حكم التدليس بإخفاء العيب ومدى صحة البيع وثبوت الخيار للمشتري

تاريخ الفتوى: 15 مايو 2024 م
رقم الفتوى: 8384
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: البيع
حكم التدليس بإخفاء العيب ومدى صحة البيع وثبوت الخيار للمشتري

ما حكم التدليس بإخفاء العيب ومدى صحة البيع وثبوت الخيار للمشتري؟ فهناك رجلٌ يَعْمَلُ في تِجَارة السيارات المستعملة، وقد اشترى سيارةً مستعملةً مِن آخَر، وأخبره هذا البائعُ أنَّ هذه السيارة أُصيبت بحادث خلفي، وفي الإصلاح تم تغيير النصف الخلفي للسيارة بقطع غيار (استيراد)، وقد اشتراها منه ذلك التاجرُ على ذلك بأقلَّ مِن ثمنها الشائع في السوق، وقام بعد ذلك ببيعها دون أن يُخبِر المشتريَ بما هو حاصلٌ فيها، وفي نفس الأسبوع تبيَّن ما فيها للمُشْتَري، ويريد أن يردَّها، والسؤال: هل على التاجر المذكور ذَنْبٌ فيما فعل؟ وهل يحق للمشتري ردُّ السيارة؟ وإن كان يحقُّ له الردُّ فهل له أن يأخذَ قيمة العيب فقط ويَحتفظ بالسيارة؟

إنْ كان البائعُ المذكور قد تَعَمَّدَ إخفاءَ هذا العيبِ الموجودِ في السيارة عن المشتري، فإنَّه يأثَمُ شرعًا على ذلك، وعليه أن يتوبَ إلى الله تعالى مما فعل، ويَثْبُت للمُشتري في هذه الحالة الخيارُ بين ردِّ السيارة وأَخْذ كامل ثَمنها، وبين أن يُبقيها ويَرْضى بها على عيبها مع أخذ قيمة هذا العيب مِن البائع، ويُقَدَّر هذا العيبُ على حسب المتعارَف عليه بين أهل الخبرة في هذا المجال، ويأخذُ المشتري هذه القيمة المقَدَّرة أو بحسب ما يتفقان عليه، فإن اختَلَفَا فمَرَدُّ الأمر إلى القضاء.

المحتويات

 

حكم البيع مع كتمان العيب وتحذير الشرع من ذلك

كتمانُ العيب وعدم الإفصاح عنه في البيع هو مِن صُوَر الغش المنهي عنه شرعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ» أخرجه الأئمة: ابن ماجه في "سننه"، والروياني في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك" وصحَّحه، ووافقه الحافظُ الذَّهَبِي في "التلخيص"، وأقرَّ الإمامُ البَيْهَقِيُّ الإمامَ الحَاكمَ في "خلافياته" على تصحيحه، كما في "البدر المُنِير" للإمام ابن المُلَقِّن.

وإذا تَعَمَّدَ البائعُ كتمانَ عيبِ السلعة والتدليسَ فإنَّه يكون عاصيًا آثمًا بالإجماع، كما في "القوانين الفقهية" للإمام أبي القاسم ابن جُزَي (ص: 445، ط. دار ابن حزم)؛ إذ الواجب على البائع أن يُبَيِّن العيبَ للمشتري عند البيعِ، بيانًا يَجْعَلُ المشتريَ على عِلْمٍ بالسلعة المُبَاعة وما فيها مِن عيوبٍ مؤثِّرةٍ يَترتب عليها النُّقصانُ مِن ثمنها، كَعِلْمِ البَائع بها تمامًا، وإذا لم يفعل يندرج بيعه تحت مُسمَّى الغش، والغشُّ حرامٌ شرعًا، حتى عَدَّهُ بعضُ الفقهاء مِن كبائر المعاصي وعظائم الذنوب.

قال شيخ الإسلام ابن حَجَر الهَيْتَمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 393، ط. دار الفكر): [الكبيرةُ الموفيةُ المائتين: الغِشُّ في البيع وغيرِه] اهـ.

