ما حكم الوصية الواجبة للأحفاد الوارثين بالتعصيب ولا باقي لهم؟ فقد توفي قريب لي عن: بنتين، وأبوين، وابن ابن.
علمًا بأنه حدث خلاف كبير في: هل ابن الابن هذا يستحق وصية واجبة في هذه الحالة؟
وذلك بناءً على أن نصوص قانون الوصية لم تتناوله، وأنه يشترط في فرع الميت الذي يستحق وصية واجبة أن يكون غيرَ وارثٍ طبقًا لنص المادة ٧٦ من القانون، فنرجو الإفادة بالرأي الشرعي في حالة ما إذا كان هذا الفرع عاصبًا، وقد استغرقَ التركةَ أصحابُ الفروض، فلم يبْقَ له شيء.
يستحق ابن الابن وصيةً واجبةً بمقدار ما كان يستحقُّهُ والده لو كان حيًّا وقت وفاة أبيه المورِّث، بما لا يزيد عن ثلث التركة، وإلَّا رُدَّ إلى نصيب والده، ونصيب والده هنا: الثُّلث، فيكون نصيب ابن الابن ثلث التركة، ثم يُقسم الثلثان الباقيان على باقي الورثة، فيأخذ الأب السدس فرضًا؛ لوجود الفرع الوارث، وتأخذ الأم السدس فرضًا؛ لوجود الفرع الوارث، وتأخذ البنتان الثلثين مناصفةً بينهما فرضًا، لتعددهما، وعدم وجود مَن يُعصبهما، وهذا إذا لم يكن المتوفَّى المذكور قد أوصى لابن ابنه، ولا أعطاه شيئًا بغير عِوضٍ عن طريق تصرفٍ آخر، وإلَّا خُصِمَ مِن نصيبه في الوصيَّة الواجبة.
المحتويات
الوصيَّة الواجبة: عبارة عن جزءٍ مُقدَّر يخرج من مال التركة لأولاد الفرع الوارث الميت في حياة أصله، على سبيل الوصية، بشرط ألا يكونوا ورثة في الأصل، ولا يشترط موافقة الورثة عليها.
وهذه الوصية اجتهاد جديد من المُشرِّع المصري منبثقٌ من مقاصد الشرع الشريف، وهو جارٍ على ما قرَّره بعضُ الفقهاء من أنَّ لولي الأمر أن يُنشئ حُكمًا شرعيًّا بما يراه مُحقِّقًا لمصلحة العامَّة، ومتماشٍ في أكثر تفصيلاته على أحكامٍ جُزئيَّة راجعة إلى ما ذَهَبَ إليه جماعةٌ من فقهاء الصحابة والتابعين ومَن بعدهم من أئمة المذاهب، من القول بوجوب الوصية للأقربين غيرِ الوارثين على كلِّ مَن تركَ مالًا.
ومن هؤلاء الفقهاء: عبد الله بن عمر، وطلحة بن عُبيد الله، والزبير بن العوَّام، وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهم، ومفتي الكوفة التابعي الجليل مسروق بن الأجدع (ت: 62هـ)، والأئمة: الشعبي، ومجاهد (ت: 104هـ)، وطاوس بن كيسان (ت: 106هـ)، وأبو مجلز البصري (ت: 106هـ)، وطلحة بن مصرف (ت: 112هـ)، وعطاء بن أبي رباح (ت: 114هـ)، ومحمد بن شهاب الزهري (ت: 124هـ). وهو قولٌ عن الإمام الشافعي (ت: 204هـ) في القديم حكاه البَيْهَقِي، والإمام إسحاق بن راهويه (ت: 238هـ)، ورواية عن الإمام أحمد (ت: 241هـ) اختارها أبو بكر الخَلَّال، والإمام أبو ثور (ت: 246هـ)، وداود بن علي الظاهري (ت: 270هـ)، واختاره ابن جرير الطبري (ت: 310هـ)، وأبو عَوانة الإسْفِراييني (ت: 316هـ)، والإمام ابن حزم الظاهري (ت: 456هـ)، والإمام الزمخشري (ت: 538هـ). كما أفاده الإمام أبو بكر الجَصَّاص في "أحكام القرآن" (1/ 199-200، ط. دار الكتب العلمية)، والإمام ابن بَطَّال في "شرح صحيح البخاري" (8/ 142، ط. مكتبة الرشد)، والإمام الزمخشري في "الكشاف" (1/ 678، ط. دار الكتاب العربي)، والإمام القُرْطُبي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/ 263، ط. دار الكتب المصرية)، والحافظ ولي الدين أبو زُرْعَة العراقي في "طرح التثريب" (6/ 187، ط. دار الفكر العربي)، والحافظ ابن حجر العَسْقَلاني في "فتح الباري" (5/ 358، ط. دار المعرفة).
