رجل مسافر لأداء العمرة، ويسأل: ما هو آخر وقت لانتهاء تلبيتي بالعمرة؟ حيث إنني سوف أشرع بالتلبية مع بداية إحرامي بالعمرة من المطار، فإلى متى أستمر في التلبية؟
التَّلبية في العمرة مستحبةٌ مسنونةٌ، تبدأ من الإحرام بها، وتنتهي بالشروع في الطواف، وعلى ذلك فللرجل المذكور أن يستمر في التلبية من حين إحرامه بالعمرة إلى حين شروعه في طوافها.
المحتويات
العُمرة شعيرةٌ من شعائر الإسلام، وقُربةٌ من أَجَلِّ القُرُبات إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، وعبادةٌ من أفضل العبادات، تواردت الأخبار عن فضلها وثوابها؛ لما فيها من تكفير الذنوب، واستجابة الدعوات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» متفق عليه.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ بَيْنَهُمَا تَنْفِي الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» أخرجه الأئمة: أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
المقرَّر شرعًا أن التَّلْبِيَة من مناسك الحج والعمرة؛ لما ورد في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من أنَّ تلبيةَ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» متفق عليه.
والتلبية في الحج والعمرة مستحبةٌ للمُحرِم من بداية الإحرام عند جمهور فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة، والإكثار منها وتكرارها أمرٌ مندوبٌ للمُحِرم في دوام الإحرام وتمامه، قائمًا كان أو قاعدًا، راكبًا أو ماشيًا، ويتأكد استحباب تكرار التلبية والمداومة عليها عند تغير أحوال المُحرِم من نحو ركوبٍ وصعودٍ، ونزولٍ وهبوطٍ، وكذلك في أدبار الصلوات، وإِقبال الليل والنهار، وعند اجتماع الرِّفاق، وذلك باتفاق جمهور الفقهاء. ينظر: "البحر الرائق" للإمام زين الدين بن نُجَيْم الحنفي (2/ 347، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"الدر المختار" للإمام علاء الدين الحَصْكَفِي الحنفي (ص: 160، ط. دار الكتب العلمية)، و"الشرح الكبير" للإمام أبي البركات الدَّرْدِير المالكي (2/ 39، ط. دار الفكر، مع "حاشية الإمام الدُّسُوقِي")، و"نهاية المطلب" لإمام الحرمين الجُوَيْنِي الشافعي (4/ 239، ط. دار المنهاج)، و"الإقناع" للإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي (1/ 255-258، ط. دار الكتب العلمية)، و"الكافي" للإمام ابن قُدَامَة الحنبلي (1/ 483-484، ط. دار الكتب العلمية).
إذا كانت التلبية في العمرة والحج مستحبةً، وكان تكرارها في دوام الإحرام وتمامه أمرًا مسنونًا مستحبًّا، فإنها تنتهي في العمرة بابتداء شروع المعتمر في الطواف، واستلام الحجر الأسود، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، وهو المروي عن ابن عباس، وعطاء، وعمرو بن ميمون، رضي الله عنهم أجمعين، وبه قال طاووس، والنخعي، والثوري، وإسحاق، رحمهم الله أجمعين.
ووجه ذلك: أنَّ المُحرِم إنما شَرع في الرُّكنِ المقصودِ، والتَّلبيةُ إنما تكون إجابةً إلى العبادةِ، وإشعارًا للإقامة عليها قبل الوصولِ إلى المقصودِ، فإذا وصل المُحرِم إلى المقصودِ فلا حاجةَ إلى التَّلْبِيَة، ويتركها لشروعه فيما ينافيها، وهو التحلُّلُ منها، والتحلُّلُ يحصل بالطواف والسعي، فإذا شَرَعَ المُحرِم في الطوافِ فإنَّه يقطَعُ التَّلْبِيَةَ ويشتَغِلُ بأذكار الطَّوافِ، كالحاج إذا شَرعَ في رمي جمرة العقبة فإنه يقطع التَّلبية؛ لحصول التحلُّلِ بها، وأما قبل ذلك فلم يَشرع فيما ينافيها، فلا معنى لقطع التَّلبية.
والأصل في ذلك: ما ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ» أخرجه الإمامان: أبو داود واللفظ له، والترمذي، وقال عَقِبَهُ: حديث ابن عباس حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، قالوا: لا يقطع المعتمر التلبية حتى يستلم الحجر.
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم، قال: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عُمَرٍ، كُلُّ ذَلِكَ يُلَبِّي حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ» أخرجه الأئمة: أحمد واللفظ له، والبيهقي، وابن أبي شيبة.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما موقوفًا، قال: «يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ مُسْتَلِمًا وَغَيْرَ مُسْتَلِمٍ» أخرجه الإمامان: الشافعي في "المسند"، والبيهقي في "السنن".
فأفاد ذلك: "أن المعتمر يلبّي من أول الإحرام حتى يبتدئ بالطواف، فإذا ابتدأ به قطعه"، كما قال الإمام الرَّافِعِي في "شرح مسند الإمام الشافعي" (2/ 322، ط. أوقاف قطر)، وأنه "لا فرق بين قوله: «حَتَّى يَسْتَلِمَ» وبين قوله: «حَتَّى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ»، فاستلام الركن -وهو الركن الأسود- هو افتتاح الطواف؛ لأنه لا يطوف حتى يبتدئ باستلام الحجر الأسود"، كما قال الإمام مجد الدين ابن الأثير في "الشافي في شرح مسند الإمام الشافعي" (3/ 440، ط. مكتبة الرشد).
