ما حكم البيع دون التلفظ بالإيجاب والقبول؟ فأنا أحيانًا أذهب إلى السوق لإحضار بعض الخضراوات، ويكون السعر مكتوبًا على كلِّ صنف، فأنتقي ما أريد وأدفع سعره للبائع دون أن أتلفظ بأيِّ شيءٍ. فهل هذا بيعٌ منعقدٌ وجائزٌ شرعًا؟
البيع المذكور بِانْتِقاء ما يرِيدهُ الشخص مِن الخضراوات أو غيرها مع كون السعر مكتوبًا على كلِّ صنف منها، ودفع ثمنها للبائع دون التلفُّظ بأيِّ شيءٍ مِن الإيجاب والقبول مِن الطرفين -بيعٌ صحيحٌ منعقدٌ وجائزٌ شرعًا.
المحتويات
أحلَّ اللهُ سبحانه وتعالى البيعَ؛ لما فيه من تحقيق مصالح العباد، وتبادُل المنافع بينهم، واستمرار حياتهم واستقرارها بالحصول على حاجاتهم من مستلزمات، وحيث إنَّ حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبًا، وصاحبه قد لا يبذله بغير مقابل، ففي شرعية البيع وسيلةٌ إلى بلوغ الغرض مِن غير حرج على أحد، قال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275].
وجعل سبحانه وتعالى الرضا شرطًا لتمام التعامل؛ حتى لا يكون أكلًا لأموال الناس بغير حقٍّ، ولكون الرضا في التعاملات يُبعد المتعاملين عن المشاحنات والمباغضات والاختلافات، قال جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].
قال الإمام فخر الدين الرَّازِي في "مفاتيح الغيب" (10/ 58، ط. دار إحياء التراث العربي): [ظاهره يَقْتَضِي الحِلَّ عند حصول التَّرَاضي] اهـ.
وورد في السُّنَّة عن أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» أخرجه الأئمة: عبد الرزاق وابن أبي شيبة في "مصنفيهما"، وابن ماجه في "سننه" واللفظ له، وابن حِبَّان في "صحيحه".
قال الإمام الصَّنْعَانِي في "التنوير" (4/ 167، ط. مكتبة دار السلام): [«إِنَّمَا الْبَيْعُ» أي: الشرعي الصحيح المعتبر عند الشارع، الذي يترتب عليه صحة المِلك، هو الصادر «عَنْ تَرَاضٍ» مِن البائع، بإخراج السلعة عن مِلكه، ومِن المشتري بإدخاله في مِلكه، وهو إخراجٌ لبَيْع المُكْرَه فليس ببَيْعٍ معتبَرٍ، قالوا: ولَمَّا كان الرضا أمرًا قَلبيًّا خفيًّا نِيطَ البيعُ بالعقدِ الدَّالِّ صُدُورُه على الرضا، وقيل: لا اعتبار بالألفاظ، بل إذا ظهر الرضا ثَبَت العقد] اهـ.
لَمَّا كان الرضا أمرًا خفيًّا لا يُطَّلَعُ عليه، وَجَب تَعَلُّقُ الحكم بسببٍ ظاهرٍ يدل عليه، ولذلك وُجِدَت الصيغةُ مِن الإيجاب والقبول، حتى يتم بها معرفة الرضا بين البائع والمشتري، فإذا تم البيع بغير تلفُّظٍ مِن إيجابٍ أو قبولٍ كأن يأخذ المشتري السلعةَ ويَدفع ثمنَها للبائع دون كلامٍ بينهما -كما هو في مسألتنا-، فهذا يعرف عند الفقهاء بـ"بيع المُعَاطَاة".
وأصل كلمة "المعاطاة" في اللغة مِن المُفاعَلَة، ويراد بها المُناوَلَة، كما في "مختار الصحاح" للإمام زين الدين الرَّازِي (ص: 212، ط. المكتبة العصرية)، واستعملها الفقهاء في البيع من غير تكلُّم ولا إشارة بين المتبايِعَيْن، فيكون بالإعطاءِ مِن جانِبٍ والأخذِ مِن جانِبٍ آخَر، ويَلزم البيعُ في المعاطاة بالتقابُض، أي: قبض الثمن والمُثمَن، كما في "رد المحتار" للإمام ابن عَابِدِين الحنفي (4/ 513، ط. دار الفكر)، و"الشرح الكبير" للإمام أبي البَرَكَات الدَّرْدِير المالكي (3/ 3، ط. دار الفكر، مع "حاشية الإمام الدُّسُوقِي")، و"المجموع" للإمام شرف الدين النَّوَوِي الشافعي (9/ 163، ط. دار الفكر)، و"الكافي" للإمام موفَّق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي (2/ 3، ط. دار الكتب العلمية).
وقد ذهب جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية، وهو المختارُ عند جماعة مِن فقهاء الشافعية -ونَصَّ بعضُهم على أنه المختار للفتوى في المذهب-، والصحيحُ عند الحنابلة إلى القول بصحة بيع المعاطاة مطلقًا، وسواء كان في الرَّخِيص أو الغالي مِن الأشياء؛ لأنَّ المقصود هو الرضا، وكما يُوجَد ويُعرَف ويَحصُل بالقول فإنه يُعرَف ويَحصُل كذلك بالفعل، ولكون البيع والشراء بهذه الطريقة وحصول الرضا هو ما تَعَارَفَ عليه الناسُ وتعامَلُوا به خاصةً في هذا الزمان، حيث يَدخل المشتري اليوم للأسواق الكبيرة والصغيرة، فيَجد ما يريد أمامَهُ مُسَعَّرًا، فيأخذ ما يريد ويدفع حسابه دون أن يتكلم ثم ينصرف، فيرجع الحكم في ذلك للعُرف السائد المتعامَل به بين الناس، وحيث لَمْ يَثبُت اشتراطُ لَفظٍ محدَّدٍ، فيصير ما يَعُدُّه الناسُ بيعًا كذلك؛ لِمَا فيه مِن دلالة عُرفية، وهي كافية؛ إذ المقصود مِن التجارة إنما هو أخذُ ما في يَدِ الغير بدفع عِوض عن طِيب نَفْسٍ منهما، فتكفي دلالة العُرْف في ذلك على الرضا وطِيب النفس، سواء حصل ذلك الرضا بالقول أو الفعل.
قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (19/ 61، ط. دار المعرفة): [البيع بالتعاطي يَنعقد عندنا؛ لأن المقصودَ تمامُ الرضا... وذلك يَحصُل بالفعل كما يَحصُل بالقول] اهـ.
وقال الإمام أبو عبد الله المَوَّاق المالكي في "التاج والإكليل" (6/ 12-13، ط. دار الكتب العلمية): [(يَنعقد البيعُ بما يدل على الرضا وإنْ بمعاطاة) البَاجِي: البيعُ معروفٌ ويَفتقر إلى إيجابٍ وقبولٍ، وكلُّ لَفظٍ وإشارة فُهِمَ منه الإيجابُ والقبولُ لزم به البيعُ وسائرُ العقود] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (4/ 228، ط. دار الفكر): [(يَنعقد البيعُ بما يدل على الرضا وإنْ بمعاطاة)... لأنَّ الصيغةَ كلامٌ أو فِعلٌ... ويعني أن الركن الأول الذي هو الصيغة التي يَنعقد بها البيع هو ما يدل على الرضا مِن البائع ويُسَمَّى الإيجاب، وما يدل على الرضا مِن المشتري ويُسَمَّى القبول، وسواء كان الدَّالُّ قولًا كقول البائع: بِعْتُكَ، وأَعطَيتُكَ، ومَلَّكْتُكَ بكذا وشَبَه ذلك، وقول المشتري: اشتريتُ، وتَمَلَّكتُ، وابْتَعْتُ، وقَبِلْتُ وشَبَه ذلك، أو كان فِعلًا كالمعاطاة... لأنَّ الفعل يدل على الرضا عرفًا، والمقصود مِن البيع إنما هو أخذُ ما في يد غيرك بعِوض ترضاه، فلا يُشترط القول، ويكفي الفعل كالمعاطاة] اهـ.
وقال الإمام شرف الدين النَّوَوِي الشافعي في "المجموع" (9/ 162-163): [اختارَ جماعاتٌ مِن أصحابنا جوازَ البيع بالمعاطاة فيما يُعَدُّ بيعًا... وممن اختار مِن أصحابنا أنَّ المعاطاةَ فيما يُعَدُّ بيعًا صحيحةٌ، وأنَّ ما عَدَّه الناسُ بيعًا فهو بيعٌ: صاحِبُ "الشامل"، والمُتَوَلِّي، والبَغَوِي، والرُّويَانِي وكان يفتي به، وقال المُتَوَلِّي: وهذا هو المختار للفتوى، وكذا قاله آخَرون، وهذا هو المختار؛ لأنَّ اللهَ تعالى أحلَّ البيعَ، ولَم يَثبُت في الشرع لَفظٌ له، فوَجَب الرجوعُ إلى العُرف، فكُلُّ ما عَدَّه الناسُ بيعًا كان بيعًا، كما في القبض والحِرز وإحياء المَوَات وغير ذلك مِن الألفاظ المُطلَقة، فإنها كلَّها تُحمَل على العُرف، ولَفظةُ البيع مشهورةٌ، وقد اشتهرت الأحاديث بالبيع مِن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في زمنه وبَعْدَه، ولَمْ يَثبُت في شيءٍ منها -مع كَثْرَتِهَا- اشتراطُ الإيجاب والقبول] اهـ.
وقال الإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (4/ 263، ط. دار إحياء التراث العربي): [الصحيح مِن المذهب صحةُ بيع المعاطاة مطلقًا، وعليه جماهير الأصحاب، وهو المعمول به في المذهب] اهـ.
بناءً على ذلك: فإنه يُشترط في البيع أن يَحصُل برضا البائع والمشتري، والرضا كما يكون بالقول الذي يُعرف بـ"الإيجاب والقبول"، يكون أيضًا بالفعل الدالِّ عليه وهو أخذُ السلعة وإعطاءُ ثمنها وإنْ لم يتكلم المشتري ولا البائع، ولا إثم في ذلك ولا حرج.
وفي واقعة السؤال: البيع المذكور بِانْتِقاء ما تُرِيدِينَهُ مِن الخضراوات أو غيرها مع كون السعر مكتوبًا على كلِّ صنف منها، ودفع ثمنها للبائع دون التلفُّظ بأيِّ شيءٍ مِن الإيجاب والقبول مِن الطرفين -بيعٌ صحيحٌ منعقدٌ وجائزٌ شرعًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الشراء من ماكينات البيع الذاتي؟ حيث تُخصِّص بعض المتاجر ماكينات للبيع الذاتي، وهي ماكينات مشتملةٌ على بعض السلع المعروضة مثل المشروبات الغازية، والعصائر، والأغذية المغلفة، وتُبرمَج على تمييز ثمن كلِّ سلعةٍ وعرضه عند اختيار المشتري لها، وإخراج تلك السلع للمشتري في الدرجِ المُعد لذلك بمجرد دفع الثمن بالطريقة المتاحة بها، سواء بوضع المال نفسه فيها أو خصمه مِن البطاقة البنكيَّة للمشتري، فهل الشراء مِن تلك الماكينات بتلك الصورة الخالية مِن التعامل مع البائع مطلقًا جائزٌ شرعًا؟
ما حكم التجارة في أجهزة التلفاز داخل مصر، وكما تعلمون الغالب على مادة التلفاز الآن ليست من الخير النافع بل على العكس من ذلك. فهل هذا من التعاون على الإثم؟
قام والدي بعرض قطعة أرض يمتلكها للبيع، فأتى مشترٍ واتفقنا على أن نبيع له وقرأنا الفاتحة، ثم جاء في اليوم الثاني هذا الشخص بمشترٍ آخر غيره يصحبه ليعرض عليه الأرض، وفي اليوم الثالث جاء بمشترٍ آخر غيره وغير السابق فعرفنا أنه سمسار، وأخبره والدي وأخي بأن الفاتحة منقوضة وغير سارية، والبيع غير منعقد إذا لم يدفع العربون، فذهب ولم يحضر عربونًا، ثم جاء مشترٍ آخر غير السابقين واتفق معنا على البيع ودفع عربونًا وتم التوقيع على عقد البيع مع وجود شرط جزائي قيمته مائة ألف جنيه وذلك في مجلس واحد. فهل المشتري الأول له الحق في العين المباعة؟ وما صحة العقد في البيع الثاني؟ وهل علينا تَبِعات في الفاتحة التي قرأناها في البيع الأول الذي أُخبر الشخص الأول بفسخه من جانب البائع إذا لم يحضر ماله؟
سائل يقول: أرغب في فتح اعتماد خاص بالمنشآت والشركات الصغيرة في أحد البنوك الوطنية وفق مبادرة البنك المركزي المصري لتشجيع المشروعات الاستثمارية، وقد اشتمل العقد الذي بيني وبين البنك على منحي تسهيلًا لفتح اعتماد بمبلغٍ محدد ليكون غطاءً لحسابي يُمَكِّنُني من استيراد البضائع في حدود هذا الغطاء المالي، مع احتساب عائد متناقص يصل إلى 5% على إجمالي مبلغ الاعتماد، بالإضافة إلى عمولة تستحق على أعلى رصيد مدين للتسهيل وتُعَلَّى عليَّ كل شهر، وفي حالة تأخري عن سداد أي من الأقساط المستحقة بموجب العقد فإنه يحقّ للبنك اعتبار كامل الرصيد المدين للتسهيل حالًّا وواجب الأداء؛ فما حكم ذلك شرعًا؟
ما حكم التعامل بخطاب الضمان البنكي بنوعيه: المغطى، والمكشوف؟ فأنا شخص أعمل في مجال المقاولات وبعض الأعمال التجارية، ويُطلب مني في بعض المعاملات إحضار خطاب ضمان من أحد البنوك كشرط لإتمام هذه المعاملات.