قد استدل هؤلاء الفقهاء على إيجاب الوصية بقول الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 180]، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: 8].
وبما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»، ترجمه الإمام البخاري بقوله: "باب الوصايا وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وصية الرجل مكتوبة عنده».
وبما أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" عن مسروق بن الأجدع، أنه قال: "أوصِ لذي قرابتك ممن لا يرثك".
قال الإمام الطبري في تفسيره "جامع البيان" (3/ 384، ط. مؤسسة الرسالة): [﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ﴾ فُرض عليكم أيها المؤمنون الوصية ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾، والخير: المال، ﴿لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ الذين لا يرثونه... ﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ يعني بذلك: فرض عليكم هذا وأوجبه، وجعله حقًّا واجبًا على من اتقى الله فأطاعه أن يعمل به. فإن قال قائل: أوَفرضٌ على الرجل ذي المال أن يُوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه؟ قيل: نعم] اهـ.
وقال الإمام الثعلبي في "الكشف والبيان" (3/ 261، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾، أي: فأرضوهم من المال قبل القسمة، واختلف العلماء في حكم هذه الآية:
فقال قوم: هي منسوخة... وقال آخرون: هي مُحْكَمة، وهو قول الأشعري والنَّخَعِي والشَّعْبي والزُّهْري ورواية عكرمة ومقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال مجاهد: واجبة على أهل الميراث ما طابت بها أنفسهم] اهـ.
وقال الإمام ابن حزم الظاهري في "المحلى بالآثار" (8/ 349، ط. دار الفكر): [الوصية فرضٌ على كلِّ مَن تركَ مالًا؛ لما روينا من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» قال ابن عمر رضي الله عنهما: ما مرَّت عليَّ ليلة مذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي.
وروينا إيجاب الوصية من طريق ابن المبارك عن عبد الله بن عون، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما من قوله. ومن طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عبيد الله قال: كان طلحة والزبير يشددان في الوصية، وهو قول عبد الله بن أبي أوفى، وطلحة بن مطرف، وطاوس، والشعبي، وغيرهم، وهو قول أبي سليمان وجميعِ أصحابنا] اهـ.
وقال الإمام المَرْدَاوي الحنبلي في "التحبير شرح التحرير" (2/ 851، ط. مكتبة الرشد): [﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ﴾... فَقيل: المُرَاد: وَجب، وَكَانَت الْوَصِيَّة فرضًا وَنُسِخَت... قلت: عَن الإِمَام أَحْمد رِوَايَة بِالْوُجُوب للقريب إِذا كَانَ غير وَارِث، اخْتَارَهَا أَبُو بكر من أَصْحَابنَا، وَنقل فِي "التَّبْصِرَة" وُجُوبهَا عَن أبي بكر للْمَسَاكِين ووجوه البِرِّ] اهـ.
ومقتضى ذلك: أن يكون لأقرباء الميت من غير الوارثين نصيبٌ في تركته، لا على أنَّه سهمٌ لهم في هذه التركة، بل على جهة العطية والمرزوقيَّة.
وعلى القول بوجوبها فإن الجزء الواجب إخراجه يجوز فيه -كما ذهب الإمام ابن حزم- أن يحدده الموصي أو الورثة بمثل نصيب الأب، كما يجوز تحديده بأقل أو أكثر، ولبعض الأقربين دون غيرهم، وهو ما أخذَ به المُشرِّع المصري في "الوصية الواجبة" بتحديد أولاد الأبناء في الاستحقاق، فنصَّ في المادة 76 من القانون رقم 71 لسنة 1946م، على أنه: [إذا لم يوصِ الميتُ لفرع ولده الذي مات في حياته أو مات معه ولو حكمًا بمثل ما كان يستحقه هذا الولد ميراثًا في تركته لو كان حيًّا عند موته: وجبت للفرع في التركة وصية بقدر هذا النصيب في حدود الثلث، بشرط أن يكون غيرَ وارثٍ، وألَّا يكون الميت قد أعطاه بغير عوضٍ من طريق تصرف آخر قدرَ ما يجبُ له، وإن كان ما أعطاه أقلَّ منه وجبت له وصيةٌ بقدر ما يملكه] اهـ.
