ما حكم كتابة وطباعة المصحف بالحرف اللاتيني؟ حيث يسأل مركز التربية الإسلامية بباريس عن:
1. مدى جواز كتابة النص القرآني بالحرف اللاتيني تيسيرًا لغير العرب أو المسلمين الجدد حتى يقرءوا القرآن بلغتهم.
2- إبداء الرأي في كتيب مرفق بالطلب بعنوان "كتابة النص القرآني بالحرف اللاتيني".
كتابة المصحف بالرسم العثماني المعروف توقيفية، ولا يجوز كتابته وطباعته بالحرف اللاتيني، ومع هذا فلا بأس من ترجمة المعاني -أي تفسير النص القرآني وترجمته- إلى غير العربية تيسيرًا على غير الناطقين بها.
المحتويات
للإجابة على السؤال الأول: وهو ما مدى جواز كتابة النص القرآني بالحرف اللاتيني تيسيرًا لغير العرب، يتوقف الجواب على هذا السؤال على معرفة الإجابة عن سؤال آخر، وهو هل الرسم العثماني للمصحف توقيفي؟ وهل يجب الالتزام به أم لا؟
ذهب جمهور العلماء إلى أن رسم المصحف توقيفي لا تجوز مخالفته، واستدلوا بأدلة كثيرة منها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان له كُتَّاب يكتبون الوحي، وقد كتبوا القرآن الكريم فعلًا بهذا الرسم، وأمرهم الرسول بكتابته ومضى عهده صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن على هذه الصورة، ولم يحدث فيه تغيير ولا تبديل، بل ورد أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يضع الدستور لكتاب الوحي في رسم القرآن وكتابته، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاوية رضي الله عنه وهو من كتبة الوحي: «يَا مُعَاوِيَة ألقِ الدواة، وحرِّف الْقَلَم، وانصب الْبَاء، وَفرّق السِّين، وَلَا تغوِّر الْمِيم، وَحسِّن الله، وَمدَّ الرَّحْمَن، وجوِّد الرَّحِيم، وضع قلمك على أُذُنك الْيُسْرَى فَإِنَّهُ أذكر لَك» "مسند الديلمي".
ثم جاء أبو بكر فكتب القرآن بهذا الرسم في صحف، ثم حذا حذوه عثمان في خلافته فاستنسخ تلك الصحف في مصاحف على تلك الصورة، وأقر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمل أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، وانتهى بعد ذلك إلى التابعين وتابعي التابعين، فلم يخالف أحد منهم في هذا الرسم، ولم ينقل أن أحدًا منهم فكر أن يستبدل به رسمًا آخر من الرسوم التي حدثت في عهد ازدهار التأليف ونشاط التدوين وتقدم العلوم، بل بقي الرسم العثماني محترمًا متبعًا في كتابة المصحف لا يمس استقلاله ولا يباح حماه.
قد لخص الشيخ الزرقاني هذا الدليل فقال: إن رسم المصاحف العثمانية ظفر بأمور كل واحد منها يجعله جديرًا بالتقدير ووجوب الاتباع، تلك الأمور هي:
أ- إقرار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأمره بدستوره وإجماع الصحابة عليه.
ب- وبإجماع الأمة على فعل عثمان رضي الله عنه استدل القائلون بالتوقيف أيضًا، ولا ريب أن إجماع الأمة في أي عصر واجب الاتباع، خاصة في العصر الأول، فقد روى ابن أبي داود والطبري وغيرهما من رواية شعيب عن الزهري "أن عثمان رضي الله عنه أرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به".
ومن طريق مصعب بن سعد قال: "أدركت الناس متوافرين حين أحرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد".
وأخرج ابن أبي داود بسند صحيح عن علي رضي الله عنه قال: "لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا، فوالله ما فعل الذي في المصاحف إلا عن ملأٍ منا".