وهو مع ذلك "مِن أَكْلِ أموال الناس بالباطل الذي حَرَّمَه اللهُ في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم"، كما في "المقدمات" للإمام ابن رُشْد الجد (2/ 99، ط. دار الغرب الإسلامي).

ومع حُرْمَة الكِتْمَان والتدليس على المشتري، إلا أنَّ البيع يَقَعُ صَحِيحًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله سلم: «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ» أخرجه الشيخان.

والـمُصَرَّاةُ هي "النَّاقَةُ أو البَقَرَةُ أو الشَاة يُصرى اللبنُ في ضَرْعها، أي: يُجمع ويُحْبس ولا تُحلَب أيامًا حتى يجتمع اللبن في ضَرْعها، فإذا حَلَبَها المشتري اسْتَغْزَرَها"، كما عرَّفها الإمام الشافعي. ينظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للإمام ابن الأزهري (ص: 137-138، ط. دار الطلائع)، و"النهاية" للإمام مجد الدين ابن الأَثِير (3/ 27، مادة: ص ر ا، ط. المكتبة العلمية).

ووجه الدلالة في الحديث الشريف على صحة البيع مع الكتمان: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم خيَّر المشتري في بيع المَعِيبِ بين الإمساك والردِّ، فإنْ رضي المشتري بالعيب جاز البيعُ، ولو كانَ بَيْعُ المَعِيِبِ فاسدًا لَمَا صَحَّ الرِضَا به، فدلَّ ذلك على صحة البيع، وهذا هو المنقول عن أئمة المذاهب الأربعة. ينظر: "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي (13/ 102، ط. دار المعرفة)، و"شرح التلقين" للإمام المَازَرِي المالكي (2/ 615، ط. دار الغرب الإسلامي)، و"المهذب" للإمام أبي إسحاق الشِّيرَازِي الشافعي (2/ 49، ط. دار الكتب العلمية)، و"الإنصاف" للإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي (11/ 365، ط. دار هجر).

حكم رد السلعة بالعيب وضابط العيب الذي يثبت به الخيار للمشتري

مَعَ حُرْمَة كِتْمَان البَائع العيبَ عن المشتري، وصِحَّة البيع مع ذلك، فخيارُ رَدِّ السلعة المَعِيبَةِ ثابتٌ للمُشتري إذا ما وَجَد في السلعة التي اشتراها عيبًا جسيمًا مؤثرًا في قيمتها بحسب الغاية المقصودة منها مستفادةً مما هو مبيَّن في العقد، أو مما هو ظاهرٌ مِن طبيعتها، أو الغرض الذي أُعِدَّت له، ولم يشترط البائعُ لنفسه البراءةَ مِن العيوب، وكان هذا العيبُ قد حَدَثَ فيها قَبْل قَبْضه لها، وكان هذا المشتري غيرَ عالم بالعيب عند العقد، ثم بادر بالرد فور علمه بالعيب -فيَثبُت له حينئذٍ الحقُّ في رَدِّ السلعة المَعِيبَةِ؛ للحديث السابقِ الذي خيَّر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المشتري بين ردِّ السلعة المعيبة وبين إمساكها، استدراكًا لما فَاتَهُ، وإزالةً لما يلحقه من الضرر في بقاء هذا المعيب في مِلكه ناقصًا عن حَقِّه، وإذا رَدَّه استحقَّ أن يسترجعَ جميعَ الثمن باتفاق الفقهاء.

قال الإمام تقي الدين السُّبْكِي في "تكملته على المجموع" (12/ 123، ط. مطبعة التضامن الأخوي): [واتفقوا على أنَّ مَن اشترى شيئًا ولم يبيِّن له البائعُ العيبَ فيه... فإنَّ للمشتري أن يرُدَّه ويأخذَ ما أَعْطَى فيه مِن الثمن، وإنَّ له أن يُمْسِكَه إنْ أَحَبَّ] اهـ.