الوصيَّة الواجبة إنَّما شُرِعَت عِوَضًا عمَّا فاتَ أولاد الأولاد من الميراث، ولذلك اشتُرِطَ فيها ألَّا يجتمع العِوَض -وهو الوصية الواجبة- والمعوَّض عنه -وهو الميراث- على محلٍّ واحدٍ؛ إذ لا عبرةَ للبدلِ عند القدرة على الأصل.
غير أنه قد يحدث أن يكون للأحفاد نصيبٌ من الميراث بالتعصيب، لكن يستغرق أصحاب الفروض التركة كلها، فلا يبقى للأحفاد شيء، وهو ما يسمَّى "الحجب بالاستغراق"، ومثاله ما جاء في صورة مسألتنا فيمن: تُوفِّي عن: بنتين، وأبوين، وابن ابن.
فتقسيم المسألة: يكون لبنتَيه ثُلُثَا تركته فرضًا، ولأبيه السدس فرضًا، ولأمه السدس فرضًا، ولابن الابن الباقي تعصيبًا؛ لأنه عصبة بالنفس -وهو كلُّ ذكر لا تتوسط في نسبته إلى الميت أنثى- فيأخذ الباقي بعد أصحاب الفروض، وفي مسألتنا هذه لا يوجد باقٍ؛ حيث استغرق أصحابُ الفروض جميعَ التركة (الثلثين، والسدسين)، فلم يتبقَّ شيءٌ لابن الابن من جهة الإرث.
وإذ تقرر أن الوصيَّة الواجبة إنما يستحقها أولاد الفرع الوارث الذي مات في حياة أصله من غير الوارثين أو الموصى لهم، فهنا يظهر وجه إشكالية واقعة السؤال، وهي حالة ما إذا كان هذا الفرع عاصبًا، وقد استغرقَ التركةَ أصحابُ الفروض، فلم يبْقَ له شيء، فهل يُعامَل هذا الفرع -ابن الابن- معاملةَ المحجوبِ فيستحق في تركة المورِّث وصيةً واجبةً، أم أنَّه ما دام قد قُدِّرَ له نصيبٌ في التركة فليس له الحقُّ في الوصية الواجبة، أخذ نصيبه أم لم يأخذ؟ خاصة وأنَّ القانون اشترطَ "ألَّا يكون وارثًا"، لكنه لم يفسر معناها، هل يقصد أن يكون محجوبًا أو أنه لم يبْق له ميراثٌ من التركة؟
والجواب أنَّ معاملة أولاد الأبناء المنطبق عليهم شروط الوصية الواجبة في المثال المذكور معاملة المحجوب وغير الوارث هي الأرجح برهانًا، والأقرب لمقاصد التشريع القانوني للوصية الواجبة، خاصة أنَّ الفقهاء قد نصوا على أنَّ الحجب يكون بأحد اعتبارات ثلاثة: إما الشخص أو الوصف أو الاستغراق؛ فوجود أصحاب فروض مُستغرقة للتركة في مسألتنا تَسَبَّب في حجب أولاد الأبناء، بخلاف مَن تتوسط بينه وبين الميت أنثى، فهو غير وارثٍ أصلًا فلا يُسمَّى حجبًا.
قال الإمام الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (4/ 19، ط. دار الكتب العلمية): [قوله: (وكلُّ عصبةٍ يحجبه أصحاب فروض مستغرقة) (والجد) أبو الأب وإن علا (لا يحجبه إلَّا) ذَكَرٌ (متوسط بينه وبين الميت) بالإجماع؛ لأن مَن أدلى بشخصٍ لا يرث مع وجوده إلا أولاد الأم. تنبيه: لم يقيد المصنف المتوسط بالذَّكَر كما قدرتُه إيضاحًا؛ لأنَّ مَن بينه وبين الميت أنثى لا يرث أصلًا فلا يُسمَّى حجبًا] اهـ.
وهو ما قررته المذاهب الأربعة كقاعدة كلية تَطَّرِد في جميع الصور والمسائل، وهي تقرر أن شأن العاصب السقوط إذا استغرقت الفروض التركة، كما في "رد المحتار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (6/ 801، ط. دار الفكر)، و"إرْشَاد السَّالِك" للعلامة شهاب الدين ابن عسكر المالكي (ص130، ط. الحلبي)، و"الشرح الكبير" للإمام الدردير المالكي (4/ 466، ط. دار الفكر)، والعلامة البُهُوتي الحنبلي في "الروض المربع" (487، ط. دار المؤيد).