قال الإمام زين الدين المُنَاوِي في "فيض القدير" (6/ 464، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [«يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ» أي: يلبي في عمرته كلها، يعني في أحواله كلها، «حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ» أي: بالتقبيل أو وضع اليد، وظاهره: أنه يلبي حال دخوله المسجد، وبعد رؤيته البيت، وحال مشيه، حتى يشرع في الاستلام؛ لأنه جعل الاستلام غاية] اهـ.
وعلى ذلك تواردت أقوال الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة.
قال الإمام زين الدين بن نُجَيْم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 371): [المعتمرُ يقطع التلبية إذا استلم الحجر؛ لأن الطواف ركن في العمرة، فيقطعُ التَّلبيةَ قبل الشروع فيها] اهـ.
وقال الإمام أبو بكر الحَدَّادِي الحنفي في "الجوهرة النيرة" (1/ 165، ط. المطبعة الخيرية): [(قوله: ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالطواف) يعني عند استلام الحجر؛ لأن المقصود من العمرةِ هو الطواف، فيقطعها عند افتتاحه] اهـ.
وقال الإمام أبو الحسن المَاوَرْدِي الشافعي في "الحاوي الكبير" (4/ 164، ط. دار الكتب العلمية): [السُّنةُ في المعتمر أن يكون على تَلبيتهِ حتى يفتتح الطواف، فإذا افتتحه قَطع التَّلبيةَ] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 268، ط. دار الكتب العلمية): [أمَّا المعتمرُ فيقطعُ التَّلبيةَ إذا افتتح الطواف؛ لأنه من أسباب تحلُّلها] اهـ.
وقال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 569، ط. دار الكتب العلمية): [(ومن كان متمتِّعًا أو معتمرًا قطعَ التَّلبيةَ إذا شرع في الطوافِ)... لشروعه في التحلل، كالحاج يقطعها إذا شرع في رمي جمرة العقبة] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالتَّلبية في العمرة مستحبةٌ مسنونةٌ، تبدأ من الإحرام بها، وتنتهي بالشروع في الطواف، ومن ثمَّ فللرجل المذكور أن يستمر في التلبية من حين إحرامه بالعمرة إلى حين شروعه في طوافها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم قطع الإحرام بالعمرة التطوعية لكسر الرجل؟ فإن صديقًا لي أحرم بالعمرة من بيته ولم يشترط التحلل إن حبسه حابس، وكانت هذه العمرة الثانية له، وفي أثناء ذهابه إلى المطار كُسِرت إحدى رجليه، وهو مضطر الآن للخروج عن إحرامه، ومدة التعافي بعد الجراحة تتجاوز مدة تأشيرة السفر، فهل يجوز له أن يتحلل؟ وهل عليه دمٌ؟ وهل يجب قضاء العمرة؟ أفيدونا أفادكم الله.
ما حكم رمل الرجل والاضطباع في الطواف؟ حيث يوجد رجلٌ عزم على الذهاب لأداء العمرة إن شاء الله، ويريد أن يعرف حكم الرَّمَلِ والاضطباع في الطواف، وما هي كيفيتهما؟ وهل عليه شيءٌ إذا ترك الاضطباع أو لم يرمُل في الطواف بسبب الزحام أو وجود نساء معه أو ضَعف البِنية أو غير ذلك من الأعذار؟
ما حكم خروج المتمتع إلى ميقات مكاني كأبيار علي؟ فهناك شخص سافر مع شركة سياحية لأداء الحج، وكان برنامج الرحلة أن يذهب إلى مكة حتى نهاية الحج، ثم يتوجهون إلى زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنوى الحجَّ متمتعًا، وبعد أدائه العمرة وتحلُّله منها، أخبره المشرفون أن برنامج الرحلة قد تغير، وأن موعد زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيكون قبل أداء الحج لظروف طارئة، فذهب للزيارة، وفي أثناء عودته أحرم بالحج من أبيار علي، فهل انقطع تمتعه أو لا؟ وإن لم ينقطع فهل يلزمه الهدي؟ وإذا أحرم منها فهل يمكنه أن يحرم متمتعًا أو قارنًا؟ وهل يلزمه هدي أو لا؟ وهل يصح إحرامه بعمرة ثانية؟ كما يُرجى الإفادة عن حكم ما فعله بعض المرافقين في الرحلة حيث لم يُحرموا من أبيار علي وأحرموا من داخل الحرم، فمنهم من أفرد، ومنهم من تمتع، ومنهم من قرن، وجزاكم الله خيرًا.
ما هي آداب الرجوع من الحج؟ فوالدي سافر إلى الحج هذا العام، وطلب مني أن أسألكم عن أهم الآداب التي تُراعى لمن هو عائد من الحج.
ما حكم لبس قناع الوجه الطبي (Face Shield) للمرأة المحرمة؛ توقيًا من الإصابة بالأوبئة والأمراض، خصوصًا إذا ثبت خطرها وإمكان انتقالها عن طريق العدوى؟ علمًا بأن هذا القناع شفافٌ، ويُثَبَّت بحاملٍ أعلى الجبهة وعلى جانبي الرأس، ولا يكون ملاصقًا للوجه.