فإن اتفق البائعُ مع المشتري وتَرَاضَيَا على ردِّ المَبِيع وأَخْذِ كاملِ ثمنه، أو إبقائه دون أَخْذ المشتري قيمةَ النقص مِن البائع بسبب العيب الحاصل فيه، أو إبقائه مع أَخْذه قيمةَ هذا النقص، كان لهما ذلك باتفاق أئمة المذاهب الأربعة، وهذا مقامُ الفَضْل والتراضي.

وأما مقامُ العَدْل فإنهما إذا لم يَتَّفِقَا ويتراضَيَا على شيءٍ مِن ذلك كان للمشتري الخيارُ في أخْذ المَبِيع بجميع الثمن، أو رَدِّهِ إلى البائع دون أخْذ قيمة النقص ما دام رَدُّ المَبِيع على الحال التي استلمه المشتري عليها ممكنًا، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والشافعية -على تفصيلٍ بينهم في ذلك-، وهو أيضًا روايةٌ عن الإمام أحمد، خلافًا للحنابلة في المعتمد؛ إذ أثبَتُوا للمشتري الخيارَ في أن يَرُدَّ المَبِيعَ إلى البائع، أو يُبقِيَ عليه ويطالِبَ البائعَ بالعِوض عن النَّقْص الحاصل فيه بسبب العيب، سواء تَعَذَّر رَدُّه أو لَمْ يَتَعَذَّر، وهذا هو المختار للفتوى؛ لأنَّ كلَّ جُزءٍ من الثمن الذي دفعه المشتري يُقابله جُزء مِن المبيع، ومع ظهور العيب في المبيع فقد فات جُزءٌ منه، ومن ثَمَّ فيجوز للمشتري أن يَرْجِع على البائع بِبَدَلِ هذا الجزء الفائت مِن المبيع، وهو ما عبَّر عنه الفقهاء بـ"أرش العيب"، ومعناه: أن يُقَوَّمَ المَبِيعُ صحيحًا، ثم يُقَوَّم مَعِيبًا، ويأخذُ المشتري فَرْقَ ما بينهما. ينظر: "الاختيار لتعليل المختار" للإمام مجد الدين ابن مَوْدُود المَوْصِلِي الحنفي (2/ 18-20، ط. مطبعة الحلبي)، و"المعونة" للإمام القاضي عبد الوَهَّاب المالكي (2/ 1052، ط. المكتبة التجارية)، و"المهذب" للإمام أبي إسحاق الشِّيرَازِي الشافعي (2/ 52)، و"المغني" للإمام موفق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي [ت: 620هـ] (6/ 229، ط. دار عالم الكتب)، و"الشرح الكبير" للإمام شمس الدين ابن قُدَامَة الحنبلي [ت: 682هـ] (11/ 376-377، ط. دار هجر)، و"كشاف القناع" للإمام أبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (7/ 447، ط. وزارة العدل السعودية).

وعلى ذلك جاء القانون المدني المصري، حيث نُصَّ في الفقرة الأولى من المادة (447) على أنه: [يكون البائع ملزمًا بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع وقت التسليم الصفات التي كفل للمشتري وجودها فيه، أو إذا كان بالمبيع عيبٌ يُنقِص مِن قيمته أو نفعه بحسب الغاية المقصودة مستفادةً مما هو مبيَّن في العقد، أو مما هو ظاهرٌ مِن طبيعة الشيء، أو الغرض الذي أُعِدَّ له، ويضمن البائع هذا العيب ولو لم يكن عالِمًا بوجوده] اهـ.

وجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي لهذا القانون: [الواجبُ إذَن في ضمان العيب تطبيق ما تقرر في ضمان الاستحقاق، ومقتضى هذا التطبيق أنَّ العيبَ الجَسِيم يكون المشتري مُخَيَّرًا فيه بين الفَسْخِ أو إبقاء البيع مع التعويضِ عن العيب؛ طبقًا لما تقضي به القواعد العامة] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنْ كان البائعُ المذكور قد تَعَمَّدَ إخفاءَ هذا العيبِ الموجودِ في السيارة عن المشتري، فإنَّه يأثَمُ شرعًا على ذلك، وعليه أن يتوبَ إلى الله تعالى مما فعل، ويَثْبُت للمُشتري في هذه الحالة  الخيارُ بين ردِّ السيارة وأَخْذ كامل ثَمنها، وبين أن يُبقيها ويَرْضى بها على عيبها مع أخذ قيمة هذا العيب مِن البائع، ويُقَدَّر هذا العيبُ على حسب المتعارَف عليه بين أهل الخبرة في هذا المجال، ويأخذُ المشتري هذه القيمة المقَدَّرة أو بحسب ما يتفقان عليه، فإن اختَلَفَا فمَرَدُّ الأمر إلى القضاء.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم كتابة بعض آيات القرآن الكريم على الحوائط؟ حيث تقوم إحدى الجماعات في قريتنا بكتابة بعض آيات القرآن الكريم على الحوائط عن طريق الورق أو البوهية، ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: 56]، وكذا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وكذا: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ [نوح: 10]، ويقوم الأطفال بتمزيق الأوراق المكتوب عليها آيات القرآن ووضعها في صناديق القمامة.


ما حكم الاتجار في أدوية التأمين الصحي بالمخالفة للقانون؟ فنحن نرجو من سيادتكم إفادتنا عن بعض الأمور المتعلقة بمهنة الصيدلة من حيث الحِل والحرمة وبيان الحكم الشرعي وهي: قيام بعض الصيادلة بشراء وبيع أدوية التأمين الصحي من خلال صيدلياتهم العامة لغير المستحقين من جمهور المرضى، مع العلم أنه لا يجوز صرفها إلا من هيئة التأمين الصحي وليس من الصيدليات العامة؛ مما يضيع الكثير من الأموال من الميزانية العامة للدولة.


ما حكم تشاؤم أهل الزوج من زوجة ابنهم؟ فابنتي تزوجت من زميل لها في العمل، ومنذ أن تزوجت منه وأهل زوجها يعتبرون أن قدمها سيئة عليهم بسبب ما أصابهم من نكبات وأمراض وخسائر وحوادث بعد زواجها منه، مع العلم بأن كثيرًا مما جرى لهم بعد زواجها منه كان يحصل لهم ما يشابهه قبل زواجها، ولكنهم مصرُّون على أن "وشها وحش عليهم"، حتى إن ابنته أصابها الضرر الشديد المعنوي والنفسي والمادي من جراء ترويج هذه المزاعم على سمعتها وكرامتها ونفسيتها. ويطلب حكم الشرع وإبداء النصح فيما يقولونه.


ما حكم تكسب العامل بصورة شخصية من وظيفته؟ فهناك رجل يعمل موظفًا في إحدى الجهات الخدميَّة، ويتقاضى منها راتبًا عن عمله واحتباسه لصالح تلك الجهة وقتًا ثابتًا يوميًّا، إلا أنه يتطلَّع لزيادة دخله وكسبه، ويعرض عليه بعض مَن يقدِّم لهم الخدمة أموالًا بصورة شخصية نظير أن يقدِّم لهم مزيد اهتمامٍ، أو سرعةٍ في إنجاز المهام، دونًا عن غيرهم، فهل يجوز له أخذ تلك الأموال شرعًا؟


ما هي الضوابط التي وضعها الفقهاء لكتابة الآيات القرآنية على جدران المساجد وقبابها؟


حَدَثَ نِقَاشٌ عندنا بين رُوَّاد المسجد حول مدى جواز إلقاء السلام على مَن يقرأ القرآن، فنرجو بيان الحكم الشرعي في هذه المسألة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 سبتمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :39
الظهر
12 : 50
العصر
4:21
المغرب
7 : 2
العشاء
8 :20