حكم الفطر لطول مدة الصيام

تاريخ الفتوى: 17 سبتمبر 2023 م
رقم الفتوى: 8012
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصوم
حكم الفطر لطول مدة الصيام

هل يُعَدُّ طولُ ساعات الصيام في الصيف عذرًا مبيحًا للفطر في رمضان؟

طول ساعات النهار في حال الاعتدال -بحيث لا تصل إلى ثماني عشرة ساعة على المفتى به- لا يُعَدُّ في حَدِّ ذاته عذرًا شرعيًّا مُبِيحًا للفطر، ما دام الصوم في طَوْقِ المكلَّف ولو مع حصول المشقة المعتادة، ولا يؤثر في صحته تأثيرًا حقيقيًّا يعود عليه بالضرر -فضلًا عن الهلاك- الذي يقرِّرُه الواقعُ وتجربةُ المكلَّف أو أهلُ التخصُّص مِن الأطباء.

فإذا شقَّ على المكلَّف الصيامُ بحيث يؤثِّر في صحته -فضلًا عن خوف الهلاك- طولُ ساعات نهار الصوم بشكلٍ يَصعُبُ عليه احتمالُهُ، فحينئذٍ يكون الفطرُ رخصةً في حَقِّهِ كما هو رخصةٌ للمريض والمسافر، ويكون عليه القضاء بعد ذلك.

المحتويات

 

بيان المراد بالصيام

الصوم في اللغة: الإمساك مطلقًا عن الطعام والشراب والنكاح والسَّيْر والكلام، ومِنه: قول الله تعالى حكايةً عن السيدة مريم عليها السلام: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ [مريم: 26]؛ أي: إمساكًا وسكوتًا عن الكلام، كما في "مقاييس اللغة" لجمال الدين ابن فارس (3/ 323، ط. دار الفكر)، و"المصباح المنير" للعلامة الحَمَوِي (1/ 352، ط. المكتبة العلمية)، و"التعريفات" للشريف الجُرْجَانِي (ص: 136، ط. دار الكتب العلمية).

وفي الشرع: إمساك مخصوص عن شَهْوَتَيِ الفَمِ والفَرْجِ، أو ما يقوم مقامهما؛ مخالفةً للهوى في طاعة المولى، في جميع أجزاء النهار، بنيَّةٍ قبل الفجر أو معه إن أمكن، فيما عدا زمن الحيض والنفاس وأيام الأعياد، كما في "الاختيار لتعليل المختار" للإمام مجد الدين ابن مَوْدُود المَوْصِلِي (1/ 128، ط. الحلبي)، و"الذخيرة" للإمام شهاب الدين القَرَافِي (2/ 485، ط. دار الغرب الإسلامي).

فضل الصيام واختصاص الله سبحانه بتقدير ثوابه

صوم رمضان ركنٌ مِن أركان الإسلام، وفريضةٌ فَرَضَها اللهُ سبحانه وتعالى على كلِّ مسلمٍ مكلَّفٍ صحيحٍ مُقيمٍ مستطيعٍ خَالٍ من الموانع، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].

ولِعِظَمِ فضل الصيام، وكونه مِن أَجَلِّ العبادات، اختَصَّ اللهُ سبحانه نَفْسه بتقدير ثواب الصائم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي» متفقٌ عليه.

وقت وجوب الصيام

وَقْتُه الواجبُ: مِن أوَّل النهار إلى آخِره، فيبدأ المكلَّفُ الصحيحُ المقيمُ صومَهُ مِن طلوع الفجر الثاني، وينتهي بغروب الشمس، قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187].

وهذا الوقتُ المحدَّد للصوم محلُّ اتفاقٍ بين الفقهاء. ينظر: "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" لعلاء الدين الكاساني الحنفي (2/ 77، ط. دار الكتب العلمية)، و"التبصرة" للإمام اللَّخْمِي المالكي (2/ 722، ط. أوقاف قطر)، و"المجموع" للإمام النووي الشافعي (6/ 303، ط. دار الفكر)، و"الكافي" للإمام ابن قُدَامَة الحنبلي (1/ 438، ط. دار الكتب العلمية).

حكم الفطر لطول مدة الصيام ونصوص الفقهاء في ذلك

طول ساعات نهار الصوم كما قد يحدث في الصيف لكن في حَدِّ الاعتدال -بحيث لا تَصِلُ إلى ثماني عشرة ساعة على المفتى به- لا يُعَدُّ عذرًا شرعيًّا مُبِيحًا للفطر ولو مع حصول المشقة، ما دامت هذه المشقةُ مُحْتَمَلَةً لا تؤثر في الصائم تأثيرًا يعود عليه بالضرر الذي يقرِّرُه الواقعُ وتجربة المكلَّف أو أهلُ التخصُّص مِن الأطباء، ولم يكن مريضًا بحيث "يؤذيه الصوم ويَتَكَلَّفُهُ ويَخافُ على نَفْسِهِ منه"؛ كما قال الإمام ابن القَطَّان في "الإقناع" (1/ 229، ط. الفاروق الحديثة)، ولأن المشقة لا تَنْفَكُّ عن التكاليف الواجبة غالبًا، كما جاء في "الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني" (5/ 2125، ط. الجيل الجديد).

