.من صيغ الذكر التهليل؛ وهو قول: لا إله إلا الله. والتسبيح؛ وهو قول: سبحان الله، أو سبحان الله وبحمده. والتحميد؛ وهو قول: الحمد لله، وغيرها.
والجهر هو: رفع الصوت بحيث يسمع نفسه ومن يليه، وليس لأعلاه حَدٌّ.
والسر: إسماع الشخص نفسه. انظر: "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/ 318، ط. دار المعارف).
وجاءت صيغ الذكر مطلقة من غير تقييد بسرٍّ أو جهر إلا في المواضع التي يستحب الجهر فيها، والمواضع التي يستحب الإسرار فيها، وورد ما يستحب الصمت عنده، وعدم رفع الصوت بذكر ولا نحوه كما في المشي خلف الجنازة فيما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «لا تُتبعُ الجَنازةُ بِصَوتٍ وَلَا نَارٍ».
وروى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: كان يكره أن يتبع الرجل الجنازة يقول: "اسْتَغْفِرُوا لَهُ، غَفَرَ اللهُ لَكُمْ".
وروى ابن أبي شيبة عن بكير بن عتيق قال: "كنت في جنازة فيها سعيد بن جبير، فقال رجل: اسْتَغْفِرُوا لَهُ، غَفَرَ اللهُ لَكُمْ. قال سعيد بن جبير: "لا غفر الله لك".
وروى ابن أبي شيبة عن عطاء أنه كره أن يقول: "اسْتَغْفِرُوا لَهُ، غَفَرَ اللهُ لَكُمْ".
وروى ابن أبي شيبة عن الحسن أنه كره أن يقول: "اسْتَغْفِرُوا لَهُ، غَفَرَ اللهُ لَكُمْ".
وروى ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن حرملة: أنه كان في جنازة فسمع رجلًا يقوله، فقال سعيد بن المسيب: "ما يقول أخوكم هذا؟".
وروى ابن أبي شيبة عن مغيرة قال: "كان رجل يمشي خلف الجنازة ويقرأ سورة الواقعة. فسئل إبراهيم عن ذلك، فكرهه".
وروى ابن أبي شيبة عن أبي أيوب عن أبي قلابة قال: "كنا في جنازة، فرفع ناس من القصاص أصواتهم. فقال أبو قلابة: كانوا يعظمون الميت بالسكينة".
وروى ابن أبي شيبة عن قيس بن عباد قال: "كان أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم يستحبون خفض صوت عند ثلاث: عند القتال، وعند القرآن، وعند الجنائز". ينظر في ذلك كله: "مصنف ابن أبي شيبة" (2/ 473 وما بعدها).
قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (2/ 207، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وينبغي لمن تبع جنازة أن يطيل الصمت، ويكره رفع الصوت بالذكر وقراءة القرآن وغيرهما في الجنازة، والكراهة فيها كراهة تحريم في فتاوى العصر وعند مجد الأئمة التركماني. وقال علاء الدين الناصري: ترك الأولى. اهـ. وفي "الظهيرية": فإن أراد أن يذكر الله يذكره في نفسه؛ لقوله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55]، أي الجاهرين بالدعاء] اهـ.
وقال الإمام الدردير المالكي في "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/ 568، ط. دار المعارف): [وكره صياح خلف الجنازة بـ"استغفروا لها" ونحوه... -ويعقب الصاوي عليه فيقول:- لأنه ليس من فعل السلف] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج شرح منهاج الطالبين" (1/ 360، ط. دار الفكر): [ويكره اللغط -بفتح الغين وسكونها-، وهو ارتفاع الأصوات في السير مع الجنازة؛ لما رواه البيهقي من أن الصحابة كرهوا رفع الصوت عند الجنائز وعند القتال وعند الذكر. قال في "المجموع": والمختار بل الصواب ما كان عليه السلف من السكوت في حال السير مع الجنازة، ولا يرفع صوته بقراءة ولا ذكر ولا غيرهما، بل يشتغل بالتفكر في الموت وما يتعلق به، وما يفعله جهلة القراء بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضوعه فحرام يجب إنكاره، وكره الحسن وغيره قولهم: استغفروا لأخيكم، وسمع ابن عمر رضي الله عنهما قائلًا يقول: استغفروا له غفر الله لكم، فقال: لا غفر الله لك. رواه سعيد بن منصور في "سننه"] اهـ.
وقال العلامة الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (1/ 897، ط. المكتب الإسلامي): [وكره رفع صوت عند رفعها ومع الجنازة، ولو بقراءة أو ذكر؛ لأنه بدعة. وسن لمتبعيها قراءة قرآن وذكر الله سرًّا. وقول القائل مع الجنازة: استغفروا له ونحوه بدعة عند أحمد، وكرهه وحرمه أبو حفص. نقل ابن منصور: وما يعجبني، وروى سعيد أن ابن عمر وسعيد بن جبير قالا لقائل ذلك: لا غفر الله لك] اهـ.
وبناءً عليه: فإن الجهر بالذكر خلف الجنازة مكروه، ويستحب الإسرار به، أو الصمت.
والله سبحانه وتعالى أعلم.