الرأي الشرعي في تهجير أهل غزة من أرضهم

تاريخ الفتوى: 23 يوليو 2025 م
رقم الفتوى: 8716
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: البغاة
الرأي الشرعي في تهجير أهل غزة من أرضهم

ما الواجب الشرعي في حق الشعب الفلسطيني، خاصة سكان قطاع غزة والضفة في ظل الحرب وتعمد دولة الاحتلال حرمانهم من الطعام والأدوية؟ وما الرأي الشرعي حول إصرار حكومة الاحتلال على إخراج أهل غزة من أرضهم عنوة؟

ثبات أهل فلسطين، خاصة سكان قطاع غزة والضفة على حقِّهم، وبقاؤهم على أرضهم صامدين صابرين -واجبٌ شرعيٌّ وضرورة وطنية، وهو رباطٌ في سبيل الله تعالى عظيم الأجر وجزيل المثوبة.

وإصرار دولة الاحتلال الإسرائيلي وتخطيطها على إخراج سكان قطاع غزة والضفة ونقلهم قسريًّا إلى مكان آخر سواء داخل الدولة أو خارجها أمرٌ فيه ظُلْمٌ بيِّنٌ وفسادٌ محققٌ، وجريمة إنسانية مغلظة العقوبة أمام الله وأمام الناس، وقد توعَّد الله تعالى فاعليها بالإهلاك، ووعد المستضعفين بالنصر والتمكين.

المحتويات

 

رباط أهل غزة وصبرهم جهاد في سبيل الله

حبُّ الوطن أمرٌ فطريٌّ، والاستقرار فيه حقٌّ إنسانيٌّ جاءتْ به جميع الأديان والقوانين والأعراف الإنسانية منذ بدء الخليقة، وقد علَّمَنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحفاظ على الوطن والذود عنه والموت دون بقائه حرًّا أبيًّا سالمًا آمنًا فتيًّا، مع الإقامة فيه وقت الحرب وعند خطورة الأحوال، وذلك من أجلِّ صور الجهاد والرباط في سبيل الله عزَّ وجلَّ، وهو عبادة ذات أجور عظيمة مضاعفة.

فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا» أخرجه البخاري.

وعن مجاهد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان في الرباط، ففزعوا إلى الساحل، ثم قيل: لا بأس، فانصرف الناس وأبو هريرة واقفٌ، فمرَّ به إنسانٌ، فقال: ما يوقفك يا أبا هريرة؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَوْقِفُ سَاعَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ» أخرجه ابن حبان، والبيهقي في "شُعب الإيمان".

والمرابط كما يشمل مَن أقام على الحدود والأطراف ليحرس الوطن من العدو وحين الخوف كما أفاده الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (13/ 352، ط. دار الغرب الإسلامي)، يشمل أيضًا المقيم في وطنه بنية الدفاع عنه والحفاظ على سلامة أراضيه، كما حقق الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (6/ 85، ط. دار المعرفة).

وبتنزيل هذه المعاني على الوضع الراهن الذي يعيشه أهل فلسطين، خاصة سكان قطاع غزة والضفة، نجدهم على ثغر من ثغور الإسلام وفي رباط في سبيل الله تعالى؛ حيث بقاؤهم في وطنهم وتمسكهم بأرضهم وثباتهم على حقِّهم صامدين صابرين، رغم كونه أمرًا مَخُوفًا محفوفًا بالمخاطر الجسيمة من القتل والجرح والأسر والتشريد وتخريب البنيان والمرافق الخاصة والعامة مع قصد الاحتلال الإسرائيلي حرمانهم من القوت الضروري للحياة!

إن بقاء سكان قطاع غزة خصوصًا وأهل فلسطين عمومًا على أرضهم وثباتهم على حقِّهم -أمرٌ واجبٌ ديني وعزيمةٌ وطنيةٌ، حتى لا يتمكن العدو من تلك الأرض المقدسة وتدخل تحت سلطانه وولايته فيتمكن من تنفيذ خططه التوسعية.

قال العلامة زين الدين ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (5/ 77، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وفي "الولوالجية": ولا ينبغي أن يخلو ثغر المسلمين ممَّن يقاوم الأعداء] اهـ.

وقال الإمام ابن أبي زيد القيرواني المالكي في "الرسالة" (ص: 148، ط. دار الفكر): [والرباط في ثغور المسلمين وسدها وحياطتها واجب يحمله مَن قام به] اهـ.

حكم الإقامة في الوطن وقت العدوان

قد جاءت نصوص الفقهاء على وجوب الإقامة وعدم الخروج في حق المتمكن من الإقامة وإن لم يستطع دفاع العدو خشية تمكن العدو من ذلك المكان ويدخل تحت سلطانه ويغير نظامه، كما أفاده الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (14/ 104، ط. دار الكتب العلمية)، والعلامة ابن الرفعة الشافعي في "كفاية النبيه" (16/ 349، ط. دار الكتب العلمية).

بيان جرم ما يقوم به الاحتلال من محاولة إخراج أهل غزة من أرضهم

إن محاولات دولة الاحتلال الإسرائيلي الماكرة في إخراج سكان قطاع غزة والضفة من الشعب الفلسطيني وتهجيرهم من أرضهم والنفي من بين أظهرهم بالعنف أو الخوف أو الإكراه تارة، أو بالاحتجاز أو الإساءات النفسية تارة أخرى، مع تعمد حرمانهم من القوت الضروري بغلق باب المساعدات الإغاثية بقصد إهلاكهم أو جزء منهم أو بما يحملهم على الخروج والهرب من ذلك العذاب -أمرٌ يندرج تحت الجرائم الإنسانية فيما يُعْرف في القانون الدولي بـ"النقل القسري للسكان"، و"الإبادة".

و"الإبادة" تشمل: [تعمد فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان] اهـ، كما نصت عليه المادة (7- بند 2، فقرة ب) من نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998م، والداخل لحيز التنفيذ عام 2000م.

كما أن "إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان" يصدق على: [نقل الأشخاص المعنيين قسرًا من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأيِّ فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي] اهـ، كما نصت عليه المادة (7- بند 2، فقرة د).

إن إخراج شعب أو طائفة من الناس من أرضهم التي يوجدون عليها بصفة غير مشروعة بغير رضاهم ودون سبب معتبر هو دأب المفسدين وسَنَن الظالمين، لأنها جريمة ذات آثار خطيرة على المجتمعات وعلى الأفراد سواء بسواء، من البطالة والحرمان من الأقوات الضرورية وصعوبة تربية الأطفال وفقدان عائلتهم أو خطفهم وغياب التعليم وانجرارهم إلى التسول، أو الاتجار بهم؛ بل إن هذه الفعلة المشينة مُؤذِنة بزوال هؤلاء الظالمين، كما هي سُنَن الله تعالى في خلقه في نصرة المستضعفين بإلحاق الوعيد الشديد بالإهلاك لمَن تعرَّض لهم بالإخراج؛ وهو أمر مقرر في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، منها:

قوله تعالى: ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ [آل عمران: 195].

قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (2/ 168، ط. دار الكتب العلمية): [﴿وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ أي ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجؤوهم إلى الخروج من بين أظهرهم، ولهذا قال: ﴿وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي﴾ أي إنما كان ذنبهم إلى الناس أنهم آمنوا بالله وحده] اهـ.

وقوله تعالى حكاية عن قوم شعيب عليه السلام: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ﴾ [الأعراف: 88].

وقوله تعالى حكاية عن قوم لوط عليه السلام: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: 82].

وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾ [إبراهيم: 13].

وقوله تعالى حكاية عن فعل قريش مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا﴾ [الإسراء: 76].

قال الإمام النسفي في "مدارك التنزيل" (2/ 272، ط. دار الكَلِم الطيب): [﴿وَإِنْ كَادُوا﴾ أي أهل مكة ﴿لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم ﴿مِنَ الْأَرْضِ﴾ من أرض مكة ﴿لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا﴾] اهـ.

