هل يختص ذبح دم الفدية بوقت معين؟ حيث عزم أحدُ الأشخاص على الحجِّ هذا العام، وسأل: إذا وجب عليه دمُ الفدية بسبب ارتكاب محظورٍ من محظورات الإحرام، أو تَرْكِ واجب من واجبات الحج؛ فهل يجب عليه ذبحه بمجرد ارتكابه للمحظور، أو تَرْكِه للواجب، أو له أن يذبحه حسبما تيسر له فيما بعد؟
إذا وجب على الشخص الذي أحرم بالحج دمُ الفديةِ بسبب ارتكابه محظورًا من محظورات الإحرام، أو تركه واجبًا من واجبات الحج؛ فإنه يجوز له أن يذبحه في أيِّ وقتٍ شاء حسبما يتيسَّر له، ولا حرج عليه في ذلك.
المحتويات
الحج من شعائر الله تعالى المشتملة على العديد مِن المناسك والقربات، المتنوعة في مقاديرها وصفاتها وطرق أدائها، ولَمَّا كانت أحوال الحجاج في أدائها تختلف باختلاف قدراتهم على تحمل مشقاتها، ونظرًا لكثرة ما يكتنفها من الأحكام والأعمال، وتحديدِ كلِّ شعيرةٍ بوقتٍ وصفةٍ ومكان؛ فإن الحاج قد يَعرض له ما يمنعه من إتمام بعضها، أو يقع في شيء من محظوراتها؛ ولذا أَوْجَبَ اللهُ تعالى الفديةَ جبرانًا للنقص وجزاءً لارتكاب المحظور.
وتختلف هذه الفديةُ باختلاف سبب وجوبها:
- فمنها: ما يجب بسبب ارتكاب أحد محظورات الإحرام: كحلق شعر الرأس، وقص الأظافر؛ سواء كان ذلك لعذر، أو لغير عذر؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196]. والنسك: الفدية بدم.
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ به زمنَ الحديبية فقال: «قَدْ آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟» قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «احْلِقْ، ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ» أخرجه أبو داود في "السنن"، والطبراني في "المعجم الكبير"، وابن حبان في "الصحيح".
وأجمع العلماء على أن الفدية واجبة على مَن أتى بموجبه؛ قال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (2/ 239، ط. أوقاف المغرب): [وأجمعوا أن الفدية واجبة على مَن حلق رأسه مِن عذر وضرورة، وأنه مخيَّر فيما نص الله ورسوله عليه مما ذكرنا] اهـ.
وقال الإمام ابن المنذر في "الإقناع" (1/ 213، ط. دار الكتب العلمية): [أجمع أهل العلم عَلَى أنَّ المحرم ممنوعٌ مِن أخذ أظفاره، وله أن يزيل مَا كَانَ مكسورًا منه، وإذا أخذ المحرم أظفاره فعليه دم] اهـ.
وإذا كانت الفديةُ واجبةً على المعذور في ارتكاب المحظور؛ فَلَأَنْ تكونَ واجبةً على غير المعذور في ارتكابه مِن باب أَوْلَى.
- ومنها: ما يجب بسبب التعدي على الصيد: وهو الجزاء؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: 95].
- ومنها: ما يجب بسبب الإحصار: وهو تعذر الوصول لمكة لأداء النسك بعد الإحرام به بسبب العذر؛ مِن نحو مرض أو صعوبة طريق؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196].
- ومنها: أنَّ مَن ترك واجبًا من واجبات الحج فلا يجزئه -عند القائل بأن المتروك واجبٌ- إلا الدم؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: "مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا، أَوْ تَرَكَهُ؛ فَلْيُهْرِقْ دَمًا" أخرجه الإمام مالك في "الموطأ"، وابن وهب في "الجامع"، والبيهقي في "السنن" و"معرفة الآثار" واللفظ له.
قد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية: إلى أن الحاج إذا وجب عليه دم فديةٍ بسبب ارتكابه محظورًا من محظورات الإحرام، أو تركه لواجب من واجبات الحج؛ فإنه يجوز له أن يذبحه في أيِّ وقتٍ شاء؛ لأن دمَ الفديةِ لا يتعلق بزمان بعينه، ويقع أداءً.
قال فخر الدين الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (2/ 90، ط. المطبعة الكبرى الأميرية): [الدماء على أربعة أوجه: منه ما يختص بالزمان والمكان، وهو دم المتعة والقران، ودم التطوع في رواية القدوري، ودم الإحصار عندهما، ومنه ما يختص بالمكان دون الزمان، وهو دم الجنايات] اهـ.
وقال الإمام الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (2/ 67، ط. دار الفكر): [(ولم يختص) النسك بمعنى الفدية بأنواعها الثلاثة (بزمان) كأيام منى (أو مكان) كمكة، أو منى، بخلاف الهدي فإنه يختص بهما] اهـ.
