هل يُغسل المتوفى المصاب بالحروق؟ وهل هناك رخصة شرعية بعدم تغسيله؟ وذلك نظرًا لحالة جسده. وإذا تعذر الغُسل، فما البديل الشرعي؟
حكم تغسيل الميت المحروق يتوقف على حال جسده بعد الوفاة، فإن كان الجسدُ سليمًا وأمكن غَسلُهُ وتعميمه بالماء من غير ضررٍ به فإنه يُغسَّل غسلًا كاملًا كما يُفعل مع سائر الأموات، وإن كان يتضرر من مجرد ملامسة الماء فإنه ينتقل إلى التيمُّم، بالضرب بباطن الكفين على أي شيء من جنس الأرض، كالتراب الطاهر، أو الحجر، أو الرخام، أو غير ذلك، يُمسح بالضربة الأولى وجهُ الميت، وبالثانية يداه إلى المرفقين، فإن كان بعض الجسد سليمًا وبعضُهُ متضررًا، غُسِلَ ما أمكن غَسلُه، ويُمِّمَ عن المواضع المتضررة التي تُضارُّ بإيصال الماء إليها، فإن تعذر الغسل والتيمم بسبب شدة تفحم الجسد أو فقد محل التيمم أو نحو ذلك فإنه يسقط غسله وتيممه، ويُكتفى حينئذٍ بتكفينه على حاله والصلاة عليه ودفنه، وذلك كلُّه تكريمًا للميت، وصونًا لجسده من الأذى، وحفظًا له من التشوه، وتيسيرًا على من يقوم بتجهيزه للصلاة عليه والدفن.
المحتويات
كرَّمت الشريعةُ الإسلاميةُ الإنسانَ في جميع أحواله، حيًّا وميتًا، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70].
ومن مظاهر هذا التكريم: ما تقرَّر في الشرع الشريف من وجوب تغسيل الميت قبل تكفينه والصلاة عليه ودفنه، وهو من فروض الكفاية الثابتة بالسُّنة وإجماع الأمة، والمتعلقة بحق الإنسان على أخيه؛ لِمَا ورد أنَّ الملائكة عليهم السلام غسَّلَت سيدَنا آدم عليه الصلاة والسلام، وقالوا لولده: «هَذَا سُنَّتُكُمْ يَا بَنِي آدَمَ فِي مَوْتَاكُمْ» أخرجه الإمامان: الطبراني واللفظ له، والحاكم وصححه.
ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الرجل المُحرِم الذي وَقَصَتْهُ ناقَتُه: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» متفقٌ عليه من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
قال الإمام النَّوَوِي في "المجموع" (5/ 128، ط. دار الفكر): [غُسل الميتِ فرض كفايةٍ بإجماع المسلمين، ومعنى فرض الكفاية: أنه إذا فعله مَن فيه كفايةٌ سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلُّهم أثموا كلُّهم، واعلم أن غُسل الميتِ، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه فروضُ كفايةٍ بلا خلاف] اهـ.
و"أقل الغسل: استيعاب بدن الميت بالماء مرةً واحدةً بعد إزالة النجاسة إن وُجِدَت"، كما في "روضة الطالبين" (2/ 99، ط. المكتب الإسلامي).
وهذا الأصل المقرر من وجوب غسل الميت إنما يَثبت في حق الميت سليم الجسد، أما في حالات الوفاة غير الطبيعية، كمن تُوفِّي حرقًا، أو مُصابًا بإصابات وجروحٍ بليغة أدت إلى تغيُّر جسده، فإن الحكم لا يبقى على أصله وإطلاقه، بل يتفاوت بحسب ما آل إليه حال الجسد بعد الوفاة.
إذا أمكن التغسيل دون ضرر أو تأذٍّ بالماء فإنه يجب أن يُغسَّل غسلًا كاملًا كما يُفعل مع سائر الأموات بلا خلاف، تمسكًا بالأصل المقرر شرعًا في حق الميت غير شهيد المعركة، وهو وجوب الغسل، ولا يُعدل عنه ما دامت القدرة عليه قائمة، ولم يوجد مانع شرعي أو حسي يمنع منه.
قال الإمام أبو الحسين العِمْرَانِي في "البيان" (3/ 86، ط. دار المنهاج): [قال الشيخ أبو حامد: وأما سائر الشهداء، مثل: مَن مات بحريقٍ، أو غرقٍ، أو بطنٍ، أو تحت الهدم، وما أشبه ذلك، فإنهم يُغَسَّلُون، ويُصَلَّى عليهم بلا خلاف؛ لعموم الخبر، ولأنه مسلم مات في غير معتَرَك الكفار، فوجب غسله، والصلاة عليه، كما لو مات بغير هذه الأمراض] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (2/ 399، ط. مكتبة القاهرة): [أما الشهيد بغير قتل، كالمبطون، والمطعون، والغرق، وصاحب الهدم، والنفساء، فإنهم يُغسَّلون، ويُصلَّى عليهم، لا نعلم فيه خلافًا] اهـ.
