أطلق بعض المستشرقين حملةَ تشويهٍ على الإمام البخاري؛ للنيلِ من منزلته ومكانته في علم الحديث؛ فما قول العلماء في منزلة ومكانة الإمام البخاري في علم الحديث؟
الطعن في الإمام البخاري رحمه الله تعالى خروجٌ عن المسلك العلمي وشذوذًٌ عن المنهج المستقيم؛ فقد صرَّح علماء المسلمين وأئمتهم عبر القرون بأن الإمام البخاري قد بلغ الغاية في حفظ الحديث وفهم عِلَله، وأنه جمع إلى معرفة الأسانيدِ التفقهَ في المتونِ، وأنه علَمٌ من كبار علماء الحديث روايةً ودرايةً، وأنه كان إمام زمانه، والذين شهدوا له بذلك إنما هم أئمة المحدثين وهم أهل الشأن وأصحاب الصنعة وأرباب التخصص ومَن إليهم المَرْجِعُ في تقويم الرجال وتقدير مكانتهم وأهليتهم في علوم الحديث وفنون الرواية، وقد امتازت هذه الشهادة بالتنوع الشديد الذي يستحيل معه التواطؤ على الخطأ أو الكذب عادة؛ فقد أثنى عليه شيوخُه وأقرانُه ومعاصروه وتلامذتُه، ثم من جاء بعده، واجتماع كل هذه الطبقات على الشهادة له بالإمامة يجعل ذلك أمرًا قطعيًّا لا شك فيه.
من أعظم الجهابذة والعباقرة الذين أنجبتهم مدرسة أهل الحديث في الإسلام: الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري [ت: 256هـ] صاحب "الصحيح"، رحمه الله تعالى ورضي الله عنه؛ هو أمير المؤمنين في الحديث، وأستاذ أهل الصنعة الحديثية، وإمام أئمة أهل الحديث في القديم والحديث؛ بهر أهل عصره ومن جاء بعدهم بحفظه وفهمه النافذ وبصره الناقد في علوم الحديث، وقد وُصِف بالحفظ من صباه وصغره؛ فروى الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (2/ 24، ط. دار الكتب العلمية) [عن سليم بن مجاهد قال: كنت عند محمد بن سلام البيكندي، فقال: لو جئتَ قبلُ لرأيتَ صبيًّا يحفظ سبعين ألف حديث، قال: فخرجت في طلبه حتى لقيتُه، فقلتُ: أنت الذي تقول: أنا أحفظ سبعين ألف حديث؟ قال: نعم، وأكثر منه، ولا أجيئك بحديث من الصحابة والتابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم، ولست أروي حديثًا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي في ذلك أصل؛ أحفظه حفظًا عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
وقد أجمع علماء المسلمين وأئمتهم ومحدثوهم عبر القرون على إمامته في علم الحديث وتقدمه فيه رواية ودراية؛ فممن نقل هذا الإجماعَ: الإمامُ الحافظ أبو عبد الله الحاكم [ت: 405هـ]؛ فقال فيما نقله عنه الإمام النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (1/ 71، ط. إدارة الطباعة المنيرية): هو إمام أهل الحديث، بلا خلاف بين أئمة النقل، والإمام الحاكم هو إمام أهل الحديث في عصره، كما قال الإمامان أبو حازم العبدوي الحافظ، وأبو الحسن الفارسي، وزاد: العارف به حق معرفته؛ نقله الذهبي في "تاريخ الإسلام" (28/ 127-128، ط. دار الكتاب العربي). ونقله أيضًا الإمامُ النوويُّ شيخ الشافعية رحمه الله تعالى [ت: 676هـ] في كتابه "تهذيب الأسماء واللغات" (1/ 71)؛ فقال: [واعلم أن وصف البخاري رحمه الله بارتفاع المحل والتقدم في هذا العلم على الأماثل والأقران، متفق عليه فيما تأخر وتقدم من الأزمان، ويكفي في فضله: أن مُعْظَمَ مَن أثنى عليه ونشر مناقبه شيوخُه الأعلام المبرزون، والحُذَّاق المتقنون] اهـ. وهذا إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة [ت: 311هـ] -وهو إمامُ أهل الحديث في عصره بلا مدافعة، كما يقول الحاكم في "المستدرك" (1/ 593، ط. دار الكتب العلمية)- يقدِّم الإمام البخاري في علم الحديث على كل من رآهم من علماء عصره؛ فيقول: ما رأيت تحت أديم هذه السماء أعلم بالحديث مِن محمد بن إسماعيل البخاري، وفي لفظ: ما رأيت تحت أديم السماء أحفظَ لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أعرَفَ به من محمد بن إسماعيل البخاري. خرجه الحاكم في "تاريخ نيسابور"، والحافظ الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (2/ 26، ط. دار الكتب العلمية)، والحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (5/ 65)، والحافظ شرف الدين بن المفضل المقدسي في "الأربعين على الطبقات" (ص: 294، ط. أضواء السلف)، والحافظ أبو بكر بن نقطة الحنبلي في "التقييد" (ص: 32، ط. دار الكتب العلمية)، وغيرهم.
