الإثنين 15 ديسمبر 2025م – 24 جُمادى الآخرة 1447 هـ

الطريق الى التراث

الطريق الى التراث

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ومولانا محمد البشير النذير وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

وبعد؛

لقد تباينت مواقف الباحثين والدارسين اليوم حول التعامل مع التراث – بشكلٍ عامٍّ – والإسلاميّ – بشكلٍ خاصٍّ-، فمنهم من ذهب إلى ضرورة التمسك بكلّ ما جاء فيه، واعتباره مقدّسا لا يقبل النّقد أو التقويم، وهذا الموقف قد تبنّاه بعض المعنيّين بالإسلام، ومن ثمّ وجدناهم متخوّفين من التجديد في التراث ومساراته المتعدّدة، وكذا التحذير من كلّ قولٍ أو رأيٍ جديدٍ ليس له سابقة تراثيّة يجري التأسيس عليها، برغم أن الحوادث غير محدودةٍ، والنصوص محدودة.

ويرى هذا الموقف ضرورة العودة إلى التراث والتمسك به ، خاصة أمام تيار التغريب الذي يستند إلى المرجعية الغربية، مما جعل أصحاب هذا الموقف يعملون على الإعلاء من الموروث الثقافي والفكري الذي قام به المسلمون، باعتباره منبعًا أصيلًا مستقلًا بذاته لتشكيل وعي مجتمعي مستقل عن المنظومة الغربية، وقادر على مجابهة محاولات الاختراق الثقافي والفكري، وحصنًا منيعًا لمواجهة اختراقاتها الخارجية المستمرة.

وقد دأبت بعض التيارات الغربية على النيل من الإسلام والنموذج الحضاري العربي الإسلامي بالطعن فيهما، واعتبرتهما سببًا للتخلف والتأخر، في محاولة لإضعاف خصوصية الأمة وهويتها الحضارية، تمهيدًا لتقويضها وفرض البديل الغربي تحت شعارات تشنف الآذان وعناوين براقة.

غير أنّ الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر لم يُسلّم بفكرة الهزيمة الحضارية أمام الغرب، ولم يقرّ بتلك الحملات الممنهجة سياسيًّا وفكريًّا، بل شدد على ضرورة التواصل مع الماضي الحضاري والهوية العقائدية للأمة، معتبرًا هذا الارتباط ركيزة أساسية للانطلاق نحو المستقبل، وفي ضوء التفكك الراهن، تبرز الحاجة الملحة إلى استدعاء هذا الرصيد الحضاري لمواجهة الإشكالية المركزية المتمثلة في الهيمنة الغربية، ولا سيما في بعديها الفكري والثقافي؛ حيث إن الهدف من الاعتزاز بالتراث هو حماية الوعي الجمعي للأمة من الانكسار النفسي أمام التحديات الحضارية المعاصرة. فاستحضار التراث يشكّل آلية دفاعية تسعى إلى بناء حصانة ثقافية في مواجهة التيارات الفكرية الوافدة من بيئات تختلف جذريًّا في منظوماتها القيمية والحضارية. كذلك يسهم في صون الهوية التاريخية للأمة، ومنع ذوبانها في أنماط ثقافية دخيلة قد تهدد مقوماتها الحضارية الأصيلة.

ومنهم من وقف موقف الجاحدين والمعاندين له، يرفضون كلّ ما ورد فيه، وقد تبنّى هذا كثير من المستشرقين والعلمانيّين والملحدين والتغريبيّن، ومن ثمّ أخذوا يطعنون فيه، ويشوّهون صورته، ويتعاملون معه دون إنصافٍ أو موضوعيّةٍ؛ بل ويدعون إلى الذوبان في الآخر والقطيعة التامة.

ومنهم من وقف موقفا انتقائيّا وسطًا، وهذا التيّار الوسطيّ هو المؤهّل لحمل الأمانة، وقد مثّل ذلك المؤسسات الدينية وفي مقدمتها الأزهر الشريف جامعًا وجامعة، ودار الإفتاء المصرية، وكثير من المفكّرين المسلمين، حيث رأوا سلوك السّبيل المعتدل المتوسط بين الذين ذابوا في التّراث، وبين الذين يريدون الخلاص منه ودفنه.

ومن ثمّ فلا بدّ أن يكون التعامل مع التراث على أساسين هما: الحفاظ على الأصول والثوابت المنبثقة من النّصوص القطعيّة، مع الوعي التام بما يستجدّ من الأحداث والنوازل والاجتهاد الملتزم بضوابط النّقل والعقل دون تبديدٍ للثّوابت القطعيّة للتّراث وأصوله؛ لأن التراث الإسلامي في حقيقة أمره ليس مجرد علوم دينية فقط كما يظن البعض، بل هو في صميمه علوم دينية ودنيوية، خصوصًا وأن الإسلام لا يفصل بين الدين والدنيا، بل ينظر إليهما على أنهما وجهان لعملة واحدة.