كما ورد في نصوص متأخري الشافعية تطبيق هذه القاعدة في خصوص مسألتنا:
فجاء في "حاشية العلامة عميرة على شرح المحلي على المنهاج" (3/ 142، ط. دار الفكر): [(وابن الابن) وإن سَفُل (لا يحجبه) من جهة العصبة (إلا الابن أو ابنُ ابنٍ أقرب منه) ويحجبه أصحابُ فروض مستغرقة، كأبوين وبنتين؛ أخذًا مما سيأتي أنها تحجب كلَّ عصبةٍ] اهـ.
وقال العلامة محمد شطا الدمياطي في "إعانة الطالبين" (3/ 272، ط. دار الفكر): [يُحْجَب ولدُ ابنٍ بابنِ ابنٍ أقرب منه كابنِ ابنِ ابنٍ وابنِ ابنِ ابنِ ابنٍ، فالثاني يُحْجَب بالأولِ: لأنه أقرب منه درجة، وكما يُحْجَب ابن الابن بمَنْ ذُكِر يحجب بأصحاب فروض مستغرقة، كما إذا اجتمع مع أبوين وبنتين] اهـ.
يضاف لهذا أنَّ الهدف والمقصد من إيجاب الوصيَّة الواجبة هو تعويض الفرع عمَّا فاته من ميراث أصله الذي مات في حياة أبيه أو أمه، أو مات معهما أو أحدهما ولو حكمًا: كالغرقى والهدمى والحرقى، فإن هؤلاء قلما يرثون بعد موت جدهم أو جدتهم لوجود مَن يحجبهم من الميراث، مع أنَّ آباءهم قد يكونون ممن شاركوا في بناء الثروة التي تركها الميت، وقد يكونون في عياله يُمَوِّنُهُمْ، وأحبُّ شيءٍ إلى نفسه أن يوصيَ لهم بشيء من ماله، ولكنَّ المنية عاجلته فلم يفعل شيئًا، أو حالت بينه وبين ذلك مؤثراتٌ وقتية، وهو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لقانون الوصية رقم 71 لسنة 1946م، في المواد: (76، 77، 78).
وما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية من بيان حكمة تشريع الوصية الواجبة، يظهر معه أن مسوِّغَ إعطائها للأحفاد حال كونهم غير وارثين، هو نفس مسوِّغ إعطائها لهم حال كونهم وارثين ولم يبق لهم من التركة شيء؛ لتساويهما في سبب الاستحقاق، وهو الحرمان من التركة في كُلٍّ وفوات ميراث أصلهما عليهما، ولا فرق بين كون أحدهما محجوبًا من التركة والآخر لم يتبق له شيءٌ؛ لوجود علة الاستحقاق.
ومن ثمَّ فإن هذه المسألة تدخل تحت نطاق المادة (76) من قانون الوصيَّة الواجبة المصري؛ لأن اشتراط النص أن يكون الفرع غير وارثٍ يستوي فيه أن يكون الفرعُ محجوبًا بغيره أو أنه لم يبقَ له شيءٌ من التركة لاستغراقها بالفروض، وهو ما أفتى به فضيلة العلامة الشيخ/ جاد الحق علي جاد الحق -مفتي الجمهورية الأسبق- في الفتوى (رقم 290 لسنة 1981م- سجل رقم 105) ومما جاء فيها: [يستحق ابن الابن في هذه الحالة -إذا كان وارثًا بالتعصيب ولم يبق له شيء- وصيةً واجبةً؛ لدخوله في نطاق حكم المادة 76 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946م المعمول به من أول أغسطس سنة 1946م بشروطها باعتبار أن هدفها هو تعويض الفرع عما فات من ميراث أصله] اهـ.
