01 يناير 2017 م

العدل

العدل

العدل من القيم الرفيعة السامية التي اتسمت بها الحضارة الإسلامية، والعدل هو ميزان الكون وأساس الملك، وقد فرضه الله تعالى في كل الكتب المنزلة، واتفقت البشرية في قوانينها الوضعية على وجوب تحقيقه والتزامه وبناء الأحكام عليه، وكلما تحققت الأمم بالعدل ارتقت حضاريًّا، وكلما فشا الجور والظلم في أمة تخلفت وسقطت في درك الشقاوة والفقر والتخلف والجهل، ولقد أوصى القرآن الكريم بالعدل وألزم الناس حاكمين ومحكومين به، فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: 58]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]. والعدل لا يكون عدلًا إلا إذا كان قانونًا ساريًا على الجميع دون استثناء، وقد بيَّن الحبيب صلى الله عليه وسلم أن من أسباب هلاك الأمم إقامة العدل والحد وتطبيق القانون على الضعيف دون الشريف، وعلى الفقير دون الغني، وأول من ألزمه الرسول صلى الله عليه وسلم معنى العدل ألزم به ذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم، فلقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الناس ذات يوم وقال: «يا أيُّها النَّاسُ، إِنَّهُ قد دنى مِنِّي خفوف مِن بينِ أظهُرِكُم، فمن كُنتُ جلدتُ لهُ ظهرًا فهذا ظهرِي فليستقِد مِنهُ، ومن كُنتُ شتمتُ لهُ عِرضًا فهذا عِرضِي فليستقِد مِنهُ، ومن كُنتُ أخذتُ لهُ مالًا، فهذا مالِي فليستقِد مِنهُ ولا يقُولنَّ رجُل: إِنِّى أخشى الشَّحناء مِن قِبلِ رسُولِ اللَّهِ، ألا وإِنَّ الشَّحناء ليست مِن طبِيعتِي، ولا مِن شأنِي، ألا وإِنَّ أحبَّكُم إِليَّ من أخذ حقًّا إِن كان، أو حلَّلنِي فلقِيتُ اللَّه وأنا طيِّبُ النَّفسِ. رواه الطبراني في "الأوسط" والبيهقي في "الدلائل". وألزمه كذلك ابنته فاطمة رضي الله عنها فقال فيما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها: «وايمُ اللَّهِ لو أنَّ فاطِمة بِنت مُحمَّدٍ سرقت لقطعتُ يدها». لأن العدل لا يكون عدلًا حقًّا ولا يحقق مقاصده السامية إلا إذا طبق على الموافق والمخالف والقريب والبعيد على السواء، فلقد طبقه النبي صلى الله عليه وسلم لصالح غير المسلمين، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة واستلم مفاتيح الكعبة وكانت السقاية في قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم، والحجابة في بني شيبة، وأراد العباس رضي الله عنه أن يجمع بين شرفي السقاية والحجابة معًا لبني هاشم، فرفض النبي صلى الله عليه وسلم وقال: خُذُوها يا بنِي أبِي طلحة تالِدةً خالِدةً، لا ينزِعُها مِنكُم إِلَّا ظالِم، ودعا عثمان بن طلحة وأعطاه مفتاح الكعبة. وتحاكم يهودي ومسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الحق لليهودي فحكم له على حساب المسلم، ومن الوثائق الخالدة التي أرست معنى العدل في قوانين الإسلام كتاب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري في القضاء: عن أبِي الملِيحِ الهُذلِيِّ قال: كتب عُمرُ بنُ الخطَّابِ إِلى أبِي مُوسى الأشعرِيِّ: "أمَّا بعدُ فإِنَّ القضاء فرِيضة مُحكمة وسُنَّة مُتَّبعة، فافهم إِذا أُدلِي إِليك بِحُجَّةٍ، وأنفِذِ الحقَّ إِذا وضح، فإِنَّهُ لا ينفعُ تكلُّم بِحقٍّ لا نفاذ لهُ، وآسِ بين النَّاسِ فِي وجهِك ومجلِسِك وعدلِك حتَّى لا ييأس الضَّعِيفُ مِن عدلِك ولا يطمعُ الشَّرِيفُ فِي حيفِك، البيِّنةُ على منِ ادَّعى واليمِينُ على من أنكر، والصُّلحُ جائِز بين المُسلِمِين إِلَّا صُلحًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا. لا يمنعُكُ قضاء قضيتهُ بِالأمسِ راجعت فِيهِ نفسك وهُدِيت فِيهِ لِرُشدِك أن تُراجِع الحقَّ فإِنَّ الحقَّ قدِيم ومُراجعة الحقِّ خير مِن التَّمادِي فِي الباطِلِ» رواه الدارقطني والبيهقي في "سننيهما".

