الإثنين 15 ديسمبر 2025م – 24 جُمادى الآخرة 1447 هـ

حكم المسح على الخف خشية البرد في الشتاء

تاريخ الفتوى: 25 يونيو 2025 م
رقم الفتوى: 8699
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الطهارة
حكم المسح على الخف خشية البرد في الشتاء

هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية البرد في الشتاء؟ وما كيفية ذلك؟ وما مدته؟

يجوز للمسلم أن يترخَّص بالمسح على الخفين خشية البرد في الشتاء، شريطة أن يُلبَسا بعد كمالِ الطهارةِ التامةِ من الحدثين الأكبر والأصغر، وأن يكونَا طاهرين في نفسهما، وأن يكونا ساترين لمحل غسل الفرض من الرجلين أي: يغطيان الكعبين، وأن يمنعا نفوذ الماء إلى القدم، وأن يكونا ثخينين يُمْكِنُ متابعة المشي عليهما، ويكون المسح بأن يبلّل المسلم يده بالماء ثم يمرّرها على الخف الملبوس مفرجًا أصابعه خطوطًا مرة واحدة بداية من أطراف أصابع الرجل إلى الساق، وذلك مدة يوم وليلة إن كان مقيمًا، وثلاثة أيام ولياليها إن كان مسافرًا.

المحتويات

 

المسح على الخفين من مظاهر رفع المشقة في الشريعة الإسلامية

قامت الشريعة الإسلامية على أساس اليُسر والتخفيف ورفع العنت والمشقة عن المكلفين؛ قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، وعن أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» أخرجه الإمام أحمد، والطَّبَراني في "المعجم الكبير".

ومن مظاهر هذا اليسر والتخفيف في الأحكام الشرعية: أنَّها أباحت للمكلف عند الوضوء أن يمسح على الخفينِ رُخصة من الله سبحانه وتعالى له تيسيرًا وتخفيفًا عليه، والأصل في ذلكَ: ما روي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كُنْتُ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. أخرجه الإمام البخاري.

قال الإمام بدر الدين العَيْني في "عمدة القاري" (3/ 102، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه جوازُ وبيانُ مشروعيتهِ] اهـ.

حكم المسح على الخفين

قد اتفق الفقهاء على جواز المسح على الخفين في الحَضَر والسفر للرجال والنساء؛ كما في "التمهيد" للإمام ابن عبد البر (11/ 137، ط. أوقاف المغرب).

والمسح هو: إمرار اليد المبتلَّة بالماء على الشيء بلا تسييل؛ كما في "التعريفات" للجُرْجاني (ص: 211، ط. دار الكتب العلمية).

والخُفُّ هو: نعل مصنوع من الجلد يغطي الكعبين، والكعبان هما: العظمتان البارزتان أسفل الساق على جانبي القدم.

قال الإمام زين الدين ابن نُجَيْم الحنفي في "البحر الرائق" (1/ 173، ط. دار الكتاب الإسلامي): [والخف في الشرع: اسم للمتخذ من الجلد الساتر للكعبين فصاعدًا وما ألحق به، وسمي الخف خفًّا من الخفة؛ لأنَّ الحكم خُفَّ به من الغَسل إلى المسح] اهـ.

كيفية المسح على الخفين

كيفية المسح على الخفين: أن يُبلل -من أراد المسح- يده بالماء ثم يمررها على الخف الملبوس مفرجًا أصابعه خطوطًا مرة واحدة بداية من أطراف أصابع الرِّجْل إلى الساق.

قال العلامة إبراهيم الحلبي الحنفي في "ملتقى الأبحر" (ص: 38، ط. دار البيروتي): [وسنته: أن يبدأ من أصابع الرِّجْل ويمدَّ إلى الساق مفرجًا أصابعه خطوطًا مرة واحدة] اهـ.

شروط المسح على الخفين

قد اشترط الفقهاء لجواز المسح على الخفين عدةَ شروطٍ، منها: أن يُلبَسا بعد كمالِ الطهارةِ التامةِ من الحدثين الأكبر والأصغر، وأن يكونَا طاهرين في نفسهما، وأن يكونا ساترين لمحل غسل الفرض من الرِّجْلين أي: يغطيان الكعبين، وأن يمنعا نفوذ الماء إلى القدم، وأن يكونا ثخينين يُمْكِنُ متابعة المشي عليهما. يُنظر: "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني الحنفي (1/ 9، ط. دار الكتب العلمية)، و"الشرح الكبير" للإمام أحمد الدردير المالكي (1/ 142 ط. دار الفكر)، و"الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" للخطيب الشربيني الشافعي (1/ 193، ط. دار الكتب العلمية)، و"الكافي في فقه الإمام أحمد" لموفق الدين ابن قدامة الحنبلي (1/ 67-68، ط. دار الكتب العلمية).

حكم المسح على الخفين خشية البرد في الشتاء

للمكلف إذا خشي على نفسه أن يصيبه مرض من البرد أثناء فصل الشتاء أن يمسح على الخف بالكيفية السابق ذكرها، إذا توافرت فيه الشروط الشرعية.

أقوال الفقهاء في مدة المسح على الخفين

أما مدة المسح على الخفين، فقد اختلف الفقهاء في تقديرها، فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنَّه مُقَدَّرٌ بِمُدَّةٍ في حق المقيم يومًا وليلة، وفي حق المسافر ثلاثة أيام ولياليها؛ لما روي عن عوف بن مالك رضي الله عنه "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ وَلَيَالِيهِنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ" أخرجه الإمام أحمد في "المسند".

قال الإمام أبو الحسن القُدوري الحنفي في "مختصره" (ص: 17، ط. دار الكتب العلمية): [المسح على الخفين جائز بالسنة من كل حدث موجِب للوضوء إذا لبس الخفين على طهارة كاملة ثم أحدث؛ فإن كان مقيمًا مسح يومًا وليلة، وإن كان مسافرًا مسح ثلاثة أيام ولياليها، وابتداؤها عقيب الحدث] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: 13، ط. دار الفكر): [باب مسح الخف: يجوز في الوضوء للمقيم يومًا وليلة وللمسافر ثلاثة بلياليها من الحدث بعد لبس] اهـ.

وقال الإمام أبو القاسم الخِرَقي في "مختصره" (ص: 16، ط. دار الصحابة): [ومن لبس خفيه وهو كامل الطهارة ثم أحدث مسح عليهما يومًا وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، فإن خلع قبل ذلك أعاد الوضوء] اهـ.

وذهب المالكيةِ إلى أنَّ المسح على الخفين غير مُقَدَّر بِمُدَّة، فله أن يمسح كما شاء، مع ندبِ نَزعِهِ كلَّ جُمُعَةٍ؛ لما روي عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ»، قَالَ أَبو داود: رواه منصور بن المعتَمِرِ، عن إبراهيم التَّيْمِيِّ بإِسناده، قال فيه: "وَلَوِ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا" أخرجه أبو داود.

قال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (1/ 154-158 -مع "حاشية الصاوي"-، ط. دار المعارف): [ولا حد في مدة المسح فلا يتقيد بيوم وليلة، ولا بأكثر ولا أقل خلافًا لمن ذهب إلى التحديد... (ونُدِبَ نزعه كل جمعة أو أسبوع)، يعني أنَّه: يندب نزعه في كل يوم جمعة وإن لم يحضرها كالمرأة] اهـ.

المختار للفتوى في مدة المسح على الخفين

المختار للفتوى هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أنَّ المسح على الخفين في حق المقيم يوم وليلة، وفي حق المسافر ثلاثة أيام ولياليها؛ لأنَّ الشرع الشريف حدد المسح، والحد يمنع المحدود من مشاركة غيره في حكمه، فلا يمسح المقيم ولا المسافر أكثر من المدة التي حُددت له، ولأنَّ المسح إذا كان على حائل يقدَّر بالحاجة من غير مجاوزة كالجبيرة، وحاجة المقيم إلى لبس الخفين لا يستديم في الغالب أكثر من يوم وليلة، والمسافر لا تستديم حاجته فوق ثلاث ليال.

الخلاصة

بناءً على ما سبق وفي السؤال: فيجوز لك أن تترخَّص بالمسح على الخفين خشية البرد في الشتاء، شريطة أن يُلبَسا بعد كمالِ الطهارةِ التامةِ من الحدثين الأكبر والأصغر، وأن يكونَا طاهرين في نفسهما، وأن يكونا ساترين لمحل غسل الفرض من الرجلين أي: يغطيان الكعبين، وأن يمنعا نفوذ الماء إلى القدم، وأن يكونا ثخينين يُمْكِنُ متابعة المشي عليهما، ويكون المسح بأن تبلل يدك بالماء ثم تمررها على الخف الملبوس مفرجًا أصابعك خطوطًا مرة واحدة بداية من أطراف أصابع رجلك إلى ساقك، وذلك مدة يوم وليلة إن كنت مقيمًا، وثلاثة أيام ولياليها إن كنت مسافرًا.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما الحكم لو شككتُ هل بدأتُ المسحَ لصلاة الظهر أو للعصر لكي أحسب المدة، أو شككتُ في كوني بدأتُ المسح في السفر أو الحضر؟ فأنا ألبس الخفَّ وأمسح عليه للصلاة، وعلمتُ أن مدَّةَ المسح عليه يوم بليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.


ما هي مبطلات المسح على الخفين؟ حيث إن هناك رجلًا يقوم بالمسح على الخفين، ولكنه يكون مقيمًا أحيانًا، ومسافرًا في بعض الأوقات، ويسأل: متى يكون المسح على الخفين باطلًا وغير صحيح؟


هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية البرد في الشتاء؟ وما كيفية ذلك؟ وما مدته؟


ما حكم المسح على الجورب الأعلى الملبوس بعد نقض الوضوء؟ فقد توضأَت امرأةٌ ولبِسَت الجورب، ثم انتُقِض وضوؤها، وبسبب شعورها بالبَردِ ارتدت عليه جوربًا آخَر قبل أن تتوضأ، فهل يَصِحُّ مسحُها على الجورب الثاني في هذه الحالة لأداء الصلاة؟


هل أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء؟ فكنت أعمل في إحدى الدول العربية، وفي إحدى المرات دار نقاش بيني وبين بعض أهل البلد التي كنت أعمل بها حول بعض الأمور الدينية، ومنها حكم أكل لحوم الإبل للمتوضئ، وأن بعض أهل هذه البلدة عندهم قناعة بأن أكل رقبة الإبل حرام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع رجله الشريفة عليها. أرجو توضيح الحكم الشرعي في هذه الأمور للأهمية.


ما حكم تيمّم المرأة التي تضع مستحضرات التجميل (المكياج)؟ فهناك امرأة متزوجة منذ خمس سنوات وتستخدم المكياج لتظهر بالمظهر اللائق أمام زوجها، فهل يجوز لها إذا أرادت الصلاة أن تتيمم بدلًا عن الوضوء؛ نظرًا لأنها إذا توضأت اضطرت إلى أن تزيل كل المكياج الذي تزيَّنت به، والذي أنفقت عليه مالًا كثيرًا، ويستغرق وقتًا طويلًا في وضعه؟ أرجو الإفادة، وجزاكم الله خيرًا.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20