سائل يقول: هناك رجلٌ يملك مبلغًا كبيرًا من المال، ولأنه لا يحسن استثماره في التجارة فإنَّه يرغبُ في إقراض مَن يحتاج إلى المال، على أن يأخذ من المقترِض زيادةً يشترطها ابتداءً، وتختلف تلك الزيادة بحسب مدة السداد، فما الحكم في ذلك شرعًا؟
يحرُمُ على المسلم أن يشترط على من يُقرِضه ردَّ مبلغٍ يزيدُ على ما يقرضه إيَّاه -قلَّت تلك الزيادة أو كثرت-، فذلك من الرِّبا المُحرَّم شرعًا، وإنما يأخذ مثل ما يُقرض فقط.
المحتويات
إنَّ من أجلِّ القُرُبات وأعظم الطاعات: أن يسعى المرء في تفريج الكُرَب، وقضاء الحوائج، وإقالة العَثَرات، ابتغاءَ مرضاةِ الله تعالى وطلبًا لرفع الدرجات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن نَفَّسَ عَن مُؤمِنٍ كُربَةً مِن كُرَبِ الدُّنيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ عَلَى مُعسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيهِ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَونِ العَبدِ مَا كَانَ العَبدُ فِي عَونِ أَخِيهِ».
وعن عبد الله بن أبي قتادة، أنَّ أبا قتادة رضي الله عنه طلب غريمًا له، فتوارى عنه، ثم وجده، فقال: إني مُعسر، فقال: آلله؟ قال: آلله؟ قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَن سَرَّهُ أَن يُنجِيَهُ اللهُ مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، فَليُنَفِّس عَن مُعسِرٍ، أَو يَضَع عَنهُ» أخرجهما الإمام مسلم.
ومن أجلِّ صور تفريج الكُرُبات وقضاء الحاجات: أن يقرض المسلمُ أخاه عند شدة فاقته وحاجته، رفقًا به وإحسانًا إليه، من غير نفعٍ يقصده ولا عوضٍ يطلبه؛ امتثالًا لقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245]، وقوله جلَّ شأنه: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: 11].
القرض الحسن: هو دفع مالٍ على سبيل الإرفاق لمن ينتفع به على أن يرد بدله دون زيادة.
وقد بيَّنت السُّنَّة المطهَّرة عِظَم أجر القرض الحَسَن، ودلَّت على أنه من أبواب البِرِّ والإحسان التي يتضاعف بها الثواب، حتى فاق في بعض وجوهه أجرَ الصدقة؛ لما فيه من إعانة المحتاج، وتفريج كربته، وسد خلته، ومن ذلك ما رُوي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِن مُسلِمٍ يُقرِضُ مُسلِمًا قَرضًا مَرَّتَينِ إِلَّا كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً» أخرجه الإمام ابن ماجه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَأَيتُ لَيلَةَ أُسرِيَ بِي مَكتُوبٌ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ: الصَّدَقَةُ بِعَشرِ أَمثَالِهَا، وَالقَرضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، قُلتُ: يَا جِبرِيلُ، مَا بَالُ القَرضِ أَفضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: إِنَّ السَّائِلَ يَسأَلُ وَعِندَهُ، وَالمُستَقرِضُ لَا يَستَقرِضُ إِلَّا مِن حَاجَةٍ» أخرجه الإمامان: ابن ماجه، والطبراني في "المعجم الأوسط".
والإجماع منعقدٌ على ندبه واستحبابه، كما في "العدة شرح العمدة" للإمام بهاء الدين المَقدِسِي (ص: 264، ط. دار الحديث).
وينبغي على المُقرِض أن يُحسِن معاملة المُستقرِض، فيقابله باللطف، ويعامله بالرفق، ويجنِّبه غلظة القول، وشدَّة المطالبة، فإنَّ المقصود من القرض الإحسان لا الإيذاء، والرحمة لا الإضرار، ولهذا جاء الوعد الكريم في السُّنَّة المطهَّرة لمن أنظر مُعسِرًا أو وضع عنه، فعن أبي اليُسر رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن أَنْظَرَ مُعسِرًا أَو وَضَعَ عَنهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ» أخرجه الإمام مسلم.
إذا كان الشرعُ الشريفُ قد رغَّبَ في القرضِ الحَسَنِ وأجزل الثواب للمُقرِضِ، وحثَّ على قضاء حوائج الناس وتفريج كروبهم، فإنَّه أيضًا قد نهى عن استغلال حوائجهم وإيقاعهم في الحرج الذي يدفعهم لارتكاب المحظور؛ لذا كان الأصل في القرض ألَّا يَجُرَّ للمقرِض نفعًا، وأن يكون غير مشروط بزيادةٍ على أصله، وأن يكون على سبيل الترفُّق لا التربح؛ لأنه من عقود التبرعات لا المعاوضات.
وقد نقل غيرُ واحدٍ من أهل العلم الإجماعَ على أنَّ الإقراضَ المشروطَ بزيادةٍ -قلَّت أو كثُرَت- من جملةِ الرِّبا المحرَّم شرعًا؛ لما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّ قَرضٍ جَرَّ مَنفَعَةً فَهُوَ رِبًا» أخرجه الإمام الحارث في "مسنده"، ولأنَّه عقدُ إرفاقٍ وقربة، فإذا شُرِطَ فيهِ الزيادةُ خرج عن موضوعه، كما في "المغني" للإمام ابن قُدَامة (4/ 240، ط. مكتبة القاهرة).
قال الإمام أبو بكر بن المنذر في "الأوسط" (10/ 407، ط. دار الفلاح): [وأجمعوا على أنَّ المُسلِف إذا اشترط عند سلفه هدية أو زيادة، فأسلفه على ذلك، أن أخذه الزيادة على ذلك ربا] اهـ.
وقال الإمام ابن حزم في "المحلى" (7/ 402، ط. دار الفكر): [لا يحلُّ إقراض شيءٍ ليرد إليك أقل ولا أكثر، ولا من نوعٍ آخر أصلًا، لكن مثل ما أقرضت في نوعه ومقداره.. وهذا إجماعٌ مقطوعٌ به] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامة في "المغني" (4/ 240): [وكلُّ قرضٍ شُرط فيه أن يزيدَهُ: فهو حرامٌ بغير خلاف] اهـ.
وقد عدَّ شيخُ الإسلام ابن حجر الهيتمي أكل الربا وإطعامه وكتابته وشهادته والسعي فيه والإعانة عليه من جملة الكبائر، كما في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 367، ط. دار الفكر)، وكذلك ألحقه الإمام الذهبي بالكبائر، كما في "الكبائر" (ص: 61، ط. دار الندوة).
ولم يختص تحريمُ الرِّبا بالشريعة الإسلامية، بل إنَّه مُحرَّمٌ في الشرائع كلها، ولم يُبَح في شريعةٍ قط، كما في "مغني المحتاج" للإمام الخطيب الشربيني (2/ 363، ط. دار الكتب العلمية)، و"البحر المحيط" للإمام أبي حيَّان الأندلسي (4/ 133، ط. دار الفكر).
وقد دلَّ على ذلك قول الله تعالى: ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: 161].
قال الإمام البَيضَاوي في "أنوار التنزيل" (2/ 109، ط. دار إحياء التراث العربي): [كان الرِّبَا محرَّمًا عليهم، كما هو مُحرَّمٌ علينا] اهـ.
وممَّا يحسُن التنبيه عليه: أنَّ شأن العاقل ألَّا يعمد إلى ما فيه هلاك ماله وذهاب بركته بالوقوع في الربا، ذلك أن باعث المُرابِي على أخذ الرِّبَا هو حرصه على زيادة ماله ونماء ثروته، وقد بيَّن الله تعالى أن الرِّبَا يمحق المال، فيذهب ببركته ويهلكه، وإن نمَا في الظاهر، قال الله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: 276].
