الإثنين 15 ديسمبر 2025م – 24 جُمادى الآخرة 1447 هـ
25 أغسطس 2019 م

صفة القدم

صفة القدم

الإنسان العاقل توقن نفسه بأنه صنعة الله تعالى الذي خلقه بقدرته، ووهبه الحياة وأسبابها، وهيأ له سبل العيش في هذا الكون الفسيح، وتوقن نفسه أيضًا بأن كل شيء في الكون من سماء وأرض ونجوم وأفلاك وبحار وأنهار وكائنات لا تحصى مفتقرة محتاجة في وجودها إلى الله تعالى الذي أوجدها من العدم.
وهذا اليقين يأخذ العقل إلى التسليم بأن الله العظيم لم يكن أبدًا عدمًا؛ وإنما هو الأول الذي ليس قبله شيء؛ لأن من يقبل العدم لا يستطيع أن يوجد نفسه ولا أن يوجد غيره، وإنما يكون مفتقرًا إلى من يخرجه من العدم إلى الوجود، ومن المستحيل أن يفتقر الله تعالى إلى غيره، فهذا شيء باطل لا يسلم العقل بنتائجه، ولا يليق بمقام الألوهية الذي يجب له القدرة والغنى المطلق. فالواجب أن يوصف الله تعالى بالقدم، وهو في حق الله تعالى معناه أنه لا أول لوجوده تعالى ولا بداية ولا افتتاح. وليس المراد أنه مضى على وجوده زمان طويل، لأن الله تعالى لا يحويه زمان ولا يحيط به مكان.
وقد اضطرب الفكر لدى بعض الناس فقاسوا وجود الله عز وجل بمقاييس العالم، فقالوا -بجهلهم- إذا كان كل شيء حولنا قد وُجِدَ بعد عدم فينبغي أن يثبت هذا لله تعالى فيكون موجودًا بعد عدم.
والجواب أولًا: أن هناك فارقًا بين المخلوق والخالق؛ فالمخلوق عبدٌ تجري عليه أحكام العبودية من الافتقار والاحتياج الدائمين، والرب رب يتصف بالغني المطلق والقدرة النافذة والعظمة الباهرة، وإلا لما كان إلهًا وربًا وخالقًا لهذا الكون.
والجواب ثانيًا: أن مُسَبِّبَ العالم يجب أن يكون خارج عن حقيقة العالم مخالف له لا تسري عليه القوانين التي تحكم العالم، فإذا سلم العقل أنه رب العالمين فليسلم ضرورة أنه لا بداية لوجوده ولم يسبقه عدم، وهو معنى اتصاف الله تعالى بصفة القدم، فهذه الصفة تنفي عن الله تعالى أن يكون حادثًا بعد عدم؛ لأن هذا معنى لا يليق به عز وجل.
والجواب ثالثًا: أنكم لو فرضتم أن الله تعالى مسبوق بالعدم وجب أن تبحثوا عن من أوجده، فيكون البحث عن الموجد الحقيقي لهذا الكون، وكلما وصلتم إلى موجد سُبق بالعدم بحثتم عمن أوجده، وهكذا يتسلسل الأمر بلا انقطاع، وساعتها لن تجدوا مفرًا من أن تثبتوا لله تعالى صفة القدم.
ولا يصح عقلًا ولا شرعًا أن يقال إن الله تعالى خلق نفسه، لأن هذا كلام باطل من أصله؛ فإن الذي يحتاج إلى الخلق هو المعدوم، فكيف يُوجِدُ المعدوم ذاته المعدومة، هذا من المحال، والقول به كفر.
ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هذا الانحدار الفكري فقال: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولَ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ» رواه مسلم.

المراجع:
"تحفة المريد" لشيخ الإسلام الباجوري.
"شرح الإمام الدردير على الخريدة".
"فتح الباري" لابن حجر.
 

عقيدتُنا أن الله سبحانه وتعالى موجودٌ وجودًا أزليًّا لا أول له ولا بداية، فلم يسبق وجوده عدم، ولم يخلُ لحظةً عن الوجود.. فهو سبحانه الإله الواحد المعبود بحق، واجب الوجود الذي لا يجوز عليه العدم أزلًا ولا يجوز عليه العدم أبدًا.


الإيمان في عقيدتنا واجب على كل إنسان بالغ عاقل، ذكرًا كان أو أنثى، عربيًّا أو غير عربي، مادام قد عرف دعوة الإسلام معرفة صحيحة من أي طريق.


إن كل شيء في الكون يهدي إلى الله تعالى، ولو أن الإنسان تُرك وفطرته التي يولد بها لاهتدى إلى الحق من أقرب طريق. وقد ميز الله تعالى النوع الإنساني بالعقل المفكر والنفس الملهمة التي هي الفطرة السليمة. وإن العقل الواعي مع الفطرة السليمة عند عدم العوائق لديهما القدرة على الوصول إلى الله تعالى والتسليم له والإيمان به.


إذا تأمل الإنسان في أطوار حياته عبر العصور، وما صاحب التقدم الزماني من عوامل تغير شملت مناحي حياة الإنسان، فإنه سيلاحظ أن ما يسخر له في الكون في كل مرحلة إنما يلائم احتياجات عصره ويوافقها، وسيعلم أن كل شيء بقدر، وإلا فلينظر إلى منتجات هذا العصر، ويبحث عنها نفسها في القرون الماضية، ويقارن مدى احتياج الناس إليها في كل زمان؛ ليعلم أنها لم تظهر إلا عندما احتيج إليها.


إن العبد عبدٌ لا يتجاوز نقص العبودية، والرب ربٌ لا ينقص عن كمال الألوهية، وهناك فارق بين المخلوق والخالق، وحيث ثبت أن الله تعالى هو رب العالمين وأنه خالق كل شيء فلا سبيل إلى التعرف على ذاته وصفاته إلا بما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما نزل عليه من كلام الله تعالى وهو القرآن وما أوحي إليه من السنة المشرفة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20