ما حكم أكل الناذر من النذر المعين للفقراء والمساكين؟ حيث نذر رجلٌ إن نجح ولده هذا العام فسوف يذبح شيئًا ويوزعه على الفقراء والمحتاجين. فهل يجوز له الأكل من هذا النذر؟
إذا نذر الإنسان نذرًا بأنه سوف يذبح شيئًا لله ويوزعه على الفقراء والمحتاجين، وعلَّقه على أمرٍ وتحقق ذلك الأمر؛ فإنه يجب عليه الوفاء بنذره؛ ولكونه قد عَيَّنَ هذا النذر للفقراء والمساكين، فإنه لا يجوز له أن يأكل منه، وإنما يُوَزِّعه كلَّه على الفقراء والمساكين والمحتاجين.
المحتويات
النذر في اللغة: بمعنى النَّحْب والإيجاب، وقيل لَهُ (نَذْر)؛ لأَنه نُذِرَ فيه أَي: أَوجب، من قولك نَذَرتُ على نفسي أَي: أوجبت؛ كما في "لسان العرب" للعلامة جمال الدين ابن منظور (5/ 200، ط. دار صادر).
وفي الشرع: عبارة عن إِيجاب المرءِ فِعْلَ الْبِرِّ على نفسه؛ كما في "الاستذكار" للإمام ابن عبد البر (5/ 173، ط. دار الكتب العلمية).
قد أوجب الشرع الشريف على المُكلَّف أن يفي بنذر الطاعة عند القدرة عليه، وشدد على الوفاء به، وعلى ذلك تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة.
فمن الكتاب: قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ [البقرة: 270]، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29]، وقوله تعالى في بيان صفات الأبرار: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإِنسان: 7].
ومن السنة: ما أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ».
وأخرج الإمام البخاري في "صحيحه" عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ».
قال الإمام ابن بطال في "شرحه على صحيح البخاري" (6/ 156-157، ط. مكتبة الرشد) عند شرح حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: [النذر في الطاعة واجب الوفاء به عند جماعة الفقهاء لمن قدر عليه، وإن كانت تلك الطاعة قبل النذر غير لازمة له فنذره لها قد أوجبها عليه؛ لأنه ألزمها نفسه لله تعالى فكل من ألزم نفسه شيئًا لله فقد تعين عليه فرض الأداء فيه، وقد ذم الله من أوجب على نفسه شيئًا ولم يف به؛ قال تعالى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ الآية] اهـ.
ولا خلاف أنَّ النذر بالطاعة يلزم الوفاء به ولا كفارة فيه، واتفقوا أنَّ من نذر معصية فإنه لا يجوز له الوفاء بها"؛ كما قال الإمام ابن القطَّان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 375، ط. دار الفاروق).
قد ذهب جمهور الفقهاء؛ من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة: إلى أنَّ مَن نذر شيئًا وعيَّنهُ للفقراء والمساكين؛ فإنه لا يجوز له أن يأكل منه، على تفصيلٍ بينهم في ذلك.
فأما الحنفية والحنابلة: فقد منعوا الأكل من النذر مطلقًا؛ سواء كان النذر معيَّنًا للفقراء والمساكين أو غير معيَّن، وسواء كان نذرَ مجازاةٍ أو غيرَ مجازاةٍ، وعَلَّلَ الحنفيةُ المنعَ مِن الأكل منه: بأنه دمُ صدقةٍ وجبت عليه؛ فلا يجوز أن يأكل منها.
قال علاء الدين الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 226، ط. دار الكتب العلمية): [ولا يجوز له أن يأكل من دم النذر شيئًا. وجملة الكلام فيه: أن الدماء نوعان: نوعٌ يجوز لصاحب الدم أن يأكل منه؛ وهو دم المتعة والقران، والأضحية، وهدي التطوع إذا بلغ محله، ونوعٌ لا يجوز له أن يأكل منه؛ وهو دم النذر والكفارات، وهدي الإحصار، وهدي التطوع إذا لم يبلغ محله؛ لأن الدم في النوع الأول دمُ شكرٍ فكان نسكًا؛ فكان له أن يأكل منه، ودم النذر دمُ صدقةٍ، وكذا دم الكفارة في معناه؛ لأنه وجب تكفيرًا لذنبٍ] اهـ.
وقال الإمام الخرقي الحنبلي [ت: 334هـ] في "مختصره" (ص: 63، ط. دار الصحابة): [ولا يأكل من كل واجبٍ إلا مِن هدي التمتع] اهـ.
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 465، ط. مكتبة القاهرة) شارحًا عليه: [ولعل الخرقي ترك ذكر القرآن؛ لأنه متعة، واكتفى بذكر المتعة؛ لأنهما سواءٌ في المعنى؛ فإن سببهما غير محظور، فأَشْبَهَا هدي التطوع، وهذا قول أصحاب الرأي. وعن أحمد: أنه لا يأكل مِن المنذور وجزاء الصيد، ويأكل مما سواهما؛ وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما، وعطاء، والحسن، وإسحاق؛ لأن جزاء الصيد بدلٌ، والنذر جعله لله تعالى، بخلاف غيرهما] اهـ.
وقال الإمام أبو الخطَّاب الكلوذاني الحنبلي [ت: 510هـ] في "الهداية" (ص: 202، ط. مؤسسة غراس): [ولا يأكل من الدماء الواجبة إلا من هدي التمتع والقران، وعنه: يأكل من الجميع إلا من النذر وجزاء الصيد] اهـ.
وأما المالكية: فقد منعوا الأكل من النذر المعيَّن الذي صرفه الناذر لصنفٍ معين من الناس؛ لأنه بالتعيين يتأكد في حقِّ مَن تَعَيَّن له، فإذا أكل الناذر منه فقد أكل ممَّا لا يحل له الأكل منه.
جاء في "المدونة" (1/ 410، ط. دار الكتب العلمية): [قال مالك: يؤكل من الهدي كله، إلا فدية الأذى، وجزاء الصيد، وما نذره للمساكين] اهـ.
وقال الشيخ عليش في "فتح العلي المالك" (1/ 207، ط. دار المعرفة): [وسئل سيدي أحمد الدرديري بما نصه: وهل يجوز لمَن نذر لله أو لولي شاة الأكل منها وإطعام الغني، أو لا، أو كيف الحال؟ فأجاب بما نصه: "الحمد لله، النذر إنْ عَيَّنَهُ للفقراء والمساكين بلفظه أو نيته: فليس له أن يأكل منه، وإن أطلق: جاز الأكل، وليس له أن يطعم منها الأغنياء، والله أعلم، فَتَأَمَّلْهُ"] اهـ.
وأما الشافعية: فإنهم منعوا في الجملة أكل الإنسان مِن كل ما وجب عليه، وإن اختلفوا في بعض الصور، غير أنهم نصُّوا على عدم جواز أكل الناذر مِن نذر المجازاة، وهو ما علَّقه على حصول شيءٍ أو عدم حصوله -كما في مسألتنا-؛ سواء كان المنذور به معيَّنًا في الذمة؛ كتعيينه ذبيحةً بعينها، أو مرسلًا من غير تعيين.
قال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 417، ط. دار الفكر): [وإنْ نَذَرَ نَذْرَ مجازاةٍ؛ كتعليقِهِ التزام الهدي أو الأضحية بشفاء المريض ونحوه: لم يجز الأكل منه أيضًا كجزاء الصيد. ومقتضى كلام الأصحاب: أنه لا فرق بين كون الملتزَم معيَّنًا أو مرسلًا في الذمة] اهـ.