وانعقاد الإجماع على المصحف العثماني يشمل الرسم كذلك وهو دليل على أنه لا يجوز العدول عنه.
ج- ومما استدل به القائلون بأن رسم المصحف توقيفي أيضًا ما أثر عن بعض الأئمة، مما يدل على أنهم يرون أن رسم المصحف توقيفي يجب التزامه، ومن هؤلاء الأئمة: مالك وأحمد والبيهقي وأبو عبيد.
فقد سئل الإمام مالك: أرأيت من استكتب مصحفًا، أترى أن يكتب على ما استحدثه الناس من الهجاء اليوم؟ فقال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى، ولا مخالف له من علماء الأمة، وسئل كذلك عن الحروف في القرآن كالألف والواو المزيدتين في الرسم لمعنى: أترى أن تغير من المصحف إذا وجدا فيه كذلك؟ فقال: لا.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك.
وقال البيهقي في "شعب الإيمان": [من كتب مصحفًا فينبغي أن يحافظ على الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير مما كتبوه شيئًا، فإنهم أكثر علمًا وأصدق قلبًا ولسانًا وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم] اهـ.
وقال أبو عبيد: اتباع حروف المصحف عندنا كالسنين القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها.
وأفتى الإمام الشافعي قديمًا بأن تعلم العربية فرض على كل مسلم عربيًّا كان أم أعجميًّا فقال بما نصه: [على كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، ويتلو كتاب الله تعالى] اهـ. "الرسالة" للشافعي (1/ 47، ط. مكتبة الحلبي).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" صفحة 207: [إن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب] اهـ.
أصدر مجمع البحوث الإسلامية قرارًا جاء فيه: إن قيام الدين الإسلامي متوقف على العلم بلغة كتابه المنزل وسنة نبيه المرسل، وقال الشيخ محمد خضر حسين رحمه الله -شيخ الجامع الأزهر الأسبق-: "لقد كان المسلمون فيما سلف يقتحمون للسيادة كل وعر، ويركبون لإظهار دين الله كل خطر، ويلبسون من برود البطولة والعدل وكرم الأخلاق ما يملأ عيون مخالفهم مهابة وإكبارًا، وكانت اللغة العربية تجر رداءها أينما رفعوا رايتهم، وتنتشر في كل واد وطئته أقدامهم، فلم يشعروا بدعوتهم إلى الإسلام بحاجة إلى نقل معاني القرآن إلى اللغات الأجنبية، وربما كان عدم نقلها إلى غير العربية وهم في تلك العزة والسلطان من أسباب إقبال غير العرب على معرفة لسان العرب حتى صارت أوطان أعجمية إلى النطق بالعربية".
وقال الشيخ محمد علي الصابوني الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة في كتابه "التبيان في علوم القرآن" في فصل بعنوان الترجمة (صفحة 205): [تنقسم هذه الترجمة إلى قسمين؛ الأول: الترجمة الحرفية، الثاني: الترجمة التفسيرية، والمراد بالقسم الأول الحرفية أن يترجم القرآن بألفاظه ومفرداته وتركيبه طبق الأصل إلى غير العربية ... إلخ] اهـ بتصرف يسير، وانتهى في قوله إلى عدم جواز ترجمة القرآن حرفيًّا، وذلك للأسباب الآتية:
أولًا: إنه لا يجوز كتابة القرآن بغير أحرف العربية لئلا يقع التحريف والتبديل.
ثانيًا: إن اللغات غير العربية ليس فيها من الألفاظ والمفردات والضمائر ما يقوم مقام الألفاظ العربية.
ثالثًا: إن الاقتصار على الألفاظ قد يفسد المعنى ويسبب الخلل في التعبير والنظم؛ ولأنه معجز بلفظه ومعناه.
الكتيب الذي أرفق بطلب المركز الإسلامي بفرنسا عظيم في هذا الشأن، ونؤيد ما جاء به، وخاصة قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة في تاريخه، والذي قرر بإجماع أعضائه ما جاء في قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية من عدم جواز تغيير رسم المصحف العثماني، ووجوب بقاء رسم المصحف العثماني على ما هو عليه؛ ليكون حجة خالدة على عدم تسرب أي تغيير أو تحريف في النص القرآني، واتباعًا لما كان عليه الصحابة وأئمة السلف رضوان الله عليهم أجمعين، ويجب على من يعتنق الإسلام أن يجتهد قدر وسعه ويبذل طاقته لتعلم اللغة العربية ما تيسر له حتى يستطيع أن يقرأ ما تصح به الصلاة بالعربية، وإن وجد صعوبة في باقي الفروع فلا بأس من ترجمة المعاني أي تفسير النص القرآني وترجمته إلى غير العربية؛ حفاظًا على جمال القرآن الكريم وكماله وبلاغته وإعجازه. والله ولي التوفيق.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم توقيع الغرامة جزاء عدم ارتداء الكمامة؛ حيث قامت كثير من دول العالم -ومنها الدول الإسلامية- بفرض غرامات مالية على مخالفي القرارات والتعليمات الرسمية التي تلزم المواطنين بارتداء الكمامات في المواصلات والمؤسسات الحكومية وغيرها والأسواق والمحلات والبنوك والأماكن المزدحمة، وذلك مع استمرار وباء كورونا في الانتشار واتجاه دول العالم لضرورة التعايش الحذِر معه؛ حفاظًا على المقدرات الاقتصادية وغيرها، فما حكم الشرع في تغريم من يخالف هذه القرارات؟
ما حكم تعدد الصلوات بتيمم واحدٍ بالنسبة لمريض كورونا الذي يشق عليه استعمال الماء في كل فرض؟
كما تعلمون أن تفشي جائحة الكورونا في معظم أنحاء العالم ترتب عليه خسارة عظيمة في الأرواح، وحتى إن الدول التي انتشر بها الفيروس تأثر اقتصادها وأسلوب حياتها بشكل قوي.
وبالنسبة لأهمية هذا الأمر: طلب الأطباء المختصون إغلاق الأماكن العامة من مؤسسات تعليمية واجتماعية وخدمية؛ لأن الفيروس ينتقل باللمس، وإيقاف صلاة الجماعة والجمعة في المساجد، حتى تنكشف الغمة، ونتخطى هذه المرحلة الصعبة. لكن هناك بعض الأئمة في المساجد في أفغانستان، وعدد منهم من خريجي الأزهر الشريف، يعلنون على المنابر أن فيروس كورونا حرب شائعات من أعداء الإسلام لإخلاء المساجد من المصلين، ويؤكدون على عدم الإصغاء والامتثال لهذه الشائعات والحضور المكثف في المساجد؛ إفشالًا لخطة أعداء الإسلام! وهذا الموقف سَبَّبَ حيرة عند الناس؛ هل يستمعون إلى الأطباء والمتخصصين أم إلى هؤلاء الأئمة والخطباء؟
وكما تعلمون أن أفغانستان من البلاد التي مرت بحروب طويلة وتأثرت البنى التحتية والمؤسسات العامة بها، والحروب حتى الآن مستمرة، وهذا كله استنزفها اقتصاديًّا؛ مما خفض قدرة المؤسسات الحكومية على تقديم الخدمات الصحية بالمستوى المطلوب.
وهنا تضطرنا مستجدات الأمور للتركيز على الجوانب الوقائية أكثر من العلاجية تماشيًا مع الواقع.
وبناءً على أهمية الموضوع وارتباطه بحياة الناس وسلامة أرواحهم: نرجو منكم إيضاح حكم الشريعة الإسلامية بهذا الخصوص.
هذا وتنتهز سفارة جمهورية أفغانستان الإسلامية بالقاهرة هذه الفرصة لتعرب لدار الإفتاء بجمهورية مصر العربية عن فائق الاحترام والتقدير.
هل يأخذ المصحف المكتوب بطريقة برايل نفس أحكام القرآن الكريم من حيث احترامه وتنزيهه ومس المحدث له ونحو ذلك؟
ما حكم الوظائف الحكومية في البلاد غير الإسلامية؟ حيث تسأل جامعة الإمام أبي الحسن الأشعري بداغستان -بعد شرح موجز لأحوال المسلمين هناك-: ما حكم المناصب الحكومية في داغستان، هل يجوز لواحدٍ من المسلمين أن يرشح نفسه ليكون رئيسًا لجمهورية داغستان -علمًا بأن %95 من السكان ينتسبون إلى الإسلام- أو وزيرًا من الوزراء، أو عضوًا في مجلس الشعب؟ وإذا رشح نفسه وصار واحدًا من المذكورين هل يُعتبر عميلًا للكفار لأنه يحمي وينفذ القانون الروسي، ويأمر ويحكم به؟
وما حكم شَغل المسلم لهذه المناصب في الحكومة المركزية الروسية في موسكو، هل له أن يكون منتخبًا في البرلمان الروسي، أو أن يعمل موظفًا حكوميًّا في روسيا وفي المجالات المختلفة؛ في الوزارات الداخلية والخارجية والاقتصادية وغيرها؟
وما حكم مشاركة المسلمين منا في الانتخابات العامة لاختيار رئيس روسيا الاتحادية، هل تعتبر هذه الانتخابات اختيارًا منا لتولية الكافر علينا، وإعطاءً للكافر الولاءَ، وماذا علينا أن نفعل إذا كان الحكم الشرعي كذلك فعلًا؛ والحال أننا إذا لم نُجر الانتخابات في القرية ولم نشارك فيها نهائيًّا نقع في مشاكل مع الحكومة، وفي ذات الوقت نخاف من الوقوع في الإثم إن شاركنا، وهناك من الشباب من لا يشاركون في الانتخابات ويفسِّقون أو يُكَفِّرون من شارَك، ولهم من يتبعهم في هذا الرأي، فما الحكم في ذلك؟
وهل يجوز لمسلمٍ أن يكون شرطيًّا أو يعمل في الأمن في بلدنا؟ فهناك مَن يقول بجواز قتل الشرطة ورجال الأمن والمخابرات، ولو كانوا يدَّعون الإسلام ويصلون ويصومون؛ لأن مجرد كونهم موظفين في البلد الذي هو تحت حكم الكفار يُحِلُّ دماءهم وأموالهم، ومن المعلوم أن روسيا تُنَصِّب علينا رئيسًا ووزراء وشرطة وغيرهم من أرباب المناصب والسلطات من غير المسلمين، إذا لم يَشْغَل أحدٌ مِن المسلمين هذه المناصب.
في خضم هذه الآونة التي انتشر فيها فيروس كورونا وأصبح وباءً عمّ جميع دول العالم، وفي ظل النصائح الصحية التي تؤكدها منظمة الصحة العالمية والأطباء المختصون بأن يكثر الناس من شرب السوائل؛ للمحافظة على بقاء الفم رطبًا بشكل مستمر، وأوصت بالمداومة على تناول الأغذية التي تقوي الجهاز المناعي للإنسان؛ كأسلوب من أهم أساليب الوقاية من خطر الإصابة بفيروس كورونا.
فهل يجوز إفطار رمضان في هذه الحالة لمن خاف الإصابة بالعدوى لجفاف الفم، أو احتياجه إلى تقوية مناعة الجسم؟ ومتى يجوز الإفطار للمريض؟ وما موقف أصحاب الأمراض المزمنة؛ خاصة مرضى السكري؟ والنساء الحوامل والمرضعات؟ والمصابين بعدوى الوباء؟ ومن يباشرهم من الأطباء؟