المصافحة بين المصلين بعد الصلاة مباشرة

تاريخ الفتوى: 19 أغسطس 2007 م
رقم الفتوى: 2278
من فتاوى: فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد
التصنيف: آداب وأخلاق
المصافحة بين المصلين بعد الصلاة مباشرة

ما حكم مصافحة المصلين بعضهم لبعض عقب انتهاء الصلاة مباشرة؟

لا مانع شرعًا من ذلك؛ فالمصافحة مشروعة بأصلها في الشرع الشريف، وإيقاعها عقب الصلاة لا يخرجها من هذه المشروعيِّة، فهي مباحة ومندوب إليها عند جمهور العلماء، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصافحة الصحابة الكرام له وأخذهم بيديه الشريفتين بعد الصلاة في بعض الوقائع، هذا، مع الأخذ في الاعتبار أنها ليست مِن تمام الصلاة، ولا مِن السنَنِ التي نُقِل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المداومة عليها، وهذا هو المعنى الذي من أجله كرهها بعض العلماء، ومع قولهم بكراهتها نَصُّوا على أنه إذا مَدَّ مسلمٌ يدَه إلى أخيه ليصافحه فلا ينبغي الإعراض عنه بجذب اليد؛ لِما يترتب عليه مِن أذًى بكسر خواطر المسلمين وجرح مشاعرهم، وجَبرُ الخواطر وبَثُّ الألفة وجَمعُ الشمل أحبُّ إلى الله تعالى مِن مراعاة تجنب فعلٍ نُقِلَت كراهتُه عن بعض العلماء لمعنًى غير متحقق غالبًا، في حين أن جمهورهم والمحققين منهم قالوا بإباحته أو استحبابه.

المحتويات

 

مشروعية المصافحة بين المصلين بعد الصلاة مباشرة

المصافحة عقب الصلاة مشروعة، وهي دائرة بين الإباحة والاستحباب؛ لأنها داخلة في عموم استحباب التصافح بين المسلمين، وهو ما يكون سببًا لرضا الله تعالى عنهم، وزوالِ ما في صدورهم من ضيقٍ وغِلٍّ، وتساقطِ ذنوبهم مِن بين أكفِّهم مع التصافح؛ ففي الحديث: «إذا التَقى المُسلِمانِ فتَصافَحا وحَمِدا اللهَ عَزَّ وجَلَّ واستَغفَراه غُفِرَ لَهما» رواه أبو داود وغيره عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه.
واختار الإمام النووي [ت676هـ] في "المجموع": "أن مصافحة مَن كان معه قبل الصلاة مباحة، ومصافحة من لم يكن معه قبل الصلاة سُنَّة" اهـ.
وقال في "الأذكار": "واعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به؛ فإن أصل المصافحة سُنَّة، وكونُهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرَّطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يُخرِجُ ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها". ثم نقل عن الإمام العز بن عبد السلام [ت660هـ]: "أن المصافحة عقيب الصبح والعصر من البدع المباحة" اهـ.
وقد شُرِع لنا السلام بعد انتهاء الصلاة عن اليمين والشمال؛ يقول العلماء: "يَنوِي السلام على مَن التفت إليه مِن ملائكة ومؤمنِي إنسٍ وجِنٍّ إلى مُنقَطَع الدنيا، ويَنوِي الرَّدَّ أيضًا على مَن سَلَّمَ عليه مِن إمامٍ ومَأمُومٍ" اهـ؛ كما في "حاشية البيجوري على شرح ابن قاسم على متن أبي شجاع".
وقال العلامة السفاريني في "غذاء الألباب شرح منظومة الآداب": "ظاهر كلام العز بن عبد السلام من الشافعية أنها بدعة مباحة، وظاهر كلام الإمام النووي أنها سنة" اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في "شرح البخاري": "قال النووي: وأصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال لا يخرج ذلك عن أصل السنة" اهـ.
وفي "فتاوى الرملي الشافعي": "سُئِلَ عمَّا يَفعَلُه النَّاسُ مِن المُصافَحةِ بعدَ الصَّلاةِ هل هو سُنَّةٌ أو لا؟ فأَجابَ بأَنَّ ما يَفعَلُه النَّاسُ مِن المُصافَحةِ بعدَ الصَّلاةِ لا أَصلَ لها، ولكن لا بَأسَ بها" اهـ.

الرد على من ينكر جواز المصافحة بين المصلين بعد الصلاة مباشرة

أما ما ذهب إليه بعض العلماء من القول بكراهة المصافحة عقب الصلاة فإنهم نظروا فيه إلى أن المواظبة عليها قد تُؤَدِّي بالجاهل إلى اعتقاد أنها من تمام الصلاة أو سننها المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا بالكراهة سدًّا لذريعة هذا الاعتقاد، ومنهم مَن استدل بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الفعل على عدم مشروعيته، ومع قول هؤلاء بكراهتها، فإنهم نَصُّوا -كما ذكر القاري في "مرقاة المفاتيح"- على أنه إذا مَدَّ مسلمٌ يدَه إليه ليصافحه فلا ينبغي الإعراض عنه بجذب اليد؛ لِما يترتب عليه من أذًى بكسر خواطر المسلمين وجرح مشاعرهم، وذلك على سبيل "المُجابرة"، ودفعُ ذلك بجبر الخواطر مقدَّمٌ على مراعاة الأدب بتجنب الشيء المكروه عندهم؛ إذ من المقرر شرعًا أن "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح".
على أن جمهور العلماء ومحققيهم على ترك التوسع في باب سد الذرائع؛ لِما يجر إليه مِن التضييق على الخلق وإيقاعهم في الحرج، والاستدلالُ بترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك على عدم المشروعية موضعُ نظرٍ عند الأصوليين؛ لأن الأصل في الأفعال الإباحة، هذا مع أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصافحة الصحابة الكرام له وأخذهم بيديه الشريفتين بعد الصلاة في بعض الوقائع؛ ففي "صحيح الإمام البخاري" عن أَبي جُحَيفةَ رضي الله عنه قال: "خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بالهاجِرةِ إلى البَطحاءِ، فتَوَضَّأَ، ثُم صلَّى الظُّهرَ رَكعَتَينِ والعَصرَ رَكعَتَينِ وبَينَ يَدَيهِ عَنزةٌ، وقامَ النَّاسُ فجَعَلُوا يَأخُذُونَ يَدَيه فيَمسَحُونَ بها وُجُوهَهم". قال أبو جحيفة: "فأَخَذتُ بيَدِه فوَضَعتُها على وَجهِي فإذا هي أَبرَدُ مِن الثَّلجِ وأَطيَبُ رائِحةً مِن المِسكِ".
قال المحب الطبري [ت694هـ]: "ويُسْتَأْنَسُ بذلك لما تطابق عليه الناس من المصافحة بعد الصلوات في الجماعات، لا سيَّما في العصر والمغرب، إذا اقترن به قصدٌ صالحٌ؛ مِن تبركٍ أو تودُّدٍ أو نحوه" اهـ؛ كما في "غاية الإحكام في أحاديث الأحكام" (2/ 224. ط. دار الكتب العلمية).
وعموم مشروعية المصافحة في مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا التَقى المُسلِمانِ فتَصافَحا وحَمِدا اللهَ عَزَّ وجَلَّ واستَغفَراه غُفِرَ لَهما» رواه أبو داود، لا يجوز تخصيصه بوقت دون وقت إلا بدليل؛ و"إذا" ظرفٌ لكل مَا يُستقبَل من الزمان، فدعوى أنها مخصوصة بغير أدبار الصلوات المكتوبات دعوى لا دليل عليها، بل ورد في السنة النبوية الصحيحة ما يرُدُّها.

