هل يجب تبييت النية في قضاء صيام رمضان؟ فقد أفطرتُ يومًا في رمضان لعذرٍ، وفي أحد الأيام استيقظتُ عند الساعة العاشرة صباحًا ولم أكن قد تناولتُ شيئًا من طعامٍ أو غيره أو فعلتُ أمرًا ينافي الصيام؛ فهل يجوز أن أنوي الصيام في هذا الوقت بنية قضاء اليوم الذي عليَّ وأُكمل بقية اليوم صائمًا؟
لا يجوز للسائل أن ينوي صيام قضاء ما عليه من رمضان في صباح اليوم الذي يريد الصيام فيه؛ لأن تعيين النية في صوم القضاء واجبٌ من الليل وقبل الشروع في الصيام بدخول وقت الفجر، ولا يصح تعيينها بعد ذلك، ويتحقق تعيين هذه النية بأن يعتقد أنه يصوم غدًا مِن قضاء ما عليه مِن رمضان، ولا تكفي نية الصوم المطلق.
المحتويات
النية لغةً: مِن نَوى نِيَّةً؛ أي: تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ، وَنَوَى: بَعُدَ، وتأتي بمعنى "القصد"، وبمعنى "الحفظ"؛ كما في "المصباح المنير" للعلامة الفيومي (ص: 631، ط. المكتبة العلمية)، و"المعجم الوسيط" (ص: 965، ط. دار الدعوة).
واصطلاحًا: هي "قَصْدُ الإنسان بقلبه ما يريده بفعله"؛ كما في "الذخيرة" لشهاب الدين القرافي (1/ 240، ط. دار الغرب الإسلامي).
والنية مطلوبة شرعًا في عموم الأعمال؛ سواء كانت من قبيل العبادات أو العادات؛ فعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ؛ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا؛ فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» متفق عليه. فدَلَّ الحديثُ على أنَّ ثواب الأعمال وجزاءها مُتوقفٌ على النية.
قد شُرعت النية لتمييز العبادات عن العادات، ولتمييز رُتَب العبادات، كما أنَّ مِن العبادات ما يحتاج لزامًا إلى النية؛ وهي ما كان حكمُها الثابتُ بالنص تعبُّديًّا، ومنها ما يمكن الاستغناء فيها عن النية؛ وهي ما حكمُها الثابتُ بالنص معقولَ المعنى.
قال الإمام أبو الوليد ابن رشد في "بداية المجتهد" (1/ 15، ط. دار الحديث): [لا يختلفون أن العبادة المحضة مفتقرة إلى النية، والعبادة المفهومة المعنى غير مفتقرة إلى النية] اهـ.
وقال شهاب الدين القرافي في "الذخيرة" (3/ 136): [حِكمة إيجاب النية إنما هو تمييز العبادات عن العادات، وتمييز مراتب العبادات، فتفتقر للنية؛ لتمييزها عن الهبات والكفارات والتطوعات] اهـ.
وقال سعد الدين التفتازاني في "شرح التلويح على التوضيح" (2/ 100، ط. دار الكتب العلمية): [المعتبر في الاحتياج إلى النية أو الاستغناء عنها: هو كون الحكم الثابت بالنص تعبديًّا أم معقولًا؛ بمعنى ألَّا يدرك العقلُ معناه -أي: علَّته-، أو يدرك] اهـ.
النية شرطٌ لصحة الصيام؛ كما في سائر العبادات، ويلزم تعيينها في الصوم الواجب قبل الشروع في الصيام؛ أي: قبل طلوع الفجر، ويكون وقتها في أيِّ جزءٍ مِن الليل؛ مِن غروب الشمس إلى طلوع الفجر؛ لحديث أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ فَلَا صِيَامَ لَهُ» أخرجه النسائي في "السنن".
قضاء المسلم ما فاته مِن الصيام في رمضان واجبٌ شرعًا، وهذا القضاء لا يصح إلا بنيةٍ معيَّنةٍ من الليل قبل الشروع في الصيام؛ لأن صوم القضاء غيرُ متعيِّنٍ بوقتٍ محددٍ، فوجب تعيين النية فيه للتمييز بينه وبين صيام النافلة، كما أنَّ تعيين النية يكون بقصد الصائم قضاء ما فاته من الصيام في شهر رمضان من أول طلوع فجر اليوم الذي يريد صيامه إلى غروب شمس ذلك اليوم، وقصد صوم الجزء الماضي من اليوم مُحال، فوجب أن تكون قبل طلوعِ فجرِ اليومِ الذي يريد الصيام فيه، وقد تواردت على ذلك نصوص المذاهب الفقهية الأربعة:
قال برهان الدين المرغيناني الحنفي في "الهداية" (1/ 117، ط. دار إحياء التراث العربي): [ما ثبت في الذمة كقضاء شهر رمضان وصوم الكفارة: فلا يجوز إلا بنيةٍ مِن الليل؛ لأنه غير متعيِّن، ولا بد مِن التعيين مِن الابتداء] اهـ.