يقول الإمام الغزالي: «إن مقاصد الخلق مجموعة في الدين والدنيا، ولا نظام للدين إلا بنظام الدنيا، فإن الدنيا مزرعة الآخرة وهي الآلة الموصلة إلى الله عز وجل لمن اتخذها آلة، ومنزلًا لمن يتخذها مستقرًا ووطنا» ([1]).

بجانب هذا فإن التراث الإسلامي عامل رئيس في الإسهام الحضاري للمسلمين، ويظهر ذلك جليًّا حين نعلم أن الحضارة ليست هي التقدم المادي وحده، وإنما لا بد فيها من التقدم في الناحية الروحية والمادية معًا ([2])، وبالتالي فإن أهمية التراث الإسلامي في بناء الحضارة ترجع إلى اعتبارين هامين:

أولهما: حفظ الحضارة من الانهيار.

وثانيهما: دفع عجلة التقدم نحو غاية خيّرة، وهي سعادة الإنسانية.

أما فيما يتعلق بحفظ الحضارة من الانهيار، فإنه يرجع أساسًا إلى أن هذه العلوم التي احتواها التراث الإسلامي تزيل روح الشر من النفوس، وأهم هذه الشرور هو الظلم والعدوان، ومحاولة استعباد الناس، واستغلالهم لمآرب ذاتية» ([3]).

ولهذا يقول ابن خلدون عن دور هذه الشرور في هدم العمران: «اعلم أنّ العدوان على النّاس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أنّ غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم، وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السّعي في ذلك، وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرّعايا عن السّعي في الاكتساب، فإذا كان الاعتداء كثيرا عامّا في جميع أبواب المعاش، كان القعود عن الكسب كذلك؛ لذهابه بالآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها، وإن كان الاعتداء يسيرا كان الانقباض عن الكسب على نسبته، والعمران ووفوره ونفاق أسواقه إنّما هو بالأعمال، وسعي النّاس في المصالح والمكاسب ذاهبين وجائين، فإذا قعد النّاس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران، وانتفضت الأحوال، وابذعرّ النّاس في الآفاق من غير تلك الإيالة في طلب الرّزق فيما خرج عن نطاقها، فخفّ ساكن القطر، وخلت دياره، وخرجت أمصاره، واختلّ باختلاله حال الدّولة والسّلطان» ([4]).

ويقول الإمام الماوردي: «وليس شيء أسرع في خراب الأرض ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور؛ لأنه ليس يقف على حد ولا ينتهي إلى غاية، ولكل جزء منه قسط من الفساد حتى يستكمل» ([5]).

كما يشير جوستاف لوبون إلى سبب آخر من أسباب انهيار الحضارة وهو الانحطاط الأخلاقي حيث يقول: «ونحن إذا بحثنا في الأسباب التي أدت بالتتابع إلى انهيار الأمم، وجدنا أن العامل الأساسي في سقوطها هو تغير مزاجها النفسي تغيرًا نشأ عن انحطاط أخلاقها» ([6])، ومما لا شك فيه أن التراث الإسلامي بما يحويه من علوم شرعية وأخرى تخدم الدين هي الكفيلة بالمحافظة على الأخلاق من الانهيار، وتزيل من النفوس روح الظلم والطغيان والاستعلاء والاستكبار.

قال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص:83).

وإذا كان الغرب عرف قيمة هذ التراث الإسلامي وأفاد منه، باستخلاص معطياته والانتفاع بها، فالمسلمون أولى بذلك وأحق، فإنه لا غنى لأي مسلم اليوم عن التراث الفقهي – على سبيل المثال - في تصحيح عباداته ومعاملاته، إذ إنه يغطي معظم حاجاتنا المعاصرة في هذا المجال الفقهي، بما أنجزه أسلافنا مما كان موضع الإعجاب والفخر.

ويمكن تلخيص قيمة التراث الإسلامي وأهميته فيما يلي:  

- يعد التراث الإسلامي ركنًا أساسًا وفاعلًا في ثقافة الأمة الإسلامية.

- يمثل التراث للأمة الإسلامية خزانة الخبرات والعبر التي يجب على الأمة الاستبصار بها في تعاملها مع حاضرها ومستقبلها.

