ما حكم الامتناع عن المشاركة في الانتخابات؟ فإنّه مع كلِّ موسمٍ من مواسم الانتخابات الوطنيَّة، نشهد من بعض الناخبين تساهلًا في الإدلاء بأصواتهم، أو إعراضًا عن المشاركة مع تثبيط مَن يحيطون بهم عن المشاركة فيها، فهل المشاركة في الانتخابات مطلوبةٌ شرعًا؟
الانتخابات الوطنية مسلكٌ من مسالك الشورى، والمشاركة الفاعلة الإيجابية فيه مطلوبةٌ شرعًا باعتبارها أداءً للأمانة الواجبة على كلِّ من توفرت فيه شروط الانتخاب، وبذلًا لشهادةٍ تُعين على حسن اختيار الأكفاء وتوسُّد الأمر لأهله، وإنَّ كافَّة صور التساهل والإعراض أو التثبيط في هذا الشأن وبثها بين الناخبين لهو نوعٌ من السلبيَّةِ التي نبذها الشَّرع الشريف، وحذَّر منها وما يترتب عليها من مضارّ، فهي تعطي فرصةً لوصول غير الأكفاء للنيابة عن الناس في طلب حقوقهم المشروعة والدِّفاع عنها، وهو ما يضيع مصالحهم ويهدم استقرارهم، ويهدر حقوقهم.
المحتويات
فَطَر اللهُ الناسَ على فطرةِ المدنيَّةِ والحاجة في بقائهم واستقرار شئونهم واستقامة حياتهم لغيرهم من بني جنسهم، قال الله تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: 32].
قال الإمام الزَّمَخْشَرِي في "الكشاف" (4/ 248، ط. دار الكتاب العربي) في تفسير هذه الآية: [ليصرف بعضُهم بعضًا في حوائجهم، ويستخدموهم في مِهَنِهِم، ويتسخروهم في أشغالهم، حتى يتعايشوا ويترافدوا ويصلوا إلى منافعهم، ويحصلوا على مَرافقهم] اهـ.
وفي هذا المعنى يقول الشيخ ابن تيمية في "الحسبة في الإسلام" (ص: 7، ط. دار الكتب العلميَّة): [وكل بني آدم لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالاجتماع والتعاون والتناصر، فالتعاون على جلب منافعهم، والتناصر لدفع مضارهم، ولهذا يقال: الإنسان مدني بالطبع، فإذا اجتمعوا فلا بدّ لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة، وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة، ويكونون مطيعين للآمر بتلك المقاصد، والناهي عن تلك المفاسد، فجميع بني آدم لا بد لهم من طاعة آمِرٍ وَنَاهٍ] اهـ.
وقد قرَّر الشرع أنَّ أَوْلى وأنسب الطُّرق لاختيار أولئك الأكفاء المسؤولين هو سلوك مسلك الحوار والشورى، قال تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم﴾ [الشورى: 38].
والانتخابات الوطنية صورةٌ معاصرة من صور الشورى، ووسيلةٌ يُتَوصَّل بها لاختيار مَن يقومون على حفظ ورعاية مصلحة واستقرار مجتمعاتهم وبلدانهم ممن تتوفر فيهم شرائط ذلك، فالانتخاب يعني: الاختيار والانتقاء، كما في "لسان العرب" للعلامة ابن منظور (1/ 752، ط. دار صادر).
فهي آليَّة يتحمل فيها الناخبون أمانةَ الشهادة والإدلاء بأصواتهم لمن يشهدون فيه الصلاحية لذلك الموقع وتلك المسؤولية، وقد أمر الإسلام المسلم بأداء الأمانة التي تحملها بكل أنواعها وأشكالها، فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58]، وأوجب عليه أن يكون أمينًا وصادقًا في أداء الأمانة مع ربه أولًا، ومع نفسه ثانيًا، ومع الآخرين ثالثًا، فبهما -أي بالصدق والأمانة- ترقى الأمم وتتقدم الشعوب، وهما أساس النجاح في كلِّ عملٍ على مستوى الفرد والجماعة.
ينبغي على من توافرت فيه الصلاحية لأداء هذه الأمانة في الشورى المعاصرة المتمثلة في الانتخابات الوطنيَّة -ألا يتأخر عن القيام بهذا الواجب بصدقٍ وأمانة ونزاهة وموضوعيَّة، وأن يكون ذلك بعيدًا عن الممارسات السلبية من نحو: العصبيَّة المدمرة، والمجاملات، والغش والتدليس، والابتزاز، والعنف، والإكراه، والتزوير، وأن يكون رائد الجميع أن مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصيَّة.
منع أداء الصوت كتمانٌ للشهادة التي أمرنا الله بأدائها، وتضييعٌ للأمانة الملقاة على عاتق كلِّ من كان أهلًا لتحملها وأدائها، رعاية للمصلحة العامَّة، وحرصًا منه على شئون الأمَّة، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].
فضلًا عما في الامتناع عن الانتخابات الوطنية من سلبيَّة يمقتها الإسلام وينهى عنها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً؛ تَقُولُونَ: إِن أَحسَنَ النَّاسُ أَحسَنَّا، وَإِن ظَلَمُوا ظَلَمنَا، وَلَكِن وَطِّنُوا أَنفُسَكُم، إِن أَحسَنَ النَّاسُ أَن تُحسِنُوا، وَإِن أَسَاءُوا فَلَا تَظلِمُوا» أخرجه الإمام التِّرْمِذِي.
وقد كرَّه الله لعبادِه السلبيَّة التي تمنع الإنسان استيفاءَ حقِّه والحرص على مصالحه ومنفعته في شؤون دُنياه وأُخراه، فمن ذلك قولُ الله جَلَّ وَعَلَا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 97]، فهذا النَّص القرآني يظهر مدى خطورة السلبيَّة في حياة الناس لدفع الظلم وتحقيق العدل فيما بينهم من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومثاله من السُّنَّةِ الشريفة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث القوم المُستَهِمِين على سفينةٍ أراد بعضُهم إحداث خرقٍ في نصيبهم منها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «فَإِن يَترُكُوهُم وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِن أَخَذُوا عَلَى أَيدِيهِم نَجَوا، وَنَجَوا جَمِيعًا» أخرجه الإمام البخاري.
وتقاعُسُ بعض الناخبين عن أداء واجبهم وبذل شهادتهم بالإدلاء بأصواتهم فيه الإعانة ولو من طرفٍ خفي لتولية الأمر لمن ليس أهلًا له من الناحية التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهذا ما حذَّرَنا منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «إِذَا وُسِّدَ الأَمرُ إِلَى غَيرِ أَهلِهِ فَانتَظِرِ السَّاعَةَ» أخرجه الإمام البخاري.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ الانتخابات الوطنية مسلكٌ من مسالك الشورى، والمشاركة الفاعلة الإيجابية فيه مطلوبةٌ شرعًا باعتبارها أداءً لأمانة ملقاةٍ على عاتق كلِّ من توفرت فيه شروط الانتخاب، وبذلًا لشهادةٍ تُعين على حسن اختيار الأكفاء وتوسُّد الأمر لأهله، وإنَّ كافَّة صور التساهل والإعراض أو التثبيط في هذا الشأن وبثها بين الناخبين لهو نوعٌ من السلبيَّةِ التي نبذها الشَّرع الشريف، وحذَّر منها وما يترتب عليها من مضار، فهي تعطي فرصةً لوصول غير الأكفاء للنيابة عن الناس في طلب حقوقهم المشروعة والدِّفاع عنها، وهو ما يضيع مصالحهم ويهدم استقرارهم، ويهدر حقوقهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يقول: علمت أن دار الإفتاء المصرية تفتي من مدة بحرمة ختان الإناث وقد ورد في السنة النبوية الشريفة أحاديث توجه إلى ختان الإناث؛ فكيف ندفع التعارض بين هذه الفتوى وما ورد في الأحاديث الشريفة؟
هل الشورى في الإسلام حقٌّ مشروع للجميع؟ وهل ثبتت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه؟ حيث إننا ثلاثة إخوة، وعندنا شركة وأخواي لا يأخذا برأيي في شيء؛ بدعوى أن كلًّا منهما أرجح مني عقلًا؛ فهل هذا يسوغ لهما ألا يسمعا لمشورتي ويأخذا بها؟
في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين»، وكان متكئًا فجلس، فقال: «ألَا وقول الزور، وشهادة الزور، ألَا وقول الزور، وشهادة الزور». فما معنى شهادة الزور؟ وما هي نتائجها الضارة؟ وما هي الآيات القرآنية في ذلك؟
هل يجوز الاستفادة من غير المسلم في مجال عمله والثناء عليه، وتقليده والرغبة في أن أصير مثله في أعماله؟ حيث دار حديث بيني وبين أحد الأصدقاء فقال: إن هذا مخالف لمبدأ الولاء والبراء. فما مدى صحة ذلك؟
نرجو منكم بيان حكم التهادي بين الناس في ضوء ما ورد من الأحاديث النبوية الشريفة.
ما حكم لُبس الثياب البيضاء للمرأة التي توفى عنها زوجها في أثناء مدة الحداد عليه؟ وهل تنحصر ثياب الإحداد في الثياب السوداء؟