ونقل الحافظ أبو الفضل بن طاهر المقدسي [ت: 507هـ] إجماعَ أهل الحديث قاطبة في عصر الإمام البخاري على تقدُّمه عليهم؛ فقال بعد ذكره كلامَ ابنِ خزيمة السابق: [وحسبك بإمام الأئمة ابن خزيمة يقول فيه هذا القول مع لُقِيِّه الأئمةَ والمشايخَ شرقًا وغربًا، ولا عجب فيه؛ فإن المشايخ قاطبة أجمعوا على قدمه، وقَدَّمُوُه على أنفسهم في عنفوان شبابه، وابن خزيمة إنما رآه عند كبره وتفرده في هذا الشأن] اهـ. نقله الإمام النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (1/ 70).
وهذه نبذة من أقوال أهل الحديث وأئمة المسلمين في الإقرار للإمام البخاري بالعلم والإمامة والتقدم في علم الحديث وتوثيقه، والطعن على من قدح فيه؛ فهذا إمام أهل السنة والصابر في المحنة الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه يَعُدُّه أحدَ المحدِّثين الأربعة الذين انتهى إليهم الحفظ؛ فيقول: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان: أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، والحسن بن شجاع البلخي، بل ويفضله عليهم جميعًا فيقول: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل.
وهذا الإمام الحافظ أبو حاتم الرازي [ت: 277هـ] -وهو الإمام الحافظ الناقد، شيخ المحدثين؛ كما يصفه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (13/ 247، ط. مؤسسة الرسالة)- يُفَضِّله على كل أهل خراسان؛ فيقول: لم يخرج من خراسانَ أحفظُ منه، ولا قدم العراقَ أعلمُ منه.
وهذا شيخُه الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن حُجْر السعديُّ [ت: 244هـ] -وهو الحافظ العلَّامة الحجة؛ كما يقول الذهبي في "السِّيَر" (11/ 507)- يقول: أخرجَتْ خراسانُ ثلاثةً: أبا زرعة الرازي بالري، ومحمد بن إسماعيل البخاري ببخارى، وعبد الله بن عبد الرحمن بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم. ويقدِّمه على نفسه: شيخُه إمامُ أهل العلل الحافظُ أبو الحسن علي بن المديني [ت: 234هـ] -وهو أحد أئمة الحديث في عصره، والمقدَّم على حُفَّاظ وقته؛ كما يقول الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (11/ 455، ط. دار الكتب العلمية)-؛ فإنه لَمَّا بلغه قولُ الإمام البخاري فيه: ما استصغرتُ نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني، قال لمن أخبره: دع قولَه؛ ما رأى مثل نفسه.
وقال الإمام البخاري: قال لي علي بن المديني: الناس يقولون: إنك تتعلم مني، ووالله إني لأتعلم منك أكثرَ مما تتعلم مني، ورأيتَ أنتَ مثلَ نفسك يا أبا عبد الله؟! حكاه الحافظ ابن رُشَيد الفهريُّ في "السَّنَنِ الأَبْيَن" (ص: 88، ط. مكتبة الغرباء).
وينقاد لقوله في معرفة الحديث وعلله مشايخُه وأئمةُ أهل الحديث في عصره؛ كشيخه الإمامِ الحافظِ أبي زكريا يحيى بن معين [ت: 233هـ] -وهو إمام أهل الحديث ومزكي الرواة بلا مدافعة؛ كما يقول الحاكم في "المستدرك" (1/ 313، ط. دار الكتب العلمية)-، وإمامي أهل خراسان أبي زرعة [ت: 265هـ] وأبي حاتم [ت: 277هـ] الرازيين: قال أبو عمرو الكرماني: حكيت لمهيار بالبصرة، عن قتيبة بن سعيد، أنه قال: لقد رُحِلَ إليَّ مِن شرق الأرض وغربها، فما رَحَلَ إليَّ مثلُ مُحَمَّد بن إسماعيل، فقال مهيار: صدق؛ أنا رأيته مع يحيى بن معين، وهما جميعًا يختلفان إلى مُحَمَّد بن إسماعيل، فرأيت يحيى ينقاد له في المعرفة، وينهى شيخُه الإمامُ الحافظُ الحجةُ مسددُ بنُ مسرهد [ت: 228هـ] أن يُقَدَّمَ أحدٌ على الإمام البخاري؛ فيقول: لا تختاروا على محمد بن إسماعيل، يا أهل خراسان.
ووصل من قوة معرفته وعلمه بالحديث: أن وصفه المحدِّثون بالاستقراء التام؛ فعَدُّوا كل حديث لا يعرفه ليس بحديث، وهذا مقامٌ يعسر مَنَالُه في علم الحديث؛ فهذا الحافظ عمرو بن علي الفلاس يقول: حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث.
وعلى ذلك: فقد صرَّح علماء المسلمين وأئمتهم عبر القرون بأن الإمام البخاري قد بلغ الغاية في حفظ الحديث وفهم عِلَله، وأنه جمع إلى معرفة الأسانيدِ التفقهَ في المتونِ، وأنه علَمٌ من كبار علماء الحديث روايةً ودرايةً، وأنه كان إمام زمانه، ولم يرَ فيه مثل نفسه، والذين شهدوا له بذلك إنما هم أئمة المحدثين وهم أهل الشأن وأصحاب الصنعة وأرباب التخصص ومَن إليهم المَرْجِعُ في تقويم الرجال وتقدير مكانتهم وأهليتهم في علوم الحديث وفنون الرواية؛ حيث شهدوا له بالإمامة والتفرد في علوم الحديث، وقدموه على أنفسهم في ذلك، وشهدوا بأنهم لم يروا مثله في علم الحديث والأهلية والفهم فيه، وقد امتازت هذه الشهادة بالتنوع الشديد الذي يستحيل معه التواطؤ على الخطأ أو الكذب عادة؛ فقد أثنى عليه شيوخُه وأقرانُه ومعاصروه وتلامذتُه، ثم من جاء بعده، واجتماع كل هذه الطبقات على الشهادة له بالإمامة يجعل ذلك أمرًا قطعيًّا لا مرية فيه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
يقول السائل: أنا مسلم وأحافظ على الفرائض والشعائر، لكني أعمل في مجالٍ متخصص يستغرق وقتي، ولا أتمكن من دراسة علوم الدين، فقال لي بعض الناس: إن هناك من يرى أن ذلك يُعدُّ من الإعراض عن دين الله ومن نواقض الإسلام. فما حكم الشرع في ذلك؟ نرجو منكم البيان.
سائل يقول: كنت أتناقش مع صديق لي، فتطرقنا في حديثنا إلى الأدلة المعتبرة في الشرع، وأخبرني بأن القياس ليس من الأدلة المعتبرة على عكس ما أعلم، وأن الدليل إما كتاب أو سنة وحسب؛ فما مدى صحة هذا الكلام؟ وهل القياس من الأدلة المعتبرة في الشرع الشريف؟
ما حكم تعليق صور الصالحين؟ وهل صحيح أنها تمنع من دخول الملائكة؟
ما صحة حديث «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ»، وما حكم العمل به؟
نرفع لسيادتكم نموذجًا لما يتم تداوله بين أوساط بعض المسلمين من شبهات حول حكم بناء الكنائس وترميمها، وجاءت هذه الشبهات كالتالي:
الشبهة الأولى: بناء الكنائس والبِيَع حرام؛ حيثُ إنَّ المساجد بيوت عبادة الله للمسلمين، والكنائس والبِيَع معابد اليهود والنصارى يعبدون فيها غير الله، والأرض لله عز وجل، وقد أمر ببناء المساجد وإقامة العبادة فيها لله عز وجل، ونهى سبحانه عن كل ما يُعبَد فيه غير الله؛ لِمَا فيه من إقرار بالباطل، وتهيئة الفرصة للقيام به، وغش الناس بوضعه بينهم، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية؛ مثل الكنائس، أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام، من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره، والله عز شأنه يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
الشبهة الثانية: أجمع العلماء على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد الكفرية إذا أُحدثَت في أرض الإسلام، ولا تجوز معارضة ولي الأمر في هدمها؛ بل تجب طاعته.
وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية؛ مثل الكنائس، أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام، من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره؛ والله عز شأنه يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
قال شيخ الإسلام: "من اعتقد أنَّ الكنائس بيوت الله وأنَّ الله يُعبدُ فيها، أو أنَّ ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة لرسوله، أو أنه يحب ذلك ويرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم وأنَّ ذلك قربة أو طاعة فهو كافر".