- التراث الإسلامي محرك ودافع للأمة الإسلامية نحو نهضتها، واستعادة مكانتها، وقيادة ركب الإنسانية كما قادتها من قبل.

- إحياء التراث يوجِد جسورًا من التواصل بين الجيل الحاضر وبين الأجيال التالية؛ فيجعل بناء الأمة متماسكاً ومتناسقًا كل حلقة فيه تفضي لما يليها، وينتج عن هذا الترابط في بناء الأمة حمايتها من محاولات الاختراق والهدم، ويمنحها حصانة ذاتية تحول بينها وبين أية عملية تسلل غريبة تفسد كيان الأمة أو تمزق روابطها.

ومن قيمة التراث أنه مستودع لتجارب الأمم، وبه يعرف كيفية مواجهة الأمة للأزمات الداخلية، وصراعاتها مع الأعداء الخارجيين، وبذلك تأخذ من التراث الدروس التاريخية البالغة الأهمية للأجيال المعاصرة، وكيفية مواجهة التحديات الداخلية والخارجية ([7]).

ومع هذه القيمة للتراث الإسلامي إلا أنه ليس فيه الحلول الجاهرة والسريعة لمشكلاتنا الحالية، وإنما فيه الأصول الهادية إلى ذلك، شريطة أن تفهمه الأمة الإسلامية، وتتفاعل معه ([8]).

وهي التي عبر عنها ابن رشد الحفيد الفيلسوف المسلم بقوله: «ننظر في الذي قالوه من ذلك وما أثبتوه في كتبهم؛ فما كان منها موافقًا للحق قبلناه منهم وسُررنا به وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق نبَّهْنَا عليه وحذرناهم منه وعذرناهم» ([9]).

ويقول الكندي: «وينبغي لنا ألّا نستحي من استحسان الحقِّ، واقتناء الحقِّ من أين أتى، وإنْ أتى من الأجناس القاصية عنَّا والأُمم المباينة لنا، فإنه لا شيءَ أوْلَى بطالبِ الحقِّ من الحقّ، وليسَ ينبغي بَخْسُ الحقِّ، ولا تصغيرٌ بقائله ولا بالآتي به، ولا أحدٌ بخسَ بالحقِ، بل كلٌّ يشرفهُ الحقُّ» ([10]).

فهذه المنهجية التي ينبغي اعتمادها في التعامل مع تراثنا العربي والإسلامي حتى نستفيد منه فهو «تراث غني، تشكل عبر ألف وأربعمائة سنة، ويحمل بصمات كل تلك القرون وإشكاليتها ووعيها بزمنها وعبقرية وقصور أصحابها في الوقت ذاته» ([11]).

وليست الدعوة إلى ضرورة العودة إلى التراث عودة صحيحة بدعا من الدعوات؛ «لأن الأمم المتميزة والفاعلة في مسارات الوجود الإنساني ذوات خبرات تاريخية كبرى، وهي مجمعة على التمسك بتراثها، والاعتزاز به بكل ما يحمله من عطاء ديني وروحي، وعقلي وفني ومدني، بل إن كثيراً من الأمم تضفي على تراثها هالة تبجيل وتعظيم تصل أحيانا إلى درجة القداسة» ([12]).

فالتعامل الصحيح مع التراث وفق هذه المنهجية العلمية يضمن للأمة الإفادة القصوى من تاريخها، ليكون لها عبرة وعظة من أحداثه، تتقوى به في مسيرتها، وتتجاوز به جوانب القصور والخلل.     

وهذه هي المنهجية المتوازنة في التعامل مع جوانب التراث المتعددة لا بالنفي الكلي، ولا بالتعصب للآباء بغير وعي، ولا بالانتقاء العشوائي المتخبط، وإنما بالمعيار الذي يفرز السليم من غيره؛ ليستثمر الأول، ويتقي آفة الآخر ([13]).  

لكل هذا كان هذا المؤَلَّف النفيس الموسوم بـــ (الطريق إلى التراث)، لفضيلة الأستاذ الدكتور/ علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق - عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

والذي ابتدأه مؤلفه بمقدمة أفصح فيها عن كُنْهِ كتابه، ومبدئه ومآله، معلنًا أنه عبارة عن مجموعة من المحاضرات، والتي قد ألقيت على مجموعة من الباحثين النابهين في العلوم الاجتماعية والإنسانية لاسيما من خريجي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة؛ ابتغاء أن يتصلوا بالتراث الإسلامي ومناهجه، وقواعده، وطرق فهمه... إلخ.

