أقوم ببيع الآلات الموسيقية بكل أنواعها، فهل ما أقوم به جائزٌ شرعًا أم لا؟
ما يقوم به السائل من بيع الآلات الموسيقية بكل أنواعها يعد أمرًا جائزًا شرعًا، وهذا ما عليه الفتوى عملًا بما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة ومَن وافقه، وكذا مَن أجاز السماع مِن الفقهاء، ومَن رأوا أنَّ هذه الآلات لها استعمالان أحدهما مباح، وكذلك ما ذهب إليه فقهاء الشافعية من جواز بيع ما كان لِمُكوِّناته قيمةٌ في ذاتها.
المحتويات
اختَلَف الفقهاء في حكم بيع الآلات الموسيقية؛ فيرى جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة -وهو ما عليه الفتوى عند الحنفية- حرمة بيع الآلات الموسيقية المحرَّمة، والتقييد بالمحرَّمة؛ لإخراج ما يَحِل كطَبْل الغُزَاة ونحوه.
يقول العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار شرح تنوير الأبصار" المطبوع مع "حاشية ابن عابدين عليه" (6/ 212، ط. دار الفكر): [(وضمن بكسر مِعْزَف) بكسر الميم آلة اللهو، ولو لكافر ابن كمال (قيمته) خشبًا منحوتًا (صالحًا لغير اللهو).. (وصحَّ بيعها) كلها، وقالا: لا يضمن، ولا يصحُّ بيعها، وعليه الفتوى. "ملتقى" و"درر" و"زيلعي" وغيرها، وأقره المصنف] اهـ.
وقال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (5/ 144، ط. دار الكتب العلمية): [وعند أبي يوسف ومحمد: لا ينعقد بيع هذه الأشياء] اهـ.
وقال الشيخ الـمَـوَّاق في "التاج والإكليل" (6/ 64، ط. دار الكتب العلمية) عند الكلام على شروط البيع: [(وانتفاع) ابن شاس: يشترط في المعقود عليه أن يكون مُنْتَفَعًا به، فلا يصح بيع ما لا منفعة فيه.. وقال ابن القاسم: يُفْسَخ بيع البُوق، والعُود، والكَبَر، ويُؤدَّب أهله] اهـ.
والبُوق: أداة مُجوَّفة يُنْفَخُ فها ويُزمَر. والكَبَر -بفتحتين-: الطَّبلُ ذو الوجه الواحد.
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 342، ط. دار الكتب العلمية) عند الكلام على ما لا يصح بيعه: [(و) لا بيع (آلة اللهو) للحرمة؛ كالطنبور والصنج والمزمار] اهـ.
وقال العلّامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (3/ 155، ط. دار الكتب العلمية): [ولا يصح بيع آلة لهو؛ كمزمار وطنبور] اهـ.
والطُّنبور: آلة مجوفة لها أوتار كالعود. والصنج: قطعتان دائريتان من نحاس تُضرَب إحداهما بالأخرى.
ويرى الإمام أبو حنيفة صحة بيع الآلات الموسيقية، وهو ما يراه فقهاء الشافعية -في قولٍ- أنه يصح بيعها إن عُدَّ فُتَاتها مالًا.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (5/ 144): [ويجوز بيع آلات الملاهي؛ من البربط، والطبل، والمزمار، والدف، ونحو ذلك عند أبي حنيفة، لكنه يُكرَه] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (9/ 256، ط. دار الفكر): [(فرع) آلات الملاهي كالمزمار والطنبور وغيرهما: إن كانت بحيث لا تعد بعد الرَّضِّ والحَلِّ مالًا لم يصح بيعها؛ لأنه ليس فيها منفعة شرعًا، هكذا قطع به الأصحاب في جميع الطرق.. وإن كان رضاضها يُعدُّ مالًا ففي صحة بيعها وبيع الأصنام والصور المتخذة من الذهب والفضة وغيرها ثلاثة أوجه.. (والثاني) الصحة] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 342-243): [(وقيل: يصح) البيع (في الآلة) أي وما ذكر معها (إن عُدَّ رُضَاضُهَا) وهو بضم الراء: مُكَسَّرُهَا (مالًا)؛ لأن فيها نفعًا مُتَوَقَّعًا] اهـ.
ويجيز فقهاء المالكية بيع الآلات الموسيقية إذا كانت مكسورة كسرًا واضحًا؛ قال العلامة ابن بزيزة المالكي في "روضة المستبين في شرح كتاب التلقين" (2/ 900، ط. دار ابن حزم): [وقولنا: ((منتَفَعًا به)) (احترازًا ممن لا منفعة فيه) فلا يصح بيعه؛ لأنه من أكل المال بالباطل، وكذلك ما له منفعة محرمة كالمزمار، والعود فلا خلاف في امتناع بيعه؛ لأن المنفعة محرمة شرعًا كالموجودة حسًّا، فإن كُسِر جاز بيعه مكسورًا (إن كان) كسرًا بينًا] اهـ.
وهو ما عليه كثير من الفقهاء في قولهم بتعييب المحرم ليحل بيعه، وهو ما ذكروه في بيع التماثيل؛ قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 649، ط. دار الفكر): [(قوله: أو ممحوة عضو.. إلخ) تعميم بعد تخصيص، وهل مثل ذلك ما لو كانت مثقوبةَ البطن مثلًا؟ والظاهر أنه لو كان الثقب كبيرًا يظهر به نقصها: فنعم، وإلا فلا] اهـ.
بل إنَّ من الفقهاء من يرى جواز البيع إن كانت منفعة المبيع محرمة ولا يُعلم هل هي مقصودة أو لا؛ قال العلامة ابن بزيزة المالكي في "روضة المستبين في شرح كتاب التلقين" (2/ 900): [واختلفوا إذا كانت المنفعة (محرمة) إلا أنه لا يُعلم هل هي مقصودة أو مطروحة؟ فمنهم من كرهه نظرًا إلى المنفعة المحرمة، ومنهم من أجاز بيعه تمسكًا بالأصل] اهـ.
وعلى هذا فلا يكون في بيع الآلات الموسيقية حظر؛ لا سيما على قول مَن يرون جواز السماع.
مسألةُ بيع الآلات الموسيقية مسألة خلافية مبناها على الخلاف الفقهي في سماع الآلات الموسيقية؛ فمن لم يُجِزِ السماع لم يُجِز البيع، ومن أجاز السماع أجاز البيع، ومن المقرر أنه: "إنما يُنكَر المُتفَقُ عليه، ولا يُنكَر المُختلَفُ فيه".
وقد أجاز سماع غير الفاحش وما لا يُلهي عن ذكر الله منها كثيرٌ من الفقهاء؛ وهو مذهب أهل المدينة، ومَروِيٌّ عن جماعةٍ مِن الصحابة: كعبدِ الله بن عُمر، وعبدِ الله بنِ جعفر، وعبدِ الله بنِ الزُّبَير، وحسَّان بنِ ثابتٍ، ومُعاوِيَة، وعَمرو بنِ العاص، رضي الله عنهم.
ومِن التابعين: القاضي شريح، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، والشعبي، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف -وكان لا يُحدِّث حديثًا حتى يضرب بالعُود-، وغيرهم؛ قال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (8/ 113، ط. دار الحديث): [نَقَل الأثباتُ مِن المُؤَرِّخين أنَّ عبدَ الله بنَ الزُّبَير رضي الله عنهما كان له جَوَارٍ عوَّادَاتٌ -أي: يَضربن بالعُود- وأنَّ ابن عمر رضي الله عنهما دَخَل عليه وإلى جَنْبِه عُودٌ، فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فناوَلَه إياه، فتَأمَّلَه ابنُ عمر، فقال: هذا مِيزانٌ شامي، قال ابنُ الزبير رضي الله عنهما: يُوزَن به العقول] اهـ.
وإلى هذا أيضًا ذهب ابنُ حزمٍ، وأهلُ الظاهرِ، وبعضُ الشافعيةِ ومنهم: الشيخُ أبو إسحاق الشيرازي، والقاضيان (الماوردي، والروياني)، والأستاذُ أبو منصور عبدُ القاهر بنُ طاهر التميمي البغدادي، والرافعيُّ، وحُجَّةُ الإسلامِ الغزاليُّ، وأبو الفضل ابنُ طاهر القيسراني، والإمامُ سلطان العلماء عزُّ الدِّين بنُ عبد السلام، وشيخُ الإسلام تقيُّ الدِّين ابن دقيق العيد، وعبدُ الغني النابلسي الحنفي.. وغيرُهم.
