هل المسلم حين يصوم يَقْوى على التغلب على الحاجات والأهواء؟ وكيف يكون ذلك؟
حين يصوم المسلم لله رب العالمين فإنه يكون بذلك مُتَّبِعًا للشرع الشريف في أحكامه وتوجيهاته، ومِن ثَمَّ فهو بهذا يُثْبِتُ قدرتَه على التغلب على الحاجات والأهواء، ويكون ذلك بمراعاة آداب الصيام، والتخلق بأخلاق الصائمين، فتصير له عادة؛ لتحصل له ثمار الصوم، من إثبات تلك القدرة بالصيام؛ لأن الصوم يكسر الشهوة، ويساعد الإنسان على ضبط نفسه وتنظيم رغباته واحتياجاته.
من حكمة الله تعالى أن جعل لكلِّ عبادة من العبادات دورًا في تهذيب نفس المسلم؛ لأجل أن تكون أخلاقه مستقيمة ومتكاملة من كافة جوانبها، ومن هذه العبادات: الصوم الذي هو عبادة بدنية تُعين الإنسان على التحكم في شهواته، والامتناع عن كلِّ ما حرَّم الله تعالى.
وقد بينت الشريعة الإسلامية أن الصوم يُثمر في نفس الإنسان القدرة على التغلب على أهوائه، والتحكم في ضبط احتياجاته، وهذا يظهر من خلال النصوص التي تُبيِّن حكم الصوم وتُظهر ثمرته، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
وقد استنبط العلماء من تعليل القرآن الكريم فرضية الصيام بتحصيل التقوى أنه مما يساعد الإنسان على التغلب على شهواته، والتحكم في رغباته، وأنه مما يعين الإنسان على الابتعاد عن المعاصي؛ ومن ثَمَّ يكون الإنسان متحكِّمًا في أهوائه ومتغلبًا عليها.
قال الإمام فخر الدين الرازي في "مفاتيح الغيب" (5/ 241، ط. دار إحياء التراث العربي): [المعنى: لعلكم تتقون الله بصومكم وترككم للشهوات، فإن الشيء كلما كانت الرغبة فيه أكثر كان الاتقاء عنه أشق، والرغبة في المطعوم والمنكوح أشد من الرغبة في سائر الأشياء، فإذا سَهُلَ عليكم اتقاء الله بترك المطعوم والمنكوح، كان اتقاء الله بترك سائر الأشياء أسهل وأخف] اهـ.
وقال الإمام البيضاوي في "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" (1/ 123، ط. دار إحياء التراث العربي): [لعلكم تتقون المعاصي، فإن الصوم يكسر الشهوة التي هي مبدؤها] اهـ.
وقال الإمام النسفي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (1/ 158، ط. دار الكلم الطيب): [﴿لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ المعاصي بالصيام؛ لأن الصيام أظلف لنفسه أمنع لها- وأردع لها من مواقعة السوء] اهـ.
ومن هذه النصوص ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» متفق عليه.
وقد نص شراح الحديث على أن الجُنَّةَ هي الوقاية، أي: الحفظ من اتباع الشهوات، وهو عين مساعدة المسلم على التغلب على الأهواء، وتنظيم تلبية حاجات النفس ورغباتها.
قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (4/ 1363، ط. دار الفكر): [«والصيام جُنَّة» بضم الجيم، أي: وقاية كَالْقَوْسِ، والمراد أنه حجاب وحصن للصائم من المعاصي] اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (4/ 104، ط. دار المعرفة): [وقال ابن العربي: إنما كان الصوم جنة من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات، فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترًا له من النار في الآخرة] اهـ.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن الصوم فيه وقاية وحفظ، حيث خاطب مَن لا يجد مؤنة الزواج بالصوم مُعَلَّلًا بأن «الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ» متفقٌ عليه.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (4/ 119): [ومَن يفعل به ذلك تنقطع شهوته، ومقتضاه أن الصوم قامع لشهوة النكاح، واستشكل بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة، وذلك مما يثير الشهوة لكن ذلك إنما يقع في مبدأ الأمر فإذا تمادى عليه واعتاده سَكَنَ ذلك] اهـ.
