك الإمام عزِ الدِّين ابن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (2/ 218، ط. مكتبة الكليات الأزهرية).
قال الإمام الفخر الرازي في "التفسير الكبير" (6 /462، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ وإن كان خبرًا في الظاهر، لكن المراد منه النهي، وهو يتناول إساءتها إلى الولد بترك الرضاع، وترك التعهد والحفظ.
وقوله: ﴿وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ يتناول كلَّ المضار، وذلك بأن يمنع الوالدة أن ترضعه وهي به أرأف، وقد يكون بأن يضيق عليها النفقة والكسوة أو بأن يسيئ العشرة فيحملها ذلك على إضرارها بالولد، فكلُّ ذلك داخلٌ في هذا النهي] اهـ.
كما تواردت نصوص السُّنَّة المطهرة على مشروعية اتخاذ وسائل منع الحمل إذا ثَبَتَ أنه يترتب على حصوله الإضرار بالولد، ومن ذلك: ما همَّ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من النهي عن الغيلة -وهي أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ وَلَدَهَا، فتحملَ فيضرَّ لبنُها رضيعَها- فلما عَلِمَ أنَّ ذلك لنْ يَضر بالولد لم ينه عنه، فعَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الْأَسَدِيَّةِ رضي الله عنها أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ. حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح".
كما قد تبادر إلى فهم الصحابة رضي الله عنهم أن يتخذوا وسائل منع الحمل شفقةً على أن يتضرَّر من حملِ الأم ولدها الصغير، ولم يعارض النبي صلى الله عليه وآله وسلم صحة ذلك الفهم منهم، مع توضيحه أنه إذا لم يثبت الضرر لم يكن هناك ثمة داعٍ لمنع الحمل، فعن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآلهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَعْزِلُ عَنِ امْرَأَتِي. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ عَلَى أَوْلَادِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا، ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ». وَقَالَ زُهَيْرٌ فِي رِوَايَتِهِ: إِنْ كَانَ لِذَلِكَ فَلَا. مَا ضَارَ ذَلِكَ فَارِسَ وَلَا الرُّومَ» أخرجه مسلم في "الصحيح".
قال الإمام أبو الفرج ابن الـجَوْزي في "شرح المشكل من حديث الصحيحين" (4/ 21، ط. دار الوطن): [إِنَّمَا خَافَ أَن تحمل فيشربَ ابْنُهَا الْمُرْضَع اللَّبَأَ فيؤذيَه، فَقَالَ: "لَو ضرَّ ذَلِك فَارس" أَي: إِنَّهُم لَا يحترزون من هَذَا وأبناؤهم حِسان] اهـ.
وقال الإمام أبو العباس القرطبي في "المفهم لما أُشْكِل من تلخيص كتاب مسلم" (4/ 175، ط. دار ابن كثير): [(قوله: لو كان ذلك ضارا ضرَّ فارس والرُّوم).. وفيه حجة على إباحة العزل] اهـ.
وقال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي الشافعي في "الإحياء" (2/ 51-52، ط. دار المعرفة) في سياق بيان آداب معاشرة النساء ما مُحصَّلُه: [الصحيح عندنا أن ذلك مباحٌ، ثم تحدث عن البواعث المشروعة لإباحة العزل وقال: إنها خمسة، وَعَدَّ منها: استبقاء جمال المرأة وحسن سماتها، واستبقاء حياتها خوفًا من خطر الولادة، والخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد، والتخفف من الحاجة إلى التعب والكسب، وهذا غير منهي عنه؛ لأن قلة الحرج مُعينٌ على الدِّين] اهـ.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (6/ 236، ط. دار الحديث): [إن الأمور التي تَحمِلُ على العزل: الإشفاق على الولد الرضيع خشية الحمل مدة الرضاع، والفرار من كثرةِ العيال، والفرار من حصولهم مِن الأصل] اهـ. ومما سبق يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم عمل برامج تسويق لمنتج طبي مستخلص من الخنزير واستخدامه في التداوي؛ فنحن نقوم بعمل برامج التسويق والبيع الخاصة بأحد المنتجات الطبية لإحدى الشركات الأجنبية، وهو يتكون من مادة الجلاتين بروسين في شكل إسفنجي، وهي مادة مستخلصة من الخنازير، وتقوم بوقف النزيف أثناء العمليات الجراحية، وتمتص داخل جسم الإنسان، فتساعد على نمو الأنسجة التالفة. علمًا بأن هذا المنتج تتم معالجته كيميائيًّا بمادة الميثانال ثم ضخّ غاز النيتروجين لتكوين الشكل الإسفنجي وليس بالاستخراج المباشر. ما الحكم الشرعي لاستخدام هذا المنتج والعمل في تسويقه؟
ما حكم إجهاض الحمل المشوه في الشهر الخامس؛ حيث توجد امرأةٌ في الشهر الخامس في الحمل أجمع الأطباء على تشوه الطفل، وهذه ثالث حالة تمر بها الأم. فهل يجوز لها أن تُجْهِضَ هذا الحمل المُشَوَّه؟
ما حكم التدخل طبيًّا لتحديد نوع الجنين؟
ما حكم الدين في استعمال مادة المورفين في تخفيف آلام المرضى كمُسكِّن؟ وذلك تحت إشراف الأطباء بالجرعات المناسبة؛ وذلك لحاجة المرضى الشديدة إلى ذلك، سواء أكان ذلك عن طريق الحقن أم الفم.
ما حكم تأخير الإنجاب بسبب عدم القدرة على القيام بمسؤولية رعاية الأولاد؟ حيث اتَّفقت مع زوجتي على تأخير الإنجاب مؤقتًا إلى أن تتحسن ظروفنا ونستطيع القيام بمسئوليتنا تجاه الأبناء على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، فما حكم ذلك شرعًا؟
ما حكم وضع الصائم دهان كريم على السُّرَّة؟