حكم نشر ومشاركة "البلوجر" للمقاطع غير الأخلاقية

تاريخ الفتوى: 14 أغسطس 2025 م
رقم الفتوى: 8730
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: مستجدات ونوازل
حكم نشر ومشاركة "البلوجر" للمقاطع غير الأخلاقية

ما حكم نشر ومشاركة البلوجر للمقاطع غير الأخلاقية؟ فقد انتشر مؤخَّرًا بعض الأشخاص يُطْلَق عليهم "بلوجر"، ويقومون بنشر مقاطع فيديو على منصَّات التواصل الاجتماعي تحتوي على ألفاظٍ وحركات خادشة للحياء، بهدف زيادة عدد ونسبة المشاهدات وتحقيق أرباح مالية، فأرجو بيان موقف الشرع الشريف مِن هذه الأفعال التي يقومون بها؟

ما يقوم به صانعو المحتوى ممن يُعرفون بـ"البلوجر" من نشر المقاطع غير الأخلاقية على منصات الإعلام الرقمي لزيادة التفاعل حول ما يقومون به هو عَمَلٌ محرَّم شرعًا ومُجَرَّم أيضًا قانونًا، ففيه إشاعة الفاحشة في المجتمع، وهي جريمة أناط بها الشرع الشريف عقوبة عظيمة، إضافة لما يحويه هذا النشر بهذه الكيفية من التعارض الكلي مع حَثِّ الشرع الشريف على الستر والاستتار.

وتهيب دار الإفتاء المصرية بأولياء الأمور ضرورة وقاية أبنائهم من الانسياق وراء هذا المحتوى الهزلي الذي يُقدَّم تحت ستار الترفيه، مع أهمية توجيههم نحو ترفيهٍ بديلٍ هادفٍ ومناسبٍ.

المحتويات

 

الاستفادة من التكنولوجيا شريطة الانضباط بقيم الشريعة الإسلامية

التَّطوُّر التكنولوجي الهائل يَفْرِض علينا الاستفادة مِن أدواته لتحقيق التَّقدُّم والمنفعة، وهو ما يشجِّع عليه الإسلام، شريطة أن تكون هذه الاستفادة منضبطة بقِيَم الشريعة الإسلامية التي تضع حدودًا واضحة لحماية كرامة الإنسان وخصوصيته.

فاستغلال التكنولوجيا في التلصص، أو تتبع الناس، أو تهديد استقرار المجتمع وقيمه التربوية، هو خروج عن المنهج القويم وتحويل الأداة النافعة إلى وسيلة للهدم.

خطورة نشر الفيديوهات الخارجة عن القيم والآداب المجتمعية

"الإعلام الرقمي" على انتشاره وسرعة التأثير فيه يُقَدِّم نماذج قد تَخْرُج عن هذه القيم والآداب، ومنها بعض فئة "البلوجر" -وهي كلمة أجنبية في الأصل "Blogger"، وتُطلق على مُقدِّمي المحتوى المرئي على المنصات-، إذ يقومون في بعض محتواهم بنشر فضائح أخلاقية من أجل زيادة التفاعل تعليقًا أو مشاركةً أو إعجابًا- حول ما نُشِر، بل كثيرٌ مِن مقاطع الفيديو القصيرة التي تحكي نصائح وقصصًا مِن صانعي المحتوى هؤلاء بهذه الكيفية لا تختلف في حقيقتها عمَّا يُقدِّمه بائعو الـمُخدِّرات، فكلاهما إدمان ومُدمِّر ومنتشر، بل وثراؤه سريع.

التحذير من نشر المقاطع غير الأخلاقية

نشر المقاطع غير الأخلاقية فيه إشاعة الفاحشة في المجتمع، وهي جريمة حَذَّر منها الحق سبحانه وتعالى؛ في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [النور: 19]. والآية عامة في الذين يَلتمسون العورات، ويهتكون الستور، ويُشيعون الفواحش.