الخلاصة

على ذلك: فإن المصافحة مشروعة بأصلها في الشرع الشريف، وإيقاعُها عقب الصلاة لا يُخرِجُها من هذه المشروعيَّة؛ فهي مباحة أو مندوب إليها على أحد قولَي العلماء، أو على التفصيل الوارد عن الإمام النووي في ذلك، مع ملاحظة أنها ليست من تمام الصلاة ولا من السنَنِ التي نُقِل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المداومةُ عليها بعد الصلاة، وعلى مَن قلَّد القول بالكراهة أن يُراعيَ أدب الخلاف في هذه المسألة ويتجنب إثارة الفتنة وبَثَّ الفُرقة والشحناء بين المسلمين بامتناعه مِن مصافحة مَن مَدَّ إليه يده مِن المصلين عقب الصلاة، وليَعلَم أن جَبر الخواطر وبَثَّ الألفة وجَمعَ الشمل أحبُّ إلى الله تعالى مِن مراعاة تجنب فعلٍ نُقِلَت كراهتُه عن بعض العلماء في حين أن جمهورهم والمحققين منهم قالوا بإباحته أو استحبابه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

يعتري الخاطبَ حالةٌ من الغيرة الزائدة والشك المفرط وقلة الثقة في المخطوبة دون مبررٍ حقيقيٍّ لذلك، مما يدفعه إلى التجسس على مكالماتها الهاتفية، أو التفتيش في مراسلاتها ومحادثاتها الإلكترونية، وأجهزة الاتصال الخاصة بها، وفي غالب الأحوال يترتب على مثل هذا السلوك فشل الخطبة وعدم إتمام الزواج. فما حكم الدين في ذلك؟


ما حكم التدليس بإخفاء العيب ومدى صحة البيع وثبوت الخيار للمشتري؟ فهناك رجلٌ يَعْمَلُ في تِجَارة السيارات المستعملة، وقد اشترى سيارةً مستعملةً مِن آخَر، وأخبره هذا البائعُ أنَّ هذه السيارة أُصيبت بحادث خلفي، وفي الإصلاح تم تغيير النصف الخلفي للسيارة بقطع غيار (استيراد)، وقد اشتراها منه ذلك التاجرُ على ذلك بأقلَّ مِن ثمنها الشائع في السوق، وقام بعد ذلك ببيعها دون أن يُخبِر المشتريَ بما هو حاصلٌ فيها، وفي نفس الأسبوع تبيَّن ما فيها للمُشْتَري، ويريد أن يردَّها، والسؤال: هل على التاجر المذكور ذَنْبٌ فيما فعل؟ وهل يحق للمشتري ردُّ السيارة؟ وإن كان يحقُّ له الردُّ فهل له أن يأخذَ قيمة العيب فقط ويَحتفظ بالسيارة؟


ما معنى الاستئناس في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾؟


ما حكم الحلف بالله كذبًا؟ فأنا حلفت بالله يمينًا كاذبًا على استحقاقي لشيء ليس ملكي، وأنا أعلم أنَّه غير مملوك لي. فما هي كفارة هذا اليمين؟ وهل يستوجب الأمر ردّ المال الذي حلفت عليه، وأخذته بدون وجه حقّ إلى أصحابه؟


ما فضل كفالة اليتيم؟ وما ثوابها؟


ما هي كفارة الحلف بالمصحف؟ فقد سأل أحد الدكاترة قائلًا: منذ سنتين لمرض خاص أقسمت على الكتاب الكريم ألا أشتري الدخان. قد بطلت التدخين فعلًا؛ فزاد وزني حتى خفت على القلب من السمنة، فصرت ألهث إذا ما جريت أو سرت مسرعًا أو تحدثت مسرعًا وقد خاف إخواني الأطباء عاقبة ذلك حتى نصحوا لي بالعودة إلى التدخين. فهل من كفارة من ذلك اليمين يوصي بها الدين الحنيف غير صيام الثلاثة أيام؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 02 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :14
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 48
العشاء
9 :14