على القول بحرمة السماع فإن الحرمة ليست في السماع بعينه، وإنما هي في الهيئة المشتملة على السماع، وهو ما ذهب إليه كثيرٌ مِن المُحقِّقين مِن أهل العلم مِن الصحابة فمَن بَعدَهم، فيرون أنَّ المقصود هو النهي عن اللهو، وليس تخصيص المَعازف، وأنَّ الضرب بالمَعازف والآلات ما هو إلَّا صوتٌ لا يكون له حكم في ذاته، وإنما حَسَنُه حَسَنٌ، وقبيحُه قبيحٌ، وأنَّ الآيات القرآنية ليس فيها نهيٌ صريحٌ عن المَعازف والآلات المشهورة، وأن النهي في حديث البخاري الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» أخرجه في "صحيحه"، إنما هو عن المجموع لا عن الجميع؛ أي أن المنهي عنه هو: أن تَجتمعَ هذه المُفرداتُ المذكورة في الحديث في صورةٍ واحدة، وهذا كله على ما تقرَّر في الأصول أنَّ "الاقتِرانَ ليس بحُجَّةٍ"؛ فعَطفُ المَعازف على الزنا ليس بحُجَّةٍ في تحريم المَعازف. والحِرُ اسمٌ لفرج المرأة والمقصود به الزنا، والحرير إنما هو مُحرَّمٌ على الرجال دون النساء.
ليس كل استعمال للآلات الموسيقية حرامًا، وإنما لها استعمالان؛ فربما تستعمل بصورة محرمة وهي التي تكون في اللهو أو مع القينات والخمر، أو كانت تلهي عن ذكر الله تعالى.. إلخ، وربما تستعمل في صورة أخرى مباحة إذا لم يكن فيها شيء من هذا.
فالفقهاء متفقون على جواز استعمالها في العُرسِ ونحوه حتى الذين يرون الحرمة يستثنون من ذلك الاستعمال في العرس ونحوه، وقد روى الإمام النسائي في "سننه" عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ فِي عُرْسٍ، وَإِذَا جَوَارٍ يُغَنِّينَ، فَقُلْتُ: أَنْتُمَا صَاحِبَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَمِنْ أَهْلِ بَدْرٍ! يُفْعَلُ هَذَا عِنْدَكُمْ؟! فَقَالَا: اجْلِسْ إِنْ شِئْتَ فَاسْمَعْ مَعَنَا، وَإِنْ شِئْتَ اذْهَبْ، قَدْ رُخِّصَ لَنَا فِي اللَّهْوِ عِنْدَ الْعُرْسِ.
كما أنه مختلَف في إباحتها؛ هل هي للنساء فقط، أم للرجال والنساء سواء؟ وقال الإمام خليل بن إسحاق الجندي المالكي في "التوضيح في شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب" (4/ 257، ط. مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث): [واختُلف هل يجوز ذلك للرجال والنساء؟ وهو المشهور، وقول ابن القاسم في "العتبية": وقال أصبغ في سماعه: إنما يجوز للنساء فقط] اهـ.
فظهر من هذا أنَّ سماع الموسيقى له استعمالان، وعليه: يكون للآلات الموسيقية استعمالان أيضًا، وكل ما كان ذا استعمالين جاز بيعه والاتجار فيه، وتكون مسئوليته على المستعمل، ومن المقرر شرعًا أن "الحرمة إذا لم تتعين حلت".