ومقتضى ذلك أن طريق تحصيل حقيقة الصوم ومقصده يكون بأن يراعي معه صاحبه آداب الصوم من ترك المباحات فضلًا عن المحرمات، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يُغضب الله تعالى، وإلا فلا فائدة من صومه حينئذ إلا أنه يرهق نفسه بالجوع والعطش، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «رُبَّ صائِم لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيامِهِ إِلا الجُوعُ» رواه النسائي، وابن ماجه، والبيهقي في "السنن الكبرى".
قال الإمام المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 28، ط. مكتبة الإمام الشافعي): [(رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع).. وهو من يفطر على الحرام، أو على لحوم الناس، أو من لا يحفظ جوارحه عن الآثام] اهـ.
وبناءً على ما سبق: فإن المسلم حين يصوم لله رب العالمين فإنه بذلك مُتَّبِعٌ للشرع الشريف في أحكامه وتوجيهاته، ومِن ثَمَّ فهو بهذا يُثْبِتُ قدرتَه على التغلب على الحاجات والأهواء، وإنما يكون ذلك بمراعاة آداب الصيام، والتخلق بأخلاق الصائمين، فتصير له عادة؛ لتحصل له ثمار الصوم، من إثبات تلك القدرة بالصيام؛ لأن الصوم يكسر الشهوة، ويساعد الإنسان على ضبط نفسه وتنظيم رغباته واحتياجاته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم إخراج زكاة الفطر عن الابن الكبير الموسر؟ فقد اعتدتُ إخراج زكاة الفطر عن نفسي وزوجتي وجميع أبنائي، ولي ابنٌ كبيرٌ يعمل وله مالٌ ولله الحمد؛ فهل يجوز لي شرعًا إخراج زكاة الفطر عنه مع كونه قادرًا على إخراجها عن نفسه ويجزئ ذلك عنه؟تجب زكاة الفطر على المسلم إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، فإن تَطَوَّع الأب فأداها عن ابنه الكبير جاز ذلك شرعًا على جهة التبرع والإحسان، لا على جهة الوجوب والإلزام، وسواء أَأَعْلَمَهُ بذلك أو لا؛ لوجود الإذن منه عادةً، وإن كان إعلامه هو الأَوْلَى؛ خروجًا مِن خلاف مَن أوجبه.
ما حكم الإفطار في رمضان لمريض السكر؟ فأنا مريض بالسكر ولا أستطيع الصيام، فإن صمت وامتنعت عن الماء والغذاء يحصل عندي ضعف، ولا يمكنني مباشرة عملي الذي أستعين به على الحصول على معاش أولادي، فضلًا عما يلحقني من الضرر.
سأل فضيلة الشيخ خطيب المسجد الأقصى المبارك ومدير الوعظ والإرشاد بالقدس، وقال: في الوقت الذي نعيد النظر في التوقيت الدهري لمواقيت الصلاة المعمول به في مدينة القدس ليقوم على أسس علمية فلكية. نرجو التكرم بالإجابة عما يلي:
1- بيان الفارق الزمني بين مدينة القدس والقاهرة، علمًا بأننا لاحظنا تضاربًا في التوقيت بين عاصمة عربية وأخرى.
2- هل يمكننا الاعتماد على توقيت القاهرة كأساس ثابت لتوقيت القدس؟
ما حكم إفطار مرضى الشيخوخة وأصحاب الأمراض المزمنة في ظروف الوباء؟ أو ما موقف مرضى الشيخوخة وأصحاب الأمراض المزمنة (السكر، والقلب، والضغط، والربو) من الصيام؟ هل يترخَّص لهم الفطر في هذه الظروف الوبيئة؟
هل التخدير الطبي لإجراء العمليات في نهار رمضان يبطل الصيام؟ فقد قمت بإجراء عملية جراحية في نهار رمضان، وقد أخذت المخدر اللازم لإجراء هذه العملية حتى غبت عن الوعي تمامًا، وقد أفقتُ من هذا المخدر قبل أذان المغرب، ولم أتناول أكلًا ولا شُربًا، وكنت قد نويتُ الصيام من الليل، فما حكم صوم هذا اليوم؟ هل تؤثر هذه الفترة التي غبتُ فيها عن الوعي على صحة الصوم؟ أفيدوني أفادكم الله.