قال الإمام شهاب الدين القَرَافِي في "الفروق" (1/ 118، ط. عالم الكتب): [المَشَاقُّ قِسمان: أحدهما لا تَنْفَكُّ عنه العبادة، كالوضوء والغُسل في البرد، والصوم في النهار الطويل، والمخاطَرَة بالنفس في الجهاد، ونحو ذلك، فهذا القِسم لا يوجب تخفيفًا في العبادة؛ لأنه قُرِّرَ مَعَهَا] اهـ.

فإذا شقَّ على المكلَّف الصيامُ بحيث يؤثِّر في صحته -فضلًا عن خوف الهلاك- طولُ ساعات نهاره المعتدلة بشكلٍ يَصعُبُ عليه احتمالُهُ، فحينئذٍ يكون الفطرُ رخصةً في حَقِّهِ كما هو رخصةٌ للمريض والمسافر، وذلك بجامع حصول المشقة في كُلٍّ، ويجوز له في هذه الحالة الإفطار شرعًا، وذلك للمشقة لا طول ساعات نهار الصوم المعتدلة مِن غير اختلالٍ فيها، إذ مِن سَعَةِ الشريعة الإسلامية ورَحْمَتِهَا بالمكلَّفين أنْ رَفَعَت عنهم المشقةَ والحرجَ، قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

ومِن أَجْل ذلك عَقَّب اللهُ تعالى فَرْضَ الصوم بالتيسير على مَن يَشُقُّ عليه مشقةً غير معتادة، فقال سبحانه: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 184].

ولا يَخفى أنَّ حِفظ النفوس واجبٌ ما أمكن، فوَجَب على المكلَّف إنْ خاف هلاكًا، أو شديدَ أذًى، بسبب طول ساعات الصيام، أن يُفطر، فليس إهلاكُ الإنسان أو تكليفُه ما لا يُطِيقُ احتمالَهُ مِن مقصود الصوم؛ لقول الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].

قال الإمام بدر الدين العَيْنِي الحنفي في "البناية شرح الهداية" (4/ 76، ط. دار الكتب العلمية): [قال فخر الإسلام: إن المرض لا يوجب إباحة الإفطار بنَفْسه، بل لِعِلَّةِ المشقة بإجماع عامة العلماء... أما السفر فإنه يوجب الإباحة؛ لأنه لا يخلو عن مشقة... ثم المرض على أقسام سبعة: فخفيفٌ لا يَشُقُّ معه الصوم ويَنعقد، وخفيفٌ لا يشق منه ولا ينعقد، وشاقٌّ لا يزيد بالصوم، وشاقٌّ يزيد به، وشاقٌّ لا يزيد به ولكن يحدث مع الصوم علةٌ أخرى، وشاقٌّ يُخْشَى طولُه، وصحيحٌ يُخْشَى المرض به، فالأول والثاني كالصحيح الذي لا يضره الصوم فلا يفطر، والثالث يتخير، والرابع والخامس والسادس يفطر، وإن صاموا أجزأهم على الصحيح، الذي يخشى المرض به كالمرض الذي تخشى زيادته] اهـ.

وقال العلامة سراج الدين ابن نُجَيْم الحنفي في "النهر الفائق شرح كنز الدقائق" (2/ 28، ط. دار الكتب العلمية): [والصحيح الذي يخشى المرض كالمريض، ولا تنافي بينهما؛ لأن الخشية بمعنى غلبة الظن، بخلاف مجرد الخوف] اهـ.

وقال الإمام الخَرَشِي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 261، ط. دار الفكر): [(ص) وبمرضٍ خاف زيادَتَه أو تَمَادِيهِ (ش) هذا معطوفٌ على قوله: "بسَفَرِ قَصْرٍ"، والباء للسببية، أي: وجاز الفطر بسبب مرضٍ خاف زيادته، ومنه: حدوث عِلَّةٍ، أو تماديه بالصوم، وبعبارةٍ أخرى: أي زيادة نوعه بأن تَحدُث له علةٌ أخرى، فإن خاف على نفسه الهلاك، أو أن يلحقه مشقة عظيمة، فإنه يجب عليه الإفطار؛ لأنَّ حفظ النفوس واجب ما أمكن، وإليه أشار بقوله: (ص) ووَجَب إن خاف هلاكًا، أو شديدَ أذًى (ش) أي: مشقة عظيمة... فمجرد الخوف كافٍ في وجوب الفطر، ولا يشترط وجود المخوف منه، وهو الهلاك، أو شديد الأذى] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع" (6/ 258): [شرط إباحة الفطر: أن يَلْحَقَهُ بالصوم مشقة يشق احتمالها... (فرع) قال أصحابنا وغيرهم: مَن غلبه الجوع والعطش، فخاف الهلاك، لزمه الفطر وإنْ كان صحيحًا مقيمًا... ويلزمه القضاء كالمريض، والله أعلم] اهـ.

وقال العلامة أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 476، ط. عالم الكتب): [(وَ) سُنَّ فِطْرٌ وَكُرِهَ صَوْمٌ (لخوفِ مرضٍ بعطشٍ أو غيرِهِ)... ولأَنَّه في معنى المريضِ؛ لِتَضَرُّرِهِ بِالصَّوْمِ] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإنَّ طُولَ ساعات النهار في حال الاعتدال -بحيث لا تصل إلى ثماني عشرة ساعة على المفتى به- لا يُعَدُّ في حَدِّ ذاته عذرًا شرعيًّا مُبِيحًا للفطر، ما دام الصوم في طَوْقِ المكلَّف ولو مع حصول المشقة المعتادة، ولا يؤثر في صحته تأثيرًا حقيقيًّا يعود عليه بالضرر -فضلًا عن الهلاك- الذي يقرِّرُه الواقعُ وتجربةُ المكلَّف أو أهلُ التخصُّص مِن الأطباء، فإذا شقَّ على المكلَّف الصيامُ بحيث يؤثِّر في صحته -فضلًا عن خوف الهلاك- طولُ ساعات نهار الصوم بشكلٍ يَصعُبُ عليه احتمالُهُ، فحينئذٍ يكون الفطرُ رخصةً في حَقِّهِ كما هو رخصةٌ للمريض والمسافر، ويكون عليه القضاء بعد ذلك.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم إفطار طلاب المدارس والجامعات أيام الامتحانات؟ فإنهم سيؤدون بعض الامتحانات هذا العام في أيامٍ من رمضان، ولا بد لهم فيها من بذل الجهد في المذاكرة والتحصيل استعدادًا للامتحان. فهل يُعَدُّ ذلك عذرًا يبيح لهم الفطر شرعًا في هذه الأيام؟



ما حكم الفطر لطالب كلية الطب بسبب مشقة التدريب والعمل؟ فأنا طالب بالسنة النهائية بكلية الطب، وأعمل من الساعة السابعة صباحًا بدون رفق أو هوادة إلى ما بعد الساعة الرابعة بعد الظهر في التمرين بأقسام المستشفى وتلقى المحاضرات بالكلية، وذلك يستلزم منا الاستذكار بعد ذلك حوالي سبعة ساعات على الأقل فيكون مجموع ساعات العمل اليومي ست عشرة ساعة، ولا أستطيع أداءه إذا ما كنت صائمًا، ومن ناحية أخرى فلو لم أبذل هذا المجهود -ولا أستطيع ذلك وأنا صائم- فسوف تكون العاقبة وخيمة، وبما أني أؤدي واجباتي الدينية على قدر ما أستطيع ولم يسبق لي أن أفطرت في رمضان فلا أستطيع أن أقرر بنفسي ما يجب علي اتخاذه بحيث أن تكون الناحية الدينية سليمة، وأعتقد أن هذا الإشكال يواجه الكثيرين من زملائي، فأرجو فضيلتكم الاهتمام بإفتائنا سريعًا في هذا الموضوع.


هل يجوز صيام شهر رجب؟ لأن بعض الناس يذكرون أن تخصيص شهر رجب بالصيام بدعة محرمة، وأن الفقهاء الذين استحبوه -كالشافعية- مخطؤون، وهم قد استندوا في قولهم هذا لأحاديث ضعيفة وموضوعة، فهل هذا صحيح؟


ما الحكم إذا تأخر المسلم في قضاء ما فات من رمضان حتى دخل رمضان آخر؟


ما حكم الاعتكاف في رمضان في زمن الوباء؟ ففي هذه الظروف التي يمرُّ بها العالم جرَّاء وباء كورونا أُغلقت المساجد وأُرجئت الجُمَع والجماعات ضمن القرارات العامَّة التي قرَّرتها الدول الإسلامية حفاظًا على أرواح الناس من الإصابة بالعدوى. فهل يجوزُ الاعتكافُ في البيوت في هذه الحالة للرجال أو النساء؟ وهل يأخذ الإنسان في هذه الحالة ثواب الاعتكاف؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :10
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 56
العشاء
6 :19