ما الحكم إذا أحدث الخطيب أثناء خطبة الجمعة؟ فهناك رجلٌ يسأل: في صلاة الجمعة، إذا أحدث الخطيب أثناء الخطبة، هل يتمها ويستخلف غيره للصلاة، أو ينتظرونه حتى يتوضأ ويرجع سريعًا إن قَدَر على ذلك؟
طهارة الإمام للخطبة مستحبة شرعًا، وتصح الخطبة بغيرها عند جمهور الفقهاء، فإذا أحدث الإمامُ وهو يخطب الجمعة، فإنْ كان موضِع الوضوء قريبًا فإنَّ عليه أنْ يتوضأ ويكمل الخطبة والصلاة، وإن كان موضع الوضوء بعيدًا، أو كان وضوؤه سوف يستغرق وقتًا يمنع مِن الموالاة بين الخطبة وبعضِها أو بَيْنَها وبين الصلاة -فإنَّ عليه أنْ يبدأ الخطبة للجمعة مِن جديد ثم يصلي بهم، أو يستنيب رجلًا ممن حَضَروا الخطبة حتى يخطُب ويصلي بالناس بدلًا عنه، وضابط الموالاة مِن طول الفصل أو قِصَرِه يُرجَع فيه إلى العُرف والعادة.
المحتويات
مِن المقرر شرعًا أنَّ طهارة الإمام الذي يخطب الجمعة مِن الحدث الأصغر مستحبة وليست واجبةً ولا شرطًا في صحة الخطبة؛ لأن الخطبة عبارةٌ عن ذِكْرٍ يتقدم الصلاة، ولم يكن مِن شرط الذكر الطهارة كالأذان، ولأنها ذكرٌ ليس مِن شرطه استقبال القبلة كالتلبية والشهادتين، ولا يُفسدها الكلام، وهي في حكم الثَّواب كشطر الصَّلاة، ولا يُشْترط لها شرائط الصَّلاة، فإنْ أحدث الخطيب أثناء الخطبة وأَتَمَّها مُحْدِثًا أَجْزَأَتْ، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء مِن الحنفية -غير القاضي أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة-، والمالكية، والإمام الشافعي في القديم، والحنابلة. ينظر: "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي (2/ 26، ط. دار المعرفة)، و"الإشراف على نكت مسائل الخلاف" للقاضي عبد الوَهَّاب المالكي (1/ 332، ط. دار ابن حزم)، و"روضة الطالبين" للإمام شرف الدين النَّوَوِي الشافعي (2/ 27، ط. المكتب الإسلامي)، و"المغني" للإمام موفق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي (2/ 227، ط. مكتبة القاهرة).
وإذا كان الحدث أثناء الخطبة لا يفسدها، فإنه يجوز للإمام أن يُتمها على حاله إذا أحدث خلالها، ويستحب له أن يتوضأ لها حتى يُتمها على طهارة.
ودليل استحباب الطهارة للخطيب في الخطبة إذا أحدث: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي عقيب الخطبة، لا يفصل بينهما بطهارة، فيدل على أنه كان متطهرًا، والاقتداء به صلى الله عليه وآله وسلم إن لم يكن واجبًا فهو سُنَّة، فإذا احتاج الإمام إلى الطهارة أثناء الخطبة فتطهر، فإنه يبني على خطبته، ما لم يَطُل الفصل بين أجزائها، حيث إن الموالاة شرطٌ في صحة الخطبة، فإنْ فَصَل بعضَها مِن بعضٍ بكلامٍ طويلٍ، أو سكوتٍ طويلٍ، أو شيءٍ غير ذلك ممَّا يَقطع الموالاة -استأنفها بأن يبدأ الخطبة مِن جديد، فإنْ علم أن الوقت سوف يَطُول فيجوز له أن يستنيب مَن يخطب بدلًا عنه ويصلي بالناس.
لو أحدث الإمام بعد تمام الخطبة وقبل الصلاة، فإنه يجب عليه أن يتوضأ للصلاة حتى يُتمها إن كان موضِع الوضوء قريبًا ولا يؤدي إلى طول الفصل بين الخطبة والصلاة، فكما أن الموالاة شرطٌ بين أجزاء الخطبة وبَعضها، فكذلك يُشترط الموالاة بين الخطبة والصلاة دون الفصل بينهما بفاصلٍ كبيرٍ، فإنْ كان موضِع الوضوء بعيدًا، أو كان سيأخذ في الوضوء وقتًا طويلًا، فإنَّ عليه أن يستخلف مَن يَنُوب عنه في ذلك، ويشترط إذا أناب في الصلاة أن يُنيب مَن حَضَر الخطبة وشَهِدَها، وذلك حتى يقوم مقامه وهو مستجمِعٌ شرائطَ افتتاح الجمعة، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (2/ 26): [(قال) إمامٌ خطب جُنُبًا ثمَّ اغتسل فصلَّى بهِم، أو خطب مُحْدِثًا ثمَّ توضأ فصلَّى بهم: أجزأهم عندنا، وعند أبي يوسف رضي الله تعالى عنه: لا يجزئهم.. (ولنا) أنَّ الخطبة ذِكْرٌ، والمُحْدِثُ والجُنُبُ لا يُمْنَعَانِ مِن ذكر الله.. وليست الخطبة نظير الصلَاة، ولا بمنْزلة شطرها، بدليل أنها تؤَدَّى غير مستقبلٍ بها القبلة، ولا يفسدها الكلام، وتأويل الأَثر أنها في حكم الثَّواب كشطر الصَّلاة لا في اشتراط شرائط الصَّلاة فيها.. (قال) وإذا أحدث الإمام يوم الجمعة بعد الخطبة، وأمر رجلًا يصلِّي بالنَّاس، فإن كان الرجل شهد الخطبة جاز ذلك؛ لأنه قام مقام الأول وهو مستجمعٌ شرائطَ افتتاح الجمعة] اهـ.
وقال الإمام ابن عَابِدِين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 141، ط. الحلبي) في الاستنابة في صلاة الجمعة: [والكلام هنا في الصلاة؛ لأنَّ سبق الحدث لا يستوجب الاستنابة في الخطبة لصحتها معه، فافهم] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البَرِّ المالكي في "الكافي" (1/ 222، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [ولو أصاب الإمامَ حدثٌ في خطبة الجمعة قدَّم رجلًا فأتمَّ بهم الخطبة وصلى، وإن كان قد أتمَّها قدَّم من يصلي، إلا أن يكون قريبًا فينتظر حتى يتوضأ ويصلي بهم، وإن كان بعيدًا لم ينتظر] اهـ.
وقال الإمام شهاب الدين القَرَافِي المالكي في "الذخيرة" (2/ 343، ط. دار الغرب الإسلامي): [إذا أحدث في الخطبة استخلف مَن يتمُّ بهم الخطبة والصلاة، وكذلك إذا أحدث بعد الخطبة، فإن لم يستخلف قال سند: أجاز ابن القاسم الوضوء في صحن الجامع، وكرهه مالك ولو في طست.. وقد تقدم ذلك في الاستخلاف، وكره في "الكتاب" أنْ يستخلف على الصلاة من لم يشهد الخطبة، فإن فَعَل جاز.. فلو استمر على الخطبة بعد الحدث فكرهه في "الكتاب"، والمذهب أن الطهارة ليست شرطًا في الخطبة] اهـ. والمقصود بـ"الكتاب" هنا هو "المدونة".
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 254، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(وكره) الاستخلاف بعد الخطبة أو فيها إن اتَّسع الوقت، فيتطهر ويستأنف أو يبني بشرطه؛ خروجًا مِن خلاف مَن مَنَعَ الاستخلافِ] اهـ.
وقال الإمام موفق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (2/ 227): [السُّنَّة أن يخطب متطهرًا.. وقد قال أحمد، فيمن خطب وهو جنب، ثم اغتسل وصلى بهم: يجزئه.. فأما الطهارة الصغرى فلا يشترط؛ لأنه ذكر يتقدم الصلاة، فلم تكن الطهارة فيه شرطًا كالأذان، لكن يستحب أن يكون متطهرًا من الحدث والنجس؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي عقيب الخطبة، لا يفصل بينهما بطهارة، فيدل على أنه كان متطهرًا، والاقتداء به إن لم يكن واجبًا فهو سُنَّة، ولأننا استحببنا ذلك للأذان، فالخطبة أَوْلَى، ولأنه لو لم يكن متطهِّرًا احتاج إلى الطهارة بين الصلاة والخطبة، فيفصل بينهما، وربما طَوَّل على الحاضرين] اهـ.
