27 مايو 2019 م

صفة الوجود

صفة الوجود

 أول الصفات الواجب اعتقادها في جانب الحق سبحانه وتعالى صفة الوجود؛ فلولا وجود الله ما وجد من العالم شيء، ولولا وجود الله ما تحرك ساكن ولا سكن متحرك، ولولا وجود الله ما بدأت حياة ولا انتهت أخرى، ولولا وجود الله ما انفلق عن الطين الضعيف شجر، ولا نبت في الشجر الجامد ثمر، ولا تعددت في البشر ألوانهم واختلفت ألسنتهم وتباينت آراؤهم وتنوعت أذواقهم وكلهم من جنس واحد وأفراد لنوع واحد.
وإن العقل ليقضي بأن أحق من يوصف بالوجود ويُنادى بالموجود هو من منح غيره الوجود، ووهبه الحياة، وتكرم عليه بالمنن، وليس ذلك إلا لله رب العالمين، الذي أفاض على الممكنات من فيوضات وجوده، فأخرج ما شاء منها من العدم الخالص إلى الوجود، ووهب الحياة فيها لما شاء، وخص كل جنس بصفات تخصه، وخص كل نوع بخصائص تميزه، ومنح كل فرد سماته الشخصية التي يتميز بها عن غيره.
وإن وجود الله تعالى يختلف عن وجود الكائنات في أمور:
أولها: أن وجود الله تعالى وجود ذاتي ليس مستمدًا من شيء ولا أثرًا لشيء، بل هو وجود كامل مطلق لا مثل له ولا نظير؛ ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 17].
وأما الكائنات فوجودها من غيرها، فهو مستمد من الله تعالى وليس من ذاتها؛ فكل شيء أثر لإرادة الله وقدرته، ومفتقر في وجوده إلى إيجاد الله تعالى له، فهي دائمًا ودومًا مفتقرة إلى الله تعالى، وجل الله عن أن يفتقر لشيء.
ثانيها: أن وجود الله سبحانه وتعالى وجود أزلي لا أول له ولا بداية، فلم يسبق وجوده عدم، ولم يخلُ لحظة عن الوجود؛ فهو سبحانه الإله الواحد المعبود بحق، واجب الوجود الذي لا يجوز عليه العدم أزلًا ولا يجوز عليه العدم أبدًا؛ لأن الذي يقبل العدم يكون دائمًا مفتقرًا إلى غيره، وهذا شيء لا يجوز على الله الذي خلق كل شيء وأوجده. وأما وجود الكائنات فهو حادث مسبوق بالعدم.
ثالثها: أن وجود الله تعالى لا يلحقه العدم؛ لأن العدم مستحيل عليه أزلًا وأبدًا؛ لما ذكرناه من أن من يجوز عليه أن يكون عدمًا يكون مفتقرًا إلى غيره، ولا يليق بالله تعالى الافتقار والاحتياج؛ ولأن من يقبل العدم لا يمكنه أن يُوجد شيئًا أو يُعدم آخر، فهو عاجز فيما يتعلق بشئون نفسه، فيكون من باب أولى عاجزًا فيما يتعلق بشئون غيره؛ وهذا لا يليق بخالق كل شيء سبحانه وتعالى. أما وجود الكائنات فكما أنه مسبوق بالعدم فهو قابل للعدم في كل لحظة.
الوجود الحقيقي إذن هو وجود الله تعالى؛ لأنه الوجود الذاتي الذي لا يفتقر إلى شيء، وأما وجود الكائنات فلا يشترك مع وجود الله تعالى إلا في الاسم، وإنما تستمد الكائنات وجودها استمدادًا كاملًا من المولى عز وجل، فإذا كان الإنسان يقر بوجود الكائنات من حوله ما رأى منها وما لم ير، أفلا يقر بالوجود لله العلي الكبير الذي خلق شيء.
المراجع:
• "شرح الإمام الدردير على الخريدة".
• "تحفة المريد" لشيخ الإسلام الباجوري.
• "كفاية العوام في علم الكلام" للشيخ الفضالي مع "تحقيق المقام" للشيخ الباجوري.

إن العبد عبدٌ لا يتجاوز نقص العبودية، والرب ربٌ لا ينقص عن كمال الألوهية، وهناك فارق بين المخلوق والخالق، وحيث ثبت أن الله تعالى هو رب العالمين وأنه خالق كل شيء فلا سبيل إلى التعرف على ذاته وصفاته إلا بما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما نزل عليه من كلام الله تعالى وهو القرآن وما أوحي إليه من السنة المشرفة.


الإنسان العاقل توقن نفسه بأنه صنعة الله تعالى الذي خلقه بقدرته، ووهبه الحياة وأسبابها، وهيأ له سبل العيش في هذا الكون الفسيح، وتوقن نفسه أيضًا بأن كل شيء في الكون من سماء وأرض ونجوم وأفلاك وبحار وأنهار وكائنات لا تحصى مفتقرة محتاجة في وجودها إلى الله تعالى الذي أوجدها من العدم.


البقاء من صفات الجلال والعظمة التي يجب على المسلم أن يعتقد اتصاف الله تعالى بها، ومعنى البقاء في حق الله تعالى أنه لا آخر لوجودِه ولا نهاية ولا اختتام، فلا يتصور في جانب المولى عز وجل انتهاء أو فناء أو انقطاع عن الوجود، بل هو سبحانه باقٍ بقاءً لا يلحقه عدم.


كلما تقدم الزمان بالإنسان واتسعت إمكاناته البحثية وقدراته الاستكشافية وقف على ما لا يحصى من العجائب في نفسه وفي العالم من حوله، وليس ازدياد المراكز البحثية والمختبرات الكشفية والتخصصات العلمية والأجهزة التقنية والتنافس الدولي في هذا كله إلا دليلًا على إعجاز خارق في تكوين كل فرد من أفراد هذا العالم.


التدين أصيل في النفس الإنسانية، قديم قدم البشرية، وقد كشفت بعض الدراسات التي أجريت في مجال علم النفس وعلم الأديان وغيرهما أنه ما من جماعة إنسانية عاشت على هذه الأرض إلا وكان لها دين ومعبود تتجه إليه بالعبادة والتقديس، وتضافرت هذه البحوث لتثبت أن عقيدة الإيمان بوجود "الإله الأعلى" كانت موجودة عند القبائل البدائية في أستراليا وإفريقيا وأمريكا، وكذلك عند الأجناس الآرية القديمة،


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 30 يوليو 2025 م
الفجر
4 :34
الشروق
6 :13
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 50
العشاء
9 :17