إذا تعذر التغسيل أو تعميم جميع بدن الميت بالماء خوفًا من الضرر والتأذي من الماء، كتَهَرِّي اللحم، أو تقطُّع الجسد، أو انسلاخ الجِلد، فإنه ينتقل إلى التيمم؛ حفاظًا على جسد المتوفى ليُدفن على حاله، ولأن غسل الميت طهارةٌ متعلقة بالبدن، كالوضوء وغسل الجنابة، فكما أن الحي يُيَمَّم عند العجز عن استعمال الماء، فكذلك يُيَمَّم الميت عند العجر عن استعمال الماء.
قال الإمام البابرتي في "العناية شرح الهداية" (10/ 520، ط. دار الفكر): [من تعذر غسله؛ لعدم ما يغسل به، فيُيَمم بالصعيد] اهـ.
وقال الإمام الدَّرْدِير في "الشرح الكبير" (1/ 410، ط. دار الفكر، مع "حاشية الإمام الدُّسُوقِي") عند بيان الأحوال التي يُيَمَّمُ فيها الميت: [(و) كخوف (تقطيع الجسد) أي: انفصال بعضهِ من بعضٍ (وتَزلِيعِهِ) أي: تسلُّخه، فيَحرُم تغسيلُه، ويُيَمَّمُ في الحالتين لِمِرْفَقَيْهِ، (وصُبَّ على مجروحٍ أمكن) الصبُّ عليه من غير خشية تَقطُّعٍ أو تَزلُّعٍ (ماءٌ) من غير ذلك (كمجدور) ونحوه، فيُصبُّ الماء عليه (إن لم يُخف تزلُّعهُ) أو تقطُّعهُ -راجعٌ للمجروح والمجدور- ولا حاجة له؛ للاستغناء عنه بقوله: أمكن، فإن لم يمكن بأن خيف ما ذكر يُمِّمَ] اهـ.
وقال الإمام الخطيب الشِّرْبِينِي في "مغني المحتاج" (2/ 46، ط. دار الكتب العلمية): [(ومن تعذر غسله) لفقد الماء أو لغيره، كأن احترق... (يُمِّمَ) وجوبًا؛ قياسًا على غسل الجنابة، ولا يغسل؛ محافظة على جثته لتدفن بحالها] اهـ.
وقال الإمام البُهُوتِي في "كشاف القناع" (2/ 102، ط. دار الكتب العلمية): [(ومن تعذَّر غسلهُ لعدم ماءٍ أو عذرٍ غيره) كالحرق والجذام والتَّبضيع (يُمِّمَ) لأن غسل الميت طهارةٌ على البدن، فقام التيمُّمُ عند العجز عنه مقامَه، كالجنابة (وكُفِّن) بعد التيمم (وصُلِّي عليه) كغيره] اهـ.
كيفية التيمُّم: ضربتان بباطن الكفين على أي شيء من جنس الأرض، كالتراب الطاهر، أو الحجر، أو الرخام، أو غير ذلك، يُمسح بالضربة الأولى وجهُ الميت، وبالثانية يداه إلى المرفقين، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ» أخرجه الأئمة: الطَّبَرَانِي في "المعجم الكبير"، والدَّارَقُطْنِي والبَيْهَقِي، والحاكم.
قال الإمام الخَرَشِي في "شرح مختصر خليل" (2/ 116، ط. دار الفكر): [الميتُ إذا لم يوجد ماءٌ يغسل بهِ فإنه يُيمَّمُ وجههُ ويداهُ لمرفقيه] اهـ.
إذا كان بعض الجسد سليمًا والبعض الآخر متضررًا بسبب الحروق، فإنه يُغسل ما أمكن غسله من الجسد، ويُيَمَّم عن المواضع المصابة التي يُخاف من إيصال الماء إليها، كما هي الحال في الوضوء والغسل بالنسبة للحي إذا أراد الغسل لرفع الحدث، وذلك بناءً على ما تقرر في قواعد الشرع الشريف من أن "الميسور لا يسقط بالمعسور"، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام تاج الدين السُّبْكِي (1/ 155، ط. دار الكتب العلمية)، والأصل في ذلك ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» متفق عليه.
قال الإمام البُهُوتِي في "كشاف القناع" (2/ 102) في بيان ما يُفعل في تجهيز الميت: [(وإن تعذَّر غُسلُ بعضه) غُسلَ ما أمكن منه، و(يُمِّمَ له) أي: لما تعذَّر غسله كالجنابة] اهـ.
إذا تعذر كلٌّ من الغسل والتيمم؛ لشدة تفحم جسد الميت، أو لفقد محل التيمم، أو نحو ذلك، فإنه يسقط حينئذٍ غسله وتيممه؛ لما تقرر من الشرع من عدم التكليف بغير المستطاع، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، ويُكتفى في هذه الحالة بتكفينه على حاله التي هو عليها، ثم الصلاة عليه ودفنه، إذ المقصود من صلاة الجنازة الدعاءُ والشفاعةُ للميت، والمقصود من دفنِه تكريمُه بمواراة جسده. ينظر: "مغني المحتاج" للإمام الخطيب الشِّرْبِينِي (2/ 50).
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن حكم تغسيل الميت المحروق يتوقف على حال جسده بعد الوفاة، فإن كان الجسدُ سليمًا وأمكن غَسلُهُ وتعميمه بالماء من غير ضررٍ به فإنه يُغسَّل غسلًا كاملًا كما يُفعل مع سائر الأموات، وإن كان يتضرر من مجرد ملامسة الماء فإنه ينتقل إلى التيمُّم، بالضرب بباطن الكفين على أي شيء من جنس الأرض، كالتراب الطاهر، أو الحجر، أو الرخام، أو غير ذلك، يُمسح بالضربة الأولى وجهُ الميت، وبالثانية يداه إلى المرفقين، فإن كان بعض الجسد سليمًا وبعضُهُ متضررًا، غُسِلَ ما أمكن غَسلُه، ويُمِّمَ عن المواضع المتضررة التي تُضارُّ بإيصال الماء إليها، فإن تعذر الغسل والتيمم بسبب شدة تفحم الجسد أو فقد محل التيمم أو نحو ذلك فإنه يسقط غسله وتيممه، ويُكتفى حينئذٍ بتكفينه على حاله والصلاة عليه ودفنه، وذلك كلُّه تكريمًا للميتِ، وصونًا لجسده من الأذى، وحفظًا له من التشوه، وتيسيرًا على من يقوم بتجهيزه للصلاة عليه والدفن.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم دفن المتوفى بفيروس كورونا في تابوتٍ مُعَدٍّ لذلك؛ خوفًا من انتقال العدوى للأصحاء؟
ما حكم حمل الميت على السيارة أثناء تشييعه؟ حيث يقول السائل: المقابر الخاصة بقريتنا خارج الحيز العمراني للقرية، وقريتنا شوارع ترابية، وفي أيام الشتاء والمطر تكون الشوارع سيئة جدًّا، بالإضافة إلى أن المقابر تبعد عن العمران بحوالي 400م كحد أدنى و1400م كحد أقصى من أطراف القرية، ويوجد بعض التوابع للقرية تبعد بحوالي 2 كيلو متر؛ فقمنا أنا وبعض المتبرعين بشراء سيارة وتجهيزها للدفن، فأفتى أحد مشايخ القرية من غير الأزهريين بعدم مشروعية حمل الميت بالسيارة، وقال: لا بد أن يحمل الميت على الأعناق، وما دون ذلك بدعة نحمل وزرها، فرجاء منكم فتوى رسمية بجواز ذلك من عدمه، ولفضيلتكم جزيل الشكر.
ما هي السنة في حمل الجنازة إلى المقابر؟ فقد سُئِل بخطاب المحافظة بما صورته: لا يخفى على فضيلتكم أن مدينة القاهرة قد أصبحت مترامية الأطراف، وأن المباني اتسعت فيها اتساعًا كبيرًا؛ بحيث إن الإنسان قد يقضي بضعة ساعات سائرًا على الأقدام لأجل الوصول من جهة إلى أخرى، كذلك لا يخفى على فضيلتكم أن موتى المسلمين ينقلون إلى الجبانات المراد الدفن فيها بطريقة الحمل على الأكتاف، ويسير المشيعون خلف النعش من الجهة التي حصلت فيها الوفاة إلى المدفن، ويتحمل المشيعون في هذا السبيل الكثير من العناء والمتاعب.
ما حكم إقامة العزاء وإحضار القراء لقراءة القرآن جهرًا؟ وهل إقامته لها مدة معينة؟
ما حكم التعدي على الأضرحة ونبش قبور الأولياء؟ حيث يوجد عندنا في القرية مسجد قديم في مقدمته ضريح؛ فأراد أهل القرية هدمه وتوسعة المسجد، وأثناء عملية الهدم وجدنا بالضريح عظامًا لصاحبه؛ فقمنا بتكفينها ودفنها في مقبرة ولي آخر؛ فلما تمَّ الانتهاء من بناء وتوسعة المسجد، قال بعضنا: لابدَّ من بناء مقبرة داخل المسجد والنبش عن هذه العظام وإعادتها إلى هذه المقبرة في المسجد مرة أخرى؛ فما حكم ذلك شرعًا؟