وقال شمس الدين الرملي في "حاشيته على أسنى المطالب" (1/ 545، ط. دار الكتاب العربي): [وبالجملة: فالمذهب منع الأكل من الواجبة مطلقًا؛ كما لا يجوز له أن يأكل من زكاته أو كفارته شيئًا] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإذا أكرم الله تعالى هذا الرجل المذكور بنجاح ولده في العام الذي قصده؛ فإنه يجب عليه أن يذبح وفاءً بنذره الذي عَلَّقَهُ على هذا النجاح؛ ولكونه قد عَيَّنَ هذا النذر للفقراء والمساكين، فإنه لا يجوز له أن يأكل منه، وإنما يُوَزِّعه كلَّه على الفقراء والمساكين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما الشروط التي يجب توافرها في الأضحية حتى تكون صحيحة؟ وما هي العيوب التي تؤثر فيها؟
ما حكم النذر المعلَّق على مشيئة الله؟ فقد نذرتُ لله تعالى نذرًا، وعلَّقتُ هذا النذر على مشيئته سبحانه وتعالى بأن قلتُ: نذرتُ لله ذبحَ شاةٍ إن شاء الله، فما الذي يجب عليَّ فعله في هذه الحالة؟
ما حكم بيع ما يؤكل من الحيوان وتحديد ثمنه بالوزن وهو حي؟ فرجلٌ يعمل في تجارة المواشي، ويقدِّر ثمن الحيوان حيًّا بحسب وزنه بالكيلو جرام القائم ساعة بيعه وفقًا للعُرف الجاري بين التُّجار، على أن الكيلو جرام القائم بكذا، بحيث يَزِنُهُ قبل البيع، ويحدد ثمنه بضرب ثمن الكيلو جرام الواحد في الوزن القائم، ويَعرضه على المشتري فيرضى به أو يُفاوضُه فيه، ثم يتم بينهما البيع بالثمن الذي يَتَرَاضَيَان عليه، فهل يصحُّ هذا البيع شرعًا؟
ما حكم الأخذ من الشعر والأظافر لمن أراد أن يضحي؟ فأنا أريد أن أضحي هذا العام إن شاء الله بأضحية أقوم على تسمينها من الآن، وقد سمعت من أحد الشيوخ أن الإنسان الذى عقد العزم على أن يضحي لا يجوز له فى العشر الأوائل من ذي الحجة أن يأخذ من أشعاره ولا أظفاره ولا شعر لحيته ... إلخ تأسيًا بالمُحرم. والسؤال هنا: هل يجوز لى وقد عقدت العزم إن شاء الله على أن أضحي أن أقوم بحلق ذقني أو لحيتي في هذه الأيام العشر؟ وهل يؤثر ذلك في ثواب الأضحية؟ وإذا كنت أعمل بالشرطة أو ما شابهها فهل يكون عذرًا لي في حلق ذقني أم أنه مخالفة للقرآن والسنة؟ أرجو الإفادة رحمكم الله.
ما حكم جمع جلود الأضحية وبيعها والتبرع بثمنها؟ فجمعيتنا تقوم على الدفاع عن حقوق مسلمي تركستان الشرقية التي ما زالت تحت احتلال الصين الشيوعية، سواء أكانت هذه الحقوق متعلقة بالتركستانيين في البلاد أم في الخارج، إضافة إلى أن عندنا جامعًا كبيرًا في تركيا باسم "جامع التركستان"، ونعطي منحًا دراسية لعدد من الطلاب، علمًا بأن الجمعية ليس لها أي مصدر مالي وأنها تعتمد على مساعدات الآخرين؛ لهذا السبب ولغيره كنا نجمع منذ سنوات جلود الأضحية ونصرفها على الأمور المذكورة سابقًا، إلا هذه السَّنة، حيث قال البعض: إن جمع جلود الأضحية للجمعية لا يجوز ولو كان لمسجدٍ أو لغيره. نريد منكم التوضيح في أقرب وقت ممكن حتى لا نسير على طريق غير مستقيم.
يتعذَّر علينا تحديد سن الأُضحية، علمًا بأننا نقوم بشراء العجول من الجاموس والبقر بأوزان تتراوح بين 350 كجم إلى 400 كجم، وعند سؤال التُجَّار عن ذلك أجابوا بأنَّ العجل يزيد بناءً على كمية الأكل والاهتمام به، فهل التضحية بهذه الهيئة جائزٌة شرعًا؟ نرجو منكم التفضل بالإفادة عن مدى صحة ذلك.