بناءً على ذلك، وفي واقعة السؤال: يستحق ابن الابن وصيةً واجبةً بمقدار ما كان يستحقُّهُ والده لو كان حيًّا وقت وفاة أبيه المورِّث، بما لا يزيد عن ثلث التركة، وإلَّا رُدَّ إلى نصيب والده، ونصيب والده هنا: الثُّلث، فيكون نصيب ابن الابن ثلث التركة، ثم يُقسم الثلثان الباقيان على باقي الورثة، فيأخذ الأب السدس فرضًا؛ لوجود الفرع الوارث، وتأخذ الأم السدس فرضًا؛ لوجود الفرع الوارث، وتأخذ البنتان الثلثين مناصفةً بينهما فرضًا، لتعددهما، وعدم وجود مَن يُعصبهما، وهذا إذا لم يكن المتوفَّى المذكور قد أوصى لابن ابنه، ولا أعطاه شيئًا بغير عِوضٍ عن طريق تصرفٍ آخر، وإلَّا خُصِمَ مِن نصيبه في الوصيَّة الواجبة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائلة تقول: يطلب مني زوجي أن أتزين وأتجمل له ونحن في المنزل. فما التوجيه الشرعي في ذلك؟
هل تعتبر الشقة المؤجرة من التركة؟ حيث يقول السائل إن والدته كانت تسكن في شقةٍ بالإيجار، وكان يقيم معها هو وزوجته وأولاده قبل وفاة والدته بثلاث عشرة سنة. ويسأل: هل هذه الشقة تعتبر من التركة؟
رجل تزوج بامرأة دون عقد ودون شهود وأنجب منها طفلين، وقبل وفاته استخرج لها جواز سفر باسمه، وله زوجة أخرى بعقد وشهود، وبعد وفاته رفضت الزوجة الشرعية وأولادها إعطاء ميراث للطفلين من هذه الزوجة التي لا حقَّ لها ولا شهود إلا الجيران.
تُوفّي رجلٌ عن: زوجة، وثلاثة أبناء وبنت؛ فما حكم الشرع في الأموال الممنوحة من التأمينات للزوجة وحدها من دون باقي الورثة، وما حكم ذهب الزوجة، وقائمة المنقولات، ومؤخر الصداق؟
ولم يترك المُتوفَّى المذكور أيّ وارث آخر غير مَن ذكروا ولا فرع يستحق وصية واجبة. فما نصيب كل وارث؟
أولًا: أما عن بيع الوالد المنزل والمحلات التجارية بيعًا صوريًّا للوالدة بالصورة المذكورة في السؤال فهو بيعٌ نافذٌ قضاءً وشرعًا، وعليه فليس للوالد تركة تقسم على ورثته الشرعيين.
وبوفاة الأخ المتوفى أولًا عن المذكورين فقط يكون لأمه السدس فرضًا؛ لوجود الفرع الوارث، ولزوجته الثمن فرضًا؛ لوجود الفرع الوارث، والباقي للابن والبنت تعصيبًا للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لعدم وجود صاحب فرض آخر.
وبوفاة الأخ المتوفى ثانيًا عن المذكورين فقط يكون للأم السدس فرضًا؛ لوجود الفرع الوارث، وللزوجة الثمن فرضًا؛ لوجود الفرع الوارث، والباقي لأولاده تعصيبًا للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لعدم وجود صاحب فرض آخر.
وبوفاة الأخ المتوفى ثالثًا عن المذكورين فقط يكون لأمه السدس فرضًا؛ لوجود عدد من الإخوة، والباقي للإخوة الأشقاء تعصيبًا للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لعدم وجود صاحب فرض آخر أو عاصب أقرب، ولا شيء لأولاد الإخوة؛ لحجبهم بالإخوة الأقرب منهم درجة بالنسبة للذكور، ولا شيء لبنات الإخوة؛ لكونهن من ذوي الأرحام المؤخرين في الميراث عن أصحاب الفروض والعصبات.
وبوفاة الأم سنة 2003م بعد أول أغسطس 1946م تاريخ العمل بقانون الوصية رقم 71 لسنة 1946م عن المذكورين فقط يكون في ترِكتها لأولاد ابنيها المتوفيين قبلها وصية واجبة بمقدار ما كان يستحقه أصل كل منهم ميراثًا لو كانا على قيد الحياة وقت وفاة أمهما في حدود ثلث التركة، على أن يأخذ كل فرع نصيب أصله.
فبقسمة تركة هذه المتوفاة إلى ثلاثة عشر سهمًا: يكون لأولاد الابنين المتوفيين قبل أمهما أربعة أسهم يأخذ كل فرع نصيب أصله، فيكون لأولاد ابنها المتوفى ثانيًا سهمان يقسمان بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ولابن وبنت ابنها المتوفى أولًا سهمان يقسمان بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، والباقي بعد إخراج الوصية وهو تسعة أسهم هو التركة التي تقسم على الورثة الأحياء للذكر مثل حظ الأنثيين، فيكون لكل ابن سهمان ولكل بنت سهم واحد.
هذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال، وليس هناك وارث آخر بفرض ولا تعصيب ولا فرع يستحق وصية واجبة غير من ذكروا، ولم تكن المرأة المتوفاة قد أوصت لأولاد ابنيها بمثل نصيب والديهما أو أعطتهم شيئًا بغير عوض عن طريق تصرف آخر.
ثانيًا: أما عن قيام الوالد بإيجار محل لأحد أولاده أثناء حياته دون أن يتقاضى منه أية مبالغ على ذلك، فالإنسان ما دام على قيد الحياة ويحسن التصرف في أمواله ولم يكن محجورًا عليه بفلس أو سفه فمن حقه أن يتصرف في ماله كيف يشاء وحسبما يريد من بيع أو شراء أو هبة أو إيجار أو غير ذلك من أوجه التصرف المشروعة، ولا حرج عليه شرعًا في مثل هذا التصرف، وليس لأحد الورثة أو غيرهم الاعتراض على ما فعله صاحب المال في حياته؛ فلعله نظر إلى مصلحة راجحة عنده في هذا الأمر. والله من وراء القصد.
وبالنسبة لقيام الوالدة بإيجار محل لأحد الأبناء فإن كان المحل المشار إليه ضمن ممتلكات الأم سواء تملكته بمالها الخاص أو عن طريق هبة من زوجها أو عن طريق ميراث أو خلافه من أوجه التملك المشروعة فما قيل في إيجار المحل للابن المتوفى ثانيًا يقال هنا.
وإذا لم يكن المحل ضمن ممتلكات الوالدة تكون الإجارة باطلة؛ لأنه تصرف في مال الغير بغير حق، وقد نهى الله تعالى عن ذلك في قرآنه ونهى سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن مثل هذا التصرف، وليس على الوالدين إثم في ذلك إن شاء الله تعالى، والله غفور رحيم، وسعت رحمته كل شيء.
ثالثًا: أما عن وضع الإيجار المحصل من البيت والمحل فإنه حق لكل الورثة يجب على من يقوم بتحصيله أن يوزعه على الورثة الشرعيين كل بحصته كما سبق تفصيله، وليحذر من أكل أموال الناس بالباطل؛ لقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ» رواه الدارقطني في "سننه"، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهُمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذْ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فُطُرِحَتْ عَلَيْهِ» رواه البخاري.
رابعًا: أما عن وضع إدارة المحل... إلخ فإنه يجب أن يُعْطَى الأخ الذي قام بإدارة المحل على مدار هذه الفترة أجرة إدارته للمحل المعبر عنها في الفقه الإسلامي بـ"أجرة المثل"، وأن تقدروها فيما بينكم، وإلا فالمرجعية في تحديدها لأهل الخبرة في هذا المجال، والباقي بعد مصروفات المحل وأجرة إدارة المحل من الربح يكون لكل الورثة كل حسب حصته كما أوضحناه فيما سلف.
أما عن المنزل الذي قام الأخ الصغير ببنائه أثناء إدارته المحل فإنه ينظر فيه: إن كان البناء من مال المحل فهو حق لكل الورثة، وإن كان من ماله الخاص حسب ادعائه فليثبت ذلك بالطرق المشروعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» رواه الدارقطني وغيره. هذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم تصرفات غير الولي في مال القاصر؟ فقد ورد سؤال نصه كالتي توفي الأب عن: زوجة، وثلاثة أبناء وبنت، وأختين شقيقتين، ثم توفيت زوجته بعده، وبعد أن كبر الابن الأكبر باع مال أمه، وهي أراضٍ زراعية، وجعل إخوته القُصَّر الباقين يوقِّعون على توكيل بالبيع رغم أنه لا يوجد وصيٌّ ولا وليٌّ عليهم جميعًا، ثم تجاوز وباع ورهن من أموال أبيه وهم أيضًا قُصَّرٌ. فما حكم الشرع في أفعال الأخ الأكبر وبيعه أموال أبيه وأمه وإخوته الباقين القُصَّر؟ ثم ما حكم البيع للأختين الشقيقتين قبل القسمة؟ علمًا بأنهما لم يعرفا الثمن ولا المبيع وهو مشاع. وما الحكم إذا قام الأخ الأصغر بعد بلوغه سن الرشد بالمطالبة بأمواله وإرجاع الأملاك المباعة؟