وقال العلامة الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 520، ط. دار الفكر، مع "حاشية الدسوقي"): [(وصحته) أي شرط صحة الصوم (مطلقًا) فرضًا أو نفلًا (بنيَّة) أي: نية الصوم ولو لم يلاحظ التقرب لله (مُبَيَّتَة)؛ بأن تقع في جزءٍ من اللَّيل من الغروب إلى الفجر] اهـ.
قال العلامة الدسوقي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: من الغروب إلخ) بيانٌ للَّيل؛ فلا تكفي قبل الغروب عند الكافة، ولا بعد الفجر؛ لأن النية هي القصد، وقَصْدُ صومِ الجزء الماضي مِن اليوم مُحَالٌ] اهـ.
وقال كمال الدين أبو البقاء الدميري الشافعي في "النجم الوهاج" (3/ 287، ط. دار المنهاج): [(ويجب التعيين في الفرض)؛ وهو أن ينوي أنه صائمٌ مِن رمضان مثلًا، أو عن قضاءٍ، أو كفارة؛ لأنه قربة مضافة إلى وقتها؛ فوجب التعيين في نيتها كالصلوات الخمس] اهـ.
وقال علاء الدين المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 293-294، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: (ولا يصح صوم واجب إلا أن ينويه من الليل معيَّنًا) هذا المذهب، نصَّ عليه.
يعني أنَّه لا بدَّ من تعيين النيَّة، وهو أن يعتقد أنَّه يصوم من رمضان، أو من قضائه، أو نذره، أو كفارته.. تنبيه: قوله: (إلا أن ينويه من الليل) يعني: تُعتَبَر النية مِن الليل لكلِّ صومٍ واجبٍ بلا نزاع] اهـ.
والنية محلُّها القلب، ويستحب التلفظ بها باللسان؛ تأكيدًا لها، ودفعًا لوساوس الشيطان؛ كما في "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (1/ 343، ط. دار الكتب العلمية).
بناءً على ذلك: فإنَّ تعيين النية في صوم القضاء واجبٌ من الليل وقبل الشروع في الصيام بدخول وقت الفجر، ولا يصح تعيينها بعد ذلك، ويتحقق تعيين هذه النية بأن يعتقد أنه يصوم غدًا مِن قضاء ما عليه مِن رمضان، ولا يجزئ نية الصوم المطلق؛ لأن الصوم عبادةٌ مضافةٌ إلى وقتٍ.
وفي واقعة السؤال: لا يجوز للسائل أن ينوي صيام قضاء ما عليه من رمضان في صباح اليوم الذي يريد الصيام فيه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
يقول السائل: وجب عليَّ كفارة صيام شهرين متتابعين، فشرعتُ في صيامها من بداية شهر الله المحرم، واستمررت في الصيام في شهر صفر حتى أوشكتُ على الانتهاء من الشهرين، ثم وجدتُ أن مجموع الشهرين 59 يومًا؛ لأن أحد الشهرين كان 29 يومًا، ولا أدري هل عليَّ صيام يوم آخر بعد الشهرين لكي أتم 60 يومًا؟
ما حكم الدم النازل على المرأة الكبيرة بعد انقطاع الحيض عنها؟ وهل يمنع من الصلاة والصيام؟ فقد تجاوزت سني السادسة والخمسين سنة، وقد انقطع عني دم الحيض منذ عام، ولكن فوجئت منذ أيام بنزول الدم مرة أخرى بنفس ألوان دم الحيض المعروفة لمدة خمسة أيام، فما حكم ذلك شرعًا؟ وهل يعتبر دم حيض يمنع من الصلاة والصيام؟
ما حكم الصيام لمن يعاني من متلازمة داون؟ حيث يوجد رجلٌ له ابنٌ يبلغ مِن العُمر ستة وعشرين عامًا، ويعاني مِن "متلازمة داون" منذ الولادة، ويسأل: هل يجب على هذا الابن صوم رمضان؟ عِلمًا بأنه لا يُدرِك ما عبادة الصوم؟ ويظن أني أُعاقبه بمنعه مِن الطعام والشراب إذا أجبرتُه على الصوم.
ما حكم إتمام من شَرَع في صومِ التطوعِ وحكم قضائه إن أفسده؟ فأنا اعتدتُ على الإكثار من صيام التطوع كنحو يومي الإثنين والخميس من كلِّ أسبوع ما أمكن ذلك، ولكن أفسدت صومي في أحد هذه الأيام بعد الشروع فيه، فهل عليَّ إثم في ذلك؟ وهل يجب عليَّ قضاء هذا اليوم؟
ما حكم اشتراط النية في صيام التطوع؟ وما هو وقتها؟ فقد كان لدي عمل مهم، وانتهيت منه بعد آذان العصر، ولانشغالي في هذا العمل لم أتناول شيئًا، فأردت أن أصوم هذا اليوم تطوعًا؛ فهل تشترط النية لذلك؟ وهل تصح إذا نويت الصيام بعد العصر؟
ما حكم مَن يتناول الشراب بعد الانتهاء من أذان الفجر مباشرة وقبل الصلاة في رمضان؟ علمًا بأنه يدعو الناس إلى ذلك ويقول: إنَّ الرسول عليه السلام كان يفعل ذلك مع بعض الصحابة، وكان يؤخِّر الصلاة حتى ينتهوا من طعامهم وشرابهم.