وليحذر المسلم أن يكون له نصيب من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ۞ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ۞ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ۞ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: 25-28].
الشبهة الثالثة: صار من ضروريات الدين تحريمُ الكفر الذي يقتضي تحريم التعبد لله على خلاف ما جاء في شريعة الإسلام؛ ومنه: تحريم بناء معابد وفق شرائع منسوخة؛ يهودية، أو نصرانية، أو غيرهما؛ لأنَّ تلك المعابد سواء كانت كنيسة أو غيرها تعتبر معابد كفرية؛ لأنَّ العبادات التي تؤدى فيها على خلاف شريعة الإسلام الناسخة لجميع الشرائع قبلها والمبطلة لها، والله تعالى يقول عن الكفار وأعمالهم: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: 23]، ولا يجوز اجتماع قبلتين في بلدٍ واحدٍ من بلاد الإسلام، ولا أن يكون فيها شيء من شعائر الكفار لا كنائس ولا غيرها؛ ولهذا أجمع العلماء على تحريم بناء هذه المعابد الكفرية. وقد قال شيخ الإسلام: "من اعتقد أنَّ زيارة أهلِ الذمة كنائسَهم قربةٌ إلى الله فهو مرتدٌّ، وإن جهل أنَّ ذلك محرم عُرِّف ذلك، فإن أصرَّ صار مرتدًّا" اهـ.
الشبهة الرابعة: من المعلوم أنَّ الأشياء التي ينتقض بها عهد الذمي: الامتناع من بذل الجزية، وعدم التزام أحكام الإسلام، وأن يُقاتل المسلمين منفردًا أو في الحرب، وأن يلتحق الذمي بدار الحرب مُقيمًا بها، وأن يتجسس على المسلمين وينقل أخبارهم، والزنا بامرأةٍ مسلمة، وأن يذكر الله تعالى أو رسوله أو كتبه بسوء.
وإذا انتقض عهد الذمي: حلَّ دمه وماله، وسار حربيًّا يُخير فيه الإمام بين القتل، أو الاسترقاق، أو المن بلا فدية، أو الفداء.
الشبهة الخامسة: ذكر البعضُ أنَّ البلاد التي أُنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمُون عنوةً وتملكوا أرضها وساكنيها لا يجوز إحداث كنائس فيها، ويجب هدم ما استحدث منها بعد الفتح؛ لأنَّ هذه الكنائس صارت ملكًا للمسلمين بعد أن فتحوا هذه البلاد عنوة.
وأمَّا البلاد التي أُنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمون صُلْحًا: فهي على نوعين:
الأول: أن يصالحهم على أن الأرض لهم ولنا الخراج عليها، أو يصالحهم على مالٍ يبذلونه وهي الهُدنة؛ فلا يُمنعون من إحداث ما يختارونه فيها؛ لأنَّ الدار لهم.
الثاني: أن يُصالحهم على أنَّ الدار للمُسلمين، ويؤدون الجزية إلينا، فحكمها ما اتُّفقَ عليه في الصلح، وعند القدرة يكون الحكم ألَّا تُهدم كنائسهم التي بنوها قبل الصلح، ويُمنعون من إحداث كنائس بعد ذلك.
الشبهة السادسة: حكم بناء ما تهدَّمَ من الكنائس أو ترميمها: على ثلاثة أقوال:
الأول: المنع من بناء ما انهدم وترميم ما تلف.
الثاني: المنع من بناء ما انهدم، وجواز ترميم ما تلف.
الثالث: إباحة الأمرين.
فالرجاء التفضل بالاطلاع والتوجيه بما ترونه سيادتكم نحو الإفادة بالفتوى الشرعية الصحيحة في هذا الشأن حتى يمكن نشرها بين أهالي القرى؛ تصحيحًا للمفاهيم ومنعًا للشبهات.
لحقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية طابع الضرورة المؤسس على العقيدة، أي طابع الالتزام الناشئ بمحض الإيمان؛ وذلك ليبقى قادرًا على التأثير في تطوير المبادئ القانونية التي تحكم حقوق الإنسان في المجتمع الإنساني. ما هي بنظر فضيلتكم الحقوق التي كفلها الإسلام في هذا المجال؟ وخصوصًا حق المساواة في الإنسانية بين الرجل والمرأة؟ وفي هذا السياق نشير إلى أن البعض في محاولاتهم لتشويه هذه المساواة استندوا إلى تفسير خاطئ انتشر لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي رواه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن نقص النساء في العقل والدين. كيف تصححون ذلك؟