المرجع في طول الفصل -بين الخطبة وبعضها وبينها وبين الصلاة- وقِصَرِه يعود إلى العرف والعادة، حيث لا ضابط له في اللغة ولا في الشرع، ولذا نصَّ الفقهاء على أن الفاصل اليسير يَسْتكمل الإمام بعده الخطبة ويبني على ما سبق منها، وأما الفاصل الطويل فإنه يتطلب منه إعادة الخطبة.
وكون ضابط الموالاة يعود إلى العرف هو ما قرره الفقهاء أيضًا في الصلاتين عند الجمع، حيث اعتبروا الموالاة شرطًا للجمع بينهما، واعتبروا الفصل بين الصلاتين للوضوء فصلٌ يسيرٌ لا يَضُرُّ.
قال الإمام شمس الدين الرَّمْلِي في "نهاية المحتاج" (2/ 277، ط. دار الفكر) عند كلامه عن ضابط الفصل بين الصلاتين عند الأخذ برخصة الجَمْعِ بينهما: [(ويُعرف طولُه) وقِصَرُه (بالعُرف) إذ لا ضابط له في الشرع ولا في اللغة، فرُجِعَ إليه فيه كالحرز والقبض.. ولا يَضُرُّ الفصل بالوضوء قطعًا] اهـ.
وقال الإمام موفق الدين ابن قُدَامَة في "المغني" (2/ 230): [والموالاةُ شرط في صحة الخطبة، فإنْ فَصَل بعضَها مِن بعضٍ بكلامٍ طويلٍ، أو سكوتٍ طويلٍ، أو شيءٍ غير ذلك يَقطع الموالاةَ استأنَفَها، والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة، وكذلك يشترط الموالاة بين الخطبة والصلاة، وإن احتاج إلى الطهارة تَطَهَّرَ وبَنَى على خُطبته، ما لم يطل الفصل] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن طهارة الإمام للخطبة مستحبة شرعًا، وتصح الخطبة بغيرها عند جمهور الفقهاء، فإذا أحدث الإمامُ وهو يخطب الجمعة، فإنْ كان موضِع الوضوء قريبًا فإنَّ عليه أنْ يتوضأ ويكمل الخطبة والصلاة، وإن كان موضع الوضوء بعيدًا، أو كان وضوؤه سوف يستغرق وقتًا يمنع مِن الموالاة بين الخطبة وبعضِها أو بَيْنَها وبين الصلاة -فإنَّ عليه أنْ يبدأ الخطبة للجمعة مِن جديد ثم يصلي بهم، أو يستنيب رجلًا ممن حَضَروا الخطبة حتى يخطُب ويصلي بالناس بدلًا عنه، وضابط الموالاة مِن طول الفصل أو قِصَرِه يُرجَع فيه إلى العُرف والعادة، كما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم صلاة الجمعة بأقل من أربعين في زمن الوباء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد..
فإن من نوازل العصر ومتقلبات الأحوال: جائحة كورونا التي أصابت العالم بأسره، أسأل الله تعالى السلامة منه لجميع الناس.
وهذه الأزمة تجعل المتغيرات إلى المرونة والتمسك بيسر الدين الإسلامي وملامح رحمته ومحاسن تشريعه، فيما نقوم به من الطاعات كالجمعة والجماعة والتجمع لأداء العبادات والتباعد في الصفوف، وتقليل عدد التجمع في الأماكن العامة ودور العبادات.
وقد أعلنت وزارة الصحة التابعة لسيريلانكا والجهات المختصة بمنع التجمع بأكثر من خمسة وعشرين شخصًا في الأماكن العامة ودور العبادات، وفي إطار هذه الأزمة أفتت هيئة الإفتاء التابعة لجمعية علماء سيريلانكا بإقامة الجمعة في أماكن مختلفة، وذلك بناءً على جواز تعدد الجمعة في بلدٍ واحدٍ عند الحاجة في المذهب الشافعي.