قال الإمام فخر الدين الرَّازي في "مفاتيح الغيب" (7/ 80): [اعلم أنَّه تعالى لما بالغ في الزجر عن الرِّبَا، وكان قد بالغ في الآيات المتقدمة في الأمر بالصَّدَقات، ذكر هاهنا ما يجري مجرى الدعاء إلى ترك الصدقات وفعل الرِّبَا، وكشف عن فساده، وذلك لأنَّ الداعي إلى فعل الرِّبَا تحصيل المزيد في الخيرات، والصارف عن الصدقات الاحتراز عن نقصان الخير، فبيَّن تعالى أنَّ الرِّبَا وإن كان زيادة في الحال، إلَّا أنَّه نقصان في الحقيقة، وأنَّ الصدقة وإن كانت نقصانًا في الصورة، إلَّا أنها زيادة في المعنى، ولمَّا كان الأمر كذلك كان اللائق بالعاقل أن لا يلتفت إلى ما يقضي به الطَّبعُ والحِسُّ من الدواعي والصوارف، بل يعوِّل على ما ندبه الشرع إليه من الدواعي والصوارف] اهـ.
وقال الإمام أبو البركات النَّسَفي في "مدارك التنزيل" (1/ 225، ط. دار الكلم الطيب): [﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ يذهب ببركته، ويهلك المال الذي يدخل فيه] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيحرُمُ على الرجل المذكور أن يشترط على من يُقرِضه ردَّ مبلغٍ يزيدُ على ما يقرضه إيَّاه -قلَّت تلك الزيادة أو كثرت-، فذلك من الرِّبا المُحرَّم شرعًا، وإنما يأخذ مثل ما يُقرض فقط.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يسأل عن الحكم الشرعي للقروض التي تقدمها الدولة للشباب؛ بحيث تكون فرصة لعمل مشروعات إنتاجية، علمًا بأن عليها فائدة؟
ما حكم الشرع فيما يعرف بين الناس بـ"النقوط" الذي يُقدَّم عند حدوث مناسبة عند إنسان آخر، هل هو دَيْنٌ واجب الرد أو هديةٌ لا يجب رَدُّها؟
هل العمل في البنوك حرام؟ وما حكم الشرع في إيداع الأموال في البنوك وأخذ القروض البنكية؟ وهل التمويل من البنوك حلال أو حرام في هذا الوقت بالذات من أجل الحصول على شقة ضمن مشاريع الإسكان الحكومية؟
ما هي كيفية سداد الديون عند تغير قيمة العملة؛ حيث اقترض مني شخص مبلغًا من عشر سنوات، وبطريقة احتيالية سلب مني مبلغًا آخر كان بحوزته بمقتضى شراكة بيننا.
فهل يجوز لي المطالبة بالمبلغ المُقْتَرَض والمسلوب بما يعادل قيمته ذهبًا نظرًا لانخفاض قيمة العملة، والتعويض عن الأضرار المادية التي لحقت بي نتيجة أخذه نصيبي في الشركة خلال هذه المدة؟ّ
هل اللعن الوارد في حديث الربا يشمل الضامن للمقترض؟ فقد طَلَب زميلي مِن صديقٍ له مبلغًا مِن المال لمدة سنة، فاشترط عليه رَدَّه بزيادة، وأرادني أن أضمن له مبلغ القرض، فهل عليَّ إثم في ذلك وأكون داخلًا في اللعن في حديث الربا؟ أو لا حرج في كوني ضامنًا؟
ما حكم حرق البضاعة من أجل الحصول على المال؟ مثل شراء سلعة بالتقسيط وبيعها في نفس الوقت للحصول على سيولة مالية؟ حيث ظهر في هذه الأيام ما يسمّونه بـ"حرق البضائع" وهي طريقة بيع يلجأ إليها البعض للحصول على سيولة مالية، وصورته: أن يشتري من التاجر سلعة معينة بالتقسيط، ثم يبيعها لذات التاجر بسعر حالٍّ معجل، لكنه أقل؛ رغبة في توفير سيولة نقدية لقضاء بعض الحوائج الحياتية أو التجارية، فهل هذا جائز؟
وهل هذه المعاملة هي العِينَة التي ورد النهي عنها في السنة المشرفة؟
وهل يختلف الأمر لو كان المشتري للسلعة ثانيًا ليس هو بائعها الأول؟