مقررًا: أن بناء الجسور مه هذا التراث تمكن من الاستفادة منه، كما تمكن من نقده؛ ببيان إيجابياته وسلبياته، وتمكن- أيضًا- من وضع المعايير المناسبة له، وتعين على فهمه بعمق يسعى إلى معرفة الحقيقة على ما هي عليه.

ثم قسمه إلى أقسام، وجاء القسم الأول بعنوان: «مداخل إلى العلوم التراثية الإسلامية»، وقد مهد له بما يجب أن يتوفر إزاء ذلك من ضرورة الفهم الصحيح للموروث الفكري، والتراث العلمي، منوها بأنه إما مصادر أصلية، أو نتاج بشري، مسجلا أن ما نريده في البداية هو الفهم الصحيح، وليس النقد أو التجريد أو التطبيق.

ثم تطرق إلى ارتسام الحدود التي لابد من المعرفة بها، والالتزام بمقتضاها، في مطالعة التراث، ألا وهي:

أولًا: اللغة العربية مقررًا أنها وعاء المنطق العربي المتصل بالفطرة الإسلامية.

ثانيًا: الإجماع، معلنا أنه لا يجوز خرقه أو تجاهله بالنسبة إلى الساعي.

ثالثًا: المقاصد الكلية للشريعة، والتي تتمثل في: حفظ الدين، والنفس، والعِرض، والعقل، والمال.

رابعًا: النموذج المعرفي، منوها أنه ما يسمى بالعقيدة أو الرؤية الكلية.

خامسًا: القواعد الفقهية، أو المبادئ العامة للشريعة.

ثم تحدث عن النموذج المعرفي الإسلامي، وهو ما يعبر عنه بالعقيدة، وهي كل ما يتصل بالذات الإلهية، ومن شأنه أن يقدم الإجابات الملحة فيما يتعلق بذلك. عاقدًا بعض الفروق بين هذا النموذج الإسلامي وبين النموذج الغربي.

وقد اقتضى الحال عرض تساؤل مفاده: لماذا نعيد صياغة المنظور الإسلامي من الأصل؟

ثم جاء الجواب مصرحًا بأن ذلك من أجل الدعوة، وفهم أعمق مبادئها، في سبيل إقامة حوار بناء من الآخر؛ كي يغترف من خيرها، وينهل من فيض عطائها.

ومن هنا عرَّج على أهمية تجديد الفكر الديني والخطاب الديني.

ثم تطرق عناصر العقلية التراثية، معلنا أنه لابد أولا من فهم الرؤية الكلية لمنتجي هذا التراث.

ثم ساق الروابط الملموسة بين النتاج التراثي وبعض مصطلحاته، وبين بعض الأدلة المادية والشواهد الواقعية.

ثم طرح سؤالًا مفاده: من أين جاء العقل المسلم التراثي بهذا المردود والأحكام التي حكم بها على الوجود، بل وعلى الغيب من ورائه؟! وقد قدم فيه أبدع الإجابات، المدعومة بأبرز الحقائق والبينات.

ثم تناول طرفًا من الصعوبات في الطريق (المفاهيم الملتبسة) وهي تلك التي تواجه عقل الباحث، أو طالب العلم المعاصر عند الاقتراب من تراثه، وقد حصرها في أمرين:

الأمر الأول: وهو يتعلق بالباحث نفسه، وتتمثل في ضآلة المعرفة بمعلومات التراث في جزئياته وكلياته.

الأمر الثاني: وهو يتعلق بالمسافة بين التراث وبين العلم الحديث.

وقد عالج ذلك بأسمى ألوان التصدي، وأبرز أنماط المواجهة.

ثم قام بإبراز أدوات التعامل مع العلوم التراثية لتأسيس (الفهم)، وهي تتمثل في مكونين رئيسين:

الأول: عناصر الرؤية للعالم الخارجي.

ثانيًا: الفلسفة اللغوية.

ومن هنا ألقى الضوء على قضية دلالة الألفاظ، ثم المكون الأساس للكلمة وهو الحرف، فتطرق إلى نوعيه: حروف المباني، وحروف المعاني، وشرع في شرح كلٍّ، مقررا أهمية العلم بذلك، ومبرزا دور الأئمة في هذا الصدد.

ثم عرض لأول أحوال اللفظ (الاشتقاق)، مبرزا واقع اللفظ بين الاشتراك والارتباط والافتراق، ثم واقعه بين الحقيقة والمجاز.

ومن اللفظ إلى الجملة؛ ومن ثَمَّ فتطرق إلى التركيب للجملة العربية، مسجلا أنها تتكون من ركنين ظاهرين وركن ثالث خفي، فالأول هو المسند إليه، وله أسماء أخرى بحسب اصطلاح أهل كل فن، فيعرف- أيضًا- بالمبتدأ في الجملة الاسمية، وبالفاعل في الجملة الفعلية، وبالموضوع.. إلخ.