ولكن لا يزال العلماء يناقشون مسألة التجمع بأقل من أربعين رجلًا في هذه الحالة الراهنة، علمًا بأن المعتمد في المذهب الشافعي أن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر، فاختلفت آراء العلماء على اتجاهين:
الاتجاه الأول: الإنكار بإقامة الجمعة بأقل من أربعين رجلًا؛ اعتمادًا على القول الراجح المعتمد في المذهب الشافعي، وتعليلًا بأن العدد غير مكتمل.
الاتجاه الثاني: تنفيذ إقامة الجمعة بالعدد المسموح؛ تعظيمًا لشعائر الله، ومراعاة للمصلحة الدينية.
وبينما هو كذلك قد عثرتُ على مخطوطٍ لعالم جليل وعلم من كبار علماء سيريلانكا، وركن من أركان علم الفلك، ومؤسس الكلية الحسنية العربية الشيخ العلامة عبد الصمد رحمه الله، الذي كان رئيسًا لجمعية علماء سيريلانكا فترة طويلة، وله عدة مؤلفات من المطبوع والمخطوط.
وقد ألف كتابًا في عام 1912م، بخطه وسماه بـ "ضوء الشرعة بعدد الجمعة"، وقد ناقش الأدلة والآراء ورجح القول بأن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر.
وما حاصله: وإذا كان أهل البلد أقل من الأربعين، فإن كانوا (الشافعية) بأربعة فصاعدًا وأرادوا تقليد الإمام أبي حنيفة في صحة الجمعة بأربعة، فيجوز أن يصلوا الجمعة إن قلدوه تقليدًا صحيحًا؛ بأن يحافظوا كلهم على جميع الشروط المعتبرة عنده، ولكنه تُسنّ إعادتها ظهرًا خروجًا من الخلاف القوي. وإذا أرادوا أن يعملوا باختيار بعض الأئمة الشافعية في صحة الجمعة بدون أربعين وصلوا الجمعة فلا بأس بذلك، ولكن يلزمهم أن يعيدوا الظهر بعدها لوجوب العمل بالراجح، فإن لم يعيدوا الظهر جماعة أو فرادى فينكر عليهم إنكارًا شديدًا.
أطلب من سماحتكم إبداء موقف دار الإفتاء في إعادة الظهر بعد الجمعة: هل هي لازمة إذا عملوا في هذه المسألة على المرجوح في المذهب الشافعي؟ أو هل هي مسنونة إذا قلدوا في هذه المسألة مذهب الحنفية أو المالكية حفاظًا على جميع شروطهم؟ ولكم جزيل الشكر ومن الله حسن الثواب.
ما حكم أداء الصلوات الخمس عبر مكبرات الصوت؟ وما حكم تشغيل البث الإذاعي للقرآن الكريم والتواشيح عبر مكبرات الصوت بصوت مرتفع جدًّا قبل أذان الفجر بساعة تقريبًا؟
ما حكم التيمم للجنب في البرد الشديد؟ فقد أصابتني جنابة في وقت برد شديد ولا يوجد وسيلة لتسخين الماء، فما حكم التيمم من الجنابة للصلاة؛ خوفًا من المرض أو الأذى بسبب الاغتسال بالماء البارد؟
ما حكم الصلاة على كرسي أو مقعد لأسباب مرضية حيث إنه من الممكن حدوث بعض النسيان؟
ما حكم إهداء ثواب الأعمال الصالحة للأحياء والأموات؟ وهل ذلك يجوز شرعًا؟
ما حكم متابعة النفل بعد الفرض دون فصل بينهما بذكر أو كلام؟ فكنت أصلي المغرب في بيتي، وبمجرد أن أنهيت الفريضة سارعت إلى أداء النافلة الراتبة من دون فصل بشيء، فأخبرني أخي أنه قرأ في كتاب: أنه لا بد من الفصل بين الفرض والنفل بشيء، فلا تصح متابعة النفل بعد الفرض من دون فصل بكلام أو حركة أو جلسة، فما مدى صحة هذا الكلام؟ وهل الفصل بين الفريضة والنافلة الراتبة واجبٌ؟