01 يناير 2017 م

العفو

العفو


العفو من أخلاق الأنبياء، وهو دليل على كمال الإيمان وحسن الظن بالله تعالى، وهو يثمر محبة الله عز وجل ثم محبة الناس، وهو دليل على كمال النفس الإنسانية ويفتح الطريق لغير المسلمين للتعرف على الإسلام .

والعفو هو كف الضرر مع القدرة عليه، والفرق بينه وبين الصفح كما يقول الفيروز أبادي: أن الصفح أبلغ من العفو، فقد يعفو الإنسان ولا يصفح، وصفحت عنه: أوليته صفحةً جميلة. [بصائر ذوي التمييز (3/421)]. وقد أثنى الله عز وجل في القرآن الكريم على العافين عن الناس وبيَّن الحق جل وعلا درجتهم عند الله يوم القيامة، فقال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [آل عمران: 133 - 136].

وكان من أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم العفو حتى على من أساء الأدب معه، كما ورد عَنْ سيدنا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النبِي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِي غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِي فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبِي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ قَدْ أَثرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الردَاءِ مِنْ شِدةِ جَذْبَتِهِ، ثُم قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُم أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ". رواه البخاري.

إن عفو رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمل حتى من أراد قتله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقد ذكر سيدنا جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَ أَنهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَما قَفَلَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ وَتَفَرقَ الناسُ يَسْتَظِلونَ بِالشجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ يَدْعُونَا، وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِي، فَقَالَ: «إِن هَذَا اخْتَرَطَ عَلَي سَيْفِي، وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِني؟ فَقُلْتُ: اللهُ - ثَلاثًا -» وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ. رواه البخاري.

وكان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ: «اللهُم إِني أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللهُم أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللهُم اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَي وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي الْخَسْفَ. سنن ابن ماجه.

وفى كتب السنة المطهرة دعوة إلى العفو والصفح عن الناس وعن الأولاد والزوجة والخادم، فقد ورد عن عَبْد اللهِ بْن عُمَرَ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبِي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَمْ نَعْفُو عَنِ الْخَادمِ؟ فَصَمَتَ، ثُم أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ، فَصَمَتَ، فَلَما كَانَ فِي الثالِثَةِ، قَالَ: «اعْفُوا عَنْهُ فِي كُل يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرةً». رواه أبو داود.

العفو عند المقدرة من شيم الصالحين ومن شيم الرجال وهو دليل قوة وقرب من الله وليس ضعفًا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلهِ إِلا رَفَعَهُ اللهُ» رواه مسلم. هذه دعوة للعفو والتراحم والصفح عن الناس حتى يعم السلام على مجتمعنا، ويرضى عنا الله سبحانه ويعفو عنا.
 

قدَّمَ الإسلام نموذجًا فذًّا فريدًا في التعامل مع أتباع غيره من العقائد والديانات؛ فعلى خلاف غيره من بعض العقائد التي تنتشر بين كثيرٍ من البشر، والتي تنظر لغيرها نظرة صراعٍ، وإقصاءٍ، واستئصالٍ، نجد الإسلام يقدم وجهةَ نظرٍ مختلفة، تنطلق من الدعوة منهجًا، للاتفاق مع أتباع غيره على "كلمةٍ سواء" تؤكد على أدنى قدرٍ من الثوابت المهمة التي تجمع بين البشر، وفي الوقت ذاته أيضًا تقوم هذه الرابطة بتقليل فرص النزاع والشقاق.


التسامح من السمات الأخلاقية المهمة للإسلام، فقد حرَص الإسلام على توجيه أتباعه للتخلُّق بخلق التسامح، وحثهم على اللين والرفق والعفو، سواء فيما بين المسلمين أم مع غيرهم؛ قال تعالى عن أتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: 29]، وقال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۞ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء: 215-216]


لا يعيش المسلم في هذه الحياة من أجل أن يتمتع ويتلذذ في هذه الحياة وحسب، وإن كان من حقه أن يشعر بالمتع واللذات التي هي من متطلبات البشر وحاجاتهم في الدنيا، وأن يُري أثر نعم الله الدنيوية عليه، لكن ليس هذا هو الأساس الذي تقوم عليه حياته. يدرك المسلم أنه خلق في شدة وعناء يكابد أمر الدنيا ومسؤولياتها؛ ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد: 4]. حين يدرك المسلم هذا التصور لخلقه، ويؤمن بالجزاء والحساب، يترسخ لديه شعور بأنه في رحلة مؤقتة، وأنه لم يأتِ إلى هذه الدنيا من أجل الدَّعَةِ والراحة، وإنْ كان يمكن أن ينال قسطًا منها يُعينه على


الغيبة من الأمور التي يقع فيها كثير من الناس دون انتباه كبير لوقوعهم فيها، ومن ثَمَّ عدم إدراك لخطورة الجزاء الإلهي على هذا الإثم العظيم، فإذا كان الناس يهتمون بعدم ارتكاب ذنوب شديدة الوضوح كالقتل والزنا والسرقة.. وغيرها، فإنهم يتساهلون في الوقوع في الغيبة، وهي كبيرة من الكبائر.


من الطبيعي أن يثور الغضب بين الناس لتجاوزٍ وَقَعَ من أحدهم، أو لسوءِ فهمٍ وقع من آخر، أو لعدمِ ارتياحٍ نشأ عند التعامل... إلخ، وفي كثيرٍ من الأحيان يقع الخصام ويشتعل النزاع بين الناس بسبب هذا الغضب، وقد أرشدنا الله تعالى ونبيُّه سيدنا محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم إلى خُلُقٍ عظيم، يجدر بكلِّ مسلمٍ أن يتخلَّق به، ويمارسه في حياته، وهو خُلُقُ "الإصلاح بين الناس" حيث يسعى المرء إلى الإصلاح بين المتخاصمين، والغاضبين من إخوانهم، بإزالة سوء الفهم، والتخفيف من حدَّة الغضب، والنصح للمتجاوز في حقِّ غيره بالتَّراجُعِ عن هذا التَّجاوُز، وردِّ الحقوق لأصحابها أو العفوِ عنها من أصحابها... إلخ.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 17 سبتمبر 2025 م
الفجر
5 :13
الشروق
6 :40
الظهر
12 : 49
العصر
4:18
المغرب
6 : 58
العشاء
8 :15