.مادة: (غ س ل) تدل في اللغة على تطهير الشيء وتنقيته، والتغسيل: المبالغة في غسل الأعضاء. يراجع: مادة (غ س ل) في "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس (4/ 242، ط. دار الفكر)، و"تاج العروس" للزبيدي (30/ 102، ط. دار الهداية).
وشرعًا: هو سيلان الماء على جميع البدن مع النية. ينظر: "مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشربيني (1/ 212، ط. دار الكتب العلمية).
وتغسيل الميت فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين؛ قال الإمام الدردير في "الشرح الكبير لمختصر خليل" (1/ 407، ط. عيسى الحلبي): [والصلاة عليه فرض كفاية، كدفنه وكفنه] اهـ بتصرف.
وروى البخاري من حديث أم عطية الأنصارية نسيبة رضي الله عنها أنها قالت: توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج، فقال: «اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا -أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ-».
وروى أبو داود عن الحصين بن وحوح رضي الله عنه: أن طلحة بن البراء رضي الله عنه مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال: «إِنِّي لَا أَرَى طَلْحَةَ إِلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ، فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَي أَهْلِهِ».
والأصل في تغسيل المرأة أنها لا يغسلها إلا المرأة؛ لأن الله حرم النظر إلى عورة المرأة وحرم مسها؛ قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ [النور: 30]، وروى الإمام الطبراني عن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه: «لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ».
قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103، ط. المكتب الإسلامي): [الأصل أن يغسل الرجالُ الرجالَ، والنساءُ النساءَ، والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال] اهـ.
فإن لم يوجد نساء يغسلنها، فيغسلها الرجل المحرم كابنها وأخيها؛ لأنه يجوز له النظر إليها، ويجوز مسها في حال الحياة، وذلك فيما عدا العورة المحرمية من السرة إلى الركبة من جهة الأمام ومن جهة الخلف، وبالموت لا ينقطع هذا الجواز، والأفضل أن لا يباشر جسدها، بل يضع خرقة كثيفة يلفها على يده، ويغسلها من تحت ثوب ليمنع النظر.
قال العلامة الخرشي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 117، ط. دار الفكر) وهو يذكر ترتيب من يغسِّل المرأة: [ثم يغسلها المحرم من أهلها الرجال من تحت ثوب؛ ليمنع النظر، ويلف خرقة على يديه غليظة، ولا يباشرها بيده] اهـ.
قال الإمام الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 546، ط. دار المعارف): [ثم إن لم توجد أجنبية غسلها محرم، ويستر وجوبًا جميع بدنها، ولا يباشر جسدها بالدلك، بل بخرقة كثيفة يلفها الغاسل على يده ويدلك بها] اهـ.
وقال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 103-104، ط. المكتب الإسلامي): [الأصل أن يغسل الرجالَ الرجالُ، والنساءَ النساءُ، والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال، وليس للرجل غسل المرأة إلا لأحد أسباب ثلاثة، أحدها: الزوجية، فله غسل زوجته المسلمة والذمية، ولها غسله وإن تزوج أختها أو أربعًا سواها على الصحيح، الثاني: المحرمية، وظاهر كلام الغزالي تجويز الغسل للرجال المحارم مع وجود النساء، لكن لم أر لعامة الأصحاب تصريحًا بذلك، وإنما يتكلمون في التَّرتيب، ويقولون: المحارم بعد النساء أولى، الثالث: ملك اليمين] اهـ.
وعليه: فالأصل أن لا يغسل المرأة إلا مثلها، لكن عند فقد النساء يغسلها المحرم من أهلها الرجال؛ فيجوز حينئذ للرجل أن يغسل أمه، بشرط أن لا يباشر بيده جسدها إلا بخرقة.
والله سبحانه تعالى أعلم.