ما حكم إخفاء درجة جودة السلعة عند بيعها؟ فأنا أعمل تاجرًا في مجال قطع الغيار، ومن المعروف عني أني لا أتاجر إلا في السلع عالية الجودة، لكن في الآونة الأخيرة وبسبب عدم توفر سيولة مالية كبيرة لن أتمكن من الاستمرار في ذلك، فهل يجوز لي التعامل في السلع متوسطة القيمة والجودة، فأبيعها على كونها ذات جودة عالية لكن بسعر منخفض؟ مع العلم بأني لن أُعلم المُشتري بطبيعة هذه السلع.
المصارحة والمكاشفة أمر مطلوب في البيع، والغش والكتمان أمر ممنوع شرعًا ويأثم فاعله، وقيام التاجر ببيع قطع الغيار متوسطة القيمة والجودة على أنها ذات جودة عالية لكن بسعر منخفض- محرَّم؛ من أجل الكتمان والخداع والتدليس فيما يتعلق بالسلعة المباعة.
المحتويات
التجارة منْ أفضل طرق الكَسْب وأشرفها، دون أن يدخلها غش وخيانة، فقد روي عن رافعِ بن خَدِيجٍ رضي الله عنه قال: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ: «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك".
قال العلامة عبد الله الشرقاوي الشافعي في "حاشيته على شرح التحرير" (2/ 3، ط. الأميرية): [قوله: (وكل بيع... إلخ) إشارة إلى التجارة... وقوله: (مبرور) أي: لا غش فيه ولا خيانة] اهـ.
والتراضي في عَقْدِ البيعِ مطلوبٌ بين المتبايعين؛ لقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾ [النساء: 29]، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» أخرجه ابن ماجَهْ في "سننه"، وابن حِبَّان في "صحيحه"، وصحَّحه الحافظُ شهاب الدين البُوصِيرِي في "مصباح الزجاجة".
قال العلَّامة الصَّنْعَانِي في "التنوير شرح الجامع الصغير" (4/ 167، ط. مكتبة دار السلام): [«إِنَّمَا الْبَيْعُ» أي: الشرعي الصحيح المعتبر عند الشارع، الذي يترتب عليه صحة المِلك، هو الصادر «عَنْ تَرَاضٍ» مِن البائع، بإخراج السلعة عن مِلكه، ومِن المشتري بإدخالها في مِلكه] اهـ.
قد حث الشرع الشريف على المصارحة والمكاشفة والوضوح في البيع حتى تحصل البركة فيه، فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» متفق عليه.
وحذَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم البائع من الوقوع في الغش، والخداع، فقال عليه الصلاة والسلام: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ»، أخرجه ابن ماجه في "سننه".
فالحديثان يدلَّان على وجوب الإفصاح عن العيوب الموجودة بالسلعة حال بيعها، وأنَّه أرجى للمباركة في البيع. يُنظر: "شرح صحيح الإمام مسلم" للإمام النَّوَوِي (10/ 176، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"حاشية السِّنْدِي على سنن ابن ماجَهْ" (2/ 30-31، ط. دار الجيل).
فإنْ غشَّ البائع وخدع ولم يُبيِّن استحق الطرد من رحمة الله سبحانه وتعالى، فعن وَاثِلَة بن الأَسْقَع رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللهِ، وَلَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ» أخرجه ابن ماجه في "سننه".
والواجب على البائع أن يُبَيِّن حقيقة السلعة للمشتري عند البيعِ بيانًا يجْعَلُ المشتريَ على عِلْمٍ بالسلعة المُبَاعة وما فيها مِن أمورٍ قد تُؤثِّر عليها بالنُّقصان مِن ثمنها، كَعِلْمِ البَائع بهذه الأمور تمامًا، وإذا لم يفعل اندرج ذلك تحت مُسمَّى الغش والتدليس، وهما حرامٌ شرعًا، حتى عَدَّهُ بعضُ الفقهاء مِن كبائر الذنوب وأعظمها. ينظر: "الزواجر عن اقتراف الكبائر" لابن حَجَر الهَيْتَمي (1/ 393، ط. دار الفكر).
على تأكيد هذه المعاني جاءت عبارات فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة.
قال الإمام ابن نُجَيْم الحنفي في "البحر الرائق" (6/ 38، ط. دار الكتاب الإسلامي): [كتمان عيب السلعة حرام، وفي "البَزَّازِيَّة" وفي "الفتاوى": إذا باع سلعة معيبة عليه البيان] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته "منحة الخالق" (6/ 38) موضِّحًا ضابط الغش المحرم: [أن يشتمل المبيع على وصف نقص لو علم به المشتري امتنع عن شرائه، فكلُّ ما كان كذلك يكون غشًّا] اهـ.
وقال الشيخ زَرُّوق المالكي في "شرحه على متن الرسالة" (2/ 737-738، ط. دار الكتب العلمية): [(ولا يجوز في البيوع التدليس): إخفاء العيب وإظهار الحسن... (والغش): إدخال ما ليس منها عليها كخلط اللبن بالماء... ونحو ذلك، (والخديعة) أن يريه النصح من نفسه ويريد تحصيله في غيره كزيادة الثمن أو نقص السلعة ونحوه. (والخِلابة) الخيانة بأن يريه شيئا ويعطيه دونه أو يظهر له التغفل ويعامله بالحيلة فيكتب على السلعة اثنا عشر ليرى أنه اشتراها بها ويطلب فيها عشرة ويبيعها بثمانية وهي عليه بدون ذلك، أو يجعل دراهم في طرف كساء ونحوه ليزيد في ثمنه بعض الطماعين لأجل ذلك. وقيل: هي الخديعة وكتمان العيوب بالفعل كسترها، وبالقول كمدحها، وبالسكوت عما أُطْلِع عليه فيها والكل ممنوع، و(خلط دنيء بجيد) كالسمين من اللحم بالهزيل، قال ابن القاسم: لا يحل ولو بَيَّنَه] اهـ.