قال الإمام الفخر الرازي في "مفاتيح الغيب" (11/ 279، ط. دار الفكر): [لا شك أن ظاهر قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ﴾ يفيد العموم وأنه يتناول كل من كان بهذه الصفة، ولا شك أن هذه الآية نزلت في قذف عائشة؛ إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فوجب إجراؤها على ظاهرها في العموم، ومما يدل على أنه لا يجوز تخصيصها بقذفة عائشة؛ قوله تعالى ﴿فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فإنه صيغة جمع ولو أراد عائشة وحدها لم يجز ذلك] اهـ.

وقد جَعَل الإسلام إشاعة الفاحشة وفعلها في الوِزْر سواء؛ لعظم الضرر المترتب في الحالتين؛ فقد أخرج الإمام البخاري في "الأدب المفرد"، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "الْقَائِلُ الْفَاحِشَةَ والذي يشيع بها في الإثم سواء"، وقال عطاء رضي الله عنه: "من أشاع الفاحشة فعليه النكال، وإن كان صادقًا" أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره".

كما رَتَّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جريمة إشاعة الفاحشة عقوبة عظيمة؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَشَاعَ عَلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِكَلِمَةٍ هُوَ مِنْهَا بَرِيءٌ يَشِينُهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُذيبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ حَتَّى يَأْتِيَ بِنَفَاذِ مَا قَالَ» رواه الإمام الطبراني في "الكبير" كما ذكر الإمام الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 201، ط. مكتبة القدسي، القاهرة)، ورواه الإمام ابن أبي الدنيا في "ذم الغيبة والنميمة".

وقد بَيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوء عاقبة الذين يشنعون على إخوانهم ويُسَمِّعون بهم؛ فقال في الحديث الذي رواه مسلم: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ».

وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ» أخرجه الإمام أحمد. فمَنْ سَمَّع بعيوب الناس وأذاعها؛ أظهر الله عيوبه وأسمعه المكروه.

كما أَنَّ نشر مثل هذه الفضائح الأخلاقية مِن قِبَل "البلوجر" يتنافى كليًّا مع حَثِّ الشرع الشريف على السَّتْر والاستتار؛ لأنَّ أمور العباد الخاصة بهم مبنية على الستر؛ فلا يصح من أحد أن يكشف ستر الله عليه ولا على غيره؛ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» أخرجه الإمام مسلم.

وفي رواية لابن ماجه: «منْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ».

قال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 337، ط. مؤسسة قرطبة): «وفيه أيضا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة وواجب ذلك عليه أيضا في غيره».

الواجب على من فعل معصية

حَثَّنا الشرع الشريف على أنَّه مَن ابتلي بمعصيةٍ ألا يُخبر بها، بل يُسرها ويستغفر الله منها ويتوب إليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ» أخرجه الإمام مالك في "الموطأ".

وقد نَصَّ الفقهاء بناءً على ذلك أنه يستحب لمن ارتكب معصية أن يستر على نفسه وعلى الغير، قال العلامة المَرْغِينَانِي في "الهداية" (3/ 125، ط. دار إحياء التراث العربي): [الستر واجب والإشاعة حرام] اهـ.

وقال الشيخ عِلِيش المالكي في "منح الجليل" (3/ 408، ط. دار الفكر): [يجب ستر الفواحش على نفسه وعلى غيره لخبر: «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ»] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (4/ 131، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويستحب للزاني) ولكل من ارتكب معصية (الستر) على نفسه] اهـ.

وقال العلامة الموفَّق ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (10/ 182، ط. مكتبة القاهرة): [ورد الشرع بالستر والاستتار] اهـ.

حكم مَن استؤمن على شيء ثم كشفه لغيره

إِن فَعَل الشخص المعصية ثم أَسَرَّ بها إلى شخص آخر؛ فلا يجوز لهذا الآخر أن يكشف سره ليشهر به، كما لا يجوز لمن استؤمن على شيء أن يكشفه لغيره؛ قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 34]، وعَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» متفق عليه.

وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» أخرجه الإمام مسلم.

ولقد أمر الإسلام أتباعه بأن يتحلوا بالستر وغض الطرف عن عثرات الناس وعدم تتبع عوراتهم؛ عونًا لهم على التوبة وإصلاح النفس، ففي الحديث الشريف عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» أخرجه الإمام مسلم.

حكم نشرالفضائح والمقاطع غير الأخلاقية عن طريق الغير

نشر الفضائح والمقاطع غير الأخلاقية عن طريق الغير يُعَدُّ من الغيبة المحرمة؛ لأنَّ فيه ذكر الشخص بما يكره أن يُذكر به.

قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 535، ط. دار ابن حزم): [فأما الغيبة: فهي ذكرك الإنسان بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلقه، أو خُلقه، أو ماله، أو ولده، أو والده، أو زوجه، أو خادمه، أو مملوكه، أو عمامته، أو ثوبه، أو مشيته وحركته، وبشاشته وخلاعته، وعبوسه وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به؛ سواء ذكرته بلفظك، أو كتابك، أو رمزت، أو أشرت إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك، أو نحو ذلك] اهـ.

عقوبة نشر المعلومات المُضَلِّلة والمُنْحرِفة في القانون المصري

جَرَّم المُشَرِّع المصري نشر المعلومات المُضَلِّلة والمُنْحرِفة، فأصدر القانون رقم (175) لسنة 2018م، والخاص بـ (مكافحة جرائم تقنية المعلومات)، وأَوْدَع فيه مواد تتعلق بالشق الجنائي للمحتوى المعلوماتي غير المشروع، ففي المادة (25) من القانون المشار إليه نَصَّ على أنه: [يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين: كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما في حكمها تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة] اهـ.

ونَصَّ أيضًا في المادة (26) على أنه: [يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين: كل مَنْ تَعمَّد استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية في معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى منافٍ للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة مِن شأنها المساس باعتباره أو شرفه] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما يقوم به صانعو المحتوى ممن يُعرفون بـ"البلوجر" من نشر المقاطع غير الأخلاقية على منصات الإعلام الرقمي لزيادة التفاعل حول ما يقومون به هو عَمَلٌ محرَّم شرعًا ومُجَرَّم أيضًا قانونًا، ففيه إشاعة الفاحشة في المجتمع، وهي جريمة أناط بها الشرع الشريف عقوبة عظيمة، إضافة لما يحويه هذا النشر بهذه الكيفية من التعارض الكلي مع حَثِّ الشرع الشريف على الستر والاستتار.

وتهيب دار الإفتاء المصرية بأولياء الأمور ضرورة وقاية أبنائهم من الانسياق وراء هذا المحتوى الهزلي الذي يُقدَّم تحت ستار الترفيه، مع أهمية توجيههم نحو ترفيهٍ بديلٍ هادفٍ ومناسبٍ.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الدين في تتبع عورات الناس بالبحث عن عيوبهم والخوض فيها؟


زوجة تسأل: تعمل فتاة مع زوجي في عمله الخاص، وأشك في تصرفاتهما. فما واجبي تجاه هذا الأمر؟


ما حكم الشرع في صناعة لعب الأطفال بأشكالها المختلفة من الفرو وغيره واتخاذها للزينة أو اللعب بها؟


سائل يقول: دائمًا نسمع بأنَّ ديننا الحنيف يدعو إلى اليسر والرحمة ويحذر من التشدد والتنطع؛ فنرجو منكم بيان ذلك.


ما الدعاء المستحب عند سماع صوت الرعد؟


هل يجوز في هذه الآونة التي انتشر فيها فيروس كورونا (كوفيد 19) الوبائي أن يجتمع الناس للذكر والدعاء، على نية رفع هذا الوباء؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 25 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :56
الشروق
6 :28
الظهر
12 : 57
العصر
4:32
المغرب
7 : 26
العشاء
8 :47