02 مايو 2017 م

حسن الظن

حسن الظن

 تؤثر التجارب والمواقف التي يتعرض لها الإنسان في حياته على تعامله مع الآخرين في المجتمع، وكثيرًا ما تؤثر هذه التجارب المعيشية على المرء بالسلب، فتجعله متوجِّسًا من غيره، متخوفًا من التعامل مع الآخرين، فيعيش في حالة من الظَّنِّ السيء، وهي حالة سلبية إن انتشرت في مجتمع؛ تعطلت فيه المصالح، وتراجع فيه التعاون والتعاضد والبذل والعطاء.
لذلك فإن الله سبحانه وتعالى يربينا على حسن الظن؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات: 12]، يقول الإمام الطاهر بن عاشور: "في قوله تعالى: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ تأديب عظيم يُبْطِلُ ما كان فاشيًا في الجاهلية من الظنون السيئة والتهم الباطلة، وأن الظنون السيئة تنشأ عنها الغيرة المفرطة والمكائد والاغتيالات، والطعن في الأنساب، والمبادأة بالقتال حذرًا من اعتداء مظنون ظنًّا باطلًا، وما نجمت العقائد الضالة والمذاهب الباطلة إلا من الظنون الكاذبة؛ قال تعالى: ﴿يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: 154]".
ويحثنا الله على حسن الظن به سبحانه حين ينبهنا إلى أهمية هذا الإحسان في الظن بالله لنَيْلِ ما نرجوه من جزاء؛ فيقول فيما يذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث القدسي: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» متفق عليه، أي أعمل به ما ظنَّ أني عامل به، فإذا ظن العبد أن الله سيغفر له؛ فإن الله يغفر له، والعكس بالعكس، وفي الحديث النبوي: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ» رواه مسلم.
وإحسان الظن أمر يتواجد بالارتباط الذي يولِّدُ الثقة، فكأن التوجيه النبوي بحسن الظن يتضمن توجيهًا لازمًا للعبد بالرجوع إلى الله والارتباط به، مهما بلغت ذنوب العبد وكثرة وقوعه في المخالفات.
إن من يتأمَّل في هذا الخلق الرفيع، يدرك أهميته في حياة المرء، وأنه لا سبيل إلى استقرار المجتمع إلا به، ولا إمكان لتقدم المجتمع إلا بانتشاره ورسوخه بين أفراده، وأن فقده يعطل المجتمع عن العمل النافع، وتنتشر في أوصاله العداوة والبغضاء؛ ولذا حذر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا من هذا المزلق الخطير، فقال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا» رواه البخاري، وفي الأثر كما يروي البيهقي في "شعب الإيمان" من نصائح بعض الصحابة قوله: "وَضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ مَا لَمْ يَأْتِكِ مَا يَغْلِبُكَ، وَلَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ شَرًّا وَأَنْتَ تَجِدُ لَهُ فِي الْخَيْرِ مَحْمَلًا".
بيد أن المسلم عليه أن ينتبه إلى ألَّا يكون حسنُ الظنِّ سبيلًا إلى ضياع الحقوق أو فساد الأعمال أو مدخلًا إلى إضفاء صفات على أشخاص لا يستحقونها بدعوى حسن الظن، فإن سوء الظن يكون أحيانًا من حسن الفطن، خاصَّة إن تعلق سوء الظن بعدو سافر العداوة، أو منحرف ذاع اشتهاره بالمعصية والاعوجاج عن الطريق المستقيم، أو مخادع تكررت ألاعيبه للإيقاع بين الناس ونشر الفتنة في المجتمع؛ ففي تكملة الأثر السابق: "وَمَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهَمِ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ"؛ لأنه هو الذي يثير الشكوك بسبب أفعاله، ومن دلالة قوله تعالى ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ أن ليس كلُّ الظن إثمًا، وأن بعضه مطلوب في بعض الأحوال كما ذكرنا.
وفي الهدي النبوي أيضًا تنبيه على هذا الأمر؛ فحين مات عثمان بن مظعون في بيت أم العلاء، قالت حين دخل رسول الله: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ، فلم يُسلِّم لها رسول الله بهذا القول مباشرة، بل قال لها: «وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ؟» فقالت: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللهُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَّا هُوَ فَوَاللهِ لَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ، وَوَاللهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَاذَا يُفْعَلُ بِي» فقالت أم العلاء: وَاللهِ لاَ أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا. رواه البخاري.
ويُنسب إلى سيدنا عمر بن الخطاب أنه كان يقول عن نفسه: "لست بخبٍّ، والخبُّ لا يخدعني"؛ أي لست بمخادع، والمخادع لا يستطيع أن يخدعه.
فلنوطِّن أنفسنا على حسن الظن بالله تعالى وبالمؤمنين، حتى يشعر جميع أفراد المجتمع بالثقة والطمأنينة، ويترسَّخ بينهم التعاون المثمر والتشارك البنَّاء، وفي الوقت ذاته يكونون على حذر مما يكسر وحدتهم وينقُضُ اجتماعهم ويُغْرِي بينهم العداوة والبغضاء.
المصادر:
- "التحرير والتنوير" للطاهر بن عاشور (26/ 251).
- "عيون الأخبار" لابن قتيبة (1/ 327).
- "شرح صحيح مسلم" للنووي (17/ 210).

تُعَدُّ الغَيْرَةُ من الأخلاق المهمة التي ينبغي على الإنسان المسلم أن يتحلَّى بها، لكن عليه أن يُراعي أن لهذه الغَيرة ضوابط وحدود تجعلها غَيرة نافعة، تحافظ على الفضائل وتأبى الرذائل، أما الغَيرة المذمومة فهي تلك التي تدَّعي الحفاظ على الفضائل، ثم ترتكب في سبيل الحفاظ عليها مخالفات شرعية، كالحقد والحسد والإيذاء والاعتداء على الغير، فينقلب الحفاظ -الزائف- على الفضائل إلى رذيلة بما تتضمنه من مخالفات للشرع الشريف وللآثار النفسية والاجتماعية الضارَّة التي تترتب عليها.


العفو من أخلاق الأنبياء، وهو دليل على كمال الإيمان وحسن الظن بالله تعالى، وهو يثمر محبة الله عز وجل ثم محبة الناس، وهو دليل على كمال النفس الإنسانية ويفتح الطريق لغير المسلمين للتعرف على الإسلام . والعفو هو كف الضرر مع القدرة عليه، والفرق بينه وبين الصفح كما يقول الفيروز أبادي: أن الصفح أبلغ من العفو، فقد يعفو الإنسان ولا يصفح، وصفحت عنه: أوليته صفحةً جميلة. [بصائر ذوي التمييز


والصِّدِّيق: الرَّجل الكثير الصدق، وهو من أخلاق الأنبياء عليهم السلام، قال تعالى في حقِّ إبراهيم عليه السلام﴿إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا﴾ [سورة مريم: 41]، وقد أمر الله تعالى بالصدق فقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119] . وعن أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم، فكان يُلقب قبل البعثة بالصادق الأمين، فعن عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]، صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ


الله سبحانه وتعالى رفيقٌ بعباده؛ يحب منهم الطاعة التي أوجب عليهم، ويكره لهم المعصية التي حرَّم عليهم، يحب لهم النَّعيم الذي وعد به الصالحين، ويكره لهم النار التي توعَّد بها المفسدين، والله تعالى يَغَار، وغيرتُه تعالى أن ينتَهِكَ العبدُ ما حرَّم الله عليه.


مَنَحَ الله الإنسانَ نعمًا شتى لا تحصى، ومِنْ شُكْرِ الله على نِعَمِه استخدامها فيما أمر به، وإمساكها عن ما نهى عنه، واللسان من هذه النعم العظيمة، التي يعبر بها الإنسان عن نفسه وأفكاره وأحواله المختلفة، فبه ينطق بكلمة الإيمان


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 02 مايو 2025 م
الفجر
4 :36
الشروق
6 :11
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :58