ما حكم عمل جمعية للحج بها؟ حيث يقوم الشخص بالاتفاق مع عدد من زملائه على عمل جمعية لتحصيل تكلفة الحج، فيدفع كل واحدٍ منهم مبلغًا ثابتًا شهريًّا، ويأخذ مجموع المال المدفوع في الشهر الأول لقرب موعد الحج، ثم يحصل كلُّ واحدٍ منهم على تلك القيمة بصورةٍ شهريةٍ متتابعة في المدة المتفق عليها بينهم حتى يوفي كل واحدٍ منهم ما أخذه من زملائه.
لا يكلَّف الرجل بالاجتهاد في تدبير نفقة الحج شرعًا، ومع ذلك إن اجتهد بالاتفاق بينه وبين زملائه على عمل ما يُعرف بـ"الجمعية" من أجل تدبير تلك النفقات بأن يقبض أول دور فيها، وكان يعلم قدرته على سداد أقساط الجمعية وكفاية أهله من النفقة والزاد، من غير مشقة ولا تحمُّل لما لا طاقة له به، فهذا جائزٌ شرعًا، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.
المحتويات
الحج فريضة محكمة تجب مرَّةً في العمر، ووجوبها مقيَّدٌ بالاستطاعة؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].
قال الإمام القُرْطُبِي في "الجامع لأحكام القرآن" (4/ 142، ط. دار الكتب المصرية): [ذَكَرَ الله تعالى الحَجَّ بأبلغ ألفاظ الوجوب؛ تأكيدًا لحقِّه، وتعظيمًا لحرمته، ولا خلاف في فرضيَّته، وهو أحد قواعد الإسلام، وليس يجب إلا مرَّةً في العُمر] اهـ.
والاستطاعة الواردة في الآية شرطٌ من شروط وجوب الحج على الناس، فالمراد "مَن استطاع إليه سبيلًا فعليه الحج"، كما قال الإمام القُرْطُبِي في تفسيره (4/ 147).
المراد بها عند الفقهاء: وجود القدرة مِن المكلف على ما يوصله إلى الحج، سواء في ذلك القدرة البدنية على أداء المناسك وتحمل مشاق السفر، والقدرة المالية على ما يلزم لإقامة تلك الفريضة مِن الزاد والراحلة، ومنافع البدن، وأمن الطريق، ونحو ذلك؛ لأنَّ الحج يُقام بالمال والبدن جميعًا، كما في "بدائع الصنائع" للإمام الكَاسَانِي الحنفي (2/ 120، ط. دار الكتب العلمية)، و"الكافي" للإمام ابن عبد البَر المالكي (1/ 356، ط. مكتبة الرياض)، و"منهاج الطالبين" للإمام النَّوَوِي الشافعي (ص: 82، ط. دار الفكر)، و"المبدع" للإمام ابن مُفْلِح الحنبلي (3/ 87، ط. دار الكتب العلمية).
من المقرَّر شرعًا أن العبد غير مطالبٍ بتحصيل شروط الوجوب، ومن ثم فلا يجب على المكلَّف الذي لا يستطيع نفقة الحج الاجتهادُ في تحصيل تلك النفقة.
وقد حُكي الإجماع على ذلك، ونصَّ عليه الإمام ابن النجار الفُتُوحِي، فقال في "شرح الكوكب المنير" (1/ 357، ط. مكتبة العبيكان): [(وما لا يتمُّ الوجوبُ إلا بهِ) سواءٌ قَدَر عليه المكلف كاكتساب المال للحجِّ والكفارات ونحوهما، أو لم يقدِر عليه المكلف كحضور الإمام الجمعة وحضور العدد المُشترط فيها؛ لأنه مِن صُنْع غيره، فإنه (ليس بواجبٍ مطلقًا) وحُكي إجماعًا] اهـ.
إلّا أنَّ العبد لو تَكلَّف تحصيل نفقات الحج بإحدى الوسائل لتحقيق الاستطاعة وإقامة تلك الفريضة مع كونها غير واجبة عليه، فلا حرج في ذلك شرعًا، ويقع منه الحج حينئذٍ مجزئًا عن حجة الإسلام؛ لأن خطاب التكليف بالحجِّ يشمله ما دام بالغًا عاقلًا، وقد أقام العبادة مستوفيةً أركانها وشروطها، وإنما لم يجب عليه تحصيل شروط الوجوب؛ للتخفيف والتيسير، كما في "حاشية الإمام ابن قاسم العَبَّادِي على تحفة المحتاج" (4/ 9، ط. المكتبة التجارية الكبرى).
وهو ما اتفق عليه جماهير الفقهاء وتواردت به نصوصهم.
قال الإمام سراج الدين بن نُجَيْم الحنفي في "النهر الفائق" (2/ 55-56، ط. دار الكتب العلمية) في شأن من فقد القدرة البدنية للقيام بالحج: [ولا كلام أنهم لو تكلفوا الحج سقط عنهم؛ لأن عدم وجوبه عليهم للحرج، فإذا تحملوه وقع عن حجة الإسلام، كالفقير إذا حج] اهـ.
وقال الإمام الدَّرْدِير المالكي في "الشرح الصغير" (2/ 6، ط. دار المعارف، مع "حاشية الإمام الصَّاوِي"): [فشروط وجوبه أربعة: الحرية، والبلوغ، والعقل، والاستطاعة] اهـ.
قال الإمام الصَّاوِي مُحَشِّيًا عليه ومبيِّنًا ما يتعلق برابع الشروط وهو شرط الاستطاعة: [والرابع شرطٌ في الوجوب فقط؛ ولذلك لو تكلَّفه غيرُ المستطيع سقط الفرض] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "فتح الوهاب" (1/ 159، ط. دار الفكر): [(و) شُرِط إسلامٌ، وتمييز (مع بلوغٍ، وحريَّةٍ، لوقوعٍ عن فرض إسلام) مِن حجٍّ أو عمرةٍ ولو غير مستطيع، وتعبيري بـ"فرض إسلام" أعمُّ مِن تعبيره بـ"حجة الإسلام" (فيجزئ) ذلك (مِن فقير) لكمال حاله] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "الكافي" (1/ 464، ط. دار الكتب العلمية): [الثالث: شرط الوجوب فحسب، وهو الاستطاعة، فلو تكلف العاجزُ الحجَّ أجزأه ووقع موقعه؛ لأنه إنما سقط عنه رفقًا به، فإذا تحمله أجزأه] اهـ.
الجمعية المالية التي يتخذها السائل وسيلةً لتحصيل نفقة الحج تعرف بأنها: اجتماع إرادة عدد من الناس على أن يدفع كلُّ واحدٍ منهم مقدارًا ماليًّا معينًا بصورةٍ دوريَّةٍ غالبًا ما تكون شهريَّة، وقد تكون غير ذلك، على أن يستمر ذلك لمدَّةٍ محدَّدةٍ بينهم، ويكون لكلِّ واحدٍ منهم دورٌ يحوز فيه مجموع ما يدفعونه في القسط الواحد، ويتوالى الترتيب إلى أن يحصل كلُّ واحدٍ منهم على قيمة الجمعيَّة مرَّةً خلال مدتها، وقد يتم تقديم الأكثر احتياجًا للمال بينهم على غيره، وهو في صورة السؤال مريد السفر لأداء فريضة الحج.
وهي من باب التعاون والتآزر المحمود والتبرع بالقرض الحسن، قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
و"التعاون على البر والتقوى يكون بوجوهٍ: فواجبٌ على العالم أن يُعين الناس بعلمه فيعلمهم، ويُعينهم الغنيُّ بماله، والشجاع بشجاعتِه في سبيل الله"، كما ذكره الإمام القُرْطُبِي في "تفسيره" عن ابنِ خُوَيْزِمَنْدَاد (6/ 46).
والجمعية من المباحات، وقد نصَّ بعض متأخري الفقهاء على جوازها، إذ وُسِمَت في عرفهم بـ"الجمُعة"، باعتبار أنَّهم كانوا يجمَعون المال كلَّ جُمعة.
قال العلامة القَلْيُوبِي في "حاشيته على شرح المحلِّي للمنهاج" (2/ 321، ط. دار الفكر): [الجمُعة المشهورة بين النِّساء بأنْ تأخذ امرأةٌ مِن كلِّ واحدةٍ مِن جماعة منهنَّ قدرًا معينًا في كلِّ جمعةٍ أو شهرٍ وتدفعه لواحدةٍ بعد واحدةٍ إلى آخرهن -جائزة، كما قاله الولي العراقي] اهـ.
الأَولى ترك الاستدانة لإقامة الحج، فالشرع لم يلزم غير القادر على الحج ماليًّا بالدخول في تبعات الاقتراض وأعباء السَّداد؛ لأن الاستطاعة لا يخاطب العبد بتحصيلها شرعًا كما سبق بيانه، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].
كما نهى الشرع عن تعرض المرء لما لا يطيقه من البلاء والالتزامات، فعن حذيفة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ»، قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: «يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ» أخرجه الأئمة: أحمد، وابن ماجه، والترمذي، والبيهقي في "شعب الإيمان".
قال العلامة نور الدين السِّنْدِي في "حاشيته على سنن الإمام ابن ماجه" (2/ 488، ط. دار الجيل): [«يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلَاءِ» إما بالدُّعاء على نفسه بها، أو بأن يأتي بأسبابها العاديَّة] اهـ.
والدَّين سببٌ من أسباب البلاء، وقد استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ»، قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ» متفق عليه.
والمدين كالأسير بما عليه من ديونٍ وحقوق ثبتت في ذمته شرعًا يحبس بها عن الجنة، كما في حديث سَمُرَة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ مَأْسُورٌ بِدَيْنِهِ» أخرجه الإمامان: عبد الرزاق، وأبو داود. كما أخرجه الإمام أحمد وغيره بلفظ: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ مَحْبُوسٌ عَنِ الْجَنَّةِ بِدَيْنِهِ».
وعليه ألا يُقصِّر في حقوق مَن لزِمه رعايتهم وإعالتهم مِن الزوجة والأبناء بأن يترك لهم مالًا يكفي لمعاشهم طوال سفره لأداء المناسك؛ لأنَّ نفقتهم واجبة عليه، والواجب مقدَّم على غيره، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» أخرجه الأئمة: أحمد، وأبو داود، والنسائي، والحاكم، كما أخرجه الإمام مسلم بلفظ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ».
قال الإمام أبو عبد الله بن الحَاج المالكي في "المدخل" (4/ 211، ط. دار التراث) محذرًا مِن مغبة الديون لمن لا سَعَة له في السداد: [ليس على المكلف أن يحتال في تحصيل شيءٍ لم يجِب عليه؛ لأنَّ السلامة غالبًا في براءة ذمته، وذمتُه الآن بريئة فلا يشغلها بشيءٍ لم يتحقَّق براءتها منه، ولا ينافي ذلك أن يكون المكلفُ في نفسه يُحِب الحج وينوِيه ويختاره؛ لأنَّ شأن المسلم أن يختار طاعة ربه عزَّ وجلَّ ويُحبَّها، لكن يقيد محبَّته بامتثالِ الأمر فيها، ولم يأمره الشرع بأن يُوفِّر ويحتال ويتسبَّب في وجوبِ ذلك عليه، بخلاف ما إذا وجب عليه بشرطه فلا يجوز له تركه] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الرجل المذكور لا يكلَّف بالاجتهاد في تدبير نفقة الحج شرعًا، ومع ذلك إن اجتهد بالاتفاق بينه وبين زملائه على عمل ما يُعرف بـ"الجمعية" من أجل تدبير تلك النفقات بأن يقبض أول دور فيها، وكان يعلم قدرته على سداد أقساط الجمعية وكفاية أهله من النفقة والزاد، من غير مشقة ولا تحمُّل لما لا طاقة له به، فهذا جائزٌ شرعًا، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز تقديم السعي للحاج المتمتع؟
ما حكم إزالة الزوائد الجلدية للمحرم من جسده؟ فإن بعض الناس يسأل أنه قد أزال شيئًا من الجلد الزائد في يده وهو محرم في الحج، وهو ما يسميه العامة بـ "الودنة" ومثلها قشرة الشفاه الجافة، فهل في إزالة ذلك شيء يلزمه شرعًا؟
ما حكم ركعتي الطواف؟ فهناك رجلٌ أكرمه الله تعالى بالعمرة، وبعد الانتهاء من الطواف أخبره أحد الأشخاص بأنَّ عليه أنْ يصلي ركعتين مخصوصتين للطواف. فما حكم هاتين الركعتين؟
ما أركان العمرة؟ وما واجباتها؟ وبمَ تصح؟
ما حكم الحج عن كبير السن الذي لا يستطيع أداء فريضة الحج؟ فأنا رجل كبير السن ولا أستطيع أداء فريضة الحج، فهل يجوز لي توكيل غيري لأداء فريضة الحج عني؟
ما حكم زيارة المزارات التاريخية الدينية بالمدينة المنورة؟ فإني قدِمتُ المدينة المنورة، وأريد زيارة بعض المزارات الدينية بها؛ كالمسجد النبوي، ومسجد قباء، وشهداء أُحد، والبقيع، وغير ذلك ممَّا بها من مزارات، فما حكم ذلك؟ علمًا بأن أحد أصدقائي أخبرني بأن هذا لا يجوز، وأنه بدعة.