وقوله تعالى حكاية عن فعل فرعون مع قوم موسى عليه السلام: ﴿فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا﴾ [الإسراء: 103].

قال الإمام ابن عطية في "المحرر الوجيز" (3/ 490، ط. دار الكتب العلمية): [﴿يَسْتَفِزَّهُمْ﴾ معناه يستخفهم ويقلعهم، إما بقتلٍ أو بإجلاءٍ، و﴿الْأَرْضِ﴾ أرض مصر] اهـ.

وتتوارد دلالات هذه الآيات على أن الإخراج من الوطن بغير وجهٍ ولا سببٍ شرعي أو مبرر قانوني لا يجوز وأنه من أعظم الظلم، وأن استعمال العنف في هذه الأحوال في مقابلة الحق مع عدم مراعاة المقررات الدينية ولا القانونية ولا الأخلاقية التي تؤكد حق الكرامة الإنسانية وحق الحياة وحق السكن والاستقرار.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن ثبات أهل فلسطين، خاصة سكان قطاع غزة والضفة على حقِّهم، وبقاءهم على أرضهم صامدين صابرين -واجبٌ شرعيٌّ وضرورة وطنية، وهو رباطٌ في سبيل الله تعالى عظيم الأجر وجزيل المثوبة.

وإصرار دولة الاحتلال الإسرائيلي وتخطيطها على إخراج سكان قطاع غزة والضفة ونقلهم قسريًّا إلى مكان آخر سواء داخل الدولة أو خارجها أمرٌ فيه ظُلْمٌ بيِّنٌ وفسادٌ محققٌ، وجريمة إنسانية مغلظة العقوبة أمام الله وأمام الناس، وقد توعَّد الله تعالى فاعليها بالإهلاك، ووعد المستضعفين بالنصر والتمكين.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الاستيلاء على أموال غير المسلمين؟ حيث إنني أعيش في بلاد يكثر فيها غير المسلمين، وأسمع كثيرًا من المسلمين المقيمين في هذه البلاد يقولون: إن الاستيلاء على الأموال التي يتملكها غير المسلمين بالطرق المختلفة مباح أخذها؛ بحجة أنهم ليسوا على ديننا ومن كان كذلك فيجوز استحلال أموالهم، فما مدى صحة ذلك، وهل يجوز لي أخذها؟


ما حكم بيع الأدوية المغشوشة؟


ظهر علينا من يدعي حل سرقة الكهرباء والغاز الطبيعي من الدولة، فهل هذا الكلام يستقيم مع أحكام الشرع الشريف؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرًا.


بعض الناس يروج لتكفير الجماعات الدينية المُتَّهَمة بحمل السلاح واستعماله في الاعتصامات والتظاهرات ضد الجيش والشرطة؛ مستدلًا بحديث: «مَن حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيسَ مِنَّا»، ويقول: إنه محمول على الحقيقة لا على المجاز؛ لعدم وجود قرينة صارفة، والأصل في الكلام الحقيقة، وما لا يحتاج إلى تأويل أولى مما احتاج إلى تأويل، فهل ذلك الفهم وهذا التوجيه صحيحان مستقيمان؟


ما حكم الشرع في القيام بالأعمال التي تعطل مسيرة العمل والإنتاج؟ حيث ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الدعوات الهدامة التي تدعو إلى تعطيل مسيرة العمل والإنتاج نكايةً في الدولة ولتحقيق مآرب شخصية.


ما صحه فتوى ابن تيمية في أهل ماردين؟ فقد اتخذ كثير من الجماعات المتطرفة في العصر الحالي من فتوى ابن تيمية في أهل ماردين سندًا في تبرير ما يقومون به من أعمال تخريب وتدمير وقتل للنفس الإنسانية باسم الإسلام، ما حقيقة هذه الفتوى؟ وهل تصلح سندًا لاستباحة دماء الناس وأموالهم؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 04 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :38
الشروق
6 :16
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 46
العشاء
9 :12