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 92]، وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».


اهتمت الحضارة الإسلامية بإعمار الأرض انطلاقًا من المنظور القرآني لوظيفة الإنسان في الكون وفي الحياة؛ وهو الاستخلاف في الأرض لعمارتها وإقامة عبادة الله عز وجل في ربوعها، فالإنسان هو خليفة الله في أرضه؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]، وقال تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ﴾ [ص: 26] وقال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ [هود: 61]. ونهى الله تعالى الإنسان


لم تكن الرِّسالةُ الإِسلاميَّة داعيةً للانغلاق والانكفاء على الذَّات، بل إنَّ هذا الانغلاقَ والانكفاءَ يتناقضُ مع كونها دعوةً للعالمين، تخاطب كافَّة الأجناس وتتواصل مع مختلف الثَّقافات، وهذا التَّواصل مُنبنٍ على أساسٍ راسخٍ من رؤية نقيَّةٍ للكون والحياة والوجود، ثم بعد ذلك يمكن أن يتم تطعيم أدوات هذه الرؤية ووسائلها بما توصَّلت إليه من أدوات ووسائل تنفع ولا تخالف هذه الرؤية الذَّاتيَّة الإسلاميَّة.


علم الحيل هو الاسم العربي لما يُسمَّى بعلم الميكانيكا، والهدف منه معرفة كيفية الحصول على فعلٍ كبيرٍ بجهدٍ يسيرٍ، ولهذا سمَّاه العرب بالحيل، أي استخدام الحيلة مكان القوة، والعقل مكان العضلات، والآلة بدل البدن. وقد كان لِقِيَمِ رسالةِ الإسلام وآدابها دورٌ كبيٌر في دفع المسلمين للاهتمام بهذا العلم وتطوير الآلات لتوفير المزيد من الإمكانات والطاقات، فإذا كانت الحضارات الأخرى قد اعتمدت على السُّخرة في تحصيل المنافع للنُّخَبِ والطَّبقاتِ العُليا بها من الحكام والأمراء وذوي الجاه، فإنَّ الإسلامَ نهى عن التَّكليفِ بما لا يطاق، وإرهاق الخدم والعبيد، بل والحيوانات أيضًا، فبدت الحاجة ملحَّةً في استخدام آلاتٍ توفِّرُ الجهد والطَّاقة وتحقِّقُ إنتاجًا كبيرًا بأقل مجهود ممكن.


كانت الخرائط في العصور القديمة محدودة المجال والمساحة الجغرافية وغير دقيقة وكانت آثارها ماثلة في ألواح الفخار أو أوراق البردي، وكان التصور السائد عند كثيرين أن الأرض عبارة عن قرص دائري تحيط به المياه من كل جانب، ولكن اعتناء المسلمين الخاص بهذا الفن من فروع علم الجغرافيا قد أكسبه مذاقًا خاصًّا، ودفع به قُدُمًا نحو مزيد من تغطية المساحات المكتشفة والمرسومة بقدر كبير من الدقة والضبط والحرفية.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 55
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :31