فضل شهر المحرم وحكم صيامه كاملًا

تاريخ الفتوى: 25 يونيو 2025 م
رقم الفتوى: 8672
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الاحتفالات
فضل شهر المحرم وحكم صيامه كاملًا

ما فضائل شهر المحرم؟ فإني أودّ الاعتناء فيه بمزيد من العبادات، وقد سمعتُ في بعض الدروس الدينية أنَّه لا يصح صومه كاملًا، فهل هذا صحيح؟

شهر المحرَّم من الأشهر التي ميَّزها وفضَّلها الله سبحانه وتعالى على كثير من شهور السنة، فهو من الأشهر الحُرُم، وفيه يوم عاشوراء، وقد وَرَد فيه أفضلية الصوم على سبيل الاستحباب والنَّدْب، خصوصًا في يوم عاشوراء -وهو اليوم العاشر منه-، فمَن قَدِر على صيامه كاملًا فقد أصاب الاستحباب، ومَن لا يَقْدِر فلا إثم عليه.

المحتويات

 

سنة الله بتفضيل بعض الشهور بمضاعفة ثواب العبادة فيها

خلق الله عزَّ وجلَّ الزمان والمكان، وفضَّل بعضه على بعض، ومن ذلك: تفضيل بعض الشهور، كرمضان، والأشهر الحُرُم على سائر الشهور.

وقد حَثَّت الشريعة الإسلامية على زيادة الاعتناء بهذه الشهور، وإحيائها بشتى صور العبادات؛ لما فيها من الفضل والإحسان ومضاعفة الأجر والثواب، حيث ورد الأمر بالتعرض لنفحاتها واغتنامها، وأنَّ ذلك قد يكون سببًا لصلاح حال العبد فلا يشقى بعدها أبدًا؛ فعن محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا فَلَا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدًا» رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" و"المعجم الكبير".

فضل شهر الله المحرم

من الشهور المفضلة التي اختصها الله سبحانه وتعالى وأَوْلَاها منزلة عظيمة: شهر الله المحرم، ومما فُضِّل به شهر المحرم أنه أحد الأشهر الحُرم التي قال الله تعالى فيها: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة: 36]. والمقصود بالأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، فعن أبي بَكْرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» رواه البخاري ومسلم.

ومما يُميِّزُ شهر المحرم أيضًا أن فيه يوم عاشوراء وهو اليوم الذي نَجَّى اللهُ فيه سيدَنا موسى عليه السلام ومَن مَعَهُ مِن بطش عدُوِّهم؛ قال تعالى: ﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ﴾ [طه: 80].

وقد ورد الأمر الشرعي بالتذكير بأيَّام الله تعالى في قوله سبحانه: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: 5]، ومِن أيَّام الله تعالى: الوقائع العظيمة التي مَنَّ الله فيها على عباده بتفريجِ كُربةٍ أو تأييدٍ بنصرٍ أو نحوهما، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم عاشوراء ويأمر بصيامه؛ شكرًا لله تعالى وفرحًا واحتفاءً واحتفالًا بنجاة أخيه سيدنا موسى عليه السلام؛ فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. متفق عليه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا اليَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَان» رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم.

وصيام يوم عاشوراء فيه نفحةٌ ربانيةٌ، حيث يُكفِّر ذنوب سَنَةٍ قَبْلَه؛ فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» أخرجه الإمام مسلم.

اختصاص تسمية شهر المحرَّم بشهر الله

قد خَصَّ النبي صلى الله عليه وسَلَّم شهر المحرَّم بلَقبٍ شريفٍ بأن سمَّاه "شهر الله"، وفيه يوم تاب الله فيه على قومٍ ويُتاب فيه على آخرين كما جاء عن النعمان بن سعد قال: أَتَى عَلِيًّا رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنِي بِشَهْرٍ أَصُومُهُ بَعْدَ رَمَضَانَ، قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ شَيْءٍ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَسْأَلُ عَنْهُ بَعْدَ رَجُلٍ سَمِعْتُهُ يَسْأَلُ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنْ كُنْتَ صَائِمًا شَهْرًا بَعْدَ رَمَضَانَ فَصُمِ الْمُحَرَّمَ، فَإِنَّهُ شَهْرُ اللهِ، وَفِيهِ يَوْمٌ تَابَ اللهُ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ، وَيُتَابُ عَلَى آخَرِينَ» أخرجه الأئمة الترمذي، وأحمد والبيهقي في "شُعبِ الإيمان" -واللفظ له-.

قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (4/ 1411، ط. دار الفكر): [ قال الطيبي: أراد بصيام شهر الله صيام يوم عاشوراء. اهـ. فيكون من باب ذكر الكل وإرادة البعض، ويمكن أن يقال: أفضليته لما فيه من يوم عاشوراء، لكن الظاهر أن المراد جميع شهر المحرم] اهـ.

الترغيب الشرعي في الصيام في شهر المحرم

لما كان لشهر المحرم تلك الفضائل فإن الشرع الشريف قد رغب في الصيام فيه، وجعله أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسَلَّم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ» رواه مسلم.

قال الإمام محيي الدين النووي في "شرح مسلم" (8/ 55، ط. دار إحياء التراث العربي) عند تَعرُّضه لهذا الحديث: [تصريحٌ بأنَّه أفضل الشهور للصوم] اهـ، كما أَنَّ إضافة النبي صلى الله عليه وسلم الشهر إلى الله سبحانه وتعالى بقوله: "شهر الله" تدل على شَرَفه ومكانته.

وقال العلامة اللخمي المالكي في "التبصرة" (2/ 815، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية): [الأشهر المرغب في صيامها ثلاثة: المحرم، ورجب، وشعبان... والأصل في هذه الجملة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ"] اهـ.

حكم صوم شهر المحرَّم كله

إذا استطاع الإنسان صوم شهر المحرَّم كله استُحِبَّ له ذلك، فكلما صام الإنسان أخذ ثوابًا وأجرًا، فما كان أكثر فعلًا كان أعظم أجرًا.

قال الإمام محيي الدين النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 386-387، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا: ومِن الصوم المستحب صوم الأشهر الحرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وأفضلها المحرم... فأما مَن لا يشق عليه فصوم جميعها فضيلة] اهـ.

وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "المبدع" (3/ 51، ط. دار الكتب العلمية): [«وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم» رواه مسلم من حديث أبي هريرة، وأضافه إلى الله تعالى تفخيمًا وتعظيمًا كناقة الله، ولم يكثر عليه السلام الصوم فيه إما لعذر أو لم يعلم فضله إلا أخيرًا، والمراد: أفضل شهر تطوع به كاملًا بعد رمضان شهر الله المحرم؛ لأن بعض التطوع قد يكون أفضل من أيامه كعرفة، وعشر ذي الحجة، فالتطوع المطلق أفضله المحرم] اهـ.

وكان بعض السَّلَف رضوان الله عليهم يصوم شهر المحرم كله، قال العلامة ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص: 119، ط. دار ابن حزم): [وقد كان بعض السَّلَف يصوم الأشهر الحرم كلها، منهم: ابن عمر، والحسن البصري، وأبو إسحاق السَّبِيعي. وقال الثوري: الأشهر الحرم أحب إليَّ أن أصوم فيها. وجاء في حديث خَرَّجه ابن ماجه أنَّ أسامة بن زيد رضي اللَّه عنه كان يصوم الأشهر الحرم] اهـ.

وأمَّا حديث الباهلي رضي الله عنه، وفيه أنَّه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنا الرجل الذي أتيتك عام الأول، قال: «فَمَا لِي أَرَى جِسْمَك نَاحِلًا؟»، قال: يا رسول الله ما أكلت طعامًا بالنهار، ما أكلته إلا بالليل، قال: «مَنْ أَمَرَك أَنْ تُعَذِّبَ نَفْسَك؟»، قلت: يا رسول الله إني أقوى، قال: «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ، وَصُمِ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ»، وفي روايةٍ : «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ»، قال: زدني فإن لي قوة، قال: «صُمْ يَوْمَيْنِ»، قال: زدني فإن لي قوة، قال: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ، وَصُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ»، وقال بأصبعه الثلاث يضمها ثم يرسلها. رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي.

فقول النبي صلى الله عليه وسلم للباهلي رضي الله عنه: «صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ» ليس فيه دليلٌ على عدم استحباب صوم شهر المحرم كاملًا، فقد أَمَره النبي صلى الله عليه وسلم بالتَّرْك؛ لأنَّه كان يَشُقُّ عليه إكثار الصوم، وقد نَصَّ الإمام النووي في "المجموع" (6/ 387) على أنَّ ذلك مناطه المشقة، فقال: [أَمَره بالتَّرْك؛ لأنَّه كان يَشُقُّ عليه إكثار الصوم، كما ذَكَره في أول الحديث، فأمَّا مَن لا يشق عليه فصوم جميعها فضيلة] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي السؤال: فإن شهر المحرَّم من الأشهر التي ميَّزها وفضَّلها الله سبحانه وتعالى على كثير من شهور السنة، فهو من الأشهر الحُرُم، وفيه يوم عاشوراء، وقد وَرَد فيه أفضلية الصوم على سبيل الاستحباب والنَّدْب، خصوصًا في يوم عاشوراء -وهو اليوم العاشر منه-، فمَن قَدِر على صيامه كاملًا فقد أصاب الاستحباب، ومَن لا يَقْدِر فلا إثم عليه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم استخدام الحقن المسكنة والمضاد الحيوي والمحلول الملحي والجلوكوز والمانيتول الذي يدر البول لمرضى ضغط العين؟ وما حكم زبدة الكاكاو المرطبة للشفاه المتشققة؟ وذلك في أثناء الصيام.


هل لا بُدّ في صيام الستة أيام من شوال أن تكون متتابعة بعد يوم العيد؟ أو أنَّ هناك سعة في ذلك، ويمكن تفريق صيامها على مدار شهر شوال؟


ما هو يوم الشك؟ وما الحكمة من تحريم صيام يوم الشك؟


تسحرت وأنا شاكَّة في طلوع الفجر، ثم تبين لي بعد الانتهاء من الأكل أن وقت الفجر قد انتهى وبدأ النهار، فما حكم ما فعلتُه؟ وما حكم صومي؟ وهل يجب عليَّ قضاء ذلك اليوم؟ وما الحكم لو أفطرتُ وأنا أظنُّ أن الشمس قد غربت ثم تبين أنها لم تغرب بعد؟


ما حكم قطع تتابع صيام الكفارة بسبب الفطر للسفر؟ فإن أحد جيراني يعمل سائقًا، وقد وجب عليه كفارة صيام شهرين متتابعين، فصام شهرًا أو أكثر من الكفارة، وبحكم عمله طُلِبَ للسفر في رحلة مدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الثاني منها أفطر، ثم أكمل صيامه من اليوم التالي، فهل بفطره في يوم سفره يكون تتابع صيامه قد انقطع؟


ما حكم تهنئة غير المسلمين برأس السنة الميلادية؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 07 يوليو 2025 م
الفجر
4 :15
الشروق
6 :0
الظهر
1 : 0
العصر
4:36
المغرب
8 : 0
العشاء
9 :32