الإثنين 15 ديسمبر 2025م – 24 جُمادى الآخرة 1447 هـ
18 مايو 2022 م

النصيحة والتوجيه بين الزوجين

النصيحة والتوجيه بين الزوجين

تُعدُّ النصيحة من أفضل وسائل الإرشاد والتوجيه بين الزوجين نحو ما ينبغي فعله من أحد الطرفين تجاه الآخر، خاصةً أن الحياة الزوجية لا تخلو من التعرض للمواقف والهزات المهددة لاستقرار بناء هذه الحياة ذات الميثاق الغليظ وتكامل أدوار ومسئوليات أفرادها، سواء كان ذلك نتيجة فتور التواصل والتفاعل بين الزوجين، أو قصور الأداء للأدوار والمسئوليات، أو عدم تشبع الاحتياجات بصورة ملائمة لهما.

والنصيحة كلمة جامعة يعبر من خلالها عن حسن القصد وإرادة الخير من عمل أو قول، وهي تستمد مشروعيتها في خصوص الزوجين والعلاقات الأسرية إلى عموم الأدلة الشرعيَّة الواردة في الحث على بذل النصيحة وإرشاد العامة بمصالحهم في دنياهم وآخرتهم؛ حيث جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من أعمدة الدين في قوله الكريم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قلنا: لمن؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِم» "صحيح مسلم".

كما وردت الإشارة إلى استخدام النصح في خصوص الحياة الزوجية علاجًا عند وقوع النشوز من الزوجة في قوله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء: 34]، والنشوز: مخالفة شرعية واجتماعية، وفي هذه الآية الكريمة أرشد الله تعالى إلى ضرورة أن يتعامل الزوج مع زوجته بالنصيحة والوعظ ولين الكلام، وتذكيرها بالله وحقه الذي طلبه الله منها، بشرط ألا يخرج إلى حدّ الإضرار بها بدنيًّا أو نفسيًّا.

إن حاجة الزوجين لوجود النصيحة بينهما وحسن تلقي الطرف المنصوح من الطرف الناصح لشديدة؛ فهي ضرورة حياتية، تقتضيها مسئولية كل واحد منهما في الأسرة؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» "متفقٌ عليه"، بالإضافة إلى أن ذلك يدور مع مقاصد الحياة الزوجية بطبيعتها الخاصة التي ينبغي أن يراعى في بنائها توفر السكن والمودة والرحمة؛ بحيث تكون المرأة سكنًا للرجل ويكون الرجل سكنًا للمرأة.

وينبغي أن يراعى في الأخذ بمبدأ النصيحة ضوابط عدة وآداب متنوعة؛ حتى يمكن الاستفادة من مقاصدها خاصة في داخل الحياة بين الزوجين، وإلا كانت موردًا من موارد الخلافات والمشكلات بين الزوجين، وتدور هذه الضوابط حول المحافظة على كرامة الطرف المنصوح ومنع الطرف الناصح من الاستعلاء والتعسف في استعمال الحق؛ ومن ذلك: ضرورة مراعاة عدم إسداء النصيحة أمام الآخرين ما أمكن، مع التماس العذر، وكذا البُعد عن العتاب الدائم سواء بالتصريح أو التلميح، بالإضافة إلى استخدام أسلوب التحفيز والتشجيع والحب والاحتواء والصبر والرحمة لا التعالي والسيطرة والانتقاص؛ امتثالًا للحكمة السامية الواردة في قول السيدة أمُّ الدرداء رضى الله عنها: "من وعظ أخاه سرًّا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه". "شعب الإيمان" للبيهقي.

وعلى هذا النحو تصبح النصيحة داخل الأسرة لغة التوجيه والتشاور والتواصل بين أفرادها والتي يتمكن من خلالها كلّ منهم من نقل أفكاره ومشاعره واهتماماته وهمومه ورغباته إلى الأطراف الأخرى من أجل تحقيق التوافق المطلوب بين تلك الأفراد بما يجعلهم سعداء في حياتهم الأسرية.

فالنصيحة تُعد علاجًا ناجعًا للتصدي للتحديات والمشكلات التي تقابل الأسرة في مسيرتها نحو الاستقرار، وقبل حدوث شيء من هذا القبيل هي أيضًا من الإجراءات الوقائية المبكرة التي تحفظ كيان الأسرة من ديمومة الخلافات والتخاصم، خاصة إذا ما روعيت شروطها وآدابها الأخلاقية التي تحفظ على الزوجين خاصة جو الحب والمودة بينهما.

وبذلك فالنصيحة بين الزوجين هي أهم وسائل التواصل الأسري وعوامل استقرارها وتماسكها؛ لكونها مظهرًا صادقًا لمدى اهتمام كل طرف بشئون الآخر وأحواله ودخوله ضمن أولوياته ورعايته الخاصة، فضلًا عن دخولها في الإجراءات الوقائية والعلاجات الناجعة لمشكلات العلاقة الزوجية التي هي شديدة الاتصال والخصوصية كشأن الملابس المحيطة بجسد الإنسان والملازمة له؛ كما في قوله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [سورة البقرة: 187].

****

 

حث الشرع الشريف الزوجين على الآداب الشرعيَّة والاجتماعية وغرسها في نفوس الأبناء؛ لتعويدهم على طهارة البدن والقلب وتزكية النفس والروح، والتمسك بشعار الحنيفية السمحة التي فطر الله تعالى الناس عليها.


أودع الله تعالى في الإنسان فطرة طبيعية تُولِّد بين كلا نوعيه -الذكر والأنثى- مَيْلًا إلى الآخَر؛ ومن ثَمَّ كان الرباط المخصوص والميثاق الغليظ الذى ينظِّم حياتهما معًا، حتى يكون أحدهما للآخر بمنزلة جُزئِه وبعضِه المُتَمِّم لوجودِه، ومن أجل المحافظة على الإنسان واستمرار نوعه، وتوفير حواضن اجتماعية يحقق فيها حاجاته الطبيعية.


تزداد حاجة الزوجين في الحياة الأسرية إلى وجود الشفافية والمصارحة بينهما وصدق كُلِّ طرف منهما مع الآخر في سائر شئون هذه الحياة ذات الميثاق الغليظ وفقًا لما تقتضيه مسئولية كل واحد منهما في الأسرة؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» متفقٌ عليه.


أَوْلَى الإسلام أمر الأسرة بالعناية والرعاية؛ فأحاطها بسياج محكم يشمل كل جوانب الإنسان؛ حيث ينشأ مع العقيدة ويسري في التعبُّد ووسائل التقرُّب إلى الله تعالى، فضلًا عن كشفه سمات طريقة بناء الأسرة المثالية عبر مراحلها المختلفة، مع ضبطٍ متين لممارسات الأسرة وتفاعلات أفرادها وفق جملةٍ من الشروط والمعايير الشرعيَّة والعرفية.


أحاط الشرع الشريف علاقةَ الإنسان بالكون من حوله بجملةٍ من المبادئ والحقوق والواجبات التي تراعي الفوارق الفطريَّة، والخصائص الطبيعية التي يمتاز بها أحد نوعيه على الآخر، وتحقِّق انسجامًا وتصالحًا دون تناقض أو صراع.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20