الثلاثاء 16 ديسمبر 2025م – 25 جُمادى الآخرة 1447 هـ
02 مايو 2017 م

حسن الظن

حسن الظن

 تؤثر التجارب والمواقف التي يتعرض لها الإنسان في حياته على تعامله مع الآخرين في المجتمع، وكثيرًا ما تؤثر هذه التجارب المعيشية على المرء بالسلب، فتجعله متوجِّسًا من غيره، متخوفًا من التعامل مع الآخرين، فيعيش في حالة من الظَّنِّ السيء، وهي حالة سلبية إن انتشرت في مجتمع؛ تعطلت فيه المصالح، وتراجع فيه التعاون والتعاضد والبذل والعطاء.
لذلك فإن الله سبحانه وتعالى يربينا على حسن الظن؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات: 12]، يقول الإمام الطاهر بن عاشور: "في قوله تعالى: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ تأديب عظيم يُبْطِلُ ما كان فاشيًا في الجاهلية من الظنون السيئة والتهم الباطلة، وأن الظنون السيئة تنشأ عنها الغيرة المفرطة والمكائد والاغتيالات، والطعن في الأنساب، والمبادأة بالقتال حذرًا من اعتداء مظنون ظنًّا باطلًا، وما نجمت العقائد الضالة والمذاهب الباطلة إلا من الظنون الكاذبة؛ قال تعالى: ﴿يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: 154]".
ويحثنا الله على حسن الظن به سبحانه حين ينبهنا إلى أهمية هذا الإحسان في الظن بالله لنَيْلِ ما نرجوه من جزاء؛ فيقول فيما يذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث القدسي: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» متفق عليه، أي أعمل به ما ظنَّ أني عامل به، فإذا ظن العبد أن الله سيغفر له؛ فإن الله يغفر له، والعكس بالعكس، وفي الحديث النبوي: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ» رواه مسلم.
وإحسان الظن أمر يتواجد بالارتباط الذي يولِّدُ الثقة، فكأن التوجيه النبوي بحسن الظن يتضمن توجيهًا لازمًا للعبد بالرجوع إلى الله والارتباط به، مهما بلغت ذنوب العبد وكثرة وقوعه في المخالفات.
إن من يتأمَّل في هذا الخلق الرفيع، يدرك أهميته في حياة المرء، وأنه لا سبيل إلى استقرار المجتمع إلا به، ولا إمكان لتقدم المجتمع إلا بانتشاره ورسوخه بين أفراده، وأن فقده يعطل المجتمع عن العمل النافع، وتنتشر في أوصاله العداوة والبغضاء؛ ولذا حذر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا من هذا المزلق الخطير، فقال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا» رواه البخاري، وفي الأثر كما يروي البيهقي في "شعب الإيمان" من نصائح بعض الصحابة قوله: "وَضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ مَا لَمْ يَأْتِكِ مَا يَغْلِبُكَ، وَلَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ شَرًّا وَأَنْتَ تَجِدُ لَهُ فِي الْخَيْرِ مَحْمَلًا".
بيد أن المسلم عليه أن ينتبه إلى ألَّا يكون حسنُ الظنِّ سبيلًا إلى ضياع الحقوق أو فساد الأعمال أو مدخلًا إلى إضفاء صفات على أشخاص لا يستحقونها بدعوى حسن الظن، فإن سوء الظن يكون أحيانًا من حسن الفطن، خاصَّة إن تعلق سوء الظن بعدو سافر العداوة، أو منحرف ذاع اشتهاره بالمعصية والاعوجاج عن الطريق المستقيم، أو مخادع تكررت ألاعيبه للإيقاع بين الناس ونشر الفتنة في المجتمع؛ ففي تكملة الأثر السابق: "وَمَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهَمِ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ"؛ لأنه هو الذي يثير الشكوك بسبب أفعاله، ومن دلالة قوله تعالى ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ أن ليس كلُّ الظن إثمًا، وأن بعضه مطلوب في بعض الأحوال كما ذكرنا.
وفي الهدي النبوي أيضًا تنبيه على هذا الأمر؛ فحين مات عثمان بن مظعون في بيت أم العلاء، قالت حين دخل رسول الله: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ، فلم يُسلِّم لها رسول الله بهذا القول مباشرة، بل قال لها: «وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ؟» فقالت: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللهُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَّا هُوَ فَوَاللهِ لَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ، وَوَاللهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَاذَا يُفْعَلُ بِي» فقالت أم العلاء: وَاللهِ لاَ أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا. رواه البخاري.
ويُنسب إلى سيدنا عمر بن الخطاب أنه كان يقول عن نفسه: "لست بخبٍّ، والخبُّ لا يخدعني"؛ أي لست بمخادع، والمخادع لا يستطيع أن يخدعه.
فلنوطِّن أنفسنا على حسن الظن بالله تعالى وبالمؤمنين، حتى يشعر جميع أفراد المجتمع بالثقة والطمأنينة، ويترسَّخ بينهم التعاون المثمر والتشارك البنَّاء، وفي الوقت ذاته يكونون على حذر مما يكسر وحدتهم وينقُضُ اجتماعهم ويُغْرِي بينهم العداوة والبغضاء.
المصادر:
- "التحرير والتنوير" للطاهر بن عاشور (26/ 251).
- "عيون الأخبار" لابن قتيبة (1/ 327).
- "شرح صحيح مسلم" للنووي (17/ 210).

يعد الاختلاف من سنن الله تعالى في الكون، فكل مظاهر الكون والحياة تُعبِّر عن هذه الحقيقة، فالكون كله في تنوع واختلاف وتباين، سماء وأرض ونجوم وكواكب وجبال وسهول وصحاري ووديان وبحار وأنهار وأنواع لا تعد ولا تُحصى من الأشجار والنباتات والثمار والكائنات الحية على اليابسة أو في المياه، والإنسان كذلك مختلفة أجناسه وأعراقه وألوانه ولغاته، وهو ذكر وأنثى، وينتقل في أطوار مختلفة، من الطفولة إلى المراهقة، إلى الشباب والفتوة، إلى الكهولة إلى الشيخوخة، وعلى مستوى التفكير والإدراك يشعر الإنسان في خاصة نفسه بتغير أطوار فكره ومعرفته وإدراكه لحقائق الأمور وتباين وجهة نظره إزاءها حينًا بعد آخر.


خُلُقُ المُدَاراةِ من الأخلاق المهمَّةِ في إقامة العلاقات الإنسانية التي تنزع فتيل التوتُّر وتدرأُ عواقب الخلاف والشِّقاق وإبداءِ الكراهية، وهي تعني: لينُ القولِ والتَّجاوزِ عن البُغضِ تجاهَ شخصٍ ما في التعامل معه؛ اتِّقاءً لشرِّه وأذاه، دون أن يكون في هذا السلوك موافقة على باطلٍ يقوم به.


الإتقان من الأخلاق والصفات التي وصف الله تعالى بها صُنعَه؛ فقال جل شأنه: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 88]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» رواه الطبراني في "الأوسط"، قال عقبة: [لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامٍ إِلَّا مُصْعَبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: بِشْرٌ] اهـ. والإتقان يعني: إجادة الشيء، والمهارة فيه، وإصلاح الخَلل، والمسلم يجب أن يكون مُتقِنًا، فيُتقن في عمله وسعيه وسائر شؤون حياته، والله سبحانه وتعالى بيَّن لنا وجوه الإتقان في خَلْقِهِ، حتى يكون ذلك مرشدًا


العفو من أخلاق الأنبياء، وهو دليل على كمال الإيمان وحسن الظن بالله تعالى، وهو يثمر محبة الله عز وجل ثم محبة الناس، وهو دليل على كمال النفس الإنسانية ويفتح الطريق لغير المسلمين للتعرف على الإسلام . والعفو هو كف الضرر مع القدرة عليه، والفرق بينه وبين الصفح كما يقول الفيروز أبادي: أن الصفح أبلغ من العفو، فقد يعفو الإنسان ولا يصفح، وصفحت عنه: أوليته صفحةً جميلة. [بصائر ذوي التمييز


الحِلم من الأخلاق الفاضلة الراقية التي حثَّ عليها الإسلام، ورغَّب فيها؛ ذلك أنه من بواعث انتشار المحبة والودِّ والتراحم بين الناس، ومنع أسباب النزاع والخصام بينهم؛ قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63]. وجعل الله الجنة جزاءً لهذا الخلق الرفيع؛ قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۞ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 133-134].


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :44
الظهر
11 : 51
العصر
2:39
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20