والركن الثاني، وهو المسند، ومن أسمائه: الخبر في الجملة الاسمية، والفعل في الجملة الفعلية، والمحمول.. إلخ.

أما الركن الثالث: فهو الإسناد، وهو عبارة عن الرابطة بين المسند والمسند إليه. وفي بعض الأحيان يطلق عليه النسبة، أو العلاقة، أو الحكم، أو الحمل، أو الخبر، أو الوصف.. إلخ. ومن هنا شرع في نبذة عن علم النحو، ثم البلاغة.

ثم جاء القسم الثاني بعنوان: (نظريات أصول الفقه رحلة في العقلية العلمية التراثية)، وقد صدره بمقدمتين:

الأولى: في المدخل التراثي للعلوم.

وفيه تطرق إلى المبادئ العشرة اللازم معرفتها قبل البدء في دراسة أي علم، وهي تتمثل في: الحد، والموضوع، والثمرة، والغاية، والنسبة، والواضع، والاسم، والاستمداد، وحكم الشارع، ومسائل ذلك العلم.

الثانية: نظريات أصول الفقه: عرض جديد.

الثالثة: قضية «الحكم» عند الأصوليين.

وقد قرر بعد ذلك: أن علم أصول الفقه هو المنهج الذي يوازي المنهج التجريبي في عالم الفيزياء؛ فأصول الفقه هو منهج المسلمين في الوصول إلى الحقيقة أو الحق في مجال الوحي.

ومن ثم فقد اقتضى الحال التعريف بالأدلة الشرعية التي هي من أبرز أعمدة علم أصول الفقه، متناولًا بإجمال مكانتها، وحجيتها، وخصائصها، مبرزًا أوجه الحاجة إليها.

وفي تسلسل عقلي إبداعي اقتضى الحال التطرق إلى مسألة هي من الأهمية بمكان لا يرام، ألا وهي: التعارض الظاهري بين الأدلة، ومعايير فك ذلك التعارض.

ثم جاء القسم الثالث: وعنوانه: (معالم التعامل مع القرآن والسنة والتراث «مداخل منهاجية، ومحاولة تطبيقية»).

وقد صدره بــــ آلية التعامل مع القرآن الكريم، محددا ضوابط فهمه، ثم آلية التعامل من السنة النبوية، ثم آلية التعامل مع أصول الفقه.

وجدير بالذكر: أن هذا المؤلف يُعَدُّ سفرًا نفيسًا، وعملًا مميزًا فريدًا، وذلك في عبارةٍ واضحةٍ وأسلوبٍ بليغٍ؛ فجزى الله صاحبه خير الجزاء وجعل ذلك في ميزان حسناته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

([1])  إحياء علوم الدين، الإمام الغزالي، 1/12، دار المعرفة، بيروت.

([2])  ينظر: التواصل الحضاري والحفاظ على الذاتية، د. سعد الدين السيد صالح، صـ21.

([3])  التربية الإسلامية ودورها في بناء الحضارة الإسلامية، د. محمد حسانين البطح، صـ298، حولية كلية أصول الدين، العدد العاشر، 1993م.

([4])  مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون، تحقيق: خليل شحادة، صـ354، دار الفكر، بيروت، ط:2، 1408 هـ = 1988 م.

([5])  أدب الدنيا والدين، الإمام الماوردي، صـ 139، دار مكتبة الحياة، 1986م.

([6])  السنن النفسية لتطور الأمم، صـ972.

([7]) ينظر: التراث الإسلامي: مفهومه -خصائصه- الاختلاف المنهجي في قراءته، د. خالد محمد حمدي، صـ19-21.

([8])  ينظر: التراث الإسلامي: مفهومه – خصائصه – الاختلاف المنهجي في قراءته، د. خالد محمد حمدي، صـ19 -21.

([9]) فصل المقال، ابن رشد، ط2، دار المعارف، ص28.

([10]) ينظر: رسائل الكندي الفلسفية، تحقيق: محمد أبو ريدة، دار الفكر، ص102.

([11]) ينظر: التراث وإشكالياته الكبرى نحو وعي جديد بأزمتنا الحضارية، جاسم سلطان، صـ25، الشبكة العربية للأبحاث، 2015م.

([12]) الغارة على التراث، جمال سلطان، صـ6.

([13]) التراث الإسلامي: مفهومه – خصائصه – الاختلاف المنهجي في قراءته، د. خالد محمد حمدي، صـ49-50.

 

تصفح الكتاب

مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20