وقال الإمام تقي الدين السُّبْكِي الشافعي في "تكملة المجموع" (12/ 114-115، ط. دار الفكر): [والأحاديث في تحريم الغش ووجوب النصيحة كثيرة جدا وحكمها معلوم من الشريعة وكتمان العيب غش... والتدليس المراد به إخفاء العيب... من ملك عينًا وعلم بها عيبًا لم يجز أن يبيعها حتى يبين عيبها، وهذا الحكم متفق عليه للنصوص المتقدمة، لا خلاف فيه بين العلماء. قال الشافعي رحمه الله في آخر باب الخراج بالضمان من المختصر: وحرام التدليس، وكذلك جميع الأصحاب] اهـ.
وقال إمام الحرمين الجُوَيْنِي في "نهاية المطلب" (5/ 279، ط. دار المنهاج): [والضابطُ فيما يحرم من ذلك -يعني كتمانه في السلعة- أن من علم سببًا يُثبِت الخيار فأخفاه، أو سَعَى في تدليسٍ فيه، فقد فعل مُحرَّمًا. وإن لم يكن السببُ مثبِتًا للخيار، فترْكُ التعرضِ له لا يكون من التدليس المحرم] اهـ.
وقال العلامة منصور البُهُوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 43، ط. عالم الكتب): [(ويحرُم) تدليسٌ (كـ) تحريمِ (كتمِ عيبٍ)؛ لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعًا: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ. وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ» رواه أحمد وأبو داود والحاكم، وحديث: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، وحديث: «مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتٍ مِنْ اللَّهِ وَلَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ» رواه ابن ماجه] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن المصارحة والمكاشفة أمر مطلوب في البيع، والغش والكتمان أمر ممنوع شرعًا ويأثم فاعله، وقيام التاجر ببيع قطع الغيار متوسطة القيمة والجودة على أنها ذات جودة عالية لكن بسعر منخفض محرَّم من أجل الكتمان والخداع والتدليس فيما يتعلق بالسلعة المباعة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل عندما أكون على ثقافة دينية أصبح مفتيًا في أمور بسيطة؟
هل يجوز للمشتري أن يطلب من الشفيع ثمنًا زائدًا عما دفعه؟ حيث باع شخص شقته لشخص آخر، وعندما علم جاره بذلك أخبره أنه كان يرغب في شرائها توسعة على أولاده، فطلب من البائع أن يستردها، فأخبر المشتري برغبة الجار في أخذ الشقة لنفسه، فرفض إلا بإعطائها له بمبلغ أكبر من المبلغ الذي اشتراها به، فهل من حقِّ الجار أن يطلب أخذ الشقة لنفسه؟ وهل يحِقُّ للمشتري أن يطلب ثمنًا زائدًا عما دفعه؟
ما هو حكم الشرع بالنسبة إلى شراء سيارة بالتقسيط؛ أي: دفعة أولى 75% من قيمة السيارة، والباقي لمدة أربع سنوات بفائدة نسبتها 11% في السنة، وهذه الفائدة على المبلغ المتبقي فقط من قيمة السيارة؟ مع العلم أنني حاليًا لا أملك سيارة وليس بمقدوري شراؤها نقدًا.
نرجو منكم بيان الحكم الشرعي في تصرف شركات السياحة فيما يخص الحجاج والمعتمرين؛ حيث تقوم بعض الشركات السياحية بتنظيم رحلات للحج والعمرة، وتتعاقد مع زوار بيت الله الحرام على أمورٍ محددة فيما يخصُّ سفرَهم، كالسفر على خطوط طيرانٍ معينةٍ، أو الإقامة في فنادق ذات مستوىً متميز، أو القيام بتوفير حافلاتٍ لتنقلاتهم؛ لأداء المناسك وغير ذلك، ثم لا يتم تنفيذ ما اتُّفق عليه من هذه الالتزامات، أو يُترَك الحجيج والعُمّار بمجرَّد دخولهم إلى الأراضي الحجازية، أو يُنزَلون في فنادق بخلاف المتَّفق عليها، أو لا تُوفَر تلك الحافلات لهم، فما الحكم في ذلك؟
أنا مقبلٌ على الزواج ولا أعلم أحكامه؛ فنصحني البعض بضرورة تعلم أحكام عقد الزواج؛ حتى لا أوقع نفسي أو غيري في حرج أو إثم بسبب عدم علمي بذلك، وذلك من خلال الدورات التي تنظمها الجهات المتخصصة في هذا الشأن؛ فما قولكم في ذلك، وهل يجب عليَّ ذلك؟
ما حكم تكفين الجزء المأخوذ من الميت لدفنه؟ فإنَّ ابني كان طالبًا في كلية الطب، وأحضرنا له بعض العظام البشرية للتعليم عليها، وقد أنهى دراسته الجامعية، فماذا أفعل في هذه العظام؟ هل أعطيها لغيره من الطلبة ليتعلم عليها، أو يجب عليَّ دفنُها صيانةً لحرمة هذا الميت؟