06 فبراير 2019 م

حسن المجالسة

حسن المجالسة

مجالسة الناس أمر مباح في الإسلام إذا تحلت بالآداب الشرعية والأخلاق المرعية، وقد تكون مندوبة إذا قُصد بها تحصيل خير ندبه الشرع، وقد تصل إلى الوجوب إذا توقف عليها تحصيل واجب شرعي من جلب مصلحة أو دفع مفسدة؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم ينعزل عن أصحابه، ولم ينعزل عن مجتمعه، بل إنك لو راجعت سيرته العطرة صلى الله عليه وآله وسلم تجد أنفاسه الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم في كل حدث تفوح بين الناس بدلائل الخيرات.
وكذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بالعزلة والانفراد، وإنما كان مجلسُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجلسهم، فلما انتقل لم ينعزلوا، بل ظلت مجالسهم عامرة بذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يَغْمُر أرواحَهم قولُ الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ﴾ [الحجرات: 7]، وما زالت الروايات الصحيحة تحدثنا بمجالسهم الطيبة.
وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» والمخالطة هنا هي المساكنة والمعاملة. والحديث كما قال العلماء يدل على أن المخالط الصابر خير من المعتزل.
ولا يعني هذا ذم العزلة مطلقا، بل إن العزلة يختلف حكمها باختلاف الحال، ولكل حال مقال، حتى قال الإمام أبو حامد الغزالي: "إياك أن تحكم مطلقا على العزلة أو الخلطة بأن إحداهما أولى؛ إذ كل مفصل، فإطلاق القول فيه بـ(لا) أو (نعم) خُلْفٌ من القول محض".
وحسن المجالسة من أخلاق الإسلام التي يجب أن تتزين بها المجالس ويتحلى بها الجالسون، فيُحْسِنُ كلُّ مسلم مجالسةَ أخيه.
ومن مظاهر حُسْن المجالسة اختيار الجليس الصالح الذي يُذَكِّرُ إخوانه دائما بالله تعالى، ويكون عونا لهم على الخيرات، ومعينا على ترك المنكرات، وقد روى الإمام البخاري رضي الله عنه في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً».
والحديث يبين أن المجالس لا تَحْسُنُ إلا بمجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، وأنها تتلوث بمجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة.
وقد روى أبو يعلى في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله أي جلسائنا خير؟ قال: «مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ، وَزَادَ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَذَكَّرَكُمْ بِالْآخِرَةِ عَمَلُهُ». وهو وإن كان في إسناده مقال إلا أنه يعمل به في الفضائل.
ومن مظاهر حسن المجالسة حفظ السر، فإن المجالس بالأمانة، وحفظ السر عموما من الأخلاق الأساسية في الإسلام، وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده والإمام الترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ حَدَّثَ فِي مَجْلِسٍ بِحَدِيثٍ، فَالْتَفَتَ، فَهِيَ أَمَانَةٌ». أَيْ أمانةٌ يستوجب على جلسائه أن يحفظوها ولا ينشروها إن كانت مما يستوجب الكتمان، أو قامت القرينة على رغبة صاحبها في ذلك، ولم يكن أمرا يستوجب التحذير أو الإعلان مع مراعاة خلق الستر وضوابط الأمر بالمعروف والنهي المنكر.
ومن مظاهر حسن المجالسة ألا يُقيم المسلمُ أخاه الذي سبق إلى مكان ويجلس محله، فإن ذلك يؤدي إلى البغضاء وضيق الصدر بين الإخوان مع ما فيه من تعال وكبر، وقد أخرج الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ» وعند الإمام البخاري بزيادة «وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا».
وهذا في المجالس المباحة على العموم كالمساجد ومجالس العلم أو على الخصوص كما في الولائم الخاصة وأما المجالس التي ليس للشخص فيها ملك ولا إذن له فيها فإنه يقام ويخرج منها. والحكمة في هذا النهي منعُ استنقاص حق المسلم والحثُّ على التواضع منعا للبغضاء ونشرا للمحبة.
ولهذا مستثنيات، منها ما ذكره السادة الشافعية من أن الرجل إذا اعتاد في المسجد مثلا موضعا يُفتي فيه أو يقرأ قرآنا أو غيره من العلوم الشرعية فهو أحق به، وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه.
ومن مظاهر حسن المجالسة الاحتفاء بمريدي المجلس بالتوسيع لهم، فمما يُروى عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "مِمَّا يُصَفِّي لَكَ وُدَّ أَخِيكَ.. أَنْ تُوَسِّعَ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ".
وأصل استحباب التوسيع في المجلس مأخوذ من قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ﴾ [المجادلة: 11]، فهذا أمر من الله تعالى للمؤمنين بالتعاطف والتآلف الذي يظهر في إفساح المجالس لإخوانهم؛ ولا يخفى ما في إفساح المجالس من تربية للنفوس على سعة الصدر وحب الخير للآخرين.
المراجع:
1. "إحياء علوم الدين" للإمام أبي حامد الغزالي.
2. "أدب المجالسة وحمد اللسان" لأبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي.
3. تفسير الإمام القرطبي "الجامع لأحكام القرآن".
4. "سبل السلام" للإمام الصنعاني.
5. "سنن الإمام ابن ماجه مع حاشية السندي".
6. "سنن الإمام الترمذي".
7. "شرح الإمام النووي على صحيح الإمام مسلم".
8. "صحيح الإمام البخاري".
9. "فتح الباري" للحافظ ابن حجر.
10. "مسند الإمام أحمد".
 

لا يستغني الإنسان عن العلاقة بغيره، فهو كائنٌ اجتماعيٌ، وخلق الله الناس في حاجةٍ بعضِهم لبعض، ومَنْ مَنَحَهُ الله ميزةً وقدرةً على القيام بأمور معينة مَنَعَهُ القدرة على القيام بأمور أخرى. وإذا كان الإنسان ينشأ في البداية بين أهله وأقربائه عادةً؛ فإنه -بمرور الوقت والاحتكاك بالآخرين- تنشأ له دوائر علاقات أخرى أكثر تنوُّعًا وتشعُّبًا؛ فيحب ويَكره، ويثق ويشك، ويأمِّن ويخوِّن، فيزداد من البعض دُنوًّا وقربًا، ومن آخرين نفورًا وبعدًا، وقد نَبَّهَ القرآن إلى هذه الحقيقة الاجتماعية في التنوُّع والتَّعارف في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].


الصبر من الأخلاق المهمة التي يجب على المسلم أن يتحلَّى بها، وأن يُدَرِّبَ نفسه عليها. ولقد عرَّف بعض العلماء الصبر في أحد تعريفاته: بـ «تجرع المرارة مع السكون». وحياة المؤمن كلها ينبغي أن يكون الصبر محورها، فهو يصبر على طاعة الله تعالى ويصبر أيضًا عن معصيته، كما يصبر على ما يصيبه من ضراء في الحياة الدنيا تبعًا لأقدار الله بحلوها ومرها، لا يجزع ولا ييأس من رحمة الله، ولا يغترَّ بما فيه من نِعم؛ فيزلَّ خائبًا يخسر دنياه وآخرته.


الإنصاف خلق كريم، يُقرِّر حق كل شخص تجاه نفسه وتجاه غيره، فهو تطبيق لقيمة العدل، الذي هو أصل منظور الإسلام للكون والحياة، الذي تقوم عليه فلسفة الإسلام ومنهجه، وهذا الخلق الراقي يقتضي أن ينظر الإنسان إلى نفسه وغيره نظرًا موضوعيًّا متوازنًا، فيعرف حق نفسه عليه، فيما ينبغي أن يوفره لها من علم وقرب إلى الله وسياسة جسده حتى يقوى على تحمل ما يلزمه من واجبات وما يتطلع إلى تحقيقه من طموحات وتقدير ما يمكنه القيام به وما لا يمكنه


قدَّمَ الإسلام نموذجًا فذًّا فريدًا في التعامل مع أتباع غيره من العقائد والديانات؛ فعلى خلاف غيره من بعض العقائد التي تنتشر بين كثيرٍ من البشر، والتي تنظر لغيرها نظرة صراعٍ، وإقصاءٍ، واستئصالٍ، نجد الإسلام يقدم وجهةَ نظرٍ مختلفة، تنطلق من الدعوة منهجًا، للاتفاق مع أتباع غيره على "كلمةٍ سواء" تؤكد على أدنى قدرٍ من الثوابت المهمة التي تجمع بين البشر، وفي الوقت ذاته أيضًا تقوم هذه الرابطة بتقليل فرص النزاع والشقاق.


الإسلام دين المثالية والنزاهة والكمال الإنساني، يأخذ بيد الإنسان لتحصيل الفضائل والوقوف على منطقة الكمال من قواه الإنسانية -العقلية والشهوية والغضبية- فيكون محصلًا لأسمى مكارم الأخلاق، وقد قيل إنه ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، لأن الأمر بالعرف غاية الحكمة التي هي منطقة الكمال في القوة العقلية، والإعراض عن الجاهلين غاية الشجاعة التي هي منطقة الكمال في القوة الغضبية، وأخذ العفو غاية العفة التي هي منطقة الكمال في القوة الشهوية، فالجامع بين أمهات كمالات الإنسان الثلاث: الحكمة والشجاعة والعفة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 18 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :12
الشروق
6 :45
الظهر
11 : 52
العصر
2:39
المغرب
4 : 58
العشاء
6 :21