قال العلامة الدسوقي محشِّيًا عليه: [(قوله: ولم يختص بزمان، أو مكان)؛ أي: فيجوز الصوم في أيِّ زمانٍ يصح صومه وفي أيِّ مكانٍ، وكذلك يجوز له الإطعام في أيِّ زمانٍ وفي أيِّ مكانٍ، وكذا يجوز له ذبح الشاة وإعطاؤها للفقراء في أيِّ زمان وفي أيِّ مكان] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (7/ 499، ط. دار الفكر): [قال الأصحاب: الدماء الواجبة في الحج، لها زمان ومكان؛ أما الزمان: فالدماء الواجبة في الإحرام لفعل محظور أو ترك مأمور؛ لا تختص بزمان، بل تجوز في يوم النحر وغيره، وإنما تختص بيوم النحر والتشريق: الضحايا، ثم ما سوى دم الفوات: يُراق في النسك الذي هو فيه] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 313، ط. دار الكتب العلمية) شارحًا أحكامَ دماء الجبران: [وهذه الدماء كلها لا تختص بوقتٍ كما مر، وتراق في النسك الذي وجبت فيه] اهـ.
ذهب الحنابلة: إلى أنه يجب عليه الذبح بمجرد ارتكاب المحظور، أو ترك الواجب، لكن ليس لدم الفدية وقت ينفذ فيه، فصحَّ أن يذبحه في أيِّ وقتٍ شاء، بخلاف هدي المتعة ومثله القران.
قال الشيخ ابن تيمية في "شرح عمدة الفقه" (2/ 374، ط. مكتبة الحرمين): [هدي الْمُحْصَرِ ليس بنسكٍ محض، وإنما هو دم جبرانٍ لما يستبيحه من المحظورات ويتركه من الواجبات؛ ولهذا لا يأكل منه شيئًا، فلم يَنْفُذْ بوقت؛ كفدية الأذى وترك الواجب، وعكسه دم المتعة] اهـ. فأفاد أن دم الفدية جزاء ارتكاب شيء من محظورات الإحرام أو ترك شيء من واجبات الحج لا يقيد بوقت كدم الإحصار.
وقال أبو السعادات البهوتي في "كشاف القناع" (3/ 10، ط. دار الكتب العلمية): [(ووقت ذبح ما وجب) من الدماء (بفعل محذورٍ) كلبسٍ وطيبٍ وحلقِ رأسٍ ونحوه (من حين وجوبه) أي: من حين فعل المحذور] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإذا وجب على هذا الشخص الذي عزم على الحج دمُ الفديةِ بسبب ارتكابه محظورًا من محظورات الإحرام، أو تركه واجبًا من واجبات الحج؛ فإنه يجوز له أن يذبحه في أيِّ وقتٍ شاء حسبما يتيسَّر له، ولا حرج عليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز رمي الحصيات السبع دفعة واحدة؟ فأثناء رمي جمرة العقبة يحصل زحام شديد، فيقوم بعض الناس برمي الحصيات كلها دفعةً واحدةً؛ فما حكم ذلك شرعًا؟
ما حكم ترك طواف الوداع للمرأة الحامل؟ فقد قامت زوجتي بالحج معي، وقبل قيامنا بطواف الوداع انتابها دوار شديد فأُغمي عليها؛ لأنها حامل في الشهر السادس، فلما أفاقت حاولَتِ الإتيان بالطواف فلم تستطع، ورجعنا دون أن تطوف طواف الوداع، فهل عليها شيء؟
بم يحصل التَّحلُّل من الإحرام في الحج والعمرة؟ فأنا كنتُ قد أحرمتُ بالحجِّ هذا العام، وبعد أن رَمَيتُ الجمرات يوم النحرِ، وانتهيتُ من الحلقِ، وضعتُ الطِّيبَ، فقال لي أحدُ الحجاجِ ممن كان معنا: لا يجوز أن تَمَسَّ شيئًا من الطيب ما دُمتَ مُحرِمًا إلى أن تتحلَّل، فبماذا يحصل التَّحلُّل من الإحرام؟ وهل ما فعلتُهُ صحيح أو بَطَلَ حَجِّي؟
ما حكم أخذ المتمتع من شعره وأظافره في ذي الحجة قبل الإحرام؟ فرجلٌ أحرم بالحج متمتعًا في الرابع مِن ذي الحجة، وظلَّ يأخذ مِن شَعره وأظفاره مِن أول الشهر قبل الإحرام، فهل ما فَعَلَه جائزٌ شرعًا أو يدخل في النهي الوارد عن الأخذ مِن الشعر والأظفار في عشر ذي الحجة حتى يذبح هدي التمتع؟
أرجو من فضيلتكم بيان فضيلة الطواف بالبيت، وهل تلك الفضيلة مختصة بطواف القدوم أو الإفاضة أو بطوافٍ معين؟ أو بمطلق الطواف بالبيت سواء أكان فرضًا أو مندوبًا؟
ما رأي الشرع في الحج بالنيابة عن شخص متوفى أو مريض عاجز عن تأدية هذا الركن؟ وما الشروط الواجب توافرها لذلك؟ وإذا كان الشرع يجيزه، فهل يجوز ذلك من مقيم بالمملكة السعودية، أو يجب أن يبدأ ذلك من مصر محلّ إقامة مَن وجب عليه الحج؟