بناءً على ذلك: فبيع الآلات الموسيقية جائزٌ على ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة ومن وافقه، وكذا من أجاز السماع من الفقهاء، ومن رأوا أنَّ الآلات الموسيقية لها استعمالان أحدهما مباح، وكذلك على ما ذهب إليه فقهاء الشافعية فيما كان منها يتركب مما له قيمة في ذاته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الشرع في المضاربة على أسهم الشركات التي تعمل في الأنشطة المباحة؛ كالحديد والصلب، وكذا الاشتراك في صناديق الاستثمار المختلفة؟
سائل يسأل عن حكم القيام ببيع السلع المدعمة في السوق السوداء؟ وما حكم مَن يقوم بذلك؟
ما حكم الرجوع في البيع لعدم سداد باقي الثمن؟ حيث أن جمعية زراعية خصَّصت للسائل مساحةَ أرض زراعية مقدارها عشرون فدانًا، ومساحة أخرى للبناء ومقدارها سبعمائة وثمانية وعشرون مترًا مربعًا وذلك سنة 1978م، وقد باعها السائلُ لإحدى السيدات سنة 1983م مقابل مبلغ قدره ثلاثون ألف جنيه قامت بسدادها المشترية كاملة، وقامت بالتوقيع على العقد بحضور زوجها، وضمن نصوص العقد المحرر بينهما أنه على المشترية الالتزام بالتقدم للجمعية لاستكمال إجراءات تثبيت الملكية وكذلك سداد الأقساط التي تطالب بها الجمعية، إلا أنه فوجئ باستمرار الجمعية في مخاطبته كمالكٍ ومطالبته بالأقساط المتأخرة حتى بلغت اثني عشر ألفًا وثمانمائة وثلاثين جنيهًا، ثم تسلم إنذارًا من الجمعية أخيرًا بسداد المبلغ المتبقي وإلا اعتبر العقد مفسوخًا مع الالتجاء إلى القضاء، علمًا بأن المشترية قد اختفت.
والسؤال الذي يطرحه السائل: هل يقع عليَّ ذنبٌ لو تصرفت ببيع الأرض لسداد مستحقات الجمعية واسترداد ما سبق سداده إلى الجمعية قبل البيع والاحتفاظ للمشترية بالمبلغ الذي سبق لها سداده عند الشراء وهو الثلاثون ألفًا يضاف إليها قيمة الأرباح المستحقة طول الفترة السابقة، أم أترك الأرض بصورتها الصحراوية للجمعية وأنهي العلاقة معها دون مسؤولية أدبية من جانبي عن ضياع أموال المشترية؟
ما حكم الشرع في إضافة ما يُعرف بـ"المصنعية" إلى الثمن عند بيع الذهب والفضة المَصُوغَين؟ حيث يُضِيفُ تُجَّار المشغولات الذهبية مبلغًا مُحدَّدًا نظير تلك المصنعية التي تختلف باختلاف شكلِ القطعة ونوعها.
ما حكم التجارة في منتجات تجميل الثديين التي تتم بإدخال النَّهد الصناعي داخل جوف الثدي بواسطة فتحة تحت الإبط أو فتحة في الطية الموجودة أسفل الثدي، وذلك إما لغرضٍ تجميلي تحسيني؛ على سبيل المثال: تكبير حجم الثدي أو غرض طبي ضروري؛ مثل حالات سرطان الثدي حيث تتم العملية لإعادة بناء الثدي بعد إزالته بسبب مرض السرطان؟ مع العلم بأن النسبة التقريبية للعمليات التحسينية لا تقل عن سبعين بالمائة من الحالات. وهل بيع وتسويق مثل هذه المنتجات يعدُّ مشروعًا؟
هناك منتجات أخرى تستخدم عن طريق الحقْنِ لتعديل حجم الشفتين والأنف والخدود والحواجب وإزالة التجاعيد عن باقي أجزاء الوجه بغرضٍ تجميلي، وأيضًا تستعمل في بعض حالات الحروق والعيوب الخلقية بغرض طبيٍّ. فما الحكم في المتاجرة فيها؟
ما حكم رجوع الوالد عن عقد بيع لأولاده، حيث أنه قد اشترى رجل قطعة أرض وسجلها بعد أن اشتراها بعشرة أعوام، فكتب لنفسه ثمانية قراريط، ولكل من أولاده القصر أربعة قراريط، وأقام عليها عمارة، وبعد اثنين وعشرين عامًا من تسجيل الأرض تعدى عليه أولاده بالسب والضرب والادعاءات الكاذبة، وكان هذا التعدي والجحود نكرانًا للجميل؛ ولذلك يريد الرجوع فيما وهبه -كتبه- لأولاده، فهل من حقه ذلك أم لا؟ فما الحكم الشرعي في ذلك.