21 أغسطس 2019 م

صفة الحياة

صفة الحياة

 اتفق العقلاء على وجود الله سبحانه وتعالى، وقالوا: إن هذا العالم المعجز في صنعته لا يمكن أن يصدر عن نفسه، ولا يمكن أن يكون للصدفة عمل فيه، ولا فيما هو دونه، وإنما العالم صنعة إله قادر خارج عن هذا العالم، وليس جزءًا منه، ولا فردًا من أفراده، ولا تسري عليه أحکامه، وإنما هو إله حكيم ذو علم غير محصور وإرادة تامة وقدرة مطلقة يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء.
وحيث ثبت أن العالم خلق الله، وأن الوجود الحقيقي هو وجود الله تعالى الذي أوجد كل شيء، وجب أن نثبت لله سبحانه كل كمال وأن ننزهه عن كل نقص، ومن ثم علم جميع العقلاء وأوجبوا اتصاف الله تعالى بالحياة؛ لأن الحياة كمال، وأحق من يوصف بالكمال من وهب المخلوقات الوجود ووهبها الحياة.
وكذلك، لما كان العالَم صنعة الله، وثبت اتصاف الله تعالى بالعلم والإرادة والقدرة وغيرها من صفات الجلال والجمال والكمال، ثبت بالضرورة اتصاف الله تعالى بصفة الحياة، فإن هذه الصفات لا يتصف بها إلا من قامت به الحياة؛ فكان من أخص الصفات التي يجب إثباتها لله تعالى صفة الحياة، فهو ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255]، [آل عمران: ٢].
ولا تأخذْك الأوهامُ إلى اعتقاد أن الحياة في جانب الحق سبحانه وتعالى تشبه حياة الكائنات في شيء، فشتان بين حياة المخلوقات في حقيقتها وخصائصها وبين حياة خالقها وموجدها ومحييها ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 17].
إن حياة المخلوقات كالإنسان والحيوان والطير روح تسري في الجسد، وأما الله سبحانه وتعالى فمنزه عن الروح ومنزه عن الجسد، ومنزه عن أن يشبه شيئًا أو يشابهه شيء؛ فليس كمثله شيء، لا يخامر حياته غفلة ولا سِنة من نوم ولا نعاس، ولا يتوقف قيامها به على تناول طعام أو غيره مما يعتري حياة المخلوقات.
إن حياة المخلوقات أنفاس تتعاقب في شهيق يُجْلَبُ وزفير يُطْرد؛ بعضها في افتقار دائم إلى الهواء، ولو انقطع عنه الهواء انقطعت حياته، وبعضها في افتقار دائم إلى الماء، فلو فارقه فارقته الحياة، وبعضها يفتقر إلى الشمس، ولو طال غيابها غابت عنه الحياة، تنوع يدل على طلاقة قدرة الله، وافتقار يلفت نظر العاقل إلى منتهى الضعف المستحكم في الخلق.
أما حياة الله تعالى فلا شهيق فيها ولا زفير ولا أنفاس، حياة لا افتقار فيها إلى هواء ولا ماء ولا شمس ولا إلى أي شيء، وإنما هو خالق الأنفاس والهواء والماء والشمس، وخالق كل شيء، فكيف يشبه المخلوقات أو کيف يفتقر إلى شيء.
إن لِـحَيَاةِ المخلوقات بداية، وحياة الله تعالى أزلية لا أول لها ولا بداية لم تفارق وجود الله لحظة، فهي قديمة قدمَ الذات لم يسبقها عدم، وإن لحياة المخلوقات نهاية، وحياة الله تعالى أبدية لا تنتهي، فهي باقيةٌ بقاءَ الذات لا يلحقها عدم.
إن حقيقة الحياة بالنسبة إلى الله لا يعلمها إلا الله، وإن إيماننا باتصاف الله تعالى بالحياة إيمان ناشئ مما نشاهده من آثار خلقه وبديع صنعه، وإيمان ناشئ من وصف الله تعالى بها نفسه، وقد صدق الله العظيم إذ يقول في كتابه الكريم: ﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [غافر: 65]، ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: 58].
المراجع:
- "تحفة المريد" للإمام الباجوري.
- "شرح الخريدة البهية" لسيدي أحمد الدردير.
- "رسالة التوحيد" للشيخ محمد عبده.

التدين أصيل في النفس الإنسانية، قديم قدم البشرية، وقد كشفت بعض الدراسات التي أجريت في مجال علم النفس وعلم الأديان وغيرهما أنه ما من جماعة إنسانية عاشت على هذه الأرض إلا وكان لها دين ومعبود تتجه إليه بالعبادة والتقديس، وتضافرت هذه البحوث لتثبت أن عقيدة الإيمان بوجود "الإله الأعلى" كانت موجودة عند القبائل البدائية في أستراليا وإفريقيا وأمريكا، وكذلك عند الأجناس الآرية القديمة،


إن العبد عبدٌ لا يتجاوز نقص العبودية، والرب ربٌ لا ينقص عن كمال الألوهية، وهناك فارق بين المخلوق والخالق، وحيث ثبت أن الله تعالى هو رب العالمين وأنه خالق كل شيء فلا سبيل إلى التعرف على ذاته وصفاته إلا بما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما نزل عليه من كلام الله تعالى وهو القرآن وما أوحي إليه من السنة المشرفة.


الإيمان في عقيدتنا واجب على كل إنسان بالغ عاقل، ذكرًا كان أو أنثى، عربيًّا أو غير عربي، مادام قد عرف دعوة الإسلام معرفة صحيحة من أي طريق.


إذا تأمل الإنسان في أطوار حياته عبر العصور، وما صاحب التقدم الزماني من عوامل تغير شملت مناحي حياة الإنسان، فإنه سيلاحظ أن ما يسخر له في الكون في كل مرحلة إنما يلائم احتياجات عصره ويوافقها، وسيعلم أن كل شيء بقدر، وإلا فلينظر إلى منتجات هذا العصر، ويبحث عنها نفسها في القرون الماضية، ويقارن مدى احتياج الناس إليها في كل زمان؛ ليعلم أنها لم تظهر إلا عندما احتيج إليها.


البقاء من صفات الجلال والعظمة التي يجب على المسلم أن يعتقد اتصاف الله تعالى بها، ومعنى البقاء في حق الله تعالى أنه لا آخر لوجودِه ولا نهاية ولا اختتام، فلا يتصور في جانب المولى عز وجل انتهاء أو فناء أو انقطاع عن الوجود، بل هو سبحانه باقٍ بقاءً لا يلحقه عدم.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 02 مايو 2025 م
الفجر
4 :36
الشروق
6 :11
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :58