حكم تقبيل الحجر الأسود وملامسته في أزمنة الوباء

تاريخ الفتوى: 01 مايو 2020 م
رقم الفتوى: 5227
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: مستجدات ونوازل
حكم تقبيل الحجر الأسود وملامسته في أزمنة الوباء

ما حكم تقبيل الحجر الأسود وملامسته في أزمنة الوباء؟ حيث اقترب موسم أداء فريضة الحج، ومما يستحب للحاج فعله تقبيل الحجر الأسود وملامسته، والآن ومع انتشار فيروس كورونا القاتل، وسرعة انتشاره عن طريق العدوى من رذاذ المصاب به أصبح تقبيل الحجر الأسود وتزاحم الناس على فعل ذلك قد يكون سببًا للتعرض للعدوى والإيذاء، فما حكم الامتناع عن تقبيل الحجر الأسود في هذه الحالة؟

تقبيل الحجر الأسود من المستحب، وحفظ النفس من الواجب؛ ولذا فقد قيد الشرع استحباب تقبيل الحجر الأسود بألا يعرض المسلم نفسه أو غيره للإيذاء، كالإيذاء من التزاحم المنهي عنه، واحتمالية تعرض المسلم للعدوى حين تقبيله له في ظل انتشار وباء كورونا هو إيذاء أشد من إيذاء التزاحم؛ لما قد يترتب عليه من مخاطر على حياته وحياة غيره، وقد استحب الشرع لمن لم يقدر على تقبيله أو ملامسته الإشارة إليه ولو من بعيد وتقبيل المشار به، ومن هنا ينبغي على الحاج والمعتمر ترك تقبيل الحجر الأسود وملامسته في حال انتشار الوباء والاكتفاء بالإشارة إليه كلما أمكن ذلك؛ حرصًا على السلامة، ومنعًا للإيذاء، وتقديمًا للواجب على المستحب.

المحتويات

 

ما ورد في فضل الحجر الأسود في السنة النبوية

الحجر الأسود أشرف أحجار الدنيا، وأعظم جزء في البيت الحرام، إذ لا شيء من الجنة في الأرض غيره، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ حِجَارَةِ الْجَنَّةِ» أخرجه الإمام أحمد والبزار في "المسند" والطبراني في "المعجم" والبيهقي في "السنن".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ حِجَارَةِ الْجَنَّةِ، وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجَنَّةِ غَيْرُهُ، وَكَانَ أَبْيَضَ كالمَهَا، وَلَوْلَا مَا مَسَّهُ مِنْ رِجْسِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا مَسَّهُ ذُو عَاهَةٍ إِلَّا بَرِئَ» أخرجه الطبراني في "المعجم" والبيهقي في "السنن".
ولعظيم شرفه وكثير بركته حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على تقبيله، فازداد بذلك شرفًا على شرفٍ، وبركة على بركة.
فعن الزبير بن عربي، قال: سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما عن استلام الحجر، فقال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستلمه ويقبله".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحجر، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلًا، فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي، فقال: «يَا عُمَرُ، هَاهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ» أخرجه ابن ماجه في "السنن".

حث الشرع على تقبيل الحجر واستلامة أثناء الطواف

قد تواردت النصوص في الحث على تقبيله واستلامه في الطواف.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فِي الحَجَرِ: «وَاللهِ لَيَبْعَثَنَّهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ عَلَى مَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ» أخرجه الترمذي وحسنه.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَاقُوتَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا سَوَّدَتْهُ خَطَايَا الْمُشْرِكِينَ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ، وَقَبَّلَهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا» أخرجه الإمام أحمد في "المسند" وابن خزيمة في "الصحيح".
فمكانة الحجر الأسود في قلوب المسلمين عظيمة، ورغبتهم في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بملامسته وتقبيله بالغة؛ حبًّا في التأسي به صلى الله عليه وآله وسلم، ورغبة في ملامسة موضع لامسته يد وفم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فعن عمر رضي الله عنه: أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله، فقال: "إني أعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" متفق عليه.
وعن سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قال: رأيت عمر قبَّل الحجر والتزمه، وقال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بك حفيًّا".
وقال الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (4/ 42، ط. مؤسسة الرسالة):
[وَقَبِّل حجرًا مكرمًا نزل من الجنة، وضع فمك لَاثِمًا مكانًا قَبَّلَهُ سيد البشر بيقين، فهنأك الله بما أعطاك، فما فوق ذلك مفخر.
ولو ظفرنا بالمحجن الذي أشار به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحجر، ثم قبل محجنه، لحق لنا أن نزدحم على ذلك المحجن بالتقبيل والتبجيل] اهـ.

الإشارة باليد أو بالعصا إلى الحجر الأسود في حالة وجود عذر يمنع من استلامه وتقبيله

بينما حث الشرع الشريف على تقبيل الحجر الأسود واستلامه، إلا أنه قيد ذلك بمنع الإيذاء، فإذا ترتب عليه إيذاء للنفس أو للغير لم يكن مستحبًّا، لأن التحرز من الإيذاء واجب، ولا يصح ترك الواجب لفعل المستحب، ويكتفي الحاج أو المعتمر حينئذ بأن يستقبل الحجر ويشير إليه، ثم يُقَبِّل يده، أو ما أشار به إليه، وقد تواردت النصوص على فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك.
روى الإمام البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "طاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع على بعير، يستلم الركن بمحجن"، والمحجن: عصا منحنية الرأس.
وروى الإمام مسلم في "الصحيح"، عن أبي الطفيل رضي الله عنه أنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن".
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (3/ 476، ط. دار المعرفة): [قال ابن التين: تقدم أنه كان يستلمه بالمحجن فيدل على قربه من البيت؛ لكن من طاف راكبًا يستحب له أن يبعد إن خاف أن يؤذي أحدًا، فيحمل فعله صلى الله عليه وآله وسلم على الأمن من ذلك. انتهى. ويحتمل أن يكون في حال استلامه قريبًا حيث أمن ذلك، وأن يكون في حال إشارته بعيدًا حيث خاف ذلك] اهـ.
وفي ظل ما يمر به العالم من انتشار فيروس كورونا، وسرعة تفشي العدوى بمخالطة المصاب أو ملامسة شيء مما يخرج من فمه من رذاذ أو غيره، لا يبعد أن يكون في تقبيل الحجر الأسود وملامسته احتمال تناقل العدوى بين الحجاج، خاصة مع كثرة أعداد الزائرين لبيت الله الحرام، ورغبة الجميع في تقبيل الحجر الأسود وملامسته.
وبينما نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن المزاحمة لتقبيله خشية إيذاء الآخرين إيذاء محتملًا في العادة، فإن المنع من المزاحمة عليه أو تقبيله في حالة توقع الإيذاء الذي يضر بصحة الإنسان وقد يعرض حياته للخطر أولى وأوفق لمقاصد الشرع الشريف.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «يَا عُمَرُ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ، لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ، فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند" والبيهقي في "السنن الكبرى".

حكم تقبيل الحجر الأسود وملامسته في أزمنة الوباء

قد اتفق الفقهاء على استحباب الإشارة باليد أو بالعصا إلى الحجر الأسود في حالة وجود عذر يمنع من استلامه وتقبيله كالزحام عند الخوف من الإيذاء له أو للآخرين، والاكتفاء بالإشارة إليه في حالة انتشار الوباء القاتل أولى.
قال العلامة الجصاص الحنفي في "شرح مختصر الطحاوي" (2/ 524، ط, دار البشاير):
[ويستلم الحجر الأسود، ويقبله كلما مر به إن أمكنه ذلك، فإن لم يستطع: استقبله، وكبر، ورفع يديه.
روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف راكبًا يستلم الحجر والأركان بمحجنه، يشير إليها] اهـ.
وقال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (2/ 16، ط. المطبعة الكبرى الأميرية):
[فإن لم يقدر على ذلك أمَسَّ الحجر شيئًا كالعرجون ونحوه وقَبَّلَه لقول عامر بن واثلة رضي الله عنه: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بالبيت ويستلم الحجر بمحجن معه ويقبل المحجن" رواه مسلم وغيره، وإذا عجز عن ذلك رفع يديه حذاء منكبيه وجعل باطنهما نحو الحجر مشيرًا بهما إليه كأنه واضع يديه عليه وظاهرهما نحو وجهه؛ لما روي أنه عليه الصلاة والسلام "أشار إليه بشيء في يده وكبر".
وعن عبد الرحمن بن عوف أنه كان إذا وجد الزحام على الحجر استقبله وكبر ودعا إن أمكن] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 33، ط. دار الفكر): [إذا منعته الزحمة ونحوها من التقبيل والسجود عليه وأمكنه الاستلام استلم، فإن لم يمكنه أشار باليد إلى الاستلام ولا يشير بالفم إلى التقبيل لما ذكره المصنف، ثم يقبل اليد بعد الاستلام إذا اقتصر عليه لزحمة ونحوها هكذا قطع به الأصحاب، وذكر إمام الحرمين أنه يتخير بين أن يستلم ثم يقبل اليد، وبين أن يقبل اليد ثم يستلم بها، والمذهب القطع باستحباب تقديم الاستلام ثم يقبلها، فإن لم يتمكن من الاستلام باليد استحب أن يستلم بعصا ونحوها] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" (1/ 511، ط. دار الكتب العلمية):
[فإن لم يمكنه تقبيله، استلمه، وقبل يده؛ لما روي: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استلمه وقبل يده"، رواه مسلم، فإن استلمه بشيء في يده قبله؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف في البيت، ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن" رواه مسلم.
وإن لم يمكنه أشار بيده إليه؛ لما روى ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف على بعير؛ كلما أتى الركن أشار إليه وكبر] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن تقبيل الحجر الأسود من المستحب، وحفظ النفس من الواجب؛ ولذا فقد قيد الشرع استحباب تقبيل الحجر الأسود بألا يعرض المسلم نفسه أو غيره للإيذاء، كالإيذاء من التزاحم المنهي عنه، واحتمالية تعرض المسلم للعدوى حين تقبيله له في ظل انتشار وباء كورونا هو إيذاء أشد من إيذاء التزاحم؛ لما قد يترتب عليه من مخاطر على حياته وحياة غيره، وقد استحب الشرع لمن لم يقدر على تقبيله أو ملامسته الإشارة إليه ولو من بعيد وتقبيل المشار به، ومن هنا ينبغي على الحاج والمعتمر ترك تقبيل الحجر الأسود وملامسته في حال انتشار الوباء والاكتفاء بالإشارة إليه كلما أمكن ذلك؛ حرصًا على السلامة، ومنعًا للإيذاء، وتقديمًا للواجب على المستحب.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

توفي رجل وترك تركة بعد وفاته ولم يحج طيلة حياته حتى توفي، علمًا بأن التركة لم توزع حتى الآن. فهل يجب إجباريًّا استقطاع مبلغ من التركة لتكاليف الحج قبل توزيعها؟ وهل يعتبر ذلك دَيْنًا على المتوفى؟ وهل يجوز دفع تكلفة الحج إلى إحدى الجمعيات الشرعية المعتمدة لتقوم بالحج عنه؟ 


ما حكم ترويج الشائعات حال النوازل والأزمات؟ ففي ظل ظروف الوباء تنتشر بعض الشائعات والأكاذيب التي يحاول مروجوها بث الفتنة بين جموع الشعب المصري لإثارة البلبلة والذعر في نفوس المواطنين؛ كالقول بأن الدولة تمنع إقامة شعائر الله تعالى وتصد الناس عن المساجد، حيث تُصِر على إغلاق المساجد بحجة الوقاية من فيروس كورونا، وحين تأتي إجراءات التعايش مع الوباء مع اتخاذ وسائل الوقاية وإجراءات الحماية يتهمون الدولة بالسعي في زيادة أعداد الوفيات، ثم ينشرون الشائعات هنا وهناك بأنَّ هناك إصابات كثيرة بفيروس كورونا داخل مصر لم يتم الإعلان عنها، مع المحاولات المستمرة لبث الدعاية المضادة في صفوف الأطباء، تحت عنوان: "الجيش الأبيض بلا درع"؛ لتشتيت جهود الأطباء وتوهين عزمهم وإضعاف همتهم، وسط سيل من الإشاعات والأكاذيب بانتشار فيروس كورونا بالسجون المصرية؛ لإطلاق سراح المجرمين والمتطرفين والمفسدين، إلى غير ذلك من محاولات جماعات التطرف والإرهاب في استغلال وباء كورونا لتحقيق أهدافها الدنيئة، وتشويه جهود الدولة والمجتمع في مواجهة الوباء، والتشكيك في قدرات وإمكانات المؤسسات الوطنية على مواجهة الوباء، فكيف يمكن التصدي لهذه الشائعات والأكاذيب؟ وهل يجوز نشرها من غير تثبت؟ وما دور من يسمعها؟


ما حكم طواف الإفاضة مع الشك في نزول الحيض؟ فامرأة طافت طواف الإفاضة، وعندما انتهت منه ورجعت إلى الفندق وجدت أنها حائض، ولا تَعْلَم وقت نزول الحيض هل كان في أثناء الطواف أو بعده، فماذا تفعل؟


ما حكم تعجيل إخراج الزكاة بسبب وباء كورونا؟ حيث يمر العالم في هذه الآونة بنوع من الكساد الاقتصادي بسبب انتشار وباء فيروس كورونا، وأمام الإجراءات التي تتخذها دول العالم ومنها مصر للحد من انتشار عدوى هذا الوباء؛ من المكث في البيوت، وإغلاق المحلات، وغير ذلك، تأثر كثير من الناس بذلك، فهل يجوز تعجيل أموال الزكاة عن موعدها بسبب هذه الحالة التي تمر بها مصر وبلاد العالم؟


ما حكم إنكار عدوى كورونا؟ حيث يستنكر البعض الخوف والتحذير من عدوى كورونا، مستدلين بأن المرض من الله وحده وأنه لا عدوى في الإسلام، فكيف نرد على ذلك؟


ما حكم تعمد مريض كورونا مخالطة الناس؟ ففي ظل ما يعيشه العالم من انتشار فيروس كورونا الوبائي، ودخوله لمصر، وما اتخذته الدولة من إجراءات احتياطية وقرارات وقائية لتقليل التجمعات البشرية في المدارس والمساجد وغيرها، للحد من انتشار هذا الفيروس عن طريق العدوى والمخالطة. فما حكم تعمُّد مصابي فيروس كورونا حضورَ الجُمَع والجماعات والمحافل ومخالطة الناس ومزاحمتهم؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 30 يوليو 2025 م
الفجر
4 :34
الشروق
